مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

شيخ الإسلام عبد القادر الفاسي

 

هو عبد القادر بن أبي الحسن علي بن أبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي بن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن عبد الملك بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفهري الكناني النسب المالقي الأندلسي الأصل[1 ]. وآل الفاسي كانوا يسمون بآل ابن الجد في الأندلس، وبنو الجد فهريون، وكان استيطانهم في مدينة نبلة (Niebla) من أعمال إشبيلية، ثم انتقلوا إلى مدينة إشبيلية، ومنها لمالقة، ثم إلى فاس حدود سنة (880هـ/1483) وبها تسموا بالشماع، ثم من فاس إلى مدينة القصر الكبير، وبها تسموا بالفاسي، ومنها عادوا إلى فاس مرة أخرى [2].  
مولده:
ولد الشيخ عبد القادر الفاسي بالقصر الكبير عند زوال يوم الاثنين ثاني رمضان سنة سبع وألف (1007هـ/1512م)[3] . وسميت هذه السنة بالمغرب بعام الفيل، ويرجع سبب هذه التسمية؛ أن السلطان أحمد المنصور بعث لولده المأمون بفاس هدية من مراكش فيها تحف وأموال عريضة من بينها فيلة صغيرة، فخرج للقاء ذلك أهل فاس بنحو مائة ألف شخص [4]. 
المطلب الثاني : النشأة والتكوين العلمي.
نشأته العلمية:
نشأ الشيخ في حجر والده علي بن يوسف الفاسي، مصونا عن عبث الصبيان وعن لهو الأقران، ملازما لدار جده، وبها ولد وربى محفوفا بالتدريج الرحماني والتوفيق الرباني[5]. 
تلقى الشيخ تكوينه العلمي الأولي بمسقط رأسه على يدي والده، فتعلم القرآن والعربية، وحفظ القرآن على معلمه الرجل الصالح سيدي غانم السفياني، ثم لازم القراءة على أخيه الفقيه الإمام أبي العباس مدة، وقرأ أيضا على الفقيه سيدي محمد أزيات وسيدي محمد الرجاس وسيدي عبد القوي كلهم من فقهاء القصر الكبير[6]. 
ثم رحل إلى فاس، بقصد التعلم والقراءة، وذلك في أوائل رجب سنة خمس وعشرون وألف، فنزل بالمدرسة المصباحية، وانكب على التعلم والجد والاجتهاد وتحصيل الفوائد التي يُهجر في طلبها النومُ والرقاد، فكان كثيرا ما يجد نفسه في الطريق سائر وقلبه متعلق بمجالس العلم وحنينه إلى أماكن القراءة في وقتها وفي غير وقتها، فانتفع في أقرب مدة. وحصل في الزمن اليسير من العلم ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير.
فقد كان أنجب وأعلم أهل زمانه، وأثبتهم وأضبطهم، وأكثرهم حفظا للمسائل من كل فن، من غير تكلف، فحصَّل علما غزيرا، وانتفع في أقرب مدة، ثم تأهل في فاس، وداع صيته في الآفاق.
مصادر التلقي:
تلقى الشيخ عبد القادر العلم على يد عدد كبير من العلماء ذكرهم في فهرسته الموسومة بـ”فهرست عبد القادر الفاسي” أو الإجازة الكبرى وسأكتفي بذكر أبرزهم: 
– والده على بن يوسف الفاسي (ت. 1036هـ)[8]، من العلماء الصالحين، والسالكين سبيل المهتدين، ومن أهل المعرفة واليقين، والمقتدى بهم في العلم والدين. قرأ على أخيه أبي المحاسن وعلى الفقيه المفتي الخطيب أبي زكريا يحيى بن محمد السراج وغيرهم. من مؤلفاته: حاشية على تفسير الجلالين، وحاشية على شرح الصغرى، وحاشية على صحيح البخاري كثيرة الفوائد، وله أجوبة وتقاييد كثيرة في التفسير والحديث والأصول والفقه والتصوف.
– عبد الرحمن بن محمد الفاسي (ت.1036هـ)[7] الإمام المتبحر النظار، الجامع لأدوات الاجتهاد، المحقق لجميع العلوم.
– الشيخ القاضي ابن أبي النعيم الغساني (ت. 1032هـ)[9]، العلامة المدرس القاضي الخطيب البليغ. تتلمذ على شيوخ وقته، كالمنجور والسراج والحميدي وأبي العباس أحمد بابا السوداني.
– أبو العباس المقري (ت. 1041هـ)[10]، هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني عالم الغرب الإسلامي ومؤرخها، في القرن الحادي عشر الهجري، درس على معظم علماء عصره، على رأسهم، شيخ فاس ومفتيها أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي المشهور بالقصار. من مؤلقاته: “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” و”أزهار الرياض في أخبار عياض” و”إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة”.
ثناء العلماء عليه ومكانته العلمية.
من خلال استقرائي لمجموعة من التراجم والوثائق  والمقالات التي تعرضت لحياة الشيخ عبد القادر الفاسي، يظهر لي جليا، أن هذا الرجل هو أحد أهم علماء الأسرة الفاسية في القرنين العاشر وبداية القرن الحادي عشر الهجري، وقد تم نعته في هذه التراجم بأسمى وأعلى الأوصاف التي لا يوصف بها في الغالب سوى كبار الشيوخ من أمثاله، من خلالها يتضح لي أنني أمام عالم كبير، نشأ في بيت شهير المجد، واسع الأصالة، فنبغ من صغاره نبوغا عظيما، إلى أن بلغ شأوا بعيدا في جل ميادين المعرفة.
فما المكانة العلمية التي تبوأها الشيخ عبد القادر الفاسي؟ 
اتفق جل من ترجم له على أنه الشيخ الإمام، قدوة الأنام، إمام الأئمة، وشمس الأمة، جامع أشتات الفنون، والمبرز في سائر أنواع العلوم من معقول ومفهوم.
إذن هو كما وصفه صاحب السلوة [10] “إمام الأئمة، وشمس الأمة، ركن الإسلام، وعلم الأعلام، أستاذ الأستاذين، وتاج العارفين، العلامة القدوة الحجة المشارك، المحصل من العلوم ما تقصر عنه المدارك”. ويضيف عن خلقه وورعه: “الكامل علما وعملا، وخلقا وأدبا ومقاما وحالا، ودينا وتقى ومحبة”. 
وقد جرت على ألسنة القوم قولهم- لكثرة الفتن التي ظهرت في القرن الحادي عشر- لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي عشر وهم: سيدي عبد القادر الفاسي في فاس، وسيدي محمد بن أبي بكر الدلاني في الدلاء، وسيدي محمد بن ناصر الدرعي في درعة[11].
عطاء الشيخ عبد القادر:
1- : مدرسته.
بعد مسيرة التعلم على جهابذة علماء عصره، جلس الشيخ عبد القادر للتدريس وتلقين العلم بزاويته، فأقبل عليه جم غفير من طلبة العلم، وفيما يلي أذكر عدد منهم:
– أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي (ت. 1090هـ) [12]هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن موسى بن عبد الله بن عبد الرحمن الفجيجي أصلا، العياشي بلدا، نبغ في عدة علوم واتسمت ثقافته بالموسوعية والإحاطة بمعارف العصر، وظهر ذلك في تنوع الكتب التي ألفها في شتى فنون المعرفة. أخذ عن شيخه أذكار الشاذلي ووظيفة الشيخ زروق ودلائل الخيرات.
– محمد العربي بن محمد بن محمد بن أبي عنان الشريف (ت. 1089هـ) [13] فقيه وأديب وخطيب مفوه، تولى إمامة جامع الأندلس ودرس بالقرويين، وتتلمذ عن أعلام فاس، من بينهم الشيخ عبد القادر الفاسي، الذي أجازه إجازة عامة بعد أن أرسل نص الاستدعاء لشيخه عبد القادر[14]. 
– أبو محمد عبد السلام بن الطيب بن محمد القادري الحسني (ت. 1114هـ)[15]، ولد بفاس وبها نشأ في كنف أسرة عرفت بالعلم والصلاح والاستقامة. لازم شيوخ عدة، واقتفى أثرهم من جملتهم الشيخ عبد القادر الفاسي (ت 1091هـ)، تصدر للتدريس والإقراء والمناظرة، في علم النحو والبيان والمنطق والحديث…، فأقبل عليه الطلبة وأعيان العلماء للأخذ عنه.
– الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي(ت. 1102هـ)[16]، فقيه مالكي أديب، ينعت بغزالي عصره، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر، سيف السنة القائم عن وجود أهل عصره.
محمد بن عبد القادر الفاسي (ت.1116هـ)[17] هو الإمام الكبير، العالم العلامة الشهير، إمام المحققين، ورئيس المحدثين، الفقيه المشارك المتفنن، أبو عبد الله سيدي محمد بن سيدي عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن الفاسي، يعتبر أحد أعلام علماء فاس وفقهائها، زاهدا ورعا متين الدين، أحرز قصب السبق في علوم منها؛ النحو والبيان والمنطق والحديث والسير والتصوف والأصول والفقه ومهر في جميعها.
– عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت.1096هـ)[18]: العلامة الحافظ المشارك المقرئ أبو زيد عبد الرحمن بن الشيخ عبد القادر الفاسي، نشأ في حجر والده شيخ الإسلام عبد القادر الفاسي وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين.
لقب الشيخ عبد الرحمن الفاسي بـ “سيوطي زمانه” لكثرة تآليفه كما وكيفا، من بينها: شرح عقيدة أهل الإيمان لوالده عبد القادر الفاسي.
آثاره العلمية
استمر عطاء الشيخ عبد القادر الفاسي في حياته العلمية بين التدريس والتثقيف، ورغم غزارة علمه وتكوينه الموسوعي في علوم عصره، إلا أن إنتاجه لم يخصص له كتب في مواضيع معينة، وإنما كانت تصدر عنه أجوبة ورسائل في مختلف الفنون، كالفقه والمنطق والحديث والعقيدة، وقد اعتنى بها تلاميذه فجمعوها ونسقوها خاصة تلميذه وابنه البار الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، وهذه جملة من الآثار:
1- حاشية عبد القادر الفاسي على صحيح البخاري، مخطوط ضخم[19]. 
2- فهرست عبد القادر الفاسي، جمعها ابنه عبد الرحمن [20].
3- مقدمة في أصول الفقه، وقد شرح هذه المقدمة، حفيده محمد الطيب محمد بن عبد القادر الفاسي[21]. 
4- فقهية عبد القادر الفاسي [22]. شرحها محمد جسوس.
5- فتاوى عبد القادر الفاسي[23]. 
6- الأجوبة الكبرى أو النوازل الكبرى [24].  
7- عقيدة أهل الإيمان[25]: الموضوعة للنساء والصبيان، وهي رسالة صغيرة، وقد تميزت عقيدة الشيخ بسلاسة الأسلوب وبساطة المضامين. 
8- تقييد في علم الكلام[26]. 
9- نظم في تقسيم الممكن[27]. 
10- تعريفات وحدود[28]. 
11- جواب حول معاقبة العبد على فعله مع كون أفعاله مخلوقة لله تعالى[29]. 
12- في طريق القوم[30].. 
13- الأجوبة الحسان في الإمامة والسلطان[31]. 
وفاتــــه[32]
وبعد حياة حافلة بالعلم والدعوة جاء أجل الشيخ عبد القادر الفاسي بمقر سكناه ظهير يوم الأربعاء ثامن رمضان سنة إحدى وتسعين وألف، ودفن من الغد في زاويته بمحل تدريسه بوصية منه، وذلك بالقلقلين من فاس القرويين، وشيع الناس جنازته، ورثى بقصائد كثيرة.
 وقد رثاه العلامة اليوسي في مراسلة أرسلها يعزي فيها ولديه فقال: 
مصاب لو أن الأرض مس أديمها لما انبعث نهرا ولا نبتت زهرا
وفيه يقول بعضهم أيضا متمثلا:
بعض أرائه العقدية:
أول واجب على المكلف:
معرفة الله:
يعتبر الشيخ عبد القادر الفاسي أن معرفة الله واجب على كل مكلف بلغة دعوة النبوة «اعلم أن الله أوجب على كل مكلف، وهو العاقل البالغ، الذي بلغته دعوة النبوة أن يكون عارفا بما يجب له سبحانه، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه»[33]. 
يقول عبد الرحمن الفاسي في شرحه لعقيدة والده:« أن معرفة الله عز وجل تتجلى في أن يكون عارفا بما يجب له سبحانه في الصفات والأفعال، وما يستحيل من نقص وما يجوز في حقه بالواجب حكم لا يتصور في العقل عدمه، فيجب له كل وصف كمال»[34]. 
فهل يلزم حدوث المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر؟
على طول مرحلة الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي لوحظ شبه إجماع على إيجاب النظر واعتباره من فروض الأعيان ونبذ التقليد في العقائد نبذا صارما.
وإلى وجوب المعرفة ذهب جمهور أهل العلم كالشيخ أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني. 
ووقع خلاف بين علماء الكلام في مستند وجوب المعرفة، هل هو الشرع أم العقل؟ فذهب المعتزلة  إلى أن العقل بمجرده موجب[35]، ولقد شاع نسبة القول بكفر المقلد في العقيدة إلى بعض الأشاعرة مع أن كفر المقلد لم يقل به إلا أبو هاشم من المعتزلة. قال الآمدي في “أبكار الأفكار”: “ذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لم يعرف الله بالدليل فهو كافر، لأن ضد المعرفة النكرة، والنكرة كفر. قال: وأصحابنا مجمعون على خلافه، وإنما اختلفوا فيما إذا كان الاعتقاد موافقا لكن من غير دليل، فمنهم من قال: إن صاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب، ومنهم من اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق، وإن لم يكن عن دليل وسماه علما، وعلى هذا فلا يلزم من حصول المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر”[36] ، خاصة إذا كان الحديث الموجه إلى العامة أو الصبيان، فمن المعروف عن علماء الأمة – رضي الله عنهم- كابن أبي زيد وابن الحاجب وغيرهم أنهم ألفوا تآليف مختصرة، اقتصروا فيها على سرد العقائد مجردة من الأدلة، لتحفظها العامة ومن قصر عقله عن النظر، ليرتقوا من معرفتها تقليدا إلى البحث عن أدليتها، وما ذلك إلا أنهم رأوا أكثر العامة لا يحسن العقائد ولو بالتقليد، فأرادوا من نصيحتهم أن ينقلوها من مرتبة يخشى عليهم فيها أن يكون على اعتقاد مجمع فيه على الكفر إلى مرتبة مختلف فيها، ولعلها تكون سلما إلى المعرفة[37]. والشيخ عبد القادر الفاسي، إن كان قد أوجب المعرفة فإنه لم يصرح بوجوب النظر.
رؤية الله
يرى الشيخ عبد القادر أن رؤية الله ـ عز وجل ــ جائزة للمؤمنين فيقول:«  وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بلا تكييف»[38].فالملاحظ أن الشيخ تكلم عن رؤية الله باقتضاب شديد.
و يرى الأشاعرة عموما أن الرؤية هي ما أوجبت لمحلها كونه رائيا، أو هي إدراك يقوم بالمدرك يتعلق بالمدرك، أو هي صفة لأجلها كان الرائي رائيا، وأما الرائي فهو المبصر للمرئيات أو المدرك بإدراك زائد على ذاته يتعلق وجوده بوجود المرئيات. والمرئي هو الشيء الذي تعلقت به الرؤية والبصر والإدراك والنظر ألفاظ مترادفة عند البعض، وقيل إن الإدراك أعم من الرؤية[39].
احتج الأشاعرة على جواز رؤية الله- عز وجل-  بالسمع والعقل.
الدليل السمعي: فقوله تعالى:﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾[40]، والنظر هنا لايخلو من وجوه لخصها إمام أهل السنة فقال في إبانته:
إما أن يكون نظر الاعتبار، كقوله تعالى﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت﴾.
أو يكون عنى نظر الانتظار، كقوله تعالى ﴿ما ينظرون إلا صيحة واحدة﴾.
أو يكون عنى نظر التعطف، كقوله تعالى﴿ ولا ينظر إليهم يوم القيامة﴾.
أو يكون عنى نظر الرؤية.
أما الوجه الأول: فلا يجوز أن يكون عنى الله تعالى نظر التفكير والاعتبار، لأن الآخرة ليست بدار الاعتبار.
 ولا يجوز أن يكون المولى عز وجل عنى نظر الانتظار، لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه، وأيضا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة لأن الانتظار معناه تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في :«مالا عين رأت ولا أذن سمعت»[41].
وكذا لا يجوز أن يكون النظر هنا نظر التعطف لأن الخلق لا يجوز لهم أن يتعطفوا على  خالقهم، فإذا فسدت هاته الأقسام الثلاث، صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو معنى  قوله  تعالى:«إلى ربها ناظرة»[42].
أما السنة فمن قوله- صلى الله عليه وسلم- :«ترون ربكم كما ترون القمر ليس دونه سحاب»[43] وقوله ﴿كما﴾ راجعة للرائي للمرئي يتعالى الله عن الجهات، فبشرنا –عليه السلام- ببشارتين: إحدهما أن نراه، والثانية: أنا نعلم عند رؤيته أنه هو ضرورة، كما نعلم القمر إذا رأيناه، وكذلك بشرنا ربنا ببشارتين: إحدهما نضرة النعيم، والثانية نظر العين إليه. 
أما الإجماع: فهو إجماع  السلف الكرام من الصحابة والتابعين لهم من أهل السنة أن الله -تعالى- يرى في الجنة بالأبصار، واختلفوا في رؤيته في المحشر[44].
أما الأدلة العقلية:
الدليل على أن الرؤية جائزة: أنه تعالى موجود، وكل موجود تجوز رؤيته؛ 
لأنه لا يرى لكونه قديما لرؤية المحدثات.
ولا لكونه محدثا، لرؤية الباقيات.
ولا لكونه صفة، لرؤية الموصوفات.
ولكونه موصوفا، لرؤية الصفات.
وفي رؤية لذلك كله دليل على أنه إنما جازت رؤيته لأجل وجوده، فلما كان –تعالى- موجودا جازت رؤيته[45]. 
ويستدل الإمام الغزالي على رؤية الله عز وجل بكونه موجودا في قوله:« أنه سبحانه وتعالى عندنا مرئي لوجوده، ووجود ذاته، فليس ذلك إلا لذاته، فإنه ليس لفعله ولا لصفة من صفاته، بل كل موجد ذاتا فواجب أن يكون مرئيا، كما أنه واجب أن يكون معلوما، ولست أعني به أنه واجب أن يكون معلوما ومرئيا بالفعل بل بالقوة، أي هو من حيث ذاته مستعد لأن تتعلق الرؤية به، وأنه لا مانع ولا محيل في ذاته له  فإن امتنع وجود الرؤية فلأمر آخر خارج عن ذاته»[46].
إعداد الباحثة: حفصة البقالي
الهوامش:
1- انظر ترجمته: فهرست عبد القادر الفاسي، تح: محمد عزوز، ص10. تحفة الوارد الصادر في شرح عقيدة التوحيد للشيخ عبد القادر الفاسي، مخطوطة خزانة القرويين، ص4:. الإكليل والتاج في تذليل كفاية المحتاج لمحمد الطيب القادري، تح: ماريا داري، ص: 422. محمد بن مخلوف، سلوة الأنفاس 1/351. طبقات الحضيكي، 2/506. شجرة النور الزكية 2/237.
2- مرآة المحاسن، ص:20.
3- فهرسة الفاسي، ص:11. سلوة الأنفاس، 1/350
4- نشر المثاني ضمن موسوعة أعلام المغرب، 3/1150. تحفة الوارد الصادر، ص:6.
5- فهرست عبد القادر الفاسي، ص:17.
6- المصدر السابق، ص: 17.
7- فهرست عبد القادر الفاسي، ص:19، مرآة المحاسن، ص:310. شجرة النور الزكية، 1/299. الفكر السامي 2/275.
8- انظر ترجمته في: نشر المثاني في 1/139. والتقاط الدرر ص:77.  وزهرة الآس، 2/71.
9- محمد حجي، نشر المثاني (موسوعة أعلام المغرب )3/1163-1164. فهرست عبد القادر الفاسي، ص:22.
10- فهرست عبد القادر الفاسي، ص:22. نشر المثاني ضمن موسوعة أعلام المغرب 3/1243. وما بعدها، فهرست الفهارس لعبد الحي الكتاني ص:574.  
11- الإكليل والتاج، ص: 423. سلوة الأنفاس، 1/352.
12- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد أمين بن فضل الله المحبى الحنفي، تح: محمد حسن إسماعيل، 3/70. سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد الذهبي، 6/387. ابن سودة، دليل مؤرخ المغرب، ص: 247.
13- نشر المثاني، وفهرست الفهارس للكتاني 02/465.
14- نص الاستدعاء بفهرست عبد القادر الفاسي، ص:34
15- نشر المتاني 3/94. سلوة الأنفاس 2/392-396 شجرة النور الزكية 1/323.
16- اليوسي، المحاضرات ص:4. نشر المثاني ( موسوعة أعلام المغرب)، 51801.
17- المصدر السابق، 5/1898. تذكرة المحسنين( موسوعة أعلام المغرب)، 5/1804.
18- سلوة الأنفاس، 1/357-358.
19- يوجد منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 2150 د. و.مؤسسة آل سعود بالدار البيضاء تحت رقم: 440.
20- مخطوطة بالخزانة الوطنية 13/1254. حققها الأستاذ محمد عزوز، منشورات المركز الثقافي المغربي ودار ابن حزم.
21- مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: د- 36563.
22- مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقمها: د- 2582 و د1226.
23- مخطوط بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: د 1995.
24-مخطوطة بخزانة القرويين بفاس تحت رقم: 741 والخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 2926.
25- مخطوطة بالخزانة القرويين تحت رقم: 3604 والخزانة الحسنة التي تضم ثلاث نسخ وهي 2/749، 1/31، 1/307. مطبعة أولى بالمطبعة الجديدة بالطالعة بفاس 30 سنة 1347هـ ..
26- مخطوط في الخزانة الحسنية تحت رقم: 12080 والزاوية الحمزاوية بإقليم الراشدية رقم: 2250.
27- الخزانة الحسنية رقم: 3/982.
28- مخطوط بمؤسسة علال الفاسي بالرباط رقم: ع.398.
29- مخطوط بمؤسسة علال الفاسي بالرباط ع 257.
30- مخطوط بالزاوية الحمزاوية بإقليم الراشيدية رقم: 1316.
31- مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، ضمن مجموع رقم: 1439.
32-تحفة الوارد الصادر، ص: 8 الإكليل والتاج، ص: 423. شجرة النور الزكية 2/238.
33- عبد القادر الفاسي، مخطوطة عقيدة أهل الإيمان ص:1.
34- عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، مخطوطة، تقيد على عقيدة عبد القادر الفاسي ص:2.
35- الاقتصاد في الاعتقاد، ص457.
36- سيف الدين الآمدي، أبكار الأفكار في أصول الدين1/100-101.
37- شرح السنوسية الكبرى، للسنوسي، تح: عبد الفتاح عيد الله بركة، ص:59.
38- عقيدة أهل الإيمان، ص:7.
39- اليفراني مخطوط المباحث، ص190-191، نقلا بالواسطة عن عثمان السلالجي للدكتور جمال البختي، ص: 417.
40- سورة القيامة 22-23.
41- أخرجه الحاكم في مستدركه رقم الحديث: 3549، وأخرجه الطبراني في معجمه الأوسط رقم الحديث738.
42- انظر “الإبانة عن أصول الديانة” لأبي الحسن الأشعري، ص21-22.
43- صحيح البخاري تحت رقم 554، و صحيح مسلم تحت رقم 633.
44- مقدمات المراشد،ص  219.
45- عقيدة أبي بكر المرادي الحضرمي، تح الدكتور جمال البختي، ص: 265.
46- الاقتصاد في الاعتقاد، للغزالي، ص: 274.

هو عبد القادر بن أبي الحسن علي بن أبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي بن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن عبد الملك بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفهري الكناني النسب المالقي الأندلسي الأصل[1]. وآل الفاسي كانوا يسمون بآل ابن الجد في الأندلس، وبنو الجد فهريون، وكان استيطانهم في مدينة نبلة (Niebla) من أعمال إشبيلية، ثم انتقلوا إلى مدينة إشبيلية، ومنها لمالقة، ثم إلى فاس حدود سنة (880هـ/1483) وبها تسموا بالشماع، ثم من فاس إلى مدينة القصر الكبير، وبها تسموا بالفاسي، ومنها عادوا إلى فاس مرة أخرى [2].  

مولده:

ولد الشيخ عبد القادر الفاسي بالقصر الكبير عند زوال يوم الاثنين ثاني رمضان سنة سبع وألف (1007هـ/1512م)[3] . وسميت هذه السنة بالمغرب بعام الفيل، ويرجع سبب هذه التسمية؛ أن السلطان أحمد المنصور بعث لولده المأمون بفاس هدية من مراكش فيها تحف وأموال عريضة من بينها فيلة صغيرة، فخرج للقاء ذلك أهل فاس بنحو مائة ألف شخص [4]. 

المطلب الثاني: النشأة والتكوين العلمي

نشأته العلمية:

نشأ الشيخ في حجر والده علي بن يوسف الفاسي، مصونا عن عبث الصبيان وعن لهو الأقران، ملازما لدار جده، وبها ولد وربى محفوفا بالتدريج الرحماني والتوفيق الرباني[5]. 

تلقى الشيخ تكوينه العلمي الأولي بمسقط رأسه على يدي والده، فتعلم القرآن والعربية، وحفظ القرآن على معلمه الرجل الصالح سيدي غانم السفياني، ثم لازم القراءة على أخيه الفقيه الإمام أبي العباس مدة، وقرأ أيضا على الفقيه سيدي محمد أزيات وسيدي محمد الرجاس وسيدي عبد القوي كلهم من فقهاء القصر الكبير[6]. 

ثم رحل إلى فاس، بقصد التعلم والقراءة، وذلك في أوائل رجب سنة خمس وعشرين وألف، فنزل بالمدرسة المصباحية، وانكب على التعلم والجد والاجتهاد وتحصيل الفوائد التي يُهجر في طلبها النومُ والرقاد، فكان كثيرا ما يجد نفسه في الطريق سائرا وقلبه متعلق بمجالس العلم وحنينه إلى أماكن القراءة في وقتها وفي غير وقتها، فانتفع في أقرب مدة. وحصل في الزمن اليسير من العلم ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير.

فقد كان أنجب وأعلم أهل زمانه، وأثبتهم وأضبطهم، وأكثرهم حفظا للمسائل من كل فن، من غير تكلف، فحصَّل علما غزيرا، وانتفع في أقرب مدة، ثم تأهل في فاس، وذاع صيته في الآفاق.

مصادر التلقي:

تلقى الشيخ عبد القادر العلم على يد عدد كبير من العلماء ذكرهم في فهرسته الموسومة بـ”فهرست عبد القادر الفاسي” أو الإجازة الكبرى وسأكتفي بذكر أبرزهم: 

– والده على بن يوسف الفاسي (ت. 1036هـ)[8]، من العلماء الصالحين، والسالكين سبيل المهتدين، ومن أهل المعرفة واليقين، والمقتدى بهم في العلم والدين. قرأ على أخيه أبي المحاسن وعلى الفقيه المفتي الخطيب أبي زكريا يحيى بن محمد السراج وغيرهم. من مؤلفاته: حاشية على تفسير الجلالين، وحاشية على شرح الصغرى، وحاشية على صحيح البخاري كثيرة الفوائد، وله أجوبة وتقاييد كثيرة في التفسير والحديث والأصول والفقه والتصوف.

– عبد الرحمن بن محمد الفاسي (ت.1036هـ)[7] الإمام المتبحر النظار، الجامع لأدوات الاجتهاد، المحقق لجميع العلوم.

– الشيخ القاضي ابن أبي النعيم الغساني (ت. 1032هـ)[9]، العلامة المدرس القاضي الخطيب البليغ. تتلمذ على شيوخ وقته، كالمنجور والسراج والحميدي وأبي العباس أحمد بابا السوداني.

– أبو العباس المقري (ت. 1041هـ)[10]، هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني عالم الغرب الإسلامي ومؤرخها، في القرن الحادي عشر الهجري، درس على معظم علماء عصره، على رأسهم، شيخ فاس ومفتيها أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي المشهور بالقصار. من مؤلقاته: “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” و”أزهار الرياض في أخبار عياض” و”إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة”.

ثناء العلماء عليه ومكانته العلمية:

من خلال استقرائي لمجموعة من التراجم والوثائق  والمقالات التي تعرضت لحياة الشيخ عبد القادر الفاسي، يظهر لي جليا، أن هذا الرجل هو أحد أهم علماء الأسرة الفاسية في القرنين العاشر وبداية القرن الحادي عشر الهجري، وقد تم نعته في هذه التراجم بأسمى وأعلى الأوصاف التي لا يوصف بها في الغالب سوى كبار الشيوخ من أمثاله، من خلالها يتضح لي أنني أمام عالم كبير، نشأ في بيت شهير المجد، واسع الأصالة، فنبغ من صغره نبوغا عظيما، إلى أن بلغ شأوا بعيدا في جل ميادين المعرفة.

فما المكانة العلمية التي تبوأها الشيخ عبد القادر الفاسي؟ 

اتفق جل من ترجم له على أنه الشيخ الإمام، قدوة الأنام، إمام الأئمة، وشمس الأمة، جامع أشتات الفنون، والمبرز في سائر أنواع العلوم من معقول ومفهوم.

إذن هو كما وصفه صاحب السلوة [10] “إمام الأئمة، وشمس الأمة، ركن الإسلام، وعلم الأعلام، أستاذ الأستاذين، وتاج العارفين، العلامة القدوة الحجة المشارك، المحصل من العلوم ما تقصر عنه المدارك”. ويضيف عن خلقه وورعه: “الكامل علما وعملا، وخلقا وأدبا ومقاما وحالا، ودينا وتقى ومحبة”. 

وقد جرت على ألسنة القوم قولهم- لكثرة الفتن التي ظهرت في القرن الحادي عشر- لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي عشر وهم: سيدي عبد القادر الفاسي في فاس، وسيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في الدلاء، وسيدي محمد بن ناصر الدرعي في درعة[11].

عطاء الشيخ عبد القادر:

1- مدرسته:

بعد مسيرة التعلم على جهابذة علماء عصره، جلس الشيخ عبد القادر للتدريس وتلقين العلم بزاويته، فأقبل عليه جم غفير من طلبة العلم، وفيما يلي أذكر عددا منهم:

– أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي (ت. 1090هـ) [12] هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن موسى بن عبد الله بن عبد الرحمن الفجيجي أصلا، العياشي بلدا، نبغ في عدة علوم واتسمت ثقافته بالموسوعية والإحاطة بمعارف العصر، وظهر ذلك في تنوع الكتب التي ألفها في شتى فنون المعرفة. أخذ عن شيخه أذكار الشاذلي ووظيفة الشيخ زروق ودلائل الخيرات.

– محمد العربي بن محمد بن محمد بن أبي عنان الشريف (ت. 1089هـ) [13] فقيه وأديب وخطيب مفوه، تولى إمامة جامع الأندلس ودرس بالقرويين، وتتلمذ عن أعلام فاس، من بينهم الشيخ عبد القادر الفاسي، الذي أجازه إجازة عامة بعد أن أرسل نص الاستدعاء لشيخه عبد القادر[14]. 

– أبو محمد عبد السلام بن الطيب بن محمد القادري الحسني (ت. 1114هـ)[15]، ولد بفاس وبها نشأ في كنف أسرة عرفت بالعلم والصلاح والاستقامة. لازم شيوخ عدة، واقتفى أثرهم من جملتهم الشيخ عبد القادر الفاسي (ت 1091هـ)، تصدر للتدريس والإقراء والمناظرة، في علم النحو والبيان والمنطق والحديث…، فأقبل عليه الطلبة وأعيان العلماء للأخذ عنه.

– الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي(ت. 1102هـ)[16]، فقيه مالكي أديب، ينعت بغزالي عصره، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر، سيف السنة القائم عن وجود أهل عصره.

محمد بن عبد القادر الفاسي (ت.1116هـ)[17] هو الإمام الكبير، العالم العلامة الشهير، إمام المحققين، ورئيس المحدثين، الفقيه المشارك المتفنن، أبو عبد الله سيدي محمد بن سيدي عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن الفاسي، يعتبر أحد أعلام علماء فاس وفقهائها، زاهدا ورعا متين الدين، أحرز قصب السبق في علوم منها؛ النحو والبيان والمنطق والحديث والسير والتصوف والأصول والفقه ومهر في جميعها.

– عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت.1096هـ)[18]: العلامة الحافظ المشارك المقرئ أبو زيد عبد الرحمن بن الشيخ عبد القادر الفاسي، نشأ في حجر والده شيخ الإسلام عبد القادر الفاسي وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين.

لقب الشيخ عبد الرحمن الفاسي بـ “سيوطي زمانه” لكثرة تآليفه كما وكيفا، من بينها: شرح عقيدة أهل الإيمان لوالده عبد القادر الفاسي.

آثاره العلمية:

استمر عطاء الشيخ عبد القادر الفاسي في حياته العلمية بين التدريس والتثقيف، ورغم غزارة علمه وتكوينه الموسوعي في علوم عصره، إلا أن إنتاجه لم يخصص له كتب في مواضيع معينة، وإنما كانت تصدر عنه أجوبة ورسائل في مختلف الفنون، كالفقه والمنطق والحديث والعقيدة، وقد اعتنى بها تلاميذه فجمعوها ونسقوها خاصة تلميذه وابنه البار الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، وهذه جملة من الآثار:

1- حاشية عبد القادر الفاسي على صحيح البخاري، مخطوط ضخم[19]. 

2- فهرست عبد القادر الفاسي، جمعها ابنه عبد الرحمن [20].

3- مقدمة في أصول الفقه، وقد شرح هذه المقدمة، حفيده محمد الطيب محمد بن عبد القادر الفاسي[21]. 

4- فقهية عبد القادر الفاسي [22]. شرحها محمد جسوس.

5- فتاوى عبد القادر الفاسي[23]. 

6- الأجوبة الكبرى أو النوازل الكبرى [24].  

7- عقيدة أهل الإيمان[25]: الموضوعة للنساء والصبيان، وهي رسالة صغيرة، وقد تميزت عقيدة الشيخ بسلاسة الأسلوب وبساطة المضامين. 

8- تقييد في علم الكلام[26]. 

9- نظم في تقسيم الممكن[27]. 

10- تعريفات وحدود[28]. 

11- جواب حول معاقبة العبد على فعله مع كون أفعاله مخلوقة لله تعالى[29]. 

12- في طريق القوم[30].. 

13- الأجوبة الحسان في الإمامة والسلطان[31]. 

وفاتـه: [32]

وبعد حياة حافلة بالعلم والدعوة جاء أجل الشيخ عبد القادر الفاسي بمقر سكناه ظهير يوم الأربعاء ثامن رمضان سنة إحدى وتسعين وألف، ودفن من الغد في زاويته بمحل تدريسه بوصية منه، وذلك بالقلقلين من فاس القرويين، وشيع الناس جنازته، ورثى بقصائد كثيرة.

 وقد رثاه العلامة اليوسي في مراسلة أرسلها يعزي فيها ولديه فقال: 

مصاب لو أن الأرض مس أديمها                     لما انبعث نهرا ولا نبتت زهرا

وفيه يقول بعضهم أيضا متمثلا:

بعض آرائه العقدية:

أول واجب على المكلف:

معرفة الله:

يعتبر الشيخ عبد القادر الفاسي أن معرفة الله واجب على كل مكلف بلغة دعوة النبوة «اعلم أن الله أوجب على كل مكلف، وهو العاقل البالغ، الذي بلغته دعوة النبوة أن يكون عارفا بما يجب له سبحانه، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه»[33]. 

يقول عبد الرحمن الفاسي في شرحه لعقيدة والده:« أن معرفة الله عز وجل تتجلى في أن يكون عارفا بما يجب له سبحانه في الصفات والأفعال، وما يستحيل من نقص وما يجوز في حقه بالواجب حكم لا يتصور في العقل عدمه، فيجب له كل وصف كمال»[34]. 

فهل يلزم حدوث المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر؟

على طول مرحلة الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي لوحظ شبه إجماع على إيجاب النظر واعتباره من فروض الأعيان ونبذ التقليد في العقائد نبذا صارما.

وإلى وجوب المعرفة ذهب جمهور أهل العلم كالشيخ أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني. 

ووقع خلاف بين علماء الكلام في مستند وجوب المعرفة، هل هو الشرع أم العقل؟ فذهب المعتزلة  إلى أن العقل بمجرده موجب[35]، ولقد شاع نسبة القول بكفر المقلد في العقيدة إلى بعض الأشاعرة مع أن كفر المقلد لم يقل به إلا أبو هاشم من المعتزلة. قال الآمدي في “أبكار الأفكار”: “ذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لم يعرف الله بالدليل فهو كافر، لأن ضد المعرفة النكرة، والنكرة كفر. قال: وأصحابنا مجمعون على خلافه، وإنما اختلفوا فيما إذا كان الاعتقاد موافقا لكن من غير دليل، فمنهم من قال: إن صاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب، ومنهم من اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق، وإن لم يكن عن دليل وسماه علما، وعلى هذا فلا يلزم من حصول المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر”[36] ، خاصة إذا كان الحديث الموجه إلى العامة أو الصبيان، فمن المعروف عن علماء الأمة – رضي الله عنهم- كابن أبي زيد وابن الحاجب وغيرهم أنهم ألفوا تآليف مختصرة، اقتصروا فيها على سرد العقائد مجردة من الأدلة، لتحفظها العامة ومن قصر عقله عن النظر، ليرتقوا من معرفتها تقليدا إلى البحث عن أدلتها، وما ذلك إلا أنهم رأوا أكثر العامة لا يحسن العقائد ولو بالتقليد، فأرادوا من نصيحتهم أن ينقلوها من مرتبة يخشى عليهم فيها أن يكون على اعتقاد مجمع فيه على الكفر إلى مرتبة مختلف فيها، ولعلها تكون سلما إلى المعرفة[37]. والشيخ عبد القادر الفاسي، إن كان قد أوجب المعرفة فإنه لم يصرح بوجوب النظر.

رؤية الله:

يرى الشيخ عبد القادر أن رؤية الله ـ عز وجل ــ جائزة للمؤمنين فيقول:«  وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بلا تكييف»[38].فالملاحظ أن الشيخ تكلم عن رؤية الله باقتضاب شديد.

و يرى الأشاعرة عموما أن الرؤية هي ما أوجبت لمحلها كونه رائيا، أو هي إدراك يقوم بالمدرك يتعلق بالمدرك، أو هي صفة لأجلها كان الرائي رائيا، وأما الرائي فهو المبصر للمرئيات أو المدرك بإدراك زائد على ذاته يتعلق وجوده بوجود المرئيات. والمرئي هو الشيء الذي تعلقت به الرؤية والبصر والإدراك والنظر ألفاظ مترادفة عند البعض، وقيل إن الإدراك أعم من الرؤية[39].

احتج الأشاعرة على جواز رؤية الله- عز وجل-  بالسمع والعقل.

الدليل السمعي: فقوله تعالى:﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾[40]، والنظر هنا لايخلو من وجوه لخصها إمام أهل السنة فقال في إبانته:

إما أن يكون نظر الاعتبار، كقوله تعالى﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت﴾.

أو يكون عنى نظر الانتظار، كقوله تعالى ﴿ما ينظرون إلا صيحة واحدة﴾.

أو يكون عنى نظر التعطف، كقوله تعالى﴿ ولا ينظر إليهم يوم القيامة﴾.

أو يكون عنى نظر الرؤية.

أما الوجه الأول: فلا يجوز أن يكون عنى الله تعالى نظر التفكير والاعتبار، لأن الآخرة ليست بدار الاعتبار.

 ولا يجوز أن يكون المولى عز وجل عنى نظر الانتظار، لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه، وأيضا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة لأن الانتظار معناه تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في :«مالا عين رأت ولا أذن سمعت»[41].

وكذا لا يجوز أن يكون النظر هنا نظر التعطف لأن الخلق لا يجوز لهم أن يتعطفوا على  خالقهم، فإذا فسدت هاته الأقسام الثلاث، صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو معنى  قوله  تعالى:«إلى ربها ناظرة»[42].

أما السنة فمن قوله- صلى الله عليه وسلم- :«ترون ربكم كما ترون القمر ليس دونه سحاب»[43] وقوله ﴿كما﴾ راجعة للرائي للمرئي يتعالى الله عن الجهات، فبشرنا –عليه السلام- ببشارتين: إحدهما أن نراه، والثانية: أنا نعلم عند رؤيته أنه هو ضرورة، كما نعلم القمر إذا رأيناه، وكذلك بشرنا ربنا ببشارتين: إحدهما نضرة النعيم، والثانية نظر العين إليه. 

أما الإجماع: فهو إجماع  السلف الكرام من الصحابة والتابعين لهم من أهل السنة أن الله -تعالى- يرى في الجنة بالأبصار، واختلفوا في رؤيته في المحشر[44].

أما الأدلة العقلية:

الدليل على أن الرؤية جائزة: أنه تعالى موجود، وكل موجود تجوز رؤيته؛ 

لأنه لا يرى لكونه قديما لرؤية المحدثات.

ولا لكونه محدثا، لرؤية الباقيات.

ولا لكونه صفة، لرؤية الموصوفات.

ولكونه موصوفا، لرؤية الصفات.

وفي رؤية لذلك كله دليل على أنه إنما جازت رؤيته لأجل وجوده، فلما كان –تعالى- موجودا جازت رؤيته[45]. 

ويستدل الإمام الغزالي على رؤية الله عز وجل بكونه موجودا في قوله:« أنه سبحانه وتعالى عندنا مرئي لوجوده، ووجود ذاته، فليس ذلك إلا لذاته، فإنه ليس لفعله ولا لصفة من صفاته، بل كل موجد ذاتا فواجب أن يكون مرئيا، كما أنه واجب أن يكون معلوما، ولست أعني به أنه واجب أن يكون معلوما ومرئيا بالفعل بل بالقوة، أي هو من حيث ذاته مستعد لأن تتعلق الرؤية به، وأنه لا مانع ولا محيل في ذاته له  فإن امتنع وجود الرؤية فلأمر آخر خارج عن ذاته»[46].

 

                                            إعداد الباحثة: حفصة البقالي

 

الهوامش:

 

1- انظر ترجمته: فهرست عبد القادر الفاسي، تح: محمد عزوز، ص: 10. تحفة الوارد الصادر في شرح عقيدة التوحيد للشيخ عبد القادر الفاسي، مخطوطة خزانة القرويين، ص4:. الإكليل والتاج في تذليل كفاية المحتاج لمحمد الطيب القادري، تح: ماريا داري، ص: 422. سلوة الأنفاس 1/351. طبقات الحضيكي، 2/506. شجرة النور الزكية 2/237.

2- مرآة المحاسن، ص: 20.

3- فهرسة الفاسي، ص:11. سلوة الأنفاس، 1/350

4- نشر المثاني ضمن موسوعة أعلام المغرب، 3/1150. تحفة الوارد الصادر، ص: 6.

5- فهرست عبد القادر الفاسي، ص: 17.

6- المصدر السابق، ص: 17.

7- فهرست عبد القادر الفاسي، ص: 19، مرآة المحاسن، ص: 310. شجرة النور الزكية، 1/299. الفكر السامي 2/275.

8- انظر ترجمته في: نشر المثاني في 1/139. والتقاط الدرر ص: 77.  وزهرة الآس، 2/71.

9- محمد حجي، نشر المثاني (موسوعة أعلام المغرب )3/1163-1164. فهرست عبد القادر الفاسي، ص: 22.

10- فهرست عبد القادر الفاسي، ص: 22. نشر المثاني ضمن موسوعة أعلام المغرب 3/1243. وما بعدها، فهرست الفهارس لعبد الحي الكتاني ص: 574.  

11- الإكليل والتاج، ص: 423. سلوة الأنفاس، 1/352.

12- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد أمين بن فضل الله المحبى الحنفي، تح: محمد حسن إسماعيل، 3/70. سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد الذهبي، 6/387. ابن سودة، دليل مؤرخ المغرب، ص: 247.

13- نشر المثاني، وفهرست الفهارس للكتاني 02/465.

14- نص الاستدعاء بفهرست عبد القادر الفاسي، ص: 34

15- نشر المتاني 3/94. سلوة الأنفاس 2/392-396 شجرة النور الزكية 1/323.

16- اليوسي، المحاضرات ص: 4. نشر المثاني ( موسوعة أعلام المغرب)، 51801.

17- المصدر السابق، 5/1898. تذكرة المحسنين( موسوعة أعلام المغرب)، 5/1804.

18- سلوة الأنفاس، 1/357-358.

19- يوجد منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 2150 د. و.مؤسسة آل سعود بالدار البيضاء تحت رقم: 440.

20- مخطوطة بالخزانة الوطنية 13/1254. حققها الأستاذ محمد عزوز، منشورات المركز الثقافي المغربي ودار ابن حزم.

21- مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: د- 36563.

22- مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقمها: د- 2582 و د1226.

23- مخطوط بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: د 1995.

24-مخطوطة بخزانة القرويين بفاس تحت رقم: 741 والخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 2926.

25- مخطوطة بالخزانة القرويين تحت رقم: 3604 والخزانة الحسنة التي تضم ثلاث نسخ وهي 2/749، 1/31، 1/307. مطبعة أولى بالمطبعة الجديدة بالطالعة بفاس 30 سنة 1347هـ ..

26- مخطوط في الخزانة الحسنية تحت رقم: 12080 والزاوية الحمزاوية بإقليم الراشدية رقم: 2250.

27- الخزانة الحسنية رقم: 3/982.

28- مخطوط بمؤسسة علال الفاسي بالرباط رقم: ع.398.

29- مخطوط بمؤسسة علال الفاسي بالرباط ع 257.

30- مخطوط بالزاوية الحمزاوية بإقليم الراشيدية رقم: 1316.

31- مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، ضمن مجموع رقم: 1439.

32-تحفة الوارد الصادر، ص: 8 الإكليل والتاج، ص: 423. شجرة النور الزكية 2/238.

33- عبد القادر الفاسي، مخطوطة عقيدة أهل الإيمان ص: 1.

34- عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، مخطوطة، تقيد على عقيدة عبد القادر الفاسي ص:2.

35- الاقتصاد في الاعتقاد، ص457.

36- سيف الدين الآمدي، أبكار الأفكار في أصول الدين1/100-101.

37- شرح السنوسية الكبرى، للسنوسي، تح: عبد الفتاح عيد الله بركة، ص: 59.

38- عقيدة أهل الإيمان، ص: 7.

39- اليفراني مخطوط المباحث، ص190-191، نقلا بالواسطة عن عثمان السلالجي للدكتور جمال البختي، ص: 417.

40- سورة القيامة 22-23.

41- أخرجه الحاكم في مستدركه رقم الحديث: 3549، وأخرجه الطبراني في معجمه الأوسط رقم الحديث738.

42- انظر “الإبانة عن أصول الديانة” لأبي الحسن الأشعري، ص: 21-22.

43- صحيح البخاري تحت رقم 554، و صحيح مسلم تحت رقم 633.

44- مقدمات المراشد، ص: 219.

45- عقيدة أبي بكر المرادي الحضرمي، تح الدكتور جمال البختي، ص: 265.

46- الاقتصاد في الاعتقاد، للغزالي، ص: 274.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق