مركز الدراسات القرآنيةأعلام

عبد الحميد ابن باديس

ولد عبد الحميد بن محمّد المصطفى بن باديس الصنهاجي سنة 1308ه‍ (الموافق لشهر كانون الأول 1889م) في مدينة قُسنطينة، لأسرة جزائرية معروفة بالعلم والجاه. رعاه والده بحسن التربية وقد أعانه على ذلك ثراء الأسرة؛ إذ كان والده ذا وجاهة سياسية, وكان عضواً في المجلس الجزائري الأعلى والمجلس العام [1]. وبذلك تحوّلت وجاهة والده إلى حصن يوفّر له الحماية وفسحة من الحرية لممارسة نشاطه ودفع كيد الفرنسيين، و كانت عائلته تنتمي إلى الطريقة القادرية [2].

التحق عبد الحميد بـ «الكتّاب» مبكراً, فحفظ القرآن الكريم كاملاً في السنة الثالثة عشرة من عمره, ثمَّ تلقّى دروس العربية ومبادئ الإسلام, وتتلمذ على يد الشيخ حمدان بن لْونيسي، وفي مرحلة دراسية متقدّمة سافر إلى جامع الزيتونة في تونس حيث أمضى هناك أربع سنوات امتدّت بين 1908 ـ 1912م, تتلمذ على صفوة علماء الزيتونة يومذاك, مثل الشيخ محمّد النخلي القيرواني، والشيخ محمّد الطاهر بن عاشور، والشيخ محمّد الخضر حسين، والشيخ الصالح النيفر، وغيرهم من أفاضل علماء جامع الزيتونة.

بعد أن أنهى شوطه الدراسي عاد إلى بلده في محاولة باءت بالفشل للشروع بحلقات تدريسية تكون على نمط تلك التي تلقّاها في تونس، لذلك اضطرّ لمغادرة الجزائر مرّة أخرى لقضاء بعض الوقت متنقّلاً بين تونس، والحجاز، وسوريا، ولبنان، ومصر قبل أن يعود مجدّداً إلى وطنه [3]، لكن هذه المرّة بعزم أكبر وبتصميم أقوى على مواجهة العقبات، تشدّ من أزره وصيّة أستاذه المحبّب إلى نفسه حمدان لونيسي، الذي طلب منه ألا يقرب الوظائف الرسمية, ولا يتّخذ علمه وسيلة لتحصيلها, بخاصّة وأنَّ الوظيفة يومذاك كانت في الدوائر الفرنسية ولخدمتهم، وقد ذكر هذه الوصية معتزاً بها في الاحتفال الذي عقد بمدينة قسنطينة بمناسبة ختمه لتفسير القرآن, قبل سنة واحدة من وفاته [4].

وقد ترافق العمل الاجتماعي الإصلاحي العام مع النشاط العلمي في حياة ابن باديس، بيدَ أنَّ الغالب في نشاطه العلمي هي الدروس التي راح يلقيها في المسجد الأخضر بمثابرة مدهشة, من سنة 1913م بعد عودته من جولته المذكورة حتى وفاته في 16نيسان 1940. فقد عكف طوال هذه المدّة على مباشرة التدريس يومياً وبثَّ دروسه المتنوعة على طلاب العلوم الإسلامية من بعد صلاة الفجر إلى ما بعد صلاة العشاء, يتخلّل ذلك أجوبته على الاستفتاءات الشرعية التي تُوجّه إليه, ومباشرة قضايا الناس, والتصدّي لإلقاء المحاضرات العامّة للجمهور, بما في ذلك درسه اليومي في التفسير بين صلاتي المغرب والعشاء، هذا الدرس الذي داوم عليه خمسة وعشرين عاماً حتَّى أتمَّ تفسير كتاب الله، بهذه المثابرة الفذّة تحوّلت قسنطينة كبرى مدن الشرق الجزائري, إلى مركز لاجتذاب طلاب العلوم الإسلامية والشباب المتطلّع إلى مبادئ العربية والإسلام, لتنسجم بذلك مع موقعها الريادي بصفتها العاصمة العلمية للجزائر.

الهوامش:

—————————————————————————————–

[1] ينظر في تفاصيل هذه المعطيات وغيرها, عن حياته: د.أحمد الخطيب, جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر, المؤسّسة الوطنية للكتاب, الجزائر, 1985م, ص120 فما بعد. أيضاً: مجالس التذكير, الخاتمة الخاصة بحياة ابن باديس, ص705 فما بعد.
[2] جمعية العلماء الجزائريين, ص120؛ مجالس التذكير, ص705.
[3] ينظر: محمّد الميلي, ابن باديس وعروبة الجزائر, دار العودة/دار الثقافة, بيروت, 1973م, ص
[4] جمعية العلماء, ص123.

إعداد: فاطمة الزهراء الناصري
باحثة بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق