مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةشذور

شروح دلائل الخيرات

من مظاهر الاهتمام بدلائل الخيرات[16] ما وضع حوله من شروح وحواش وتعليقات…تختلف حجما ومنهجا وهدفا، فمنها ما قصد به إفادة المريدين والعامة، وتقريب النص إليهم. ومنها ما صنف لطلبة العلم، إلا أن كثيرا من الشروح لم يصلنا منها إلا الاسم أو وصلت منها نسخ كثيرة البتر والخروم تصعب الاستفادة منها.

1-تحفة الأخيار، ومعونة الأبرار، العاكفين على دلائل الخيرات وشوارق الأنوار[17].

لمحمد المهدي الفاسي [18] المتوفى سنة تسع ومائة وألف. وهو ثالث العلماء من الأسرة الفاسية يشرحون الكتاب.

والمؤلف من أعلام الطريقة الجزولية كذلك، أخذ عن محمد بن محمد بن عبد الله بن معن الأندلسي، وأبي الفضل قاسم الخصاصي الفاسي، وهو حفيد أبي المحاسن الفاسي شيخ الطريقة في عصره.

ويتميز المؤلف بغزارة انتاجه، وخاصة فيما يتصل بالطريقة الجزولية، فقد وضع تاريخا لها من خلال كبار أعلامها وتلامذتهم إلى عصره في كتابه ممتع الأسماع، وذيله بكتاب الالماع ببعض من لم يذكر في ممتع الأسماع، وتحفة الصديقية بأسانيد الطريقة الجزولية الزروقية، كما عرف بجده أبي المحاسن في كتابين: الجواهر الصافية، وروضة المحاسن الزاهية…

ووضع ثلاثة شروح على كتاب دلائل الخيرات، كبير ومتوسط وصغير. وقال عن تأليف شرحه الكبير تحفة الأخيار: (أما بعد، فقد كنت فيما مضى قيدت تقاييد وطررا على كتاب دلائل الخيرات….ثم إني الآن خفت عليها الدثور والضياغ، فيذهب ما عملت باطلا من غير جدوى ولا انتفاع، فانتدبت بجمعها في هذا التأليف، وزدت ما يسر الله تعالى مما حضرني من التصانيف).

ويرد سبب اقدامه على شرح الكتاب إلى عدم وجود شروح للكتاب يعتمد عليها (ولم أر من تكلم على الكتاب المذكور ممن يعتد بكلامه، ويعول على مسطور أقلامه) واستثنى من ذلك شرحي عبد الرحمان الفاسي، ومحمد العربي الفاسي، لان الأول شديد الاختصار والايجاز، والثاني ناقص لم يشرح فيه صاحبه إلا جزءا يسيرا من الكتاب.

فرغ المؤلف «تحفة الأخيار» في السادس عشر من جمادي الأولى سنة تسع وثمانين وألف بفاس.

ويشعر المؤلف بصعوبة المهمة، ويردها إلى أربعة اسباب:

  • قلة الكتب والعلم، وقد سبق أن بررنا توقف محمد العربي الفاسي عن تمام شرحه بعدم وجود كتب الحديث والسير.
  • ضعف الإدراك والفهم.
  • شغل اليد وتشتت البال بالتسبب واعتلال الجسم.
  • قوة ما احتوى عليه الكتاب من العلم والأسرار، وما كساه من طلاوة وأنوار بحيث يعز الظفر بكل معانيه[19]

ومع ذلك يقدم شرحه عسى أن يجد فيه العاكفون على قراءته بعض الفائدة (..فانا مع عدم القدرة ان ادعيت أو تعاطيت شرحه، فقد هجمت على عظيم، وتعرضت لأمر جسيم…لكني اجمع ما لدي وما ساقه الله إلي وان ظهر لي مع ذلك شيء وحدي ذكرته ولم أكتمه عندي، سواء أخطأت في ذلك أو أصبت، إذ لعل ما سطرت من ذلك كله، وكتبت، لا يعدم منه نفعا من له على الكتاب عكوف، أن حصل له هذا المام ووقوف….وسميته تحفة الأخيار)[20].

وقد استهل شرحه بسره أسماء الكتب المؤلفة في الصلاة والتسليم على الرسول، ويقوم شرحه على الاهتمام بالمعنى اللغوي وبيان إعراب الكلمة وموقعها في الجملة، مع الحرص على المقارنة وقعت بين نسخ الدلائل، وتفضيل رواية النسخة السهلية. كما يهتم بالتراكيب البلاغية ويشير إليها متى وقعت في الكتاب المشروح ويخرج الأحاديث موردا اكبر عدد ممكن من المصادر التي تروي الحديث، ولا يكتفي كغيره من الشراح بذكر مصدر واحد.

من نماذج شرحه:

(اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد النساء والرجال)

قدم النساء لأجل السجع، ولو أراد مراعاة السجع أيضا في الصلوات التي بعدها، لقدم بعد رضى نفسك، زنة عرشك، ثم بعده كلماتك، ثم ملء، أرضك على سماواتك بتقديم أرضك على سماواتك، لكن مراعاة السجع واستعماله وتكلفه، وخصوصا في الدعاء، نص الأئمة على كراهته وعدوه من المحدثات.

ونقل الشيخ أبو طالب في القوت في ذلك أحاديث، وأثار بعضها في البخاري، وبعضها في أبي داوود، إلا ما اوتيه عفوا وساقه الطبع وقذف به قوة الخاطر من غير تكلف ولا روية في اجتلابه، فلا باس به، وقال في الإحياء ان ما زاد على سجعتين فهو تكلف ينهى عنه….(اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها).

أي بسببها، وكذا يقدر في الأربع بعدها.

(من جميع الأهوال) جمع هول وهو ما يخافه الإنسان ويفزعه ويعظم عليه.

(والآفات) جمع الآفة وهي العاقة وما يصيب الإنسان مما ينقص به دينه أو بدنه أو دنياه، وفسرت الآفة أيضا بعرض مفسدا للمراد مغير له على حسب ما يعتريه.

(وتفضي لنا بها جميع الحاجات) هكذا في جل النسخ المعتمدة وفي بعض النسخ «وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات» بزيادة عندك وهو في الفجر المنير. والمراد أعلى الدرجات التي تصلح لنا وتصح في حقنا. أو أن الكلام خرج مخرج المبالغة، وكذا القول في قوله بعده.

(وتبلغنا بها أقصى) أي أبعده.

(الغايات) جمع غاية وهي المدى والنهاية.

(من جميع الخيرات) الحسية والمعنوية.

(في الحياة) الدنيا.

(وبعد المماة) في البرزخ وما بعده[21].

2- مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات[22].

لمحمد المهد ي الفاسي السابق الذكر، وهو الشرح الموجز للكتاب قال في مقدمته (…وبعد فقد كنت وضعت على دلائل الخيرات تقييدا كالشرح لمبانيه، والتفسير لمعانيه، جمعت فيه ما لدي من التقاييد والطرر، ونسقت ما حضرني من النصوص والفوائد والغرر، ثم استطاله غير واحد ورغبوا فيما هو أصغر منه واجز في جمع الفوائد وتحرير المقاصد، وترك الزوائد، فاستعنت الله تعالى على هذا التقييد مقتصرا فيه على ما لابد منه من القدر المفيد، ومضيفا اليه بعض ما لم يكن في الأول تقرر… وسميته مطالع المسرات[23].

ومع ذلك فقد جاء في مجلد كبير الحجم يبلغ زهاء نصف الشرح المفصل:

-خصص ثلثه لشرح خطة الكتاب، والفصل الأول منه، وأسماء الرسول.

-الثلثين للفصل الثاني منه في كيفية الصلاة على النبي ﷺ.

-وذيله بشرح أسماء الله الحسنى وبعض الأدعية المستجابة.

ولم يكن يميل فيه إلى الاختصار، وإنما يعطي للمسائل التي يشرحها حقها، دون أن يصل إلى مستوى استطرادات «الشرح المفصل» التي كانت تبعده عن الموضوع المطروح. واهتم في مطالع المسرات بما يلي:

-اعتماد النسخة السهلية في سرد دلائل الخيرات، والمقارنة بين نصها ونصوص النسخ الأخرى التي كان يسميها (النسخ المعتمدة) مع ترجيح رواية السهلي.

-يشرح الألفاظ شروحا لغوية مع الإشارة إلى موقعها الإعرابي ويعتمد في أغلب الأحيان على القاموس، وشروح الألفية، ومغني ابن هشام، وخلافا لما هو الحال في الشرح المفصل فسر المؤلف الكلمات الواضحة التي لا تحتاج إلى تفسير مثل: الفصل، النوم، الموت، الحياة…

-تخريج الأحاديث المأثورة إلى أصولها وذكر أسمائها إن وجدت، واعتمد بالإضافة إلى كتب الحديث على الحصن الحصين، وأدعية البقري.

-الاستشهاد بالخطب والشعر.

-+التطرق إلى الموضوعات والقضايا المطروحة لدى الصوفية: الظاهر، الباطن، الحقيقة، الشريعة، مراتب الصوفية مثل الأوتاد، الأبدال، والأقطاب، والعوالم الأربعة الملك، الملكوت، الجبروت، عالم العزة، والمقامات…ومن مصادر المعتمدة احياء علوم الدين، قوت القلوب، رسالة القشيري…

-لا يخلو الكتاب مع ميل مؤلفه للاختصار من استطرادات، وخاصة في الموضوعات التالية: شرح أسماء الرسول، زوجاته وسراريه، اسماء الأنبياء والملائكة، الصلاة والتصلية ومعانيها وفضائلها الإيمان والإسلام…ويعتمد في ذلك على كتب التفسير كتفسير ابن عرفة، والنسفي، والرازي، وابن عطية…وكتب الحديث والسير السابقة الذكر، تاريخ ابن عساكر وشروح المختصر….

-لا يخلو الشرح كذلك من لمحات نقدية يرد فيها المؤلف الأقوال غير الصحيحة في نظره، ويحاول تقويمها وابداء الرأي فيها وكان أبرزها في موضوعات التصلية والترحم والترضي واستعمال لفظ السيادة، وقد لاحظ أن الجزولي أخذ كثيرا مما جاء في مقدمة كتابه من كتاب المقدمات لأبي الوليد بن رشد.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية
Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق