مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

مَنهَج الإعراب: من القَواعد إلى المَبادئ

سيتعرضُ هذا البَحثُ الموجَزُ لمَبادئَ مَنهَجيّةٍ، على سَبيلِ القَصْرِ لا الحَصْرِ؛ مُقتصراً عَلى ما نَماذجَ مُحدَّدَةٍ لِيَكونَ دَليلاً على ما فاتَ ذِكْرُه؛ إذ لا سَبيلَ إلى اسْتِقْصائها والإحاطَةِ بِها، وأصْلُ هذه المَبادئ قواعدُ كلّيّةٌ مبثوثةٌ في كتبِ بعض النحاة الذين عُنوا بالأصول النّحويّة، من أمْثالِ ابن جنّي في “الخَصائص”، وأبي البَركات ابن الأنباريّ في “الإنصاف في مَسائل الخِلاف” و”لُمَع الأدلّةِ” و”الإغرابِ في جَدلِ الإعْراب”، وابنِ هشامٍ في “مُغْني اللّبيب”، والسيوطيّ في “الاقْتراح في أصول النّحو” و”الأشباه والنّظائر في النّحو”، وغيْرِهم :
1- المَبْدأ الأوّلُ: قَرينَةُ تَرْجيحِ وجهٍ إعرابيّ عَلى آخَر:
 من المبادئِ المنهجيّةِ أن يعْرِفَ المعرِبُ وُجوهَ الإعرابِ المختلفةَ و يُميّزَ بينَ الوُجوهِ المتَشابِهةِ، كالتّمييزِ بينَ المبتدإ والخَبَرِ، واسْمِ الفاعلِ والصّفةِ المشبّهةِ، والحالِ والتّمييزِ، وغَيْرِها من الوُجوهِ التي قدْ تَرِدُ مُتَشابهةً فيُشْكِلُ أمرُ إعرابِها:
أ- ما يُعْرَفُ به المُبْتَدَأ من الخَبَر إذا اتَّحَدا في التّعريفِ أو التّنكيرِ :
فإن اتّحَدا في التّعريفِ حُكِمَ بابْتِدائيّةِ المُقَدَّمِ منهُما، فَتَكون الرّتبَةُ قَرينةً تَمِيزُ المبتدأ من الخَبرِ وذلك نحو “الله ربُّنا” و”القائمُ زيدٌ”1، إلاّ إذا ظهرت قرينةٌ من المَعْنى تُرجّحُ ابْتدائيّةَ المُؤخَّر، نَحو قولِ الشّاعرِ: 
بَنونا بَنو أبْنائِنا، وبَناتُنا   ///   بَنوهُنّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعدِ2
أو قَرينَةٌ من عِلْمِ المُخاطَب كأن يَعلَمَ المُخاطَبُ أحدَ الاسْميْنِ المَعرِفتَيْن دون الآخَر، فيكون المَعْلومُ عِندئذٍ هو المُبتدَأ والمَجْهول هو الخَبَر، والمِثالُ عَلى ذلِك أن نَقولَ “زَيْدٌ أخو عَمْروٍ”، فأيّ الاسْميْنِ كانَ مَعْلوماً عندَ المُخاطَبِ فهو المبتدَأ.

 

 

سيتعرضُ هذا البَحثُ الموجَزُ لمَبادئَ مَنهَجيّةٍ، على سَبيلِ القَصْرِ لا الحَصْرِ؛ مُقتصراً عَلى ما نَماذجَ مُحدَّدَةٍ لِيَكونَ دَليلاً على ما فاتَ ذِكْرُه؛ إذ لا سَبيلَ إلى اسْتِقْصائها والإحاطَةِ بِها، وأصْلُ هذه المَبادئ قواعدُ كلّيّةٌ مبثوثةٌ في كتبِ بعض النحاة الذين عُنوا بالأصول النّحويّة، من أمْثالِ ابن جنّي في “الخَصائص”، وأبي البَركات ابن الأنباريّ في “الإنصاف في مَسائل الخِلاف” و”لُمَع الأدلّةِ” و”الإغرابِ في جَدلِ الإعْراب”، وابنِ هشامٍ في “مُغْني اللّبيب”، والسيوطيّ في “الاقْتراح في أصول النّحو” و”الأشباه والنّظائر في النّحو”، وغيْرِهم :

1- المَبْدأ الأوّلُ: قَرينَةُ تَرْجيحِ وجهٍ إعرابيّ عَلى آخَر:

 من المبادئِ المنهجيّةِ أن يعْرِفَ المعرِبُ وُجوهَ الإعرابِ المختلفةَ و يُميّزَ بينَ الوُجوهِ المتَشابِهةِ، كالتّمييزِ بينَ المبتدإ والخَبَرِ، واسْمِ الفاعلِ والصّفةِ المشبّهةِ، والحالِ والتّمييزِ، وغَيْرِها من الوُجوهِ التي قدْ تَرِدُ مُتَشابهةً فيُشْكِلُ أمرُ إعرابِها:

أ- ما يُعْرَفُ به المُبْتَدَأ من الخَبَر إذا اتَّحَدا في التّعريفِ أو التّنكيرِ :

فإن اتّحَدا في التّعريفِ حُكِمَ بابْتِدائيّةِ المُقَدَّمِ منهُما، فَتَكون الرّتبَةُ قَرينةً تَمِيزُ المبتدأ من الخَبرِ وذلك نحو “الله ربُّنا” و”القائمُ زيدٌ”1، إلاّ إذا ظهرت قرينةٌ من المَعْنى تُرجّحُ ابْتدائيّةَ المُؤخَّر، نَحو قولِ الشّاعرِ:

 بَنونا بَنو أبْنائِنا، وبَناتُنا   ///   بَنوهُنّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعدِ2

أو قَرينَةٌ من عِلْمِ المُخاطَب كأن يَعلَمَ المُخاطَبُ أحدَ الاسْميْنِ المَعرِفتَيْن دون الآخَر، فيكون المَعْلومُ عِندئذٍ هو المُبتدَأ والمَجْهول هو الخَبَر، والمِثالُ عَلى ذلِك أن نَقولَ “زَيْدٌ أخو عَمْروٍ”، فأيّ الاسْميْنِ كانَ مَعْلوماً عندَ المُخاطَبِ فهو المبتدَأ.

ب- ما يُعرَف به عطفُ البيانِ من البَدَلِ: 

عَطفُ البَيانِ لا يَكونُ ضَميراً ولا تابِعاً لضَميرٍ، مثلَما أنّ الضّميرَ لا يُنعتُ، وإنّما عَطفُ البيانِ اسمٌ ظاهِرٌ وتابِعٌ لاسمٍ ظاهرٍ نَحو قَولِه تَعالى: (جَعَلَ الله الكَعْبَةَ البيتَ الحَرامَ قِياماً للنّاسِ )3 فالبَيْت الحَرام عَطْفُ بَيانٍ عَلى جهةِ المَدْحِ لا عَلى جهةِ الإيضاحِ، أمّا البَدَلُ فَيَجوزُ أن يَكونَ تابِعاً للضَّميرِ نَحْو: (وما أَنْسانيه إلاّ الشَّيْطانُ أن أذْكُرَه) 4.

و عَطْفُ البَيانِ يُطابِقُ مَتْبوعَه في التّعريفِ و التَّنْكيرِ ، نَحو : (إنَّما أعِظُكُم بِواحدةٍ: أن تَقوموا لله مَثْنى و فُرادى) 5 “أن تَقوموا” عَطفُ بيانٍ لـ “واحِدَة” ، أمّا البَدَلُ فَيَجوزُ فيه مُخالَفَةُ مَتْبوعِه نحو : (و إنَّكَ لَتَهْدي إلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ، صِراطِ الله  الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ 6) .

وعَطْفُ البَيانِ لا يَكونُ جُملَةً، أمّا البَدَلُ فَعلى خِلافِ ذلِك نحو قَولِه تَعالى: (ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قيلَ للرُّسلِ مِن قبلِك إنّ ربَّكَ لَذو مغفِرةٍ وذو عِقابٍ أليمٍ 7)   

ج- ما يُعْرَفُ بِه اسمُ الفاعِلِ من الصّفةِ المشبَّهَةِ8 : 

اسمُ الفاعِلِ يُصاغُ من الّلازِمِ و المُتَعَدّي أمّا الصّفةُ المُشبَّهَةُ فَلا تُصاغُ إلاّ من اللازمِ ، و يَدلُّ على الأزمنةِ الثّلاثةِ و الصّفةُ لا تدلُّ إلاّ على الحاضرِ، و يجوزُ أن يتقدَّمَ منصوبُ اسمِ الفاعلِ عليه فيُقال “زيدٌ عمراً ضاربٌ” بخلافِ الصّفةِ المشبّهةِ؛ فَلا يُقال “زيدٌ حَسَنٌ وَجْهَه”، و يجوزُ حذفُ اسمِ الفاعلِ و بَقاءُ مَعْمولِه نحو “هذا ضارِبُ زيْدٍ و عَمْراً” بكسْرِ زيدٍ و نَصبِ عَمْرٍو بإضمارِ فعلٍ ، و لا يَجوزُ في الصّفةِ المشبّهةِ “مَررتُ برجلٍ حسَنِ الوَجْهِ و الفِعْلَ” ؛ لأنّها لا تعملُ محذوفةً ، و ما لا يَعْمَلُ لا يُفسِّرُ عاملاً .

د- ما اخْتلَفَ فيه الحالُ عن التَّمييز: 

الحالُ و التّمييزُ اسْمانِ فَضلَتانِ نَكِرتَان مَنْصوبَتانِ رافِعَتانِ للإبهامِ،  لكنّ الحالَ يأتي جملةً أو مُتعلِّقاً بِه شبهُ جُمْلةٍ نحو “قَدِمَ المُسافِرُ بَين مُرافِقيه” و(فَخَرَجَ عَلى قومِه في زينَتِه)9 ، أمّا التّمييزُ فلا يأتي إلاّ اسْماً . و الحالُ يتوقَّفُ معنى الكلامِ عَليها نحو : (لا تَقْرَبوا الصّلاةَ و أنتُم سُكارى) ، بِخلافِ التّمْييز . و حَقُّ الحالِ أن تأتي مُشتقَّةً و قد تأتي جامدةً نحو: (وتَنْحِتونَ  الجِبالَ بُيوتاً  10)، وحقُّ التّمييزِ الجُمودُ وقد يأتي مشتقّاً نحو “للهِ درُّك فارِساً” …

***

2- المَبْدأ الثّاني: تَصحيحُ أمورٍ اشْتهرَت بين المُعربينَ خطأً :

أ- اشْتهرَ على ألسنةِ المُعْرِبينَ أنّ “لَو” تُفيدُ امْتِناعَ الشّرطِ وامتناعَ الجوابِ11 ، وينْقُضُه المَعْنى الذي وَرَدَت به الشّواهدُ في مَواضِعَ كثيرةٍ ، منها قولُه تعالى: (ولَوْ أنّنا نَزَّلْنا إليهِم المَلائكةَ وكَلَّمَهُم المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِم كُلَّ شَيْءٍ قبلاً مّا كانوا لِيُؤْمِنوا)12، وبَيانُ هذا الإعرابِ الشّائعِ أنّ كلَّ شيءٍ امتنَعَ ثبَتَ نَقيضُه، وعَلَيه يَلْزَمُ ثُبوتُ إيمانِهم مَعَ عَدَمِ نُزولِ المَلائكةِ، وهو عَكْسُ المُرادِ؛ إذ إنّ علاقةَ لَوْ بِما بَعْدَها قد تَكونُ عَلاقةً شرطيّةً يرْتبِطُ فيها السّببُ بالمسبَّبِ، أو لتقريرِ الجَوابِ على كلِّ حالٍ وُجدَ الشّرطِ أو فُقِدَ .

 فأمّا العَلاقةُ السّببيّةُ فنَحو قَولِه تَعالى : (واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)13 فقد انحصَرَت نتيجةُ الثّاني في سببيّةِ الأوّلِ ، و أمّا ما يُفيدُ امتِناعَ الثّاني مُطْلَقاً فكالآيةِ السّالِفةِ (ولَوْ أنّنا نَزَّلْنا إليهِم المَلائكةَ و كَلَّمَهُم المَوْتى و حَشَرْنا عَلَيْهِم كُلَّ شَيْءٍ قبلاً مّا كانوا لِيُؤْمِنوا)، ففيها تَقْريرُ الجَوابِ -و هو “عَدَمُ إيمانِهِم”- وُجِدَ الشّرطُ -وهو “إنزالُ المَلائِكةِ…”– أو فُقِد .  

ب- و ممّا شاعَ أيضاً : قولُ المُعربينَ إنّ حُروفَ الجرِّ ينوبُ بعضُها عن بعضٍ و الصّحيحُ أنّ هذِه النّيابَةَ غيرُ مطلقةٍ ، و لكنَّها مقيّدةٌ بِما وردَت به النّصوصُ وأيّدتْه الشّواهدُ . و لو صَحّ القَولُ بالنّيابَةِ المُطْلَقَةِ لَجازَ مثلُ “مررْتُ في زيدٍ” و “دخلتُ من عمْرٍو” ولكنّ النّيابةَ لا تصحُّ إلاّ في مواضعَ معيّنةٍ و لا تطّردُ14.  

3- المَبْدأ الثّالثُ: إعطاءُ اللّفظِ في الإعرابِ حُكمَ مُشابِهِه :

قد يأخذُ اللّفظُ حُكْمَ مُشابِهِه، في الإعرابِ، ومِنْ صُوَرِ ذلِكَ: مُشابَهَةُ “لَمْ” النّافِيّةِ للفعلِ المضارِعِ بِـ”لَيْسَ”، في جرِّ الخَبَرِ بالباءِ الزّائدَةِ؛ نَحْوَ قولِه تَعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ، بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، بَلى إنّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )15، فهو في معْنى “ليسَ”16 . وقَدْ وَرَدَ الأصلُ مَعَ “لَيْسَ” في قَوْلِه تَعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم، بَلى وهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ )17، وقولِه: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى 18)، فالباءُ للتَّوكيدِ19، كالباءِ في قَولِه تَعالى: (وكَفى بِالله حَسيباً)20؛ أكّدَت صِلَةَ الفِعْلِ بلفْظِ الجَلالةِ، و(تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)21.

4- المَبْدأ الرّابعُ: إعطاءُ اللّفظِ في الإعرابِ حُكمَ مُجاوِرِه:

وذلِكَ نحو قولِهم: هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، والأكثرُ رَفعُ الخَرِب، وإنّما جَرّوا الصِّفَةَ لِمَيْلِهم إلى الحَملِ عَلى الأقْربِ، ولأمْنِهِم الالتباسَ؛ ومثلُه في الحملِ على المَعْنى قولُه تعالى: (يَطوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ولا يُنْزفُونَ وفََاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)22.

5- المَبْدأ الخامسُ: مُراعاةُ ظاهرِ الصِّناعَةِ ومُقتضى المَعنى في الإعراب، مُجتَمِعَيْنِ:

فإنّ الاقتصارَ على أحدِهِما وإغفالَ الآخرِ إخراجٌ للكلامِ عمّا وُضعَ له، فأوّل واجبٍ على المُعرِب أن يفهَمَ معنى ما يُعرِبه، وهذا منهجٌ سَلَكه ابنُ هشام الأنصاريّ، متّخذاً معيارَ فهمِ المَعْنى قبلَ إعرابِ اللفظ؛ قالَ: «سَألني أبو حيان -وقد عرضَ اجتماعنا- عَلامَ عُطِفَ “بحقَلَّد” مِنْ قَول زُهير:

تَقيٌ نقيٌ لم يُكثّر غَنيمةً ///  بنَهْكَةِ ذي قُربى ولا بحقلّد ِ23 

فقلتُ: حَتى أعرفَ ما الحقلدُ؟ فنَظَرْناه فإذا هو سَيّءُ الخُلُق، فقلتُ: هو مَعطوفٌ على شيء مُتَوهَّمٍ؛ إذ المعنى: ليسَ بمكثرٍ غَنيمةً…»24. ويأتي تَقْديرُ مَعْنى الكَلامِ بعدَ فهمِ مَعْنى الكلمةِ المُشكلةِ: تقيٌّ نقيٌّ ليس بمُكثّرٍ غنيمةً بنهكةٍ، وليسَ بحقَلَّدٍ، أمّا من حيث اللفظ وصناعَة الإعرابِ، فالحقلَّدُ معطوف على مَعْنى متصوَّر سمّاه ابنُ هشامٍ بالمَعْنى المتوهَّمِ، وفي هذا المَنهَجِ ميلٌ إلى بناءِ الإعرابِ اللّفظي الصّناعيّ بعدَ بناءِ المَعْنى في الذّهنِ والتّصوُّر، وترتيبُ البناءِ الأوّل على الثّاني إنّما هو مبدأ يحكمُ الإعرابَ والنّحوَ، ولا يُتصوّرُ علمٌ نحويّ ولا صناعةٌ إعرابيّةٌ إلاّ وفقَ مَبدأ مُطابقةِ الإعرابِ للمَعْنى.

ومن الشَّواهدِ التي يَستَوجبُ إعرابُها السَّليمُ مُراعاةَ المَعْنى المرادِ المُطابقِ لمَقاصدِ المتكلِّم؛ قَولُه تعالى: (أصلاتُك تأمرُكَ أنْ نترُكَ ما يَعبدُ آباؤنا أو أن نَفعلَ في أموالنا ما نَشاءُ 25)؛ فإنّه يَتبادرُ إلى ذهنِ مَن يُعربُ اللّفظَ من غيْرِ تَحقيقِ المَعْنى، عطفُ “أنْ نَفعلَ” على “أنْ نترُكَ”، وهو عَطفٌ غيرُ صحيحٍ لأنّه يَقودُ إلى مَعنىً باطلٍ؛ ذلِكَ أنّ نبيَّ الله شُعَيْباً عليه السّلامُ لم يأمرهُم أنْ يَفعلوا في أموالهِم ما يَشاؤونَ، وإنما أمرَهُم بتركِ هذا الفعلِ بتاتاً، فقولُه “أنْ نفعَلَ” مَعطوفٌ على اسمِ الموصولِ “ما”، فهو معمول لفعلِ التَّرْك السّابقِ، والمعنى: أصَلاتُكَ تأمرُكَ أنْ نترُكَ ما يَعبدُ آباؤنا أو أن نَتركَ أن نَفعَلَ في أموالنا ما نَشاءُ، وموجِبُ الوَهم المذكور26 أن المعربَ يرى أنْ والفعلَ مَرّتين، وبينهما حرفُ العَطف، فيحسبُ أنّ الثّانيَ معطوفٌ على الأوّل.

وقد يَلْحَقُ الخطأ الصّناعةَ الإعرابيّةَ إذا روعِيَ المعْنى الصَّحيحُ وحدَه؛ كأنْ يُعربَ المعرِبُ ثَموداً في قولِه تَعالى: (وأنّه أهلَكَ عاداً الأولى، وثَموداً فَما أبْقى)27 مَفْعولاً مُقدّماً، وهو إعرابٌ ممتنعٌ28 لأنّ حرفَ النّفْيِ من حُروفِ الصّدارةِ التي تَمنعُ أن يعمَلَ ما بعدَها فيما قبلَها، والصّوابُ أن يُعرَبَ الاسمُ المنصوبُ “ثَموداً” مَعْطوفاً على “عاداً”. 

وأكثر ما يَدخُلُ الاعتراضُ على المُعرِبين، إنّما يَدخلُ من جهة تَعْليقِ شبه الجُملةِ من ظُروف الزّمانِ والمَكانِ وحُروفِ الجَرّ، وذلِكَ كأن يُعربَ المُعرِبُ ظرْفَ الزّمانِ “إذْ” في قولِه تَعالى: (إنّ الذينَ كَفَروا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أكبرُ منْ مَقْتِكُم أنفُسَكم إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فتَكْفُرونَ)29  مُتعلّقاً بالمَصدرِ الأوّلِ [مَقْت الله] أو الثّاني [مَقتكُمْ أنفسَكُم]، وكِلا التَّعْليقَيْن غيرُ مُعْرِبٍ عن المَعْنى المَقصودِ من الآيَةِ؛ فأما امْتناعُ تعليقه بالمَقتِ الثّاني فلأنّ المَعْنى فاسدٌ لا يُعقلُ أن يَتحقّقَ؛ لأنّ الذين كَفَروا لا يَمقتون أنفُسَهم في الدّنيا عندَما كانوا يُدعوْنَ إلى الإيمان، وإنما يَمقتونَها في الآخرة، حيثُ لا ينفَعث مَقْتٌ ولا نَدامةٌ، وإنّما تتعلّقُ بفعل المَقْت الإلهيّ المُستَفادِ من المصدرِ الأوّلِ، وإنّما امتَنَعَ التّعليقُ بالمصدرِ الأوّلِ وإن وافَقَ المَعْنى؛ لِما بينَه وبينَ الظّرفِ من فَصلٍ، وتَقْديرُ التّعليقِ: مَقَتَكم إذْ تُدعَوْنَ 30.

وهكذا، فإنّ إهمالَ مَبدأ المُطابقةِ بين الإعرابِ والمَعْنى، يوقِعُ المُعرِبينَ في خطأ جَسيمٍ ويَبعدُ بهم عن المَعْنى المُرادِ. 

6- المَبْدأ السّادسُ: مُراعاةُ تغيُّرِ الإعْرابِ كلّما زيدَت كلمةٌ على التّركيبِ:

وقد عقَدَ ابنُ هشام لهذا المبدإ باباً قالَ فيه: «يَكونُ للشّيءِ إعرابٌ إذا كانَ وَحدَه، فإذا اتّصلَ به شَيءٌ آخَر تَغيرَ إعرابُه»31. ومن الأمثلةِ على ذلِكَ، قولُكَ سائلاً: ما أنتَ، وما شَأُنُكَ، فكلٌّ من جملةٍ تتكوّنُ من مُبتدأ وخبرٍ، ما لم تَأت بَعدَهما بنحو قَولكَ “وزيداً” فإن دَخَلَت هذه الزّيادةُ فالضّميرُ المنفصلُ الذي كانَ خبراً أصبَح بعدَ الزّيادَةِ مَرفوعاً بفعل محذوفٍ، والأصل: ما تصنعُ وزيداً، أو ما تَكونُ وزيداً، فلمّا حُذفَ الفعلُ بَرزَ الضَّميرُ “أنتَ” وانْفصَلَ، وارتَفَعَ بالفاعلية، أو عَلى أنه اسمٌ لكانَ.

7- المَبْدأ السّابعُ: إشرابُ لفظ مَعْنى لفظ وإعطاؤُه حُكمَه، وهو التّضمين:

وهو أن تُضمّنَ كلمةٌ مَعْنى كلمةٍ، فيُراعى هذا التّضمينُ في الإعرابِ، كَما في قولِه تَعالى: (ولا تأكُلوا أمْوالَهُمْ إلى أموالِكُمْ)32، أي لا تَضمّوها، وشبه الجُملَة متعلقةٌ بحال محذوفَةٍ؛ و«التّقديرُ “مَضمومةً إلى أموالكُم”. وقيلَ: تتعلقُ بالفعلِ “تأكلوا” على مَعنى التّضمين؛ أي ولا تَضُمّوا أموالَهُمْ في الأكل إلى أمْوالكُم33؛ فالأكلُ يَتَضمّنُ معْنى الضّمّ، ومثلُ ذلكَ في قولِه تَعالى: (ولا تَعْدُ عَيْناكَ عنهُم تُريدُ زينةَ الحَياةِ الدّنيا)34، أي لا تقْتحمْ عَيْناكَ مُجاوِزَتَيْن إلى غيْرِهم35، وعلى هذا التّضمين يُبْنى الإعرابُ لأنّه يُرشحُ التّقديرَ الدّلاليّ المُناسبَ، ويأتي الإعرابُ تابعاً للتّقديرِ الدّلاليّ بعدَ ذلِكَ.

قالَ ابنُ هشام موضحاً قيمةَ التَّضمين وأهميتَه في الإعرابِ: «قوله تَعالى:  (للّذينَ يُؤْلُونَ من نِّسآئهِم)36 أي يَمتنعونَ من وَطْءِ نسائهِم بالحَلفِ؛ فلهذا عُدِّيَ بـ”مِنْ”، ولَمّا خَفِيَ التّضمينُ على بعضِهم في الآيَة، ورأى أنّه لا يُقالُ “حَلَفَ مِن كَذا”، بَل حلَفَ عليْه، قالَ: “مِنْ مُتعلّقةٌ بمَعْنى “لِلَّذينَ”، كَما تَقولُ: لي منكَ مَبرَّةٌ، قال: وأمّا قولُ الفُقَهاءِ: آلى من امْرأتِه فغَلَطٌ أوقعهُم فيه عدَمُ فهمِ المُتعلَّقِ في الآية»37.

وقد أورَدَ أبو حَيّان في البَحْرِ المحيط38 وُجوهاً وأعاريبَ عدّةً لتقْدير تعلُّقِ حرفِ الجرّ “مِنْ” في هذه الآيَةِ، ولكنَّ الرّاجحَ ما أوّلَه به ابنُ هشامٍ39.

ومن صُوَرِ التّضمينِ التّعبيرُ عن مَعْنى حُصولِ الفعلِ بمُشارَفَته، كَما في قَوله تَعالى: (وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْروفٍ أوْ سَرِّحوهُنّ بِمَعْروفٍ)40، فالفعلُ “طلّقَتُم” في الآيَة انتَقَلَ من الدّلالةِ الأصليّةِ وهي حُصولُ زمنِ “بُلوغِ العِدّةِ”، إلى دلالةٍ فرعيّةٍ هي مُشارفَةُ انقضائها ومُقاربَتُه41.  

ومن صُوَرِ التّضمينِ التّعبيرُ عن مَعْنى حُصولِ الفعلِ بإرادَةِ تَحصيلِه42، كَما في قَوله تَعالى: (فإذا قرأتَ القُرآنَ فاستعذْ بالله من الشّيطانِ الرّجيم)43، أي إذا أردْتَ قِراءَةَ القُرآنِ فاستعِذْ بالله. وقوله تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلوا وُجوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرافِقِ وامْسَحوا بِرُؤوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ)44، أي إذا أردتُم القيامَ إلى الصّلاةِ. وأكثرُ ما يكونُ هذا الأسلوبُ بعدَ أداةِ الشّرطِ. 

وقَد يُعبّرُ بالفعلِ عَن إرادَةِ وُقوعِه، في غيرِ الشّرطِ؛ نحو قولِه تعالى: (فأخرجْنا مَن كانَ فيها مِن المُؤمِنينَ، فَما وَجدْنا فيها غيرَ بيتٍ من المُسلمينَ)45، أي فأردْنا إخْراجَ مَن كانَ فيها…

8 – المَبْدأ الثّامن: تَنزيلُ زَمنٍ منزلةَ زَمَنٍ آخَر قصدَ استحضارِه في الذّهنِ:

فقَد يُعبَّرُ عن أمرٍ مَضى وأمرٍ آتٍ بعبارةٍ مُشابهةٍ لما يُعبَّرُ به عن الشّيءِ الحاضرِ، وذلك قصدَ إحضارِه في الذّهنِ حَتّى كأنّه مُشاهَدٌ رأيَ العيْنِ حالةَ الإخبارِ به، وذلك نحو قوله تَعالى: (وإنّ ربَّك لَيحكُمُ بينَهُم يومَ القيامَةِ 46)، جَعَلَه حكايةً عن الحال الآتية47؛ قالَ أبو حيّان: «يحتملُ تأويلُ هذه الآية إقرار اللاّم مخلصةً المضارعَ للحالِ بأنْ يُقدَّرُ عاملٌ في “يوم القيامة”»48؛ فاللامُ غالباً تُخلصُ المضارعَ للحال، فقَد دَخَلَتْ على المضارع الذي يحتملُ أن يكونَ عاملاً في ظَرفٍ مُستقبلٍ وهو يومُ القيامة. والحقيقةُ أنَّ العاملَ في يوم القيامة مقدرٌ، وإن كان في أمر التّقدير نظرٌ؛ لأنّ فيه تهيئةً للعاملِ للعملِ ثُمّ قَطْعاً عنه. ومهما يكنْ، فإنّ لامَ الابتداءِ التي دَخَلَت عَلى الفعلِ المُضارع تُفيدُ الحالَ، ولكنَّ الفعلَ يُرادُ به المُستقبَلُ, وإنّما عُبّرَ عن الآتي بالحالِ قَصدَ إحْضارِه إلى الذّهنِ. 

ومثلُ ذلِك أنّ اسمَ الإشارَةِ يُشيرُ إلى حاضرٍ وقتَ التكلُّمِ، لتَقْريبِه من المُخاطَب؛ ولكنّه قد يُخْرَجُ به عن هذا المَعْنى، كما في قولِه تعالى: (هذا مِنْ شيعَتِه وهذا من عَدوِّه)49، فليسَ المُرادُ في هذِه الآيَةِ تَقْريبَ الرَّجُليْنِ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّمَ، وإنّما كانَت الإشارةُ إليهما على عهدِ موسى عليْه السّلامُ؛ « فحُكِيَتْ »50

ومثلُه قولُه تعالى: (والله الذي أرسَلَ الرّياحَ فتُثيرُ سَحاباً، فسُقْناه إلى بَلَدٍ ميّتٍ فأحْيَينا به الأرضَ بعدَ موتِها، كذلِك النُّشورُ)51، فالمَقصودُ من الفعلِ “تُثيرُ” إحضارَ الصورَةِ «البَديعة الدّالةِ على القُدرةِ الباهرةِ من إثارة السَّحابِ، تَبدو أولاً قِطعاً ثم تَتضامُّ مُتقلبةً بين أطوارٍ حَتى تَصيرَ رُكاماً»52 ولو أريدَ الزّمنُ الماضي لَقيل: فأثارَت سَحاباً. وبناءً على هذا المَعْنى المَعدولِ إليْه يُعرَبُ اللفظُ. 

9 – المَبْدأ التّاسعُ: تَقديرُ المُقدَّرِ، في الإعْراب:

سَمّى ابنُ هشامٍ هذا المبدأ بقاعدَة «أنّ اللفظَ يَكونُ على تَقديرٍ، وذلِك المُقدَّرُ على تَقْديرٍ آخَر»53. ومن الشّواهدِ عليْه قولُه تعالى: (وما كانَ هذا القُرآنُ أن يُفْتَرى من دونِ الله)54، فالفعلُ “يُفْتَرى” وحرف النّصبِ “أنْ” يُؤوَّلانِ بالافْتراءِ، والمَصدرُ المُقدَّرُ (افْتراء) يُؤوَّلُ مرّةً أخْرى إلى اسم مَفْعولٍ مُناسبٍ للسياقِ: “مُفْتَرى”؛ فقد احْتيجَ إلى تَقْديرِ المصدرِ اسمَ مَفْعولٍ ليصحَّ الإخبارُ. ومثلُه قولُ الشّاعرِ: 

لعَمْرُكَ ما الفِتْيانُ أن تَنْبُتَ اللِّحَى  ///  ولكـنَّما الفتْيانُ كلُّ فَتىً نَدي

فالمَصدرُ المُؤوَّلُ من “أنْ والفعل” خبرُ “الفتيان”، وتَقديرُ المُؤوَّلِ: نَبات اللِّحى، ثمّ يُعادُ تَقْدرِ المُقدَّرِ إلى اسمِ الفاعِلِ: نابِتي اللِّحَى، قَد يُقالُ لا حاجةَ إلى تقْديرِ المُقدَّر، ويُكتَفى بالأوّلِ للمُبالَغَةِ، فيَكون المَعْنى المُرادُ في الأوّل: ما كانَ هذا القُرآنُ افْتراءً، ويَكون في الثّاني: ما الفتيانُ نَباتُ اللِّحى، كما يُقالُ: إنما السَّخاءُ حاتمٌ والشِّعرُ زهيرٌ؛ والجَوابُ أنّه إن صحّ في الشّعرِ فإنّه لا يصحُّ في الآيَةِ لأنّ المُرادَ يأبى ذلِكَ.

ومثلُه قولُه تَعالى: (والذينَ يُظاهِرونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعودونَ لِما قالوا فتَحْريرُ رَقَبةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يتَماسّا)55، فالتّقديرُ الأوَّلُ: يَعودونَ للقَوْلِ، والتّقديرُ الثّاني يُؤوَّلُ فيه القَولُ إلى مَقول؛ لأنّ المُرادَ أنّهنّ يَعودونَ للمَقولِ فيهنَّ لَفظُ الظّهارِ .

10- المَبْدأ العاشرُ: يُغتَفَرُ في الثّواني ما لا يُغتَفَرُ في الأوائلِ، فتُراعى هذه العَلاقَةُ عندَ الإعرابِ56: 

ومن ذلكَ قولُ بَعضِ العَرب: “كُلُّ شاةٍ وسَخلَتِها”، فالسّخلةُ57 مَعْطوفةٌ على الشّاةِ، وكان ينبغي أن تَكونَ مُضافاً إلى “كلّ” ولكنّ ذلِك لم يجُزْ لأنّ “كُلّ” لا تُضافُ إلى المُفْرَد المَعْرِفَةِ فلا تَقولُ: كُلُّ شاةٍ وكُلُّ سَخْلتِها، فاغتُفِرَ في الثّاني “السّخلَة” ما لا يُغتَفَرُ في الأوّلِ “شاة”، وقد قدّرَ سيبويْه العبارَةَ بقولِه: «أي وسَخلةٍ لها، ولا يجوز حتى تَذكُرَ قبلَه نكرةً فيُعلَم أنكَ لا تريد شيئاً بعينه»58.

وقالَ الشّاعِر:      # وأيُّ فَتَى هَيْجاءَ أنتَ وجارِها  # 

فعَطَفَ “جارها” وهو معرفَةٌ، على “فَتى هَيْجاءَ”، والتّقديرُ: أيُّ فَتى هَيْجاءَ وأيُّ جارِها أنتَ، فالجار وإن كانَ نكرةً في المَعْنى لا اللفظِ، لم يُسلَّطْ علَيها “أيّ”؛ لأنّه يُغتفَرُ في الثَّواني ما لا يُغتفَرُ في الأوائلِ.  

***

وبَعدُ، فَهذه مَبادئُ مَنهجيّةٌ مُنتَقاةٌ من بَعضِ كتُبِ النّحوِ أورِدَتْ في هذا البَحْثِ الموجَزِ، على سَبيلِ القَصْرِ لا الحَصْرِ؛ اقْتُصِرَ عليْها لِتَكونَ دَليلاً على ما فاتَ ذِكْرُه؛ إذ لا سَبيلَ إلى اسْتِقْصائها والإحاطَةِ بِها، وأصلُ هذه المَبادئ قواعدُ كلّيّةٌ مبثوثةٌ في كتبِ بعض النحاة الذين عُنوا بالأصول النّحويّة، وإنّما أريدَ منها ههنا وَضع اليَدِ على منهجِ الإعرابِ السّليمِ الذي يُراعى فيه رَبطُ اللّفظِ بالمَعْنى حتّى يكونَ الإعرابُ مُناسباً لمَعاني العباراتِ وموافقاً لمَقاصدِ المتكلّمِ ومُطابقاً لمُقْتَضى الحالِ.

 

ــــــــــــــــ

الهوامش:

  وقيلَ: يجوزُ تقديرُ كلٍّ منهما مُبتدأ وخبَراً مُطلَقاً، و قيلَ: إنّ المُشتقَّ هو الخَبَرُ و إن تَقَدَّمَ، و قيلَ: إنّ المبتدأ ما كانَ أعرَفَ “كزيدٍ” في قولِنا “القائمُ زيدٌ” (مُغْني اللّبيب: 588) 

2 البيتُ منسوبٌ للفرزدق وليسَ في ديوانِه، وهو من شواهدِ النّحاة، انظر: شرح ابن عقيل، بهاء الدين عبد الله بن عقيل،. مط. السعادَة  بمصر، ط.14، 1384هـ/1964م. ج1، ص233 رقم الشاهد 51

3 المائدة : 97

4 الكَهْف : 63 

5 سبأ : 46

6 الشورى : 52-53

7 فُصِّلت : 43

8 مُغْني اللّبيب : 598 

9 القصص : 79

10 الأعراف : 74 

11 مُغْني اللّبيب : 339

12 لُقمان : 27

13 الأعراف: 175-176

14 ذهبَ البصريّونَ إلى أنّ حرفَ الجرّ باقٍ على أصلِه و لم تحصلْ نيابةٌ، وإنّما الذي حصَلَ أنّ العاملَ ضُمّنَ معنى عاملٍ متعدٍّ بذلك الحرفِ ، فحصلَ التّضمينُ في العاملِ الذي هو الفعلُ.

15 الأَحقاف: 33

16 قال السّمينُ الحَلَبي: «زيدت الباءُ لأنه في معنى: أوَلَيس الله بقادرٍ» تفسير السمين الحلبي (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)، تحقيق الشيخين علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية-بيروت، 1994م، انظر تفسير، انظر تفسيرَ الآيَة 33 من سورَة الأحقاف. 

17 يَس: 81

18 القِيامة : 40

19 تَوْكيدُ النّفْيِ بِزِيادةِ الباءِ .

20 النِّساء : 6

21 المؤمنون : 20 ، اختلفَ أهل العَربيةِ في وَجهِ دُخولِ الباءِ في قَوله “بِقادرٍ” فَقالَ بَعضُ نَحْوِيّي البَصرَةِ: هذِه الباءُ كالباء في قَولِه “كَفى بالله” وهو مثلُ “تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ” وقالَ بَعضُ نَحويّي الكوفَةِ: دَخَلَت هذِه الباءُ لِلَمْ، والعَربُ تُدخِلُها مَعَ الجُحودِ إذا كانَت رافِعَةً لِما قَبلَها وتُدْخِلُها إذا وَقَعَ عَلَيها فِعلٌ يحتاجُ إلى اسمينِ مِثل قَولِكَ “ما أظنكَ بِقائمٍ، وما أظنّ أنَّكَ بِقائمٍ وما كُنتُ بِقائمٍ”، فإذا حذفتت الباء نصبت الذي كانَتْ تَعْمَل فيه، ولو ألقِيَتِ الباءُ مِنْ “قادِر” في هذا الموضِعِ رُفِعَ لأنَّه خَبرٌ. و قيلَ: هذِه الباءُ دَخَلَت للجَحْدِ لأنّ المجُحودَ في المعنى وإن كانَ قدْ حالَ بَينهُما بأنَّ “أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ الله قادِرٌ عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوتى” فأنَّ وما بَعْدَها مَفْعولُ “يَرَوْا” وما بَعدَها في صِلَتِها ولا تَدخلُ فيه الباءُ ولكنَّ مَعناه الجَحْدُ فَدَخَلَت للمَعْنى. [تَفسير الطَّبري: 26/35-36] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت.310) دار الفكر، بيروت، 1405. وانظُر في مسألةِ الزّيادةِ في حُروفِ المَعاني وما يُصاحِبُها من دلالاتٍ الفَصْلَ القيّمَ : “مُشْكِلَة الزِّيادَةِ لِحُروفِ المَعاني” في كِتابِ [إشْكالِيّات في البَحْثِ والنَّقْدِ النَّحْوِيَّيْنِ: 53-102] أ.د. فَخْر الدّين قَباوة، سلسلة بُحوث ودِراسات في عُلومِ اللّغةِ والأدَب(8)، حلَب-سورية، ط.1/1425-2004 

22 الواقعة: 17-23.

23 ديوان زُهير بن أبي سلْمى، تَقْديم وشَرْح: علي حسَن فاغور، دار الكُتُب العلميّة، بيروت، 1408هـ/1988م ص:40. والنّهكَةُ الإضرارُ والنّقصُ، والحَقلَّدُ البَخيلُ السّيّءُ الخُلُق. 

24 مُغْني اللّبيب، ص: 685

25 هود: 87.

26 مُغْني اللّبيب، ص: 686

27 النّجم: 50-51.

28 مُغْني اللّبيب، ص: 698

29 غافر: 10.

30 مُغْني اللّبيب، ص: 699

31 مُغْني اللّبيب، ص: 882

32 غافر: 10.

33 تفسير لكَشّاف، لأبي القاسِم الزّمخشري، ضبط وتَصحيح: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003م، تفسير  الآيَة 10 من سورَة غافر.

34 الكهف: 28.

35 تفسير الكَشّاف، للزّمخشري، تفسير  الآيَة 28 من سورَة الكهف.

36 البَقَرَة: 226.

37 مُغْني اللّبيب، ص: 898-899.

38 البَحْر المُحيط، تحقيق عادل عبد الموجود وعليّ معوض، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2001م، الجزء الأول في تفسير سورَة البقرَة، الآيَة 226. 

39 مُغْني اللّبيب، ص: 898-899 

40 البقرة: 231.

41 البَحْر المُحيط، الجزء الأول في تَفسير سورَة البقرَة، الآيَة 226. 

42 عبّرَ ابنُ هشام عن هذه الصّورةِ بالقاعدةِ الخامسةِ  

43 النّحل: 98.

44 المائدة: 6.

45 االذّاريات: 35-36.

46 النّحل: 124.

47 البَحْر المُحيط: تَفسير سورَة النحل، الآيَة 124،

48 تَفسير القُرطبي: تَفسير سورَة النحل، الآيَة 124،

49 القصص: 15.

50 مُغْني اللّبيب: 905.

51 فاطر: 9.

52 مُغْني اللّبيب: 905.

53 مُغْني اللّبيب: 907.

54 يونس: 37.

55 المُجادلَة: 3.

56 مُغْني اللّبيب: 908.

57 السّخلَةُ وَلَدُ الشّاةِ من المَعزِ والضّأنِ.

58 الكتاب لسيبويْه، تحقيق عَبْد السّلام محمّد هارون، ط.الخانجي بالقاهرة، ط.2، 1408هـ/1988م. باب إجراء الصفة فيه على الاسم: ج: 2/ص: 55

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق