وحدة الإحياءأعلام

علامة الهند أبو الأعلى المودودي مفسرا

توطئة.

المبحث الأول: أبو الأعلى المودودي: حياته ودعوته وعلمه.

المطلب الأول: أبو الأعلى المودودي: مجمل حياته.

المطلب الثاني: دعوة أبي الأعلى المودودي.

المطلب الثالث: اهتمام المودودي بتفسير القرآن.

المبحث الثاني: منهج الشيخ المودودي في التفسير.

المطلب الأول: المبادئ الأساس لفهم القرآن.

المطلب الثاني: مصادر المودودي في تفسيره “تفهيم القرآن”.

المطلب الثالث: موارد المودودي  في التفسير.

المطلب الرابع: التفسير الفقهي للقرآن من خلال “التفهيم”.

المطلب الخامس: التفسير العقدي عند المودودي.

المطلب السادس: نزعة الإصلاح الاجتماعي في “تفهيم القرآن”.

المبحث الثالث: مكانة “تفهيم القرآن” بين التفاسير المعاصرة.

المطلب الأول: أهم مميزات التفاسير المعاصرة وانعكاسها في “التفهيم”.

المطلب الثاني: الخصائص التي انفرد بها “تفهيم القرآن.

خاتمة الدراسة.

الهوامش والإحالات

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يظل فلا هادي له وأشهد ألا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله…

أما بعد:

كثرت التآليف والأبحاث التي اهتمت بدراسة مختلف التفاسير المعاصرة المشهورة في أيامنا بين أيدي طلبة العلم، لكن المسألة الجديرة بالملاحظة هي أن دراستنا عن كتب التفسير الحديث ظلت متوقفة عند المؤلفات المنشورة بالعربية، وكأن لغات المسلمين من العجم لم يؤلف فيها أهلها شيئا عن تفسير كتاب الله…

والذي يظهر أن اختلاف اللسان ظل حائلا دون معرفة الباحثين في العالم العربي بمختلف الدراسات القرآنية المؤلفة باللغات الشرقية التي يتكلم بهذا غير العرب، يشهد لذلك:

أولا: ما نالته مؤلفات أبي الطيب صديق خان القنوجي الهندي (ت 1307ﮪ)، من رواج في العالم العربي لأنه يكتب مؤلفاته باللغة العربية وبغيرها، ولا زالت كتبه تطبع بخاصة مؤلفيه في التفسير: “فتح البيان في مقاصد القرآن” في عشر مجلدات و “نيل المرام في تفسير آيات الأحكام” في مجلد واحد، وقد كان الكتابان موضوعا للبحث والدراسة عند المعاصرين.

ثانيا: كما يشهد لذلك عدم الإشارة إلى التفاسير المعاصرة المؤلفة باللغات الفارسية والتركية والأردية وغيرها في الدراسات القرآنية الحديثة التي يقتصر أصحابها على جرد المؤلفات التي بلغتهم، وقد لا يتكلفون عناء البحث عن بعض عناوين تفاسير العجم بأقصى الشرق للتعريف بها على الأقل.

ثالثا: ومما زاد غربة التفاسير المؤلفة باللغات الشرقية أن نظم التربية والتعليم بالعالم العربي تمكن المتعلمين من التواصل بمختلف اللغات الأوربية وبخاصة الانجليزية والفرنسية، مما جعلنا في العالم العربي نكاد نعرف كل ما كتب عن القرآن والتفسير بأقلام المستشرقين، في المقابل لا نكاد نلتفت لما كتب باللغات الشرقية في مختلف العلوم الإسلامية.

وإذا رجعنا إلى تفسير المودودي الموسوم “بتفهيم القرآن” الذي حرره في الأصل على شكل حلقات نشرت في مجلة “ترجمان القرآن” ما بين 1943- 1972م، ثم جمعت – من ترجمان القرآن الشهرية- في أجزاء بلغت في الأخير ست مجلدات…، هذا التفسير تأخرت ترجمته إلى العربية كثيرا فترجم منه أولا الجزء المتعلق بسورة النور عام 1378ﮪ، ترجمه بلاهور محمد عاصم الحداد.

ثم ترجم الجزء الأول منه ويشمل تفسير سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران عام 1397ﮪ بالقاهرة من قبل أحمد إدريس.

ثم ترجم تفسير سورة الأحزاب…

ولازال نقل “التفهيم” إلى العربية لم يتم رغم أنه نقل إلى الأنجليزية فور انتهاء المودودي من تأليفه، وترجم إلى اللغة التركية بين 1986- 1991.

وهذه الدراسة عن أبي الأعلى المودودي مفسرا “تسعى إلى دراسة منهجة في تفسير القرآن الكريم اعتمادا على ما نقل من كتابه إلى العربية، واعتمادا على بعض الدراسات التي اهتمت بأبي الأعلى وأصدرها بعض أساتذة اللغة الأردية في السنوات الماضية.

هذا وقد قسمت الكلام عن الموضوع إلى ثلاثة مباحث:

– الأول عن الشيخ المودودي حياته ودعوته وعلمه.

– الثاني عن منهجه في تفسير القرآن الكريم.

الثالث عن مكانة تفسيره بين كتب التفسير المعاصرة.

نسأل الله العون والتوفيق والسداد وأن يعلمنا ما ينفعنا في العاجلة والآجلة وأن يرشدنا إلى طريق الهدى والصواب…

المبحث الأول: أبو الأعلى المودودي: حياته ودعوته وعلمه

اشتهر المودودي في أول أمره بكونه واحدا من أبرز المسلمين الهنود المشتغلين بالصحافة، لكن قدر الله أن يعيش في فترة شبابه المبكر حدثين اثنين عملا على توجيه همته وجهوده لخدمة الدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية.

أما الحدث الأول: فهو مأساة إلغاء الخلافة العثمانية من قبل العلمانيين الأتراك المدعومين من طرف الانجليز عام 1924م.

والحدث الثاني: معاناة مسلمي الهند من الاضطهاد الهندوسي، فلما بدا في الأفق أن الاستعمار الانجليزي سيرحل عن البلاد، حرص زعماء الهندوس – قبل ذلك- على تأكيد الطابع الوثني للدولة المستقلة، ولجأت مختلف طوائفهم إلى حملات شرسة لاكراه المسلمين على تغيير دينهم قبل إعلان استقلال الهند – 1947م- بسنوات[1].

اعتبارا  لهذين الحدثين وجدنا المودودي يوظف حياته وفكره وقلمه من أجل إحياء الدعوة الإسلامية في بيئة يشكل المسلمون أقلية السكان، فلما أسفر استقلال شبه القارة الهندية عن تشكيل دولتين: الهند وباكستان بشقيها، استقر المودودي في باكستان الغربية حتى وفاته (1399ﮪ)[2].

المطلب الأول: أبو الأعلى المودودي: مجمل حياته

ولد المودودي في الثالث من رجب(1321ﮪ / 1903م)، بمدينة أورنج أباد مقاطعة حيدر أباد بالدكن جنوب الهند لأب امتهن حرفة المحاماة، وابتدأ دراسته بمسقط رأسه ثم التحق بعد ذلك بجامعة (ولاية) مدارس لإتمام دراسته، وكان تعليمه النظامي كله بالأردية، لكن هذا لم يمنعه من دراسة اللغة العربية التي كان يراها أداة التواصل مع أمهات كتب التراث الإسلامي التي ظلت تستهويه[3].

لكن حدث أن توفي أبوه، الشيء الذي جعله ينخرط في الحياة العملية ويوزع وقته بين عمله في الصحافة وبين التحصيل العلمي اعتمادا على إمكانياته الذاتية.

فأما عمله في الصحافة فقد ابتدأه محررا بأسبوعية “المدينة”، فلما صدرت يومية “تاج” كان مديرا لها، ثم عمل رئيس تحرير أسبوعية “مسلم” ثم رئيسا لجريدة “الجمعة” – نصف أسبوعية، ثم أشرف على المجلة الشهرية “ترجمان القرآن” التي صدرت في حيدر أباد عام 1932م، وظلت تصدر حتى وفاته 1979 ولا زالت، وقد أجبره الاشتغال بالصحافة على تعلم الانجليزية والإلمام بها…

فضلا عما سبق كانت بيئة الهند، ثم وجود الكثير من العلماء المسلمين في حيدر أباد الدكن دافعا بالمودودي إلى الاستزادة من التحصيل العلمي الشرعي فنظم وقته حتى يتسنى له استغلاله[4]، فانتظم “بدار العلوم” فدرس اللغة وأظهر اهتماما بأمهات كتب الفقه الحنفي المتداولة عند الهنود فدرسها، وأخذ من علوم السنة المشرفة التي كانت لها بالهند سوقا رائجة خاصة الصحاح والسنن وغيرها[5].

وإذا كانت حركة مساندة الخلافة الإسلامية التي ابتدأت في الهند 1919م، هي السبب المباشر الأول الذي دفع المودودي للانخراط في مجال العمل الدعوي الجماعي، فإن عملية إكراه المسلمين على الهندوسية التي انطلقت 1926م، هي العامل الرئيسي الذي جعل تفكير المودودي يتجاوز مقاطعة حيدر آباد الدكن، ليدعو إلى تأسيس حركة بعض إسلامي تشمل شبه القارة الهندية كلها وبخاصة أن ملايين المسلمين الهنود ظلوا مشتتين بين موالاة مختلف الأحزاب العلمانية التي ظهرت في الهند خلال هذه الفترة، فكان العمل الذي سمت إليه همة أبي الأعلى هو إيجاد إطار يوحد المسلمين الهنود ويدافع عن مصالحهم ويتبنى الدعوة إلى الإسلام في هذه البيئة المتضاربة العقائد، فلما نتج عن استقلال الهند ظهور دولتين إحداهما للمسلمين انتقل المودودي مع أكثر المسلمين إلى باكستان واستقر في القسم الغربي منها –آنذاك- وظل رائدا وعلما لحركة البعث الإسلامي بالهند حتى وفاته عام 1399ﮪ (23- 9- 1979م)[6].

المطلب الثاني: دعوة أبي الأعلى المودودي

حمل الشيخ المودودي هم إصلاح حال المسلمين الهنود في فترة مبكرة، وتطور تصوره لقضية الإصلاح تبعا لمستجدات الحياة السياسية في الهند قبيل الاستقلال، ففي أول دعوته للإصلاح اتخذ الصحافة المكتوبة للوصول إلى أهدافه، لكنه بعد سنتين من الدعوة العامة غير المنظمة انتهى إلى الاعتقاد بأن العمل الدعوي الإصلاحي لابد له من إطار يحتضنه فأسس “الجماعة الإسلامية” التي لازال لها حضور في الساحة الباكستانية إلى اليوم.

وحين نرجع إلى مرحلة اتخاذ المودودي الصحافة وسيلة للإصلاح وتبتدئ عام 1932م، نجد الشيخ يستعير في حيدر أباد مجلة “ترجمان القرآن” الشهرية، ويستفيد في إصدارها من تجربته في مجال الصحافة المكتوبة، وكانت “ترجمان القرآن” منبرا لتصحيح أخطاء الناس في فهم الإسلام، حيث واظب المودودي على نشر مختلف مقالاته في العقيدة وأصول الدين وفي نظم الإسلام في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، فكتب عن القومية وعن الدستور الإسلامي وعن الربا وعن مشكلات الحضارة الغربية وغير ذلك، لكن بعد سنين من العمل في التوجيه بواسطة الصحافة قرر تأسيس هيئة تتبنى العمل الإصلاحي.

ففي أبريل 1941م نشر المودودي إعلان تأسيس “الجماعة الإسلامية على صفحات مجلة “ترجمان القرآن”، وحدد ظروف صيف هذه السنة للقيام بإجراءات ميلاد هذه الجمعية في مدينة لاهور[7]، لكن ظروف الحرب العالمية جمدت نشاط الجمعية حتى 1945م حيث عقدت “الجماعة الإسلامية” مؤتمرها، وبعد تقسيم الهند 1947م وانتقلت الجماعة إلى دولة باكستان الحديثة حيث سيكون لها شأن في توجيه الأمور العامة كما سيكون لمؤسسها المودودي دور في إصلاح المجتمع الباكستاني، وستكون له مشاركة في مختلف الهيئات الإسلامية الدولية[8].

ونحن اليوم حين ندرس حياة المودودي الدعوية ومعها “الجماعة الإسلامية” التي أرادها أبو الأعلى أن تكون إطارا رسميا يحتضن العمل الإصلاحي ويوجهه، نجد أن هناك هدفين كبيرين ظلا يشكلان الغاية الأولى التي اتجه إلى تحقيقها العمل الإصلاحي الذي قاده المودودي وجماعته.

أول هذين الهدفين الدعوة الملحة لتطبيق الشريعة الإسلامية في مجمل أراضي باكستان – بشقيها- اعتبارا لكونها دولة أسسها المسلمون الهنود بجهادهم.

والهدف الثاني محاربة تيار التغريب ومجابهة الأيديولوجيات الوافدة التي صادف استقلال البلاد فترة رواجها.

وأدى التمسك بهذين الهدفين إلى أن يصبح المودودي والجماعة الإسلامية أعداءا للتيار القومي في الباكستان وللشيوعيين والعلمانيين و لمماليك اليسار الذين جمعهم “حزب الشعب”…، لكن المودودي إيمانا منه بالحق الذي يدعو إليه ظل يواجه هذا الطابور عن طريق العمل الإسلامي المنظم، وبواسطة الكتابة والنشر، حيث تربو مؤلفاته على الستين[9]، ولم يمت على فراش المرض حتى رأى جهوده قد وصلت إلى بعض ما يصبو إليه[10].

المطلب الثالث: اهتمام المودودي بتفسير القرآن

كان “تفهيم القرآن” ينشر في حلقات متواصلة في مجلة المودودي الشهرية “ترجمان القرآن”، واستغرق تحرير هذا التفسير قرابة ثلاثين سنة تخللتها الشهور التي قضاها أبو الأعلى في السجن أو المعتقل، ولم تكن عملية تحرير “تفيهم القرآن” منتظمة اعتبارا لظروف المؤلف من جهة وتبعا لحاجة دعوته الإصلاحية بشبه القارة الهندية من جهة ثانية.

فبالنسبة لأثر ظروف المؤلف الخاصة، فقد كان رحمه الله كثير التنقل وسط الهند ثم بين مختلف الولايات الباكستانية بعد الاستقلال، مما يجعل تفرغه للتأليف والتحرير صعبا، ثم هو فضلا عن ذلك تعرض للكثير من المحاكمات والاعتقادات التعسفية التي كان الغرض منها صرفه عن دعوته وإصلاحه…

فالجزء الأول من “تفهيم القرآن” أكمله المودودي في السجن بين 1949- 1950م، حيث اعتقل احتياطيا بسبب حملته لأجل تطبيق الشريعة، وظل اعتقاله يمدد بدون محاكمة حتى قضى فيه ثمانية عشر شهرا[11]، والجزء الثالث – أيضا- من “التفهيم” حرر بالسجن حين كان المودودي في حالة اعتقال احتياطي عام 1967م[12].

وفضلا عن هذه الظروف غير المستقرة كان لتطور الدعوة الإصلاحية التي قادها المودودي بالباكستان أثر في توجيه المؤلف، إذ حرص المودودي على أن يواكب تفسيره مستجدات “الجماعة الإسلامية” وحاجات عموم المسلمين، فإذا أخذنا بعين الاعتبار كون التفسير إنما هو موجه بالدرجة الأولى إلى الناطقين بالأدرية الذين يتعذر عليهم التعامل مع بقية التفاسير العلمية لجهلهم باللسان، فإن الغاية من تأليف “تفهيم القرآن”، هي بيان أحكام القرآن وهديه لعامة هؤلاء العجم الذين لم يكن بوسعهم الحصول على تفسير معاصر بلغتهم، ولو لم تكن هذه الغاية ماثلة أمام المودودي لصرف همته للتأليف باللغة العربية مباشرة.

ومراعاة لأحوال هؤلاء العجم ولظروف الدعوة الإصلاحية كان المودودي حريصا على أن ينشر تفسيره مقسما إلى حلقات شهرية تقريبا، ثم اتخذ لذلك وسيلة الصحافة المكتوبة ثم هو- أيضا- لم يلتزم بالترتيب التوقيفي لسور القرآن إلا بعد جمع “التفهيم” في ست مجلدات عندما اكتمل صدوره في “ترجمان القرآن”.

وكان تقسيم التفسير إلى حلقات شهرية – على مدى ثلاثين سنة – يساعد على استيعاب معاني القرآن وأحكامه بخاصة لعموم الناطقين بالأردية الذين يعجزون عن التعامل مع كتب التفسير…

أما بالنسبة لاتخاذ الصحافة وسيلة لنشر “التفهيم” فهذا الأسلوب مما يساير قدرات العامة والخاصة من الناس، وقد كان “التفسير الإذاعي” – كما يصطلح عليه – أداة فعالة لنشر هدي القرآن على أوسع مدى، اعتبارا لكون المجلة الشهرية في متناول الغالبية من القراء وليس عملية تتبع وقراءة حلقات التفسير فقد كانت الصحافة وسيلة مثلى للتعريف بالقرآن وبيان أحكامه وبخاصة حين لا تتوفر للمصلحين إمكانية الاستفادة من الصحافة المسموعة والمرئية.

أما بخصوص عدم التزام المودودي بالترتيب التوفيقي للسور، فقد فرضته عليه حاجيات الدعوة وتطورها وما كان يهفو إليه من رغبة صادقة في إصلاح مجتمعه، فكتابة حلقات هذا التفسير ونشرها في “ترجمان القرآن” ابتدأ عام 1943م، ولم يكمل المودودي كما سبق الجزء الأول –من الفاتحة إلى آل عمران- إلا في سنة 1950م، والجزء الثالث- من ستة أجزاء- عام 1967م، في حين أن تفسير سورة النور في الجزئين الخامس والثلاثين والسادس والثلاثين طبع معربا عام 1378ﮪ- 1959م، وسورة النور كما نعلم تتضمن العديد من الأحكام المتصلة بتشريعات الإسلام في الأسرة والمجتمع، فقدم المودودي حلقات تفسيرها اعتبارا لذلك كما تدل عليه المقدمة التي ابتدأ بها تفسير السورة.

والذي يبدو أن المودودي كان ينشر حلقات تفسيره مجزأة حسب حاجة دعوته وكلما اكتمل جزء من الأجزاء عمد إلى نشره مفردا حتى أنهى ” التفهيم” كله عام 1972م[13].

المبحث الثاني: منهج الشيخ المودودي في تفسير القرآن

كما ألفت في العصر الراهن الكثير من التفاسير باللغة العربية، ظهرت إلى الوجود أيضا تفاسير معاصرة بشتى اللغات الشرقية الرئيسية:

فمن التفاسير المؤلفة بالأردية تفسير “أبي الكلام أزاد” من أعيان المسلمين بدولة الهند، وقد ترجم هذا التفسير إلى الإنجليزية، وتفسير “محمد شفيع” مفتي باكستان الذي توفي في عقد السبعينات…، لكن يبقى تفسير المودودي أهم هذه التفاسير وأكثرها رواجا وترجمة إلى مختلف اللغات.

ومن التفاسير المؤلفة بالتركية بعد إلغاء الحروف العربية تفسير “محمد حمدي يازير”، وتفسير الشيخ جلال ييلدريم”، وتفسير الشيخ: عمر نصوحي بيلمان”[14] وغيرها.

أما التفاسير المعاصرة المؤلفة بالفارسية فهي كثيرة جدا…

لقد كان ظهور “تفهيم القران” في عصر اشتد فيه الطلب على كتب التفسير بين المسلمين من العرب والعجم، وصادف ذلك الطلب وجود طائفة من العلماء القادرين على ترجمة هدي القرآن إلى لغات أقوامهم، وقد جاء المودودي في موكب هؤلاء العلماء، لكن يبقى منهجه متفردا بمجموعة من المميزات والخصائص التي ترجع أولا لشخصيته العلمية ولتجربته الدعوية الإصلاحية، وتصوره للمنهج الأمثل لفهم القرآن.

المطلب الأول: المبادئ الأساسية لفهم القرآن الكريم

درج المودودي على طريقة القدامى في التوطئة للتفسير بمقدمة علمية لما يمكن أن نعتبره المنهج الأمثل في تفسير القرآن الكريم، وقد طبعت هذه المقدمة مع الجزء الأول كما نشرت مترجمة في رسالة مستقلة بعنوان “مبادئ أساسية لفهم القرآن”[15].

والقارئ لهذه المقدمة يجدها مجموعة مباحث عن موضوع القرآن وطبيعته وغايته الهدائية، كما يجد فيها القارئ جملة من الآداب الواجب توفرها في مفسر القرآن والباحث في علومه، وبكلام مجمل كانت مقدمة “تفهيم القرآن” محاولة من المودودي للكتابة عن “المنهج الأمثل للتفسير” و “قد أوضح فيها طريقته في التفسير وهي – فضلا عن ذلك- مفتاح أساسي لاستيعاب التفهيم”[16].

ومن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها فهم القرآن وتفسيره عند أبي الأعلى هي:

أولا: فهم أسلوب الخطاب في القرآن، فهو ليس كتابا أدبيا بالمعنى المحض الذي استقر في أذهان القراء الذين لم يعرفوه أو يعهدوه، وقد حاول الكثير من الجاهلين به أن يعتبروه تراثا أدبيا فلما استعصى عليهم ذلك اشتغلوا بإثارة مختلف الشبهات حوله… وقال المودودي: “ينبغي على القارئ- قبل أن يبدأ دراسته للقرآن- أن يضع في ذهنه حقيقة هامة في أن هذا الكتاب فريد في أصله وفصله، مختلف تمام الاختلاف عما اعتاد أن يقرأه من كتب… ومن ثم فالدارس الغريب عن القرآن تغشاه الحيرة عند تناوله للمرة الأولى… ونتيجة لهذا يثير خصوم القرآن اعتراضات غريبة حوله، ويتبنى أتباعه المحدثون تفاسير مستغربة في محاولة تفادي شكوك المعارضين…”[17].

ثانيا: فهم طبيعة القرآن وأصله، وأنه كتاب “هداية إلهية”، فقد أرسل محمد، صلى الله عليه وسلم، على فترة من الرسل وجعلت دعوته عامة لجميع البشر ثم جمع المؤمنون به في أمة واحدة كتابها القرآن “الذي يحوي هذه الدعوة ويضم الهداية الإلهية بين جنبيه”[18]، فأصل القرآن ومصدره هو الله، وطبيعته أنه كتاب هداية…

ثالثا: فهم موضوع القرآن وهدفه، أما موضوعه فهو الإنسان المستخلف في الأرض، ويعرض القرآن لأحوال هذا الإنسان سواء كان من المفلحين أو من الخاسرين… أما هدف القرآن فهو دعوة الإنسان إلى طريق الهداية والفلاح وترهيبه وإبعاده عن سبيل الضلال والخسران…

قال المودودي: “فالمباحث والموضوعات التي يعالجها – من أوله إلى آخره- تتصل ببحثه الأساسي، وهدفه اتصال لآلئ العقد الواحد ببعضها رغم تباين ألوانها وأحجامها، إذ يضع القرآن أمامه هدفا بعينه لا يتغير سواء حين يتحدث عن قصة خلق السماوات والأرض والإنسان، أو حين  يشير إلى ظواهر الكون، أو يأتي بحوادث من واقع التاريخ البشري، ولما كان هدفه هداية الإنسان لا تعليمه علوم الطبيعة أو التاريخ أو الفلسفة، أو تلقينه أي فن أو علم من الفنون والعلوم، تراه لا يولي هذه الموضوعات اهتماما، والأمر الوحيد الذي يعطيه كبير اهتمام هو إجلاء الحقيقة وتبيينها لمحو أغلاط الفهم والتصور عنها، وإقرارها وتثبيتها في الألباب”[19].

وفي آخر مقدمة “تفهيم القرآن” يعرض أبو الأعلى المودودي لجملة من آداب تفسير القرآن الكريم ولطائفة من المعوقات التي تحول دون تفهم هذا الكتاب.

  1. فأول الآداب الواجبة على المفسر وأحقها بالرعاية تحرره من سائر تصوراته المسبقة ودراسته دراسة موضوعية غير متأثرة برأي أو بهوى أو نزوة… قال المودودي: “والشرط الأساسي لفهم القرآن أن يتناوله الدارس بعقل متفتح مستقل غير متحيز إليه أو عليه، سواء كان المرء يؤمن به كتابا منزلا من الله أم لا، فعليه أن يحرر ذهنه بأقصى ما يمكنه، ويبعد عنه التحيز ويتخلص من كافة الآراء التي كونها واكتسبها مسبقا، ثم يقرأه بالرغبة المجردة في فهمه، أما الذين يدرسونه في ضوء مفاهيمهم الشخصية المسبقة فلن يجدوا فيه غير أفكارهم فحسب…”[20].
  2. ويأتي في الدرجة الثانية – بعد تجرد المفسر من تصوراته المسبقة- حرصه على الدراسة التفصيلية لمختلف موضوعات القرآن، فلكي يقف على أي تصور قرأني أو أي حكم شرعي يلزمه تتبعه في جميع آي القرآن، ثم استحضار مختلف النصوص المتعلقة به وجمع بعضها إلى بعض، فيدرس الموضوع دراسة تفصيلية تستوعب كل ما ورد بشأنه دون الوقوف على بعض الآيات فحسب[21].
  3. بعد هذا كله يأتي أهم ما يتطلبه فهم رسالة القرآن وهو التطبيق العملي لهديه في الحياة الإنسانية وواقعها، فلا يمكن فهم القرآن نظريا فقط… ذلك أن التجربة أثبتت أنه لا يصل إلى تحقيق المعرفة والعلم بعقيدة القرآن وفقهه إلا من طبق رسالته في حياته.

قال المودودي: “…هكذا يتضح أن الإنسان ليس في مقدوره أن يدرك بسهولة الحقائق المتضمنة في القرآن بمجرد تلاوة ألفاظه، ولكي يفهم المرء هذا الكتاب لابد أن يشارك بنصيب فعال في الصراع بين الإيمان والكفر بين الإسلام وغير الإسلام بين الحق والباطل، فالإنسان يستطيع أن يفهم القرآن فقط متى تبنى رسالته، ودعا العالم لقبولها، وتحرك في كل شيء وفق هدايته…”[22].

المطلب الثاني: مصادر المودودي في تفسيره

قبل الحديث عن هذه المصادر لابد من الإشارة إلى أن الأجزاء الأولى من التفهيم كانت بسيطة مختصرة، فلا نكاد نجد المودودي يحيل على مصادر متنوعة، لكن الأجزاء الأخرى جاءت مستقصية لمختلف المصادر المعتمدة في التفسير عنده، فالمودودي درج على خلاف نهج المتقدمين الذين كانوا يتوسعون في تتبع تفسير السور الطوال والمئين حتى إذا وقفوا على المفصل اختصروا التفسير وأحالوا على ما قدموا خشية الوقوع في التكرار… وقد وصف دارسو فكر المودودي صنيعه هذا بالقول: ” وقد غرق المودودي في بحر التفسير رويدا رويدا، فقد نزل من الشاطئ وأخذ يغوص في أعماقه، ويتقدم فيه خطوة بعد خطوة، ففي الأجزاء الأولى، كانت الحواشي مختصرة، والحديث مجملا، وكان الشرح بسيطا يتناسب مع فهم عامة الناس، ومع تطور الدعوة، وتطور الحركة الإسلامية وتطور التفهيم أيضا”[23].

وقد برز أثر هذه الخاصية بجلاء من خلال تعامل المودودي مع مختلف المصادر النقلية والعقلية لتفسير القرآن، فكان الاختصار الشديد والاكتفاء بصياغة المعنى الظاهر ديدنه في تفسير أول القرآن، وكلما تقدم ازداد توسعه ورجوعه إلى شتى المصادر المتصلة بموضوعه.

ويمكننا اعتمادا على التتبع أن نقسم مصادره التي رجع إليها في التفسير إلى قسمين: مصادر نقلية وهي أساسا مرويات الحديث والسيرة ثم أخبار أهل الكتاب عن التوراة والإنجيل، ومصادر عقلية راجعة إلى اللغة وإن كان رجوعه إليها قليلا.

أ. المصادر النقلية للتفسير عن المودودي: وتشمل مختلف الآثار صحيحة أو غير صحيحة مما يسوقه أبو الأعلى للاعتضاد، فالملاحظ أن المودودي أكثر من الأخذ عن كتب اليهود والنصارى في سياق كلامه عن أخبارهم بخاصة حين كان يفسر سورة البقرة، ومن ثم فالكلام عن مصادره النقلية في “التفهيم” يستوجب تقسيمها إلى قسمين: مصادر رئيسية وأخرى تكميلية.

أولا: المصادر النقلية الرئيسية تشمل عنده:

  1. تفسير القرآن بالسنة: وهو كثير في “تفهيم القرآن”، والذي يبدو أن المودودي جعل “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير (ت 774ﮪ)، عمدته في أخذ أحاديث التفسير، حتى إن الدارس يمكنه معرفة أسانيد الروايات ومصادر تخريجها بالمقارنة بين تفسير المودودي وتفسير نفس الآية عند ابن كثير…

والطريقة التي درج عليها أبو الأعلى في الاستشهاد للتفسير بالحديث أنه ينقل الحديث بمتنه دون سنده[24]، وإذا تعددت الأحاديث فإنه يجمل المعنى بأسلوبه ويحيل القارئ الراغب في الاستزادة على المصادر والمظان[25]، وغالبا رجوع المودودي لأحاديث التفسير إما لبيان سبب نزول آية لتحديد معنى لفظ أو متعلقه[26].

  1. تفسير القرآن اعتمادا على أحداث عصر البعثة حيث يرجع المودودي لمرويات السيرة النبوية لفهم الآية أو لمعرفة سياقها، فحين يعرض التفسير للآيات المتصلة بالمغازي كان المودودي يستطرد في البيان اعتمادا على أحاديث السيرة[27]، وحين يتعلق الأمر بالآيات التي جادل فيها القرآن أهل الكتاب كان أبو الأعلى يأتي بأخبار خيانتهم للرسول، صلى الله عليه وسلم، ونكثهم عهودهم معه[28]، على أن اعتماد الشيخ على السيرة لا يقتصر على سرد الروايات بل يتعدى ذلك إلى البحث فيها عن دلائل النبوة وإيضاح مختلف ما وصف به عليه السلام في القرآن[29].
  2. تفسير القرآن رواية عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وهو قليل في “التفهيم” بسبب حرص المؤلف على الاختصار الشديد وترجيحه صياغة المعنى بأسلوبه عوض تتبع مختلف الآثار.

هذا ولا نكاد نجد المودودي يرجع إلى هذه الروايات إلا فيما يعرض لآيات الأحكام الشرعية العملية، من ذلك ما نقله في تفسير الآية: 227 من البقرة (وإن عزموا الطلاق…) بخصوص أحكام الإيلاء حيث قال: “بناء علي قضى به سيدنا عثمان وسيدنا عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وآخرون، رضي الله عنهم أجمعين، يستطيع الزوجان الرجوع بعد الانفصال خلال الأشهر الأربعة فحسب، ويعد انقضاء هذه المدة دليلا في ذاته على أن الزوج قد عزم الطلاق… وقد قضى بهذا سيدنا عمر وعلي وابن عباس وابن عمر رضوان الله عليهم… وعلى عكس ذلك ترى السيدة عائشة وسيدنا أبو الدرداء رضي الله عنهما وكثير من فقهاء المدينة رفع الأمر إلى القضاء… كي يأمر القاضي الزوج بإعادة الشمل أو الطلاق…”[30].

  1. ومن النادر أن نصادف المودودي يتكلم في نقد أحاديث التفسير أو يتعرض للترجيح بين الروايات وهذا مما يرجع لطبيعة تفسيره وللغاية التي لأجلها حرره ونشر حلقاته أول بأول[31].

المصادر النقلية التكميلية عند المودودي في تفسيره

فقد أكثر رحمه الله من الرجوع إلى أخبار اليهود والنصارى عند تفسيره لما ورد بشأنهم في سورتي البقرة وآل عمران… وبالنظر إلى مجمل ما أورده من ذلك في “التفهيم” نجد بأنه يلجأ لهذه الأخبار:

  • إما لأجل بيان بعض ما أبهم في القرآن.
  • أو للاستطراد في بعض أخبار اليهود وردت مجملة في القرآن.
  • أو التوسع فيما قصه القرآن عن النصارى.
  • أو للمقارنة بين القصص القرآني وأخبار أهل الكتاب.

فمن كلامه عن مبهم القرآن اعتمادا على أخبار أهل الكتاب ما ذكره في تفسير الآية 58 من سورة البقرة ﴿وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية…﴾ الآية، قال المودودي: “لم تحدد هذه القرية ولا موقعها… فهناك احتمال كبير أن تكون هذه القرية واحدة من قرى هذه المنطقة آنذاك، كما أن هناك احتمال أن تكون هي قرية (شطيم) على الضفة الغربية لنهر الأردن…” وكان معتمد المودودي في كلامه ما تضمنه “سفر العدد” كما أثبت ذلك[32].

وفي تفسير الآية 39 من سورة آل عمران: ﴿…أن الله يبشرك بيحيى﴾، قال أبو الأعلى: “اسمه في الإنجيل يوحنا المعمدان”[33]

أما استطراد المودودي في أخبار اليهود التي وردت مجملة في القرآن فكثير جدا، خاصة في تفسيره لسورة البقرة، حيث وجدناه ينقل الكثير من أخبارهم عن التوراة، فعند كلامه عن الآية: 51 من سورة البقرة: ﴿ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون﴾، قال المودودي: “وواقع عبادتهم العجل مذكورة بتفصيل أكثر في سفر الخروج…”[34]، وفي الآية: 57 من سورة البقرة: ﴿وأنزلنا عليهم المن والسلوى﴾ شرح الآية وأحال القارئ قائلا: “لمزيد من التفاصيل ارجع إلى سفر الخروج… وسفر العدد… وسفر يشوع…”[35]، وفي كلامه عن الآية: 61 من سورة البقرة: ﴿ويقتلون النبيئين بغير الحق﴾ قال: “إن تاريخ بني إسرائيل يزخر بأمثلة وفيرة من قتلهم أنبياءهم نورد في هذا المقام بعضا منها من واقع التوراة ذاتها…”[36]، وفي تفسير الآية 63 من سورة البقرة: ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور﴾ قال المودودي: “هذه الواقعة مسطورة في التلمود إذ يقول…”[37].

أما تفسيره ما ورد في القرآن من أخبار النصارى اعتمادا على الأناجيل فأكثره ورد ضمن تفسير سورة آل عمران، ففي الآية: 35 من هذه السورة: ﴿إذ قالت امرأة عمران…﴾ تكلم أبو الأعلى عن هذه المرأة ومما ذكره ما جاء بشأنها في إنجيل لوقا[38]، وفي الآية: 39 من نفس السورة ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب…﴾ قال المودودي: “اسمه في الإنجيل يوحنا المعمدان…”[39]، وفي الآية: 50 ﴿ومصدقا لما بين يدي من التوراة﴾ قال أبو الأعلى: “…وهذا القول واضح في الأناجيل الحالية تمام الوضوح بالنسبة لسيدنا عيسى عليه السلام، وأنه جاء بنفس الدين الذي جاء به موسى عليه السلام والأنبياء الآخرون، فتراه في انجيل متى يعظ الناس فوق الجبل…”[40].

وقد يكون رجوع المودودي إلى تراث أهل الكتاب لغاية المقارنة بين القصص القرآني وما تضمنه الإنجيل والتوراة المزعومين ففي تفسير الآية: 39 من سورة البقرة تكلم أبو الأعلى عن قصة الخلق الأول للإنسان، ومما قاله: “…والأفضل مطالعة قصة الخلق كما وردت في العهد القديم في سفر التكوين… ومقارنتها بما يرويه القرآن، ومما لاشك فيه أن المقارنة بين الروايتين تسفر عن القطع بأن القرآن بقي سليما في نقائه وشكله الأصلي… وأن الكتاب المقدس قد امتدت إليه الأيدي وتلاعبت بنصوصه الأقلام…”[41].

فضلا عن تراث أهل الكتاب نجد المودودي يعتمد في التفسير على مختلف الأخبار المتداولة في كتب التاريخ العام كحديثه عن قصة إبراهيم الخليل، صلى الله عليه وسلم، وعن رحلاته من العراق إلى سوريا وفلسطين والأردن ومصر والجزيرة العربية[42]، وكحديثه عن قصة أبرهة الحبشي وما حدث له عندما سعى لتدمير الكعبة[43].

هذا بإجمال ما يمكن قوله عن المصادر النقلية للتفسير عند أبي الأعلى المودودي وسيلاحظ القارئ كيف كانت هذه المصادر متنوعة بغض النظر عما يمكن أن يقال بخصوص رجوع المودودي لتراث أهل الكتاب[44].

ب. المصادر العقلية للتفسير عند المودودي: وهذه المصادر تشمل أمرين اثنين: أولهما ما دل عليه مطلق اللغة العربية.

وثانيهما: ما اهتدى إليه أبو الأعلى عن طريق رحلاته إلى مختلف المناطق التي ورد ذكرها في القرآن ودراسته لطبيعة هذه المناطق جغرافيا.

أولا: فبالنسبة لتفسيره للقرآن اعتمادا على مطلق اللغة، فقد ظهر بجلاء في تتبعه لغريب مفردات القرآن وتحقيق معانيها حتى يتيسر له نقل ذلك إلى الأردية، كما ظهر اهتمامه باللغة ضمن كلامه عن الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم وعن الاشباه والنظائر فيه.

فمن تتبعه للغريب -وهو كثير[45]– قوله في تفسير أول الفاتحة: “كلمة (رب) في اللغة العربية تطلق على السيد والمالك والرئيس والكفيل والمربي والحارس والرقيب والحاكم، والعاهل والمدير والمنشئ والمؤسس، والله وحده (رب العالمين)، بكل هذه المعاني جملة وتفصيلا”[46]، وفي تفسير الآية: 161 من سورة البقرة: ﴿إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار…﴾ قال المودودي: “الكفر في اللغة العربية الإخفاء والجحود، ثم ما لبثت الكلمة أن استخدمت للتعبير عن إخفاء الحق وجحوده، ثم بعد ذلك للدلالة على رفضه كنقيض للإيمان به…”[47].

وفي تفسير الآية 73 من سورة آل عمران: ﴿…قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾، قال المودودي: ” لفظ (واسع) المستخدم هنا يردده القرآن في ثلاثة أحوال: حين يأتي الحديث عن ضيق تفكير وبصيرة فريق من الناس… وحين يذم القرآن البخل والبخلاء فيورده ليقول لهم إن الله كريم جواد… وحين ينسب الناس إلى الله أي نوع من التقييد والحصر والتحديد بسبب غباء عقولهم وظلمة تفكيرهم، فيقول لهم القرآن: إن الله واسع لا يحده حد”[48].

ثانيا: أما فيما يتعلق باستفادة المودودي من رحلاته إلى المناطق المذكورة في القرآن، واعتماده في التفسير على دراسة جغرافية هذه الأماكن، فهو مما لن يخفى على القارئ تفسيره حيث يصادفه أحيانا يضع الخرائط المبسطة والموضحة لما ذكر في القرآن[49].

ففي سنة 1959م، ابتدأ رحلته لزيارة المعالم المذكورة في القرآن حتى إذا كتب عن شيء يكون قد عاينه قبل أن يكتب عنه، فزار السعودية والأردن والقدس ومصر ثم رجع إلا لاهور استعدادا لرحلة ثانية[50].

والمتتبع لتفسيره يلاحظ كيف أن الشيخ كان يحرص على وصف مختلف المناطق الواردة في الآيات بعد أن شاهدها هو على الطبيعة وسافر إلى أكثرها، وكان ديدنه أن يصل إلى المكان ويدقق فيه ويرى ما به من آثار، ثم يرسم لنفسه خريطة لجغرافية المنطقة، وقد أثبت هذه الخرائط في “تفهيم القرآن”[51].

هذا وقد كان لرحلات المودودي كبير أثر في توجيه تفسيره، حيث نصادفه يحرص على ضبط وتحديد مختلف ما وردت الإشارة إليه في القرآن من مناطق.

ففي تفسير الآية: 51 من سورة البقرة: ﴿وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة…﴾ قال أبو الأعلى: “حين دخل بنو إسرائيل سيناء… نادى الله موسى عند جبل الطور أربعين ليلة كي يعطيه الشرائع والتعاليم… وينبغي التنويه إلى أن (الطور) المشار إليه في القرآن ليس هو ميناء الطور الجديد الذي يقع على الساحل الشرقي لخليج السويس”[52].

وفي تفسير الآية 60 من سورة البقرة ﴿وإذ استسقى موسى لقومه، فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا﴾، قال أبو الأعلى: “لا يزال هذا الحجر موجودا إلى الآن قرب جبل سيناء ويمكن رؤيته وفيه الفتحات الاثنتا عشرة…”[53].

المطلب الثالث: موارد المودودي في “التفهيم”

وتشمل هذه الموارد الكثير من كتب التفسير وكتب السنة النبوية، لكن من الملاحظ أن المودودي حين كان يكتفي بتحرير مجمل المعنى ـ في مستهل تفسيره ـ لم يهتم كثيرا بالإشارة إلى موارده، بخاصة أنه كان يكتب لمجلة “ترجمان القرآن”، إذ المعروف أن دروس “التفسير الاذاعي” لاعتمادها على وسائل الإعلام ومخاطبتها للعامة لا تولي عناية لمسألة ضبط مصادر العلم.

لكن تقدم المودودي في حلقات التفسير ثم توجهه بعد مدة لجمع ما نشره في الصحافة وإعداده للطبع في كتب ثم أجزاء، هذا بالإضافة إلى تطوره الفكري وتطور دعوته، كل ذلك جعل المودودي في الحلقات المتتابعة من “تفهيم القرآن” يزداد توسعا ولا يتوقف عند الكلام عن مجمل المعنى، كما صار ينبه إلى أمهات الكتب التي اعتمدها، ولهذا وجدنا إحالاته في هوامش التفسير تزداد كلما تقدم فيه.

ففي تفسير الفاتحة لا نجد المودودي يحيل على أي كتاب من أمهات كتب العلوم الشرعية، وفي تفسير سورة البقرة لم يحل إلا مرة واحدة على بعض كتب السنة[54]، وفي تفسير سورة آل عمران مثل ذلك[55]، هذا مع الإشارة إلى أن تفسير هذه السور حافل بأحداث وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وآثار التفسير التي جمعتها أمهات التفاسير القديمة.

خلافا لذلك نجده في “تفسير سورة النور” يعزز كلامه بالإحالة على العديد من أمهات كتب التفسير والحديث والسيرة مما هو متداول في البيئة العلمية التي عاش فيها، والذي يبدو ـ والله أعلم ـ أن الشيخ المودودي لما ابتدأ في نشر حلقات تفسيره عام 1943م، كان يكتبها وينشرها في المجلة إسهاما منه في جهود الدعوة الإسلامية بالهند، ولم يفكر في إعداد تفسير كامل للقرآن أو في إمكانية طبعه في أجزاء.

فلما تقدم به العمل ورأى حاجة المسلمين في الهند لتفسير معاصر للقرآن خاصة أن الحلقات التي يكتبها في مجلة “ترجمان القرآن” ليست في متناول الجميع لتفرقها بين أعداد المجلة، عندئذ فكر وقرر العمل على جمع تفسير شامل للقرآن يتداوله الناس مع مراعاة ما يقتضيه التأليف في علم التفسير من توثيق علمي تستغني عنه الحلقات المنشورة في المجلة، ولعل هذا ما يوضح لنا الفرق الظاهر بين السور الأولى التي فسرها ونشرها ابتداء من عام 1943م في “ترجمان القرآن” ضمن حلقات، وبين غيرها من السور التي تأخر تفسيرها ونشرها حتى السنوات اللاحقة بعد استقرار الشيخ المودودي بدولة باكستان…

وبهذا الخصوص إذا نظرنا إلى الأجزاء المعربة من التفسير ـ كما سبق وصفها ـ فإنها بالرغم من خلو الجزء الأول من “التفهيم” من الإشارة إلى موارد أبي الأعلى من أمهات مصادر العلم لكننا ـ خلافا لذلك ـ نجده في الجزء المخصص لتفسير سورة النور يذكر هذه الكتب، وأحيانا يحدد موارده بالجزء والصفحة…

والكتب الذي ذكر أنه اعتمد عليها أو أحال القارئ عليها تشمل:

  • طائفة من أمهات التفاسير التي كانت مطبوعة ومتداولة في بيئته.
  • أهم كتب السنة النبوية المشرفة.
  • بعض أمهات كتب السيرة.
  • عدد من كتب التاريخ والتراجم.
  • بعض كتب شروح الحديث النبوي.
  • هذا فضلا عن بعض كتب الملل والنحل وبعض المؤلفات الإنجليزية.

أولا: موارد المودودي من كتب التفسير، فقد اعتمد أبو الأعلى على عدد من التفاسير المتنوعة منها ما هو تفسير بالمأثور ومنها ما هو تفسير بالرأي ومنها كذلك تفاسير فقهية، وأهم هذه الكتب:

1.تفسير “جامع البيان” لأبي جعفر بن جرير الطبري (ت 310ﮪ)[56].

2.”أحكام القرآن” لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (ت 370ﮪ)، وقد كان لأبي الأعلى اهتمام خاص بهذا التفسير[57].

3.”أحكام القرآن” لأبي بكر بن العربي المعافري ت 543ﮪ[58].

4.”تفسير القرآن العظيم” للحافظ ابن كثير الدمشقي ت 774ﮪ[59].

5.”مفاتيح الغيب” لفجر الدين محمد بن عمر الرازي ت 606ﮪ[60].

6.”الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل” لأبي القاسم محمود الزمخشري (ت 538 ﮪ)[61].

فهؤلاء هم المفسرون الذين أشار إليهم المودودي في ثنايا “تفهيم القرآن”، ويجب التنبيه إلى أنه قد يكون اعتمد على تفاسير غيرهم، بخاصة إذا علمنا أنه تعمد في الغالب عدم ذكر موارد تفسيره بالتحديد مكتفيا بالقول: “إن كثيرا من الروايات التي ساقها المحدثون والمفسرون…”[62]، أو قوله: ” قال بعض المفسرين…”[63]، أو قوله: “من المفسرين من قال…”[64]، أو قوله: “…في كتب التفسير مفهوم هذه الآية…”[65]، أو عبارة ما قال المفسرون والفقهاء من السلف…”[66]، أو القول: “وقد اختلف المفسرون…”[67]، أو “…قال جمهور المفسرين…”[68]، وهذه العبارات ومثلها مما نصادفه في “تفهيم القرآن” ترشدنا إلى خاصية من خصائص منهج المودودي في التفسير، وهي أنه يعمد إلى مختلف أمهات كتب العلم فيقرأ ما تضمنته، ثم يعيد هو صياغة التفسير بأسلوبه الخاص في الأردية، ولا يشير إلى كتاب بعينه إلا إذا انفرد ذلك التفسير بمزية عن غيره فيذكرها منسوبة إليه.

 ثانيا: موارد المودودي من أمهات كتب الحديث النبوي، وقد حرص الشيخ على ربط التفسير بالحديث، وأولى لذلك عناية خاصة حين يتعلق الأمر بتفسير آيات الأحكام، فنجده في تفسيره:

  1. الأحاديث المخرجة في السنن الأربعة[69].
  2. أحاديث الشيخان[70].
  3. ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده[71].
  4. أحاديث الموطأ[72].
  5. ما أخرجه الدارمي في السنن[73].
  6. أحاديث سنن البيهقي والدارقطني[74].

حيث يعمد أبو الأعلى في “التفهيم” إلى الاحتجاج بالحديث معزوا لمصادره، ونادرا ما يحرص على تخريجه، وإذا كان الحديث مشهورا اكتفى المودودي  بقوله: ” نجد في كتب الحديث…”[75].

ثالثا: موارد المودودي من كتب السيرة النبوية المشرفة، وأغلب رجوعه إلى هذه الكتب: حين يعرض للسياق العام لنزول سورة أو آية، أو حين يقع الاختلاف بين الرواة في نزول آية أو سورة[76]، أو حين يعرض للمغازي التي ذكرت في القرآن، وأخيرا حين يتعلق التفسير بآية أو بمقطع من القرآن موضوعهما يتصل بحياة وشخص النبي، صلى الله عليه وسلم[77]. وكان رجوع المودودي أساسا إلى الكتب التالية: 1. “زاد المعاد في هدي خير العباد” لأبي بكر بن قيم الجوزية (ت 751ﮪ)[78]، وهذا الكتاب مما يحتفل به أبو الأعلى في تفسيره.

  1. “سيرة النبي صلى الله عليه وسلم” لأبي محمد عبد الملك بن هشام (ت 218ﮪ)[79].
  2. “الطبقات الكبرى” لمحمد بن سعد (ت 230ﮪ)[80].

وقد ذكر المودودي “سيرة ابن إسحاق” (ت 151ﮪ)[81]، لكن لا يظهر أنه رجع إليها[82]، كما أحال على “جوامع السيرة” لأبي محمد علي بن حزم (ت 456ﮪ)[83].

رابعا: موارده من كتب التاريخ والتراجم، مادة هذه الكتب كانت مكملة لما أخذه المودودي عن كتب السيرة السابق ذكرها، وأكثر رجوعه إلى مصنفات التراجم والتاريخ حين يتوسع في الكلام عن صحابي نزل بشأنه قرآن، وتشمل هذه الكتب في “التفهيم”:

  1. “الاستيعاب في معرفة الأصحاب “لابن عبد البر النمري القرطبي (ت 463ﮪ)[84].
  2. “الإصابة في تمييز الصحابة” لابن حجر العسقلاني (ت 852ﮪ)[85].
  3. “الإمامة والسياسة”، نسبه المودودي لأبي محمد بن قتيبة (ت 276ﮪ)[86]، وهو مطبوع كذلك، لكن هذه النسبة المشهورة باطلة، وليس لابن قتيبة -رحمه الله- صلة بالكتاب[87].
  4. تهذيب تاريخ دمشق “لابن عساكر الدمشقي (ت 571)[88].

خامسا: موارد المودودي من كتب شروح الحديث النبوي، اعتمدها في شرح مختلف أحاديث الأحكام التي احتج بها، وقد أحال المودودي على كتابين من كتب شروح الحديث:

  1. “نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار” لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1240ﮪ)[89].
  2. “فتح الباري شرح جامع الإمام البخاري” لابن حجر العسقلاني (ت 852ﮪ)[90].

سادسا: كتب الملل والنحل وبعض المؤلفين الإنجليز، وكان يرجع إليها في مختلف المقارنات بين التشريع الإسلامي وغيره من شرائع الناس، وكان غرضه بيان سمو الفقه الإسلامي وكمال أحكام الإسلام، فاعتمد في مقارناته على كتابات الهندوسي “ماني”[91]، وفي مجال تفسير التوراة على بالمر وَرودويل” ” RODWELL” “PALMER”[92].

المطلب الرابع: التفسير الفقهي من خلال “تفهيم القرآن”

إن المتتبع لتفسير أبي الأعلى سيلاحظ أن اهتمامه بأحكام القرآن ارتبط بتطور دعوته في شبه القارة الهندية، فالسور الأولى التي ابتدأ بها عمله جاء وقوفه على أحكامها وفقهها سريعا يجمل المعنى بأوجز عبارة وأبسطها، في المقابل كانت السور التي فسرها بعد استقراره في باكستان المستقلة- حيث صار لدعوته إطار كامل ـ حافلة بمباحث الخلاف الفقهي ومباحث الاستدلال والترجيح بين مختلف الآراء الفقهية.

ثم إن موقف المودودي من المذهبية الفقهية لم يكن مختلفا في شيء عن مواقف عامة علماء أهل السنة المعاصرين الذين اعتبروا اختلاف الأئمة اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وإن كنا نلاحظ على المودودي إكثاره من تعقب مختلف الأقوال المتعلقة بأئمة الحنفية المتقدمين…

ولبيان منهج المودودي في تتبعه لآيات الأحكام سيعرض هذا المطلب:

  • لموقف أبي الأعلى من المذهبية الفقهية.
  • استفادته من الخلاف العالي (الفقه المقارن) في تفسيره.
  • طريقته في استخراج الفروع ثم ترتيبها.

أولا: المذهبية الفقهية في تصور أبي الأعلى المودودي: عرض لهذا الموضوع في مبحث خاص عن “الدين والشريعة” ضمن كتاب “مبادئ الإسلام”، ومجمل رأيه يقوم على أمرين: أن الأفضل للعامة اختيار مذهب فقهي محدد يقلدونه في الفروع، وأن الأفضل لأولي العلم الرجوع إلى المصادر وعدم الاتكال على كتب النوازل والفروع فحسب[93]

قال: “…ولكن من الظاهر أنه لا يمكن أن يتبع الإنسان في أمر من أموره إلا مذهبا واحدا من هذه المذاهب الأربعة، فالذي عليه أكثر علماء المسلمين، أن المسلمين ينبغي لهم أن يتبعوا أحد هذه المذاهب…، غير أن هناك جماعة من العلماء يقولون بأن لا حاجة إلى اتباع مذهب فقهي بعينه، بل يجب على من أوتي العلم أن يستنبط الأحكام من القرآن والسنة بأنفسهم، فعليهم أن يتبعوا كل من يرونه على الحق ويطمئنون إلى علمه وصدقه وتقواه من علماء المسلمين، فيعرف هؤلاء… بأهل الحديث، وهم على الحق مثل الطوائف الأربعة المذكورة”[94].

وقد يقع أن يصادف الدارس كثرة رجوع المودودي في تفسيره لآراء الحنفية ملتزما بمذهبهم، لكن الدراسة المتأنية تظهر عكس ذلك، وسبب إكثار أبي الأعلى من آراء مذهب أبي حنيفة هو اعتماده بالأساس على “أحكام القرآن” للجصاص، هذا دون الكلام عن رواج مذهب أبي حنيفة عند مسلمي الباكستان وما جاورها…

ثانيا: استفادة المودودي من الخلاف العالي في تفسيره: وقد ظهر ذلك على الخصوص في تفسيره لسورة النور، وكان معتمد أبي الأعلى في قضايا الخلاف تفسير الجصاص بالدرجة الأولى، كما هو واضح من خلال المقارنة بين كلام المودودي وما تضمنه كتاب الأحكام من آراء الأئمة المجتهدين وتلاميذتهم.

ومما يدل على مكانة كتب الجصاص عند المودودي أننا نجده غالبا يتوقف في مسائل الخلاف عند آراء المذاهب الثلاثة: الأحناف والمالكية والشافعية، وتلك إحدى الخصائص التي طبعت كتاب الجصاص الذي ألف لنصرة مذهب أبي حنيفة وإبطال غيره من المذاهب في بيئة أبي بكر الجصاص خلال القرن الرابع الهجري.

ونظرا للأهمية التي أولاها المودودي “لأحكام القرآن” للجصاص، فقد وجدناه يرجح بعض المسائل التي خالف فيها الأحناف جمهور أئمة الأمصار ويجتهد في عرض وجهة نظرهم والحرص على الاستدلال عليها…

ففي كلام المودودي عن دلالة الاستثناء في آية القذف من سورة النور[95] رجح ما انفرد به أبو حنيفة من أن توبة القاذف لا تشمل إلا رفع صفة التفسيق عنه، وأنه وإن تاب ظلت شهادته غير مقبولة ما تبقى من حياته، مؤولا حادثة أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ التي احتج بها الجمهور بما لا يتفق مع سياقها[96].

وفي كلام المودودي عن أحكام اللعان عرض للنكول عنه، ومما قال: “إذا نكلت المرأة عن اللعان بعد لعان الرجل تحبس عند الحنفية حتى تلاعن أو تعترف بزناها، وعلى العكس من ذلك يرى الأئمة المذكورين أنها ترجم وحجتهم في هذا أن القرآن يقول: ﴿ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات﴾ [النور: 8]، فهي إذ لا تشهد يجب عليها العذاب، إلا أن حجتهم هذه فيها الضعف من جهة أن القرآن لا يعين في هذه الآية نوعا من العذاب، وإنما يذكر (العذاب) مطلقا…”[97]…ولعله مما يؤيد مذهب الجمهور في المسألة حديث ملاعنة هلال بن أمية في كتب السنة[98]، ثم إن ما تعلق به الأحناف من عدم تحديد نوع العذاب في الآية إنما استوجبته جزالة الأسلوب القرآني كما لا يخفى والله أعلم[99].

ثالثا: طريقة المودودي في استخراج الأحكام وترتيبها: درج المفسرون الذين ألفوا في التفسير الفقهي على طريقتين، الأولى طريقة المسائل حيث يتتبع المفسر الأحكام، ويخصص لكل منها مسألة يجمع فيها استدلالاته على الحكم، الطريقة الثانية تعتمد التبويب الفقهي لأحكام القرآن[100].

وحين نرجع إلى طريقة المودودي في تفسير آيات الأحكام نجده يجمع بين طريقتي المتقدمين، فحين يتعلق التفسير بآية لا يستنبط منها إلا حكما أو حكمين كان أبو الأعلى يجمع الكلام فيها على طريقة أصحاب التبويب الفقهي، وعند تفسير آية تعددت أحكامها كان يختار طريقة المسائل فنجده يرتب مختلف الأحكام من الأعم إلى الأخص ويعرض لكل حكم بمفرده مع إعطاء المسائل أرقاما متسلسلة[101].

رابعا: الفقه المقارن بالقانون الوضعي في تفسير المودودي: وهذا جانب لا يمكن لدارس إهماله في تراث أبي الأعلى، فحين كتب عن الاقتصاد سعى لأجل المقارنة بين الفقه الاقتصادي (أحكام الأموال في الإسلام) ومختلف التيارات المعروفة في الاقتصاد الغربي[102]، وحين كتب عن المرأة في الإسلام قارن موقف الإسلام وأحكامه بخصوص موضوعها بالتصورات التغريبية عن المرأة[103]، وحين ألف في الدستور الإسلامي (نظام الحكم) قارنه بالديموقراطية الغربية[104]… وهو في كل تلك المقارنات يسعى لبيان سمو التشريع الإسلامي وكماله وصلاحيته للإنسان والمجتمع في العصر الراهن الذي لا زال يعاني من مختلف تحديات التغريب…

وقد ظهر أثر هذه النزعة المقارنة فيما كتبه المودودي عن أحكام القرآن، حيث وجدناه يقارن الفقه الإسلامي بمختلف القوانين والتشريعات التي اتخذها الناس، وقد تجمع هذه المقارنة بين القوانين الوضعية وأحكام التوراة عند أهل الكتاب، بخاصة حين يكون حكم القرآن في المسألة موضوعا يثير شبهات المرجفين[105]، فيعمد المودودي إلى هذه المقارنة لبيان الحكم الصحيح، ولحث المسلمين على الرجوع إلى حكم القرآن الذي نبذوه وراء ظهورهم واتخذوا مختلف القوانين الوضعية بديلا عنه[106].

المطلب الخامس: التفسير العقدي عند المودودي

الاتجاه العقدي في تفسير القرآن يهتم بقضايا أصول الدين من تقرير لمسائل العقيدة الإسلامية والاستدلال عليها، فيتتبع المفسر مختلف الآيات المتصلة بموضوعه في القرآن ثم يفسرها وقد استخرج مختلف ما يستنبط منها.

وقد برز اهتمام المودودي بالتفسير العقدي للقرآن من خلال وقوفه على الآيات التي تأمر الناس بالتزام أحكام الله وتشريعه، كما اشتهر عن المودودي رحمه الله تأكيده في مختلف كتبه على أن عقيدة التوحيد لا يمكن أن تنفصل عن الإقرار لله تعالى بالحاكمية الكاملة، فلا يمكن أن نتصور توحيدا بدون خضوع للأحكام الإلهية، كما لا يمكن أن نتصور مسلما بدون إقرار والتزام بحاكمية الله، والحاكمية بهذا المعنى تعني وجوب الامتثال لشرع الله في كل قضية لها صلة بالحياة البشرية، وفي هذا الموضوع قال المودودي: “الإسلام في الحقيقة عبارة عن الحركة التي تريد بناء صرح الإنسانية بأسره على حاكمية الله الواحد الأحد، وهذه الحركة جارية على سنة واحدة منذ أقدم عصور التاريخ، وقادتها هم صفوة رجال للإنسانية الملقبون برسل الله، فإن أردنا القيام بهذه الحركة والعمل على تسييرها فلا بد لنا من اتباع هؤلاء…”[107]، وقال أيضا: “إنه لا يستحق التشريع للحياة الإنسانية إلا الله، وإذا كان من دعوانا أن الحاكمية إنما هي حق لله وحده، فلا يجوز لأحد سواه – كائنا كان – أن ينفذ حكمه في أرض الله بدون طاعته والتزامه بأحكامه وقيامه عند حدوده…”[108].

انطلاقا من هذا التصور الذي ربط فيه المودودي، رحمه الله، بين الإقرار بالتوحيد والالتزام بحاكمية الله الكاملة وجدنا أبا الأعلى يحرص في تفسيره على أن يبين للناس أن الالتزام بأحكام القرآن هو أهم مظاهر عبادة الله وتوحيده…

ففي تفسير قوله تعالى: ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ [البقرة: 256]، قال: “…والمراد بالطاغوت في اصطلاح القرآن العبد الذي يتجاوز حدود عبوديته، ويزعم لنفسه السيادة والألوهية والحكم ويجعل عباد الله عبادا له…”[109].

وفي تفسير مطلع سورة النور ﴿سورة أنزلناها وفرضناها﴾ قال المودودي: “…إن ما تحتوي عليه هذه السورة من الآداب والأحكام في الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود ليست بمثابة التوصيات حتى تكونوا بخيار من الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بها حسب مرضاتكم، بل إنها أحكام قاطعة لابد لكم أن تتبعوها وتكيفوا شؤون حياتكم الفردية والاجتماعية على حسبها، إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر…”[110].

هذا وقد حرص المودودي على بسط قضية الحاكمية عند كل آية دعت إلى تحكيم شرع الله، ولعل أهم ميزة اصطبغ بها تفسيره العقدي هي ربطه دوما بين الإيمان والاعتقاد وبين الخضوع والامتثال للشريعة سواء تعلق الأمر بمجال العبادات أو بمجال المعاملات أو تعلق بنظم الحياة وبهدي الإسلام في الاجتماع والاقتصاد والسياسة.

المطلب السادس: نزعة الإصلاح الاجتماعي في “تفهيم القرآن”

نظر المودودي إلى القرآن على أنه كتاب هداية، وأن الله أنزله “لكي يزيل ما عليه الناس من خطإ وسوء فهم… ويقرر في أذهانهم الحقيقة الواقعية”[111]، وكما اهتم أبو الأعلى في تفسيره بأحكام القرآن الاعتقادية والعملية اهتم أيضا بمنهج القرآن الخاص في الإصلاح الاجتماعي.

وبما أن دعوة القرآن توجهت إلى تصحيح عقيدة الناس وتغيير سلوكياتهم المنحرفة وعباداتهم الباطلة…، فقد اتجه المودودي في تفسيره إلى تحكيم هدي القرآن الكريم في مجمل ما اتصل بحياة المسلمين خلال العصر الراهن، فجعل كتاب الله حكما على عقيدة وسلوكيات المنتسبين إلى الإسلام اليوم.

تبعا لذلك كان تفسيره يهدف إلى تقريب معاني القرآن من جهة، كما كان دعوة إلى تغيير ما انحرف من عقيدة وسلوكيات المسلمين عن هدي القرآن من جهة ثانية…

اعتبارا لذلك فإن نزعة الإصلاح التي عرف بها المودودي رحمه الله كانت دعوة للتغيير الاجتماعي أساسها أحكام القرآن التي ظل أبو الأعلى مجاهدا ضد دعاة تعطيلها كما تشهد على ذلك مختلف كتبه.

وحين نرجع إلى “تفهيم القرآن” نجد أن فهم وتصور المودودي لمسألة الإصلاح كان شاملا لجميع ما انحرف من حياة الناس عن هدي القرآن…

أولا: فقد دعا إلى تصحيح عقيدة المسلمين، ورأى أن أقبح ما طرأ عليها أمران:

– الأول ظاهرة التوسل والتقرب إلى غير الله، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون﴾ [البقرة: 254] قال: “المقصود بالكافرين هنا: إما أولئك الذين يرفضون طاعة أوامر الله…، وإما أولئك الحمقى الذين يحسبون علاقتهم بشيخ أو ولي أو وساطته ستنجيهم في الآخرة…”[112].

وفي تفسير ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾ [البقرة: 255] قال المودودي: “…هذا يستأصل ظن الجاهلين أن المشايخ والقديسين والملائكة ومن إليهم سيتوسطون لهم عند الله… فلا رسول ولا ملك ولا قديس ولا شيخ سوف يتجاسر ويلفظ بحرف واحد دون إذن من حاكم وسلطان الكون”[113]

– الأمر الثاني الذي طرأ على عقيدة المسلمين هو تحكيم غير شرع الله، قال المودودي في تفسير: ﴿وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق ياتوا إليه مدعنين﴾ [النور: 48- 49]، “… والذي تدل عليه هذه الآية والآية التي قبلها أن حكم القاضي بين الناس – وكذلك مطالبة الناس إياه بالحكم بينهم- بالشريعة الإسلامية من عين ما يوجبه الإيمان على المسلمين، فمن أظهر الرضا والطاعة لحكم الشريعة إذا كان موافقا لما يريد، ورفضه إذا كان مخالفا لهواه، وآثر على الشريعة القوانين الأخرى الرائجة في العالم، فليس بمؤمن بل هو منافق…، وهو وإن كان يؤمن بجزء من أجزاء الشريعة بهذا السلوك العجيب، فإن إيمانه لا قيمة له أصلا عند الله تعالى”[114]

ثانيا: كما اهتم المودودي في تفسيره بإصلاح سلوك الناس، وبحكم ما رآه من حرص الناس على حصر أحكام الإسلام في جانب العبادات فحسب[115] اتجه أبو الأعلى في “تفهيم القرآن” إلى إظهار وتبيين هدي القرآن وأحكامه في المجال الاجتماعي ثم مناقضة سلوك الناس لهذه الأحكام الشرعية…

ففي تفسير قوله تعالى: ﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ [البقرة: 229] انتقد المودودي بدعة طلاق الثلاث مرة واحدة: “…أما بالنسبة للجهلاء الذين يطلقون الثلاث مرات دفعة واحدة، فهم يرتكبون خطيئة فاحشة وإثما مبينا في حق شريعة الله…”[116]، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿…إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾ [النور: 32] قال أبو الأعلى: “…معناه أنه لا ينبغي أن يكون الفقر عائقا في وجوه الناس على الإقدام على الزواج ولا أن يكونوا عبيد الحساب في هذا الأمر…”[117]،  وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ يمحق الله الربا ويربي الصدقات ﴾ [البقرة: 276] قال المودودي: “ما أصدق هذا وأصوبه من الزوايا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والروحية، فمع أن الربا يغني في ظاهره والصدقة تدقع وتفقر فالعكس يصدق تماما، فالربا في شريعة الله عائق بطبيعته أمام التقدم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والروحي، أما الصدقة- بما فيها الاقتراض بغير فائدة – فيدفع إلى النماء والتقدم…”[118]، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة، واتقوا  الله لعلكم تفلحون﴾ [آل عمران: 130]، قال المودودي: “المجتمع الذي يوجد فيه الربا تتفشى فيه بسببه قسمان من الأمراض الأخلاقية: الحرص والطمع والبخل والأثرة في نفوس المرابين، والنفرة والألم والبغض والحسد في نفوس من يدفعون الفائدة للمرابين…،  فالله سبحانه وتعالى يقول للمسلمين: إن الصفات الأخلاقية التي تنشأ في كلا الفريقين من المتعاملين بالربا تناقض ما يربيه الانفاق في سبيل الله من الأخلاق والشمائل الأخرى التي على عكسها تماما، وفضل الله وجنته لمن حصلت فيه الثانية لا الأولى…”[119].

المبحث الثالث: مكانة “تفهيم القرآن” بين التفاسير المعاصرة

لإبراز قيمة تفسير أبي الأعلى المودودي قد يكون من الأنسب النظر إليه ضمن مجمل التراث التفسيري الذي أبدعه علماء المسلمين خلال القرن الرابع عشر للهجرة، ومما لاشك فيه أن هناك أشياء وافق فيها المودودي جمهور المفسرين المعاصرين، لكن هناك في المقابل مجموعة من الخصائص انفرد بها “تفهيم القرآن” دون غيره من تفاسير القرن الرابع عشر…

المطلب الأول: أهم مميزات التفاسير المعاصرة وانعكاسها في “التفهيم”

إن الدارس لتطور تفسير القرآن الكريم خلال القرن الهجري – المنصرم ـ سيلاحظ أن مجمل التراث الذي خلفه المفسرون المعاصرون قد اصطبغ بمجموعة من المميزات على مستوى المنهج والمضمون، وتظهر هذه المميزات بجلاء إذا قارنا تفاسير المعاصرين بالمؤلفات المتقدمة في العلم… وأهم هذه المميزات تتصل:

  • بطريقة المعاصرين في التعامل مع آثار التفسير.
  • وبمنهجهم في استقراء وتتبع أحكام القرآن.
  • وبأسلوبهم في التعبير عن المعنى وصياغة دلالة الآيات.
  • وأخيرا بمدى ارتباط المفسر المعاصر بالواقع الذي يعيش فيه.

أولا: مميزات تعامل المعاصرين مع الآثار: فأغلب المعاصرين الذين كتبوا وألفوا في تفسير القرآن الكريم نظروا إلى هذه الآثار نظرة فاحصة ميزت بين المقبول والمردود من الروايات، وكان موقف هؤلاء من آثار التفسير يقوم على:

  1. الاعتماد على صحيح المنقول: وقد يسر انتشار المطبعة ـ في هذا القرن مراجعة مختلف المصادر التي جمعت أحاديث التفسير…
  2. تجنب الأخبار الواهية، ولعل أهم أسباب تراجع رواج هذه الأخبار في العصر الراهن: انتشار تدريس العلوم الإسلامية بخاصة في مؤسسات التعليم العالي، وشدة الطلب على أمهات الكتب المحققة علميا، هذا فضلا عن إسهام دور النشر والطباعة ومؤسسات البحث العلمي في توفير الكثير من المصنفات القديمة التي تتبعت علل الآثار.
  3. تلافي عرض اختلاف الروايات عن السلف: فقد حرص بعض متقدمي المفسرين على جمع مختلف الأقوال المنسوبة للسلف دون تمحيص أو نظر في صحتها رغم ما قد يبدو من تناقضها…، لكن أغلب المعاصرين تجنبوا هذه الروايات والآثار واعتمدوا على ما تناقلته كتب الحديث أولا والمصادر الموثقة من أمهات كتب التفسير ثانيا[120].

وقد ظهر أثر هذه المميزات الثلاث في “تفهيم القرآن” كما سبقت الإشارة إليه عند الحديث عن “مصادر المودودي في تفسيره، حيث كان المؤلف رحمه الله يحرص على الرجوع إلى مصادر العلم ويوثق مآخذه، وغن كانت هناك ملاحظة عليه في هذا الجانب فهي إكثاره ـ أحيانا ـ من الرجوع إلى التوراة والأناجيل في مقارناته بين ما جاء به القرآن وما هو متداول  عند أهل الكتاب.

ثانيا: مميزات منهج المعاصرين في تتبع أحكام القرآن: وتدور كلها حول أمور ثلاثة رئيسية ظلت قاسما مشتركا بين المفسرين المعاصرين حين يتعاملون مع فقه القرآن، وتتمثل في:

  1. البعد عن التعصب أو عن المذهبية بمفهومها الضيق: حيث وجدنا المفسرين يظهرون اهتماما متفاوتا بالفقه المقارن الذي يقوم فيه الاختيار والترجيح على أساس الاستدلال لا على مجرد الالتزام المذهبي.
  2. حسن فهم الخلاف بين الأئمة: واعتبار اختلافهم اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، مع إرجاع ذلك الاختلاف إلى أسبابه حتى يسهل فهمه، وإذ أدرك المفسرون المعاصرون أن اختلاف الأئمة الأعلام هو خلاف رفيع نزهوا أنفسهم عن التعصب الفقهي…
  3. اجتناب مباحث التعارض والترجيح: وهي كثيرة في كتب المتقدمين وتفسيرهم الفقهي، وسبب احتراز المفسرين المعاصرين من الاشتغال بهذه المباحث ربما يرجع إلى رغبتهم في توسيع دائرة تداول كتبهم بين متوسطي الثقافة الإسلامية، وطلاب العلم الشرعي…[121].

وبالرجوع إلى تفهيم القرآن” نرى أن المودودي أحسن تمثل هذه القواسم الثلاثة بخاصة أنه كان يكتب التفسير بالأردية للمسلمين الهنود الذين كان يعنيهم بالدرجة الأولى معرفة هدي القرآن فحسب، لذلك اجتهد أبو الأعلى من أجل تحرير تفسيره بأسلوب مبسط يبين الأحكام من غير توسع في قضايا الخلاف العالي.

ثالثا: مميزات طريقة المعاصرين في التعبير عن معاني القرآن وصياغة دلالة الآيات: وهي منبثقة عن إدراك علمي لحاجات العصر حيث انتشر مستوى معين من التعليم يرفع عن عامة الناس صفة الأمية لكن لا يؤهلهم للتعامل الجيد مع التراث العلمي للمتقدمين رحمهم الله.

ومن تم تميزت طريقة المفسرين المعاصرين في التعبير عن معاني الآيات:

  1. بالاختصار، إذ الحاجة في إيصال المعنى بأقصر عبارة حتى وجدت في عصرنا بعض التفاسير التي لا يتعدى حجمها حجم القرآن مرتين أو ثلاث، وإذا أضفنا لذلك أن “تفهيم القرآن” نشر أولا على شكل حلقات في مجلة وكانت الغاية منه إيصال معاني القرآن لمن يراجع الكتب ومن لا يقرأ إلا الصحف من عامة الناس علمنا ما كان يتطلبه التفسير الإذاعي ـ المعتمد على الصحافة ـ من اختصار وبعد عن الاستطراد في الشرح أو الإسهاب في التحليل.
  2. ومن مميزات طريقة المعاصرين التزام الأسلوب البسيط الواضح الذي يستوعبه العامة، ذلك أن الكتابة العلمية الدقيقة كانت تدفع المتقدمين من المفسرين إلى الحرص على الأسلوب البياني الدقيق، وكثيرا ما كانت مؤلفاتهم تستعصي على مدارك المبتدئين من طلبة العلم الشرعي، لكن التفاسير المعاصرة نأت عن أسالب القدامى خاصة وقد تراجعت الملكات اللغوية عند المسلمين في العصر الراهن بسبب ضعف اهتمامهم باللسان العربي وكذا بمزاحمة مختلف اللغات الأخرى للغة القرآن.
  3. ومن هذه المميزات أيضا تجنب المصطلحات العلمية الدقيقة المعروفة في العلوم الإسلامية: فالذي يرجع إلى تفاسير المتقدمين يجدها حافلة بمختلف المصطلحات المتصلة بعلوم القرآن والسنة، ومصطلحات أصول الفقه وغير ذلك مما لا يفهمه إلا المختص في الدراسات والعلوم الإسلامية… وطالما أن ذلك ليس في مكنة عامة القراء من المسلمين، فقد حرص أغلب المفسرين المعاصرين على تجنب تلك المصطلحات العلمية، وهذه المسألة فرضت نفسها بإلحاح على المودودي بخاصة لأنه يتوجه إلى غير الناطقين بالعربية.

رابعا: أثر الواقع الفكري في تفاسير المعاصرين: من أهم مميزات التفاسير المعاصرة ارتباطها بالواقع المعيش فكريا واجتماعيا، ذلك أن تفسير القرآن ما هو إلا بحث مستمر في أحكام الإسلام المتصلة بشتى مستجدات الحياة الاجتماعية للمسلمين.

وقد ظهر أثر ارتباط التفاسير المعاصرة بالواقع المعيش من خلال اهتمام مؤلفيها بالرد على مختلف الشبهات التي تثار ضد الإسلام، ومعالجتهم لشتى التحديات التي تواجه المسلمين، وأخيرا تنقيبهم في أحكام مختلف النوازل المعاصرة.

  1. فبالنسبة للرد على الشبهات فقد اتجه المفسرون المعاصرون إلى فضح مختلف أراجيف المظلين الذين لم يروا في هدي القرآن وأحكامه إلا مجموعة من الآصار والأغلال التي تهدف إلى تقييد المسلم في تصوراته وسلوكياته[122].
  2. فبالنسبة للتحديات فقد وجدنا هؤلاء المرجفين يركزون الجهد من أجل البرهنة على أن أحكام القرآن في العبادات والمعاملات ونظم الحياة يستحيل تطبيقها في عصرنا الراهن، فاتجهت همة المفسرين إلى بيان أصل هذه الدعوى، وأنها نابعة من قلوب أشربت الكفر بشريعة ربها…[123].
  3. أما بالنسبة للبحث في فقه النوازل فالدارس لتفاسير المعاصرين يجدهم يسيرون على نهج المتقدمين في تتبع مختلف المستجدات التي تطرأ على الحياة العامة، مع البحث عن أحكامها في الفقه والتشريع…[124]

ولم يكن “تفهيم القرآن في معزل عن تأثير هذا الواقع، بل قد لا يجانب الإنسان الحقيقة إذا قال بأن تفسير المودودي ما هو إلا نتيجة من نتائج هذا الواقع نفسه بسلبياته المنعكسة في تصورات المسلمين وأنماط حياتهم العامة والخاصة. فقد أراد أبو الأعلى من تفسيره:

  • أن يعيد بعث أمة الإسلام ودعوته.
  • وأن يواجه تيار التغريب في الهند والعالم الإسلامي.
  • ويبين هدي القرآن في كل قضية لها صلة بالحياة البشرية.
  • ويكون منارا يهتدي به الدعاة إلى الحق في هذا الزمن…

المطلب الثاني: الخصائص التي انفرد بها “تفهيم القرآن”

وهذه الخصائص نابعة ـ بالأساس ـ من تكوين أبي الأعلى المعرفي، وأيضا من تصوره للعمل الإسلامي في هذا العصر، وأخيرا من تجاربه الخاصة في عالم الإيمان، فرغم تعدد التفاسير المعاصرة لا نكاد نجد من المفسرين من حرص على الوقوف على مختلف المناطق المذكورة في القرآن، كما أننا أيضا لا نقف على تفسير واجه ظاهرة التغريب بمثل الوسائل التي تغزو بها المسلمين، كما نصادف ذلك في “تفهيم القرآن”…

الخاصية الأولى التي انفرد بها “تفهيم القرآن” الوصف الطبيعي لمختلف الأماكن المذكورة في القرآن، فقد سافر المودودي إلى جل هذه الأماكن “ليشاهد على الطبيعة المناطق التي جاء بها ذكرها… يصل إلى المكان فيدقق فيه ويحقق، ويرى ما به من آثار ثم يرسم لنفسه خريطة لجغرافية المنطقة… وقد كان الأستاذ المودودي يعاني في سبيل الوصول ببحثه إلى حد الكمال، فكان يرى المكان ويحقق الأسماء القديمة والجديدة”[125].

الخاصية الثانية للتفهيم مواجهته لظاهرة التغريب مواجهة عملية، ولعل المطلع على تراث المودودي عامة يصادف آثار الثقافة الأجنبية في كتاباته وكثرة الإعلام والمصطلحات الغربية في هذه الكتابات، ففي كلامه عن عقوبات الحدود استطرد في الحديث عن القانون الوضعي وكيف أنه لم يحل دون ازدياد الجرائم في الغرب[126]، وحين عرض لموضوع الحجاب الشرعي لم ينس الالتفات إلى أدوات التجميل الحديثة[127]، وحين تكلم عن سبل معرفة الله استطرد موضحا أن أعمى البصيرة لا يصل لتلك المعرفة ولو كانت له دراية بشتى العلوم الحديثة[128]

الخاصية الثالثة لتفسير المودودي هي أنه تفسير إذاعي نشر أولا في الصحافة المكتوبة “مجلة القرآن” ثم جمع بعد ذلك، وقد وجدت خلال العصر الراهن تفاسير إذاعية أعدت للأعلام المسموع أو المرئي نشرها أصحابها بعد إكمالها، كما أن سيد قطب (ت 1966ﮪ) -رحمه الله- كان قد ابتدأ تفسيره “في ظلال القرآن” على شكل حلقات شهرية نشرت في مجلة “المسلمون” لكن محنته حالت دون إتمام ذلك حتى صدر الكتاب مطبوعا… لكن “التفهيم” يبقى هو التفسير الوحيد – فيما نعلم- الذي نشرت حلقاته كاملة في الصحافة المكتوبة قبل أن يطبع في أجزاء تشمل جميع آيات القرآن الكريم.

خاتمة الدراسة 

كانت هذه الدراسة عن “أبي الأعلى المودودي ومنهجه في تفسير القرآن” محاولة تهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض:

الأول: إحياء ذكرى هذا الرجل الداعية الذي كان أمة وحده في شبه القارة الهندية، عاش حياته المديدة لأجل إحياء مجد الإسلام في تلك البلاد الأعجمية…

الغرض الثاني: إبراز جهود الشيخ في مجال التفسير، ذلك أن الرجل اشتهر عند معاصريه في العالم العربي بكتاباته عن منهج الدعوة إلى الله وبتأصيله لمفهوم “الالتزام” وقضية “الحاكمية” ومصطلح الجاهلية”… وغيرها من أصول الدعوة الإسلامية ومفاهيمها، لكن قل أن يوجد هناك من يعرف المودودي مفسرا، وربما يرجع الأمر إلى تأخر تعريب “التفهيم” ونشره كاملا.

الغرض الثالث لهذه الدراسة: تقديم جانب من اهتمامات العجم – غير العرب – المتصلة بتفسير كتاب الله تعالى عسى أن يلفت ذلك المشتغلين بهذا العلم فلا يتوقفوا في دراساتهم عند الكلام على التفاسير المؤلفة بالعربية فحسب.

أما أهم الاستنتاجات التي يمكن أن نخلص إليها من خلال مباحث الدراسة فهي:

  1. أن التأليف في التفسير خلال العصر الراهن ـ رغم اختلاف اتجاهاته وبيئته ـ لا يكاد يختلف في مقوماته ومميزاته.
  2. أن المعاصرة تتطلب من العالم المسلم أن يستخدم مستجدات عصره لأجل تبليغ دعوته، وقد رأينا كيف أن المودودي لم يتردد في الاستفادة من الصحافة لأجل تقريب فهم القرآن من عموم المسلمين الهنود…
  3. ثم إن القارئ “للتفهيم” أو لغيره من تفاسير المعاصرين لابد أن يقف على حاجة عامة المسلمين إلى تفسير يربطهم بقضايا الحياة المعيشية، ويستجيب لمتطلباتهم المعرفية في مجال علوم الدين.

وأخيرا نسأل الله العون والسداد، والله تعالى أعلم وأحكم.

الهوامش

    1. انظر: د. سمير عبد الحميد، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 10، دار الأنصار، القاهرة، 1979م.
    2. انظر: أحمد إدريس أبو الأعلى المودودي صفحات من حياته وجهاده، ص: 36، الطبعة الثانية دار بو سلامة، تونس.
    3. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أنه رغم غرابة العربية بين الهنود، إلا أن التدريس الأكاديمي للعلوم الشرعية بالهند ظل باللغة العربية كما لا يخفى على المتتبع.
    4. وكانت حيدر آباد الدكن في مطلع هذا القرن، وحتى وقت غير بعيد إحدى عواصم الشرق العلمية، فيها كان مجلس دائرة المعارف العثمانية ومطبعته التي اشتهرتا بنشر وتحقيق أمهات كتب التراث والعلوم الإسلامية، ولا زالت الكثير من كتب الحديث والتفسير والفقه المتداولة تحمل شعار هذه المؤسسة العلمية الهندية التي جمعت مخطوطات أنفس الكتب وطبعتها، بل إن الكثير من دور النشر – اليوم – في لبنان عالة على تلك الجهود التي بذلتها دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد.
    5. رواج علوم السنة بالهند خلال القرون الأخيرة تكلم عنه الكثير من الباحثين المعاصرين، ويمكن الرجوع إلى محمد أبو زهو، الحديث والمحدثون، ص: 441- 442، دار الكتاب العربي، 1404ﮪ.
    6. للتوسع يرجع إلى: أحمد إدريس، أبو الأعلى المودودي صفحات من حياته وجهاده.
    7. انظر: أحمد إدريس، أبو الأعلى المودودي صفحات من حياته وجهاده، ص: 45- 46.
    8. شارك أبو الأعلى في مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في دمشق عام 1956م، وعينه الملك سعود في مجلس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1961م، وساهم في مؤتمر التعليم الأصيل في مراكش 1969م…
    9. ذكر له د. سمير إبراهيم واحدا وسبعين مؤلفا. انظر: أبو الأعلى فكره ودعوته، ص: 211- 216.
    10. أذكر ذلك لأن المودودي رحمه الله ابتلي في سبيل نشاطه ودعوته الإصلاحية، فصدرت ضده الكثير من قرارات الاعتقال الاحتياطي والأحكام بالسجن، بل حكم عليه عام 1953م بالإعدام، لكن الاحتجاجات وبرقيات الاستنكار والتظاهر أمام سفارات باكستان في الكثير من الدول الإسلامية حال دون تنفيذ حكم المحكمة العسكرية بعد أن رفض القضاء المدني العادي إدانة الشيخ. أنظر في الموضوع: أبو الأعلى المودودي صفحات من تاريخه وجهاده، ص: 64- 66، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 24…
    11. إدريس أبو الأعلى المودودي صفحات من حياته وجهاده، ص: 57.
    12. المرجع السابق، ص: 93.
    13. إذا توقفنا عند السنوات فحسب، فقد صدرت الأجزاء الثلاثة أي نصف التفسير خلال الأربع وعشرين سنة، وصدر ما تبقى منه- ثلاث مجلدات أخرى- بين 1967م 1972م، وهي السنة التي انتهى فيها المودودي من تفسيره، وهذا يدل على أن تحرير حلقات “التفهيم” كان مرتبطا بتطور دعوة المودودي ولم يسر فيه المؤلف على الترتيب المعروف للسور.
    14. انظر في هذا الموضوع: د. سليمان أغلو، “نظرة عامة عن الدراسات المتعلقة بتفسير القرآن الكريم في تركيا (1923- 1995م)، ضمن فصيلة “آفاق الثقافة والتراث”، العدد 19، السنة الخامسة، رجب 1418ﮪ، الإمارات العربية، ص: 53- 63.
    15. انظر: المودودي مبادئ أساسية لفهم القرآن، الدار السعودية للنشر والتوزيع 1404ﮪ، تعريب: خليل الحامدي.
    16. انظر: د. سمير إبراهيم، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 165، ونجد المودودي في أول مقدمته- ص: 7- يذكر بأن هدفه من كتابة المقدمة هو رغبته في تعريف القارئ بالأشياء التي تساعده على فهم معاني القرآن، وكذلك رده على بعض الأسئلة التي تثور غالبا في ذهن الدارس أثناء تناوله للقرآن، وهذه المقدمة بحد ذاتها هي خلاصة ما انتهى إليه أبو الأعلى من خلال التجربة الشخصية.
    17. أبو الأعلى المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 7- 8، الطبعة الأولى 1398ﮪ، دار القلم، الكويت، تعريب أحمد إدريس.
    18. المرجع السابق، ص: 11.
    19. المرجع السابق، ص: 12.
    20. المرجع السابق، ص: 27.
    21. المرجع السابق، ص: 28.
    22. المرجع السابق، ص: 29.

    هذا ويمكن للباحث في منهج التفسير عند المودودي أن يضيف لما سبق ما اعتبره الشيخ شروطا أساسية للإستفادة من القرآن، وهي مجموعة من الآداب عرض لها ضمن تفسير الآيات (2-3-4) من سورة البقرة. أنظر تفهيم القرآن، ج1، ص: 54-50.

    1. سمير إبراهيم، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 157.
    2. انظر على سبيل المثال: تفهيم القرآن، ج 1، ص: 68- 91- 93- 120- 126- 130… وبحكم كون التفسير موجه إلى عامة المتكلمين بالأردية فلا يهتم أبو الأعلى بتخريج هذه الأحاديث…
    3. لما تكلم عن تحويل القبلة عند تفسير الآية: 143 من سورة البقرة، عرض للموضوع باختصار معقبا على كلامه بقوله: “وهذا كله مروي في كتب الحديث تفصيلا”. التفهيم. ج 1. ص: 110، وفي تفسير الآية 230 من سورة البقرة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) قال: “توجد أحاديث صحيحة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، تحذر من أي تدبير مسبق لهذا الأمر…”. التفهيم. ج1. ص: 153…
    4. مما يتصل بكلامه عن أسباب النزول، انظر على سبيل المثال تفسير الآية 158، من البقرة (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية ضمن التفهيم، ج 1، ص: 115… ومما يتصل ببيان معنى لفظ في القرآن كلامه عن المراد “باعتزال النساء” في آية المحيض، ضمن التفهيم، ج 1، ص: 148، وكلامه عن “صدقة المنان”، الآية: 263 من سورة البقرة- ضمن التفهيم، ج 1، ص: 157…
    5. انظر اعتماده عليها في كلامه عن أحداث غزوة أحد عند تفسير الآيات إلى 175 من سورة آل عمران، ضمن تفهيم القرآن، ج 1، ص: 251- 253، وانظر جمعه لمختلف أخبار غزوة بني المصطلق في المقدمة التي قدمها بين يدي تفسير سورة النور، ضمن: تفسير سورة النور للمودودي، ص: 7 وما بعدها، طبعة دار الرسالة بيروت 1398ﮪ، بتعريب محمد عاصم الحداد…
    6. انظر على سبيل المثال: تفهيم القرآن، ج 1، ص: 85…
    7. انظر كذلك تفسير الآية 119 من سورة البقرة (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 99…
    8. تفهيم القرآن، ج 1، ص: 150- 151، وانظر كذلك ج 1، ص: 186…
    9. بالنسبة لطريقة المودودي في الترجيح بين الروايات المشكلة، انظر كلامه عن الآية 102 من سورة البقرة (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة)، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 90، أما كلامه في نقد الحديث فيظهر أنه كان يرجع فيه إلى التفاسير التي اعتمدها كابن كثير، وانظر مثالا لذلك في تفسير سورة النور، ص: 68…
    10. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 74.
    11. المرجع السابق، ص: 213.
    12. المرجع السابق، ص: 72.
    13. المرجع السابق، ص: 74.
    14. المرجع السابق، ص: 76.
    15. المرجع السابق، ص: 78.
    16. المرجع السابق، ص: 211.
    17. المرجع السابق، ص: 213.
    18. المرجع السابق، ص: 216.
    19. المرجع السابق، ص: 66. وانظر مثل ذلك في تفسير (لا تأخذه سنة ولا نوم)، ج 1، ص: 166.
    20. المرجع السابق، ص: 97.
    21. المرجع السابق، ص: 233.
    22. سيطول الكلام إذا عرضنا لهذا الجانب، فيطلب في مصادره وانظر مجمل كلام العلماء في الموضوع، بدع التفسير بالمنقول، في دراسة سابقة عن “المصادر النقلية لتفسير القرآن الكريم”، نشرناه في مجلة دعوة الحق، العدد 331، ص: 57- 62.
    [1]. انظر: تفهيم القرآن، ج 1، ص: 34- 35- 53- 56- 59- 62- 65- 70…

    1. تفهيم القرآن، ج 1، ص: 34.
    2. المرجع السابق، ص: 116.
    3. المرجع السابق، ص: 225.
    4. انظر نموذجا لذلك الخريطة التي وضعها لديار بني المصطلق الذين غزاهم النبي، صلى الله عليه وسلم، عام 6 هجرية على الراجح وذلك في المودودي، تفسير سورة النور، ص: 14.
    5. أحمد إدريس، أبو الأعلى المودودي صفحات من حياته وجهاده، ص: 73.
    6. د. سمير إبراهيم، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 155.
    7. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 72.
    8. نفس المرجع السابق، ص: 75.

    هذا وقد ألف المودودي في رحلته عامي 1959-1960م كتاب “أرض القران” بالأردية، ضمنه مختلف مشاهداته عن المناطق التي ورد ذكرها في القران، والذي يظهر من إحدى رسائله –بعثها عام 1390هـ ـ إلى محمد تيسير ظبيان مكتشف مكان أهل الكهف- أن اعتلال صحته وعجزه عن المشي والحركة حالا دون استكمال رحلاته إلى أرض القران، لذلك أرسل إلى محمد ظبيان يسأله المزيد من المعلومات عن قرية “الرقيم”.

    1. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 153.
    2. المرجع السابق، ص: 251.
    3. انظر: المودودي، تفسير سورة النور، ص: 62- 106- 144- 156- 169- 185- 191…
    4. المرجع السابق، ص: 58- 72- 73- 74- 94- 144- 163…
    5. المرجع السابق، ص: 62- 73- 87…
    6. المرجع السابق، ص: 144- 159…
    7. المرجع السابق، ص: 82- 165…
    8. المرجع السابق، ص: 159.
    9. المرجع السابق، ص: 13.
    10. نفسه، ص: 82.
    11. نفسه، ص: 139.
    12. المرجع نفسه، ص: 157.
    13. نفسه، ص: 168.
    14. نفس المرجع، ص: 202.
    15. نفسه، ص: 221.
    16. انظر تفسير سورة النور، ص: 18- 51- 55- 58- 59- 61- 67- 68- 71…
    17. نفس المرجع، ص: 20- 51- 54- 55- 59- 71…
    18. نفسه، ص: 51- 76- 110- 149- 151.
    19. تفسير سورة النور، ص: 154.
    20. نفس المرجع، ص: 110- 148- 151…
    21. المرجع السابق، ص: 109- 127- 165…
    22. تفسير سورة النور، ص: 154. تفهيم القرآن، ج 1، ص: 126…
    23. انظر: مقدمة تفسير سورة النور، ص: 7 وما بعدها…
    24. انظر مفصل ما أورده عن خبر الإفك ضمن تفسير سورة النور على سبيل المثال.
    25. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 9- 75.
    26. المرجع السابق، ص: 8- 16…
    27. المرجع السابق، ص: 8.
    28. المرجع السابق، ص: 8.
    29. بل كان معتمده في النقل عن ابن إسحاق هو كتاب ابن هشام، فالمعروف أن “سيرة ابن إسحاق”، طبعت مرتين: الأولى بتحقيق حميد الله عام 1976، والثانية باعتناء سهيل زكار 1978م، وقد أكمل المودودي تفسيره قبل ذلك عام 1972 كما سلف.
    30. تفسير سورة النور، ص: 9.
    31. المرجع السابق، ص: 22- 191.
    32. نفس المرجع، ص: 22.
    33. نفسه، ص: 22.
    34. يرجع في الموضوع لدراسة السيد أحمد صقر- رحمه الله- التي قدم بها “تأويل مشكل القرآن” لابن قتيبة، ص: 32، الطبعة الثالثة، 1401ﮪ، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
    35. تفسير سورة النور، ص: 167.
    36. المرجع السابق، ص: 155.
    37. نفسه، ص: 155.
    38. نفسه، ص: 35، ويرجع في نحله “المانوية” لكتاب الشهرستاني عن الملك والنحل…
    39. تفهيم القرآن، ج 1 ص: 103- 163…
    40. وانظر في هذا الموضوع كلام الحافظ ابن عبد البر النمري (ت 463ﮪ) في “جامع بيان العلم وفضله”، ج 2، ص: 114، نشر دار الكتب العلمية بيروت، والحافظ الخطيب البغدادي (ت 463ﮪ)، الفقيه والمتفقه، ج 7، ص: 68 وما بعدها، دار الكتب العلمية، بيروت…
    41. المودودي، مبادئ الإسلام، ص: 133، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400ﮪ.
    42. سورة النور، الآيتان: 4- 5.
    43. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 99- 100، وحادثة أبي بكر نفيع مشهور في كتب الفقه.
    44. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 115. وانظر في مذهب الأحناف: الجصاص، أحكام القرآن، ج 5، ص: 147 وما بعدها، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1412ﮪ.
    45. انظر الحديث تفصيلا في الجامع الصحيح للبخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة النور، باب: 1- 2- 3- 4- أحاديث رقم: 4745 إلى 4748.
    46. وقد يقع أن يرجح المودودي مذهب غير الأحناف كما وقع له حين تكلم عن شروط اللعان حيث ضعف مذهب الحنفية، تفسير سورة النور، ص: 112.
    47. انظر في الموضوع: هرماس، الاتجاه الفقهي في التفسير نشأته وتطوره، ضمن مجلة الإحياء، العدد: 22، سنة 1418ﮪ، ص: 8.
    48. انظر على سبيل المثال تفسير الآية: 26 من سورة النور، حيث أجمل المودودي الكلام، وتفسير الآيات: 27- 29 من نفس السورة، حيث قسم الأحكام إلى مجموعة مسائل، تفسير سورة النور، ص: 138- 142…
    49. انظر المودودي، الإسلام ومعضلات الاقتصاد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400ﮪ، وكتاب “الربا”، نشر دار الفكر بيروت…
    50. انظر كتاب المودودي المشهور عن “الحجاب”.
    51. انظر المودودي، الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، دار الفكر بيروت…
    52. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 76- 77.
    53. المرجع السابق، ص: 40.
    54. المودودي، الإسلام وهديه… ص: 97- 98.
    55. المودودي، تذكرة دعاة الإسلام، ص: 30، مؤسسة الرسالة بيروت.
    56. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 167.
    57. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 31.
    58. المودودي، مبادئ أساسية لفهم القرآن، المقدمة.
    59. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 165.
    60. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 166.
    61. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 210.
    62. انظر كلامه في كتابه “نحن والحضارة الغربية”، ص: 316، دار الفكر، بيروت…
    63. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 152.
    64. المودودي، تفسير سورة النور، ص: 180.
    65. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 183.
    66. المودودي، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 242.
    67. اختلاف الرواية في التفسير عن السلف منه ما هو اختلاف تنوع وهو الغالب، وقد عرض له ابن تيمية تفصيلا في رسالته عن أصول التفسير، ومنه ما هو اختلاف تضاد وتناقض بخاصة حين يتعلق الأمر بمرويات أتباع التابعين، وهذا الاختلاف دونته بعض كتب التفسير وهو مما يجب أن ينزه عنه تفسير القرآن…
    68. أنظر هذه المميزات ضمن الاتجاه الفقهي في التفسير نشأته وتطوره، مجلة الإحياء، رقم: 22، ص: 17- 21.
    69. انظر على سبيل المثال كلام المودودي عن الشبهات المثارة بخصوص عقوبة الجلد في الإسلام وكيف أبطلها، تفسير سورة النور، ص: 67- 77، وكلامه عن الشبهات المتعلقة بحجاب المرأة المسلمة، تفسير سورة النور، ص: 157- 159، وكلامه عن شبهة الرق في الإسلام، تفسير سورة النور، ص: 188.
    70. انظر سياق كلامه عن تحريم الربا في الإسلام، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 184، وكلامه عن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو القصاص في الأنفس، تفهيم القرآن، ج 1، ص: 124، وكلامه عن تطبيق التشريع الجنائي الإسلامي، تفسير سورة النور، ص: 40 وما بعدها.
    71. انظر كلام المودودي عما استحدث من دور اللهو والعبث، تفسير سورة النور، ص: 133، وكلامه عن أحكام بيوت الضيافة والفنادق، تفسير سورة النور، ص: 147، وكلامه عن أحكام الخدم المستعملين في البيوت، تفسير سورة النور، ص: 168….
    72. د. سمير عبد الحميد، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، ص: 155- 156.
    73. تفسير سورة النور، ص: 39- 40.
    74. المودودي، المرجع السابق، ص: 157.

    128. المرجع السابق، ص: 208.

Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق