وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

صومعة البنات تستغيث معلم مسجد اندثر

بقلم : عبد القادر محمد حسن الغزاوي

 

توجد بمدينة القصر الكبير مجموعة من الزوايا والمزارات والمساجد التاريخية العريقة ، منها ما اندثر ومنها التي ما زالت قائمة موجودة تقاوم عوامل الزمن وتصرفات البشر، من أجل أن تحافظ على المكانة التاريخية والثقافية للمدينة ، حيث كانت المساجد تقام بها الصلوات ، ويذكر فيها إسم الله ، ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾.(1)

وتلقى فيها الدروس في مختلف المجالات ، من بينها مسجد كان يوجد بدار الدباغ بعدوة باب الواد الذي اندثر، ولم تبق منه إلا معلم الصومعة الذي يشهد على ذلك المسجد، الذي كان يعرف بمسجد البنات ، والذي يجهل تاريخ بنائه والعصر الذي كان موجودا فيه وتقام فيه الصلوات، بسبب انعدام الوثائق و النصوص التاريخية التي تتحدث عن التاريخ والعصر الذي شيد فيه، ومن المرجح أنه كان موجودا في عهد السلطان أبو الربيع مولاي سليمان بن محمد العلوي ( 1760- 1822 م )،  وبالقرب منه كانت توجد بئر تستغل من طرف ضيوف المسجد وعمال دار الدباغة في صناعاتهم، ومعلم صومعة المسجد تعرف الآن عند أهل مدينة القصر الكبير بصومعة البنات .

ويقول عنها الأستاذ الحاج عبد السلام القيسي إن: صومعة البنات من المآثر القديمة التي ما زالت موجودة وقائمة إلى الآن بالحي الجنوبي لمدينة القصر الكبير، المسمى قديما بحي البناتيين، كانت مئذنة لمسجد يسمى مسجد البنات ، يجهل تاريخ بنائه ، لكن الثابت أنه كان موجودا يؤدى مهمته خلال العهد السليماني ، حيث ورد ذكره بحوالة الأحباس المؤرخة بعام 1223ه/ 1808 م ، وقد تهدم هذا المسجد ولحقه الخراب في تاريخ قديم واندثر بناؤه ولم تبق إلا هذه الصومعة التي تهدم جزؤها الأعلى ، وكانت بجانبها بئر يستعملها الدباغون في أعمالهم وقد نسجت حول هذه الصومعة أساطير وروايات أصبحت متداولة بين السكان وخصوصا عوامهم ونساءهم على الأخص ، ومفادها أن الفتيات العوانس يجدن فارس الأحلام ويتحقق حلمهن بالزواج بزيارة هذه الصومعة يوم الجمعة عند الآذان لصلاتها ، حيث يصعدن إليها ويخضبن شعورهن بالحناء ويرتلن بعض الأدعية والتراتيل ، وقد يكررن هذه الزيارة في يوم الجمعة أيضا إلى أن تقضى حاجتهن ، وقد أصبحت هذه الصومعة بذلك أثرا معروفا مشهورا بالمدينة والنواحي القريبة منها ، ويقال أن مدرسة خاصة بتعليم البنات كانت موجودة بالمسجد المندثر تسمى كذلك بجامع البنات ، وتقع أجزاء من السور الجنوبي الذي كان يحيط بالمدينة والذي يرجع تاريخه إلى عهد الموحدين ، قريبا من هذا الجامع ).(2).

لم يبق من ذلك المسجد إلا معلم الصومعة الذي لا زال شاهدا واقفا يتحدى ظروف الزمن والإهمال والنسيان ، حيث يستدعي وضع الصومعة الحالي التدخل العاجل لصيانتها وترميمها حتى لا يكون مصيرها كباقي مآثر ومعالم مدينة القصر الكبير التي خربت ودمرت وهدمت ثم بادت .

 

المراجع والهوامش :

1 ـ الآية رقم 36 . سورة النور .

2 ـ من وثائق الحاج عبد السلام القيسي الحسني .

3 ـ كتاب التشوف إلى رحال التصوف لأبي يعقوب يوسف التادلي المعروف بابن الزيات. نشره وصححه أدولف فور . طبعة سنة 1958 م .الصفحتان  331 و 332 . رقم الترجمة 167 .

4 ـ كتاب التشوف ( الكتاب نفسه ) . تحقيق : أحمد التوفيق . الطبعة الثانية .  السنة 1997 م . الصفحتان 331 و 332 . رقم الترجمة  167 .

5 ـ كتاب أنس الفقير وعز الحقير . لأبي العباس أحمد الخطيب الشهير بابن قنفذ . نشره وصححه محمد الفاسي وأدولف فور . طبعة سنة 1965 م . الصفحة رقم  91 .

6 ـ كتاب أنس الفقير وعز الحقير( الكتاب نفسه ) . تحقيق أبي سهل نجاح عوض صيام . الطبعة الأولى . الصفحات 135 و 136 .

7 ـ بالإضافة إلى كتابات الأستاذين الجليلين : ـ الحاج عبد السلام القيسي ( أشهر أولياء مدينة القصر الكبير . ـ مخطوط  ـ )  ـ محمد أخريف ( إطلالة على أولياء القصر الكبير )

 

القصر الكبير في : 27 شتنبر 2008 م            

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق