مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

سيرة السلف في تعظيم رواية حديث الرسول و سننه

         قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى:

         “حدثنا الحسين بن محمد الحافظ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون، حدثنا أبو بكر البرقاني و غيره، حدثنا أبو الحسن الدارقطني، حدثنا علي بن مبشر، حدثنا أحمد ابن سنان القطان، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا المسعودي، عن مسلم البطين، عن عمرو بن ميمون، قال: اختلفت إلى ابن مسعود سنةً، فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم، إلا أنه حدث يوماً فجرى على لسانه: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم علاه كرب، حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته، ثم قال : هكذا إن شاء الله، أو فوق ذا، أو ما دون ذا، أو ما هو قريب من ذا. و في رواية : فتربد وجهه . و في رواية : و قد تغرغرت عيناه، و انتفخت أوداجه.  وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة: مر مالك بن أنس على أبي حازم، و هو يحدث، فجازه، و قال: إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا قائم. و قال مالك: جاء رجل إلى ابن المسيب، فسأله عن حديث و هو مضطجع، فجلس و حدثه، فقال له الرجل: وددت أنك لم تتعن، فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا مضطجع. [و روي عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك، فإذا ذكر عنده حديث النبي صلى الله عليه و سلم خشع]. و قال أبو مصعب: كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا و هو على وضوء، إجلالاً له. و حكى مالك ذلك عن جعفر بن محمد. و قال مصعب بن عبد الله : كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ و تهيأ، و لبس ثيابه ، ثم يحدث . قال مصعب : فسئل عن ذلك ، فقال: إنه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال مطرف: كان إذا أتى الناس مالكاً خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم، و إن قالوا الحديث دخل مغتسله ، و اغتسل وتطيب، و لبس ثياباً جدداً، و لبس ساجه و تعمم، و وضع على رأسه رداء، وتلقى له منصة، فيخرج فيجلس عليها، و عليه الخشوع، و لا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال [غيره]: و لم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال ابن أبي أويس: فقيل لمالك في ذلك ، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث به إلا عن طهارة متمكناً. قال : و كان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم، أو مستعجل. و قال : أحب أن أفهم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم. [قال ضرارة بن مرة: كانوا يكرهون أن يحدثوا بحديث على غير وضوء. ونحوه عن قتادة . و كان الأعمش إذا حدث و هو على غير وضوء تيمم. و كان قتادة لا يحدث إلا على طهارة ، ولا يقرأ حديث النبي صلى الله عليه و سلم إلا على وضوء]. قال عبد الله بن مبارك : كنت عند مالك، و هو يحدثنا ، فلدغته عقرب ست عشرة مرةً ، و هو يتغير لونه و يصفر و لا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم. فلما فرغ من المجلس، و تفرق الناس عنه قلت له : يا أبا عبد الله ، لقد رأيت اليوم منك عجباً. قال: نعم ، لدغتني عقرب ست عشرة مرة، و أنا صابر في جميع ذلك، و إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال ابن مهدي: مشيت يوماً مع مالك إلى العقيق، فسألته عن حديث ، فانتهرني و قال لي : كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي.

و سأله جرير بن عبد الحميد القاضي عن حديث و هو قائم، فأمر بحبسه، فقيل له: إنه قاض. قال : القاضي أحق من أدب. و ذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكاً عن حديث و هو واقف فضرب عشرين سوطاً، ثم أشفق عليه، فحدثه عشرين حديثاً، فقام هشام: وددت لو زادني سياطاً و يزيدني حديثاً.
قال عبد الله بن صالح: كان مالك و الليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران.
و كان قتادة يستحب ألا تقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم إلا على وضوء، و لا يحدث إلا على طهارة. و كان الأعمش إذا أراد أن يحدث و هو على وضوء تيمم.”

“الشـفـا بتعـريف حقـوق المصطـفى”

تحقـيق وتقـديم عـامر الجزار

طبعة 1425 هـ – 2004م

دار الحديث القاهرة

2/290

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق