مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

سلسلة أعلام الصحراء: محمد المختار بن الأعمش الجكني (ت 1285هـ)

د. وديع أكونين باحث بمركز أجيال وادنون للتأطير والتكوين

عادة ما يصادف الباحث في تراث الصحراء اسم ابن الأعمش- أو بْلَعمش كما ينطقه البعض- مطلقا غير مقيد، فيقع الخلط بين علمين مشهورين من أعلام الصحراء، هما محمد المختار بن الأعمش الجكني، ومحمد المختار بن الأعمش الشنقيطي.

وللتمييز بينهما فإن ابن الأعمش الشنقيطي هو الطالب محمد بن المختار بن الأعمش العلوي (1036هـ- 1107هـ)، العالم الكبير والمفتي الشهير، أخذ عن كثيرين منهم عبد الله القاضي بن محمَّ بن حبيب[1] وغيره، قال سيدِ أحمد بن أحمد سالم: “الطالب محمد بن المختار بن الأعمش: مفتي مدينة شنقيط المشهور، له إجازات في فنون متعددة أخذها عن الحاج عبد الله بن بو المختار الحسني الذي مر به وهو راجع من الحج وأعطاه نسخة من إضاءة الدجنة، وله نوازل تعرف بنوازل ولد الأعمش، وكان أول شارح لإضاءة الدجنة من الموريتانيين، يذكر له تحفظه إزاء حرب شرببه بين زوايا القبلة والمغافرة. ترجم له تلميذه الشاعر ابن رازگه“[2]. وأخذ عنه كثير من التلاميذ منهم الحبيب بن أيد الأمين[3]، وسيدي عبد الله ول رازگه بن محم[4]، ومحمد بن أبي بكر بن الهاشم[5]. ومن تآليفه أيضا شرح فريدة السيوطي سماه المنن العديدة، ونظم مغني اللبيب في النحو، وروضة الأفكار في علم الليل والنهار، ورسالة في الدماء[6].

ابن الأعمش الجكني:

هو العلامة الكبير والبحر المتموج؛ القاضي العالم والبركة العامل، سيدي محمد المختار بن بلعمش بن أشفغَ محمّ بن جبَّ بن أعمَر بن أبابَك بن يعقوب بن اعل بن موسانِّ بن جاكن الأبر[7]، المالكي مذهبا، القادري طريقة، الجكني قبيلة. حلّاه الشيخ أبو بكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي بقوله: “العالم الفقيه محمد المختار بن الأعمش الجكني، كان رحمه الله فاضلا نجيبا رئيسا نبيلا نبيها وجيها كبير الشأن، رفيع الدرجة عالي الهمة حسن الخلق والخلق، فقيها نحويا لغويا جعله الله إماما يقتدى به في العلم والدين ومهمات الدنيا اجتمعت فيه أمور العلم والقضاء والعدل والرياسة. وكان من العلماء العاملين قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتفع به كثير من تجكانت وغيرهم“[8].

ولد في منطقة زمور[9]، وتربى في منطقة الگبلة، وأخذ عن والده الشيخ ابن الأعمش الكبير، وعن بعض علماء شمامة، ثم عن الشيخ محمد المختار الكنتي ذائعِ الصيت[10]، والذي استخدمه في نساخة الكتب فلم يلبث أن فُتح عليه في العلم، ثم شارط مدة عند الرئيس الديماني.

لقاءه بالسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن:

قال يحيى ولد البراء عن المتَرجَم: “التقى بالسلطان محمد بن عبد الرحمان بواسطة الشريف مولاي اعلي الجكني، وأكرمه السلطان المذكور وولاه قضاء بلدته“[11]. ولم أقف على مصدر يثبت اللقاء غير هذا، لكن خبر بيعته للسلطان مشهور ذكره العلامة المنوني رحمه الله، وفي مكتبته أصل رسالة تثبت بيعته وفيها: “وقد بايعناك على السمع والطاعة، ولزوم السنة والجماعة، والتمسك بالدعوة ببقائها إلى قيام الساعة، في الرضى والسخط، والمكره والمنشط، والعسر واليسر، والقل والكثر، والشدة والرخاء، والسراء والضراء، وعلى ما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه الراشدون…

وما ثبّطنا عن القدوم إليكم إلا خوفُ نقضِ العهد من قتَلة الشرفاء كما خبرُهُ لديكم، وإلا المرض والكبر الملازمان للشخص والغير، وهات يدك يقبلها قرطاسي، نائبا عني وعن جميع ناسي“[12].

بناء تيندوف:

أسس مسجد تندوف الأعظم، وهو أول ما بُني من هذه المدينة حوالي 1270هـ/1853م. قال المختار السوسي: “وكان المترجَم هو الذي أشار على تجكانت أخواله ببناء مدينة تيندوف فكان أول ما بنى فيها المسجدَ الأعظم؛ يخدم فيه حتى النساء المحتجبات ليلا، والرجال نهارا، احتسابا لله، ثم شرعوا في بناء الدور، وذلك 1270هـ أو في 1271هـ“[13]. قال أبو بكر المحجوبي الولاتي: “ومن همته أن بنى قصرا وسماه تندوف، ابتدعه وتداعت تجكانت لسكناه حتى عمروه، فهو الآن والحمد لله قصر كبير“[14].

وبعد بناء المسجد الأعظم تصدر لتدريس الحديث فيه، فأخذ عنه العلامة الشيخ محمد محمود بن التلاميد التركزي[15]، وزاره هناك العلامة الشيخ ماء العينين سنة 1276هـ/1859م ومكث عنده مدة[16]، كما مرّ به العلامة الشيخ محمد يحيى الولاتي في رحلته. ومن تلاميذه ابنُه العلامة أحمد دوگنا[17]، ومولاي علي بن التهامي.

ولما توفي عام 1285هـ بنى على قبره قبة في تندوف حيث دفن. وقد خلف خزانة من أهم خزانات الصحراء[18]. وله تآليف منها “نصيحة قضاة البرية في منع الرشوة والهدية“، و”شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور“، و”معرفة المباني لصحة المعاني والإعانة للمقصر العاني“[19]، و”نصيحة ذوي الرسوخ“، و”مؤلف في رسم المصحف“[20]، ومجموعة من الفتاوى[21].

الإحالات:

[1] انظر: المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء، ليحيى ولد البراء (2/171-172).

[2] انظر: تاريخ ابن طوير الجنة، أحمد بن طوير الجنة الحاجي الوداني (ت 1265هـ/1849م، تحقيق سيد أحمد بن أحمد سالم، منشورات معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط. (ص: 48). انظر أيضا: فتاوى الشريف حمى الله التيشيتي في الفقه المالكي للكاتب حماه الله ولد السالم.

[3] انظر: المجموعة (2/85).

[4] انظر: المجموعة (2/109).

[5] انظر: المجموعة (2/189).

[6] انظر ترجمته في: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، المجموعة الكبرى (2/275)، تاريخ ابن طوير الجنة (ص: 48)، المجموع النفيس سرا وعلانية في ذكر بعض السادات البيضانية والفلانية، الشيخ موسى كمر، تحقيق وتعليق د الناني ولد الحسين، منشورات الزمن (1/137)، تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب محمد المختار ولد باه (ص: 449).

[7] انظر: ثمرات الجنان في شعراء بني جاكان  (ص: 89)، المجموعة الكبرى (2/28).

[8] موريتانيا خلال القرن التاسع عشر 1785-1908، دراسة وتحقيق لكتاب منح الرب الغفور في باب ذكر وقائع عام 1287هـ/1870م أبو بكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي، تحقيق د محمد الأمين بن حمادي، ENS  editions 2011 (ص: 196). وقد أدرجه المؤلف ضمن وقائع السابع والثمانين بعد المائتين والألف، وعند السوسي أنه توفي 1285هـ، فتأمله.

[9] المجموعة الكبرى (2/277).

[10] المعسول (18/159).

[11] المجموعة (2/277).

[12] انظر: مظاهر يقظة المغرب الحديث، محمد المنوني (1/36).

[13] المعسول (18/159).

[14] منح الرب الغفور (ص: 196).

[15] المجموعة (2/278).

[16] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الطبعة 2، 2011، مطبعة المعارف الجديدة الرباط (1/69).

[17] المعسول (18/160).

[18] انظر: خلال جزولة (3/33)، سوس العالمة (ص: 144، 175).

[19] حققت هذه الرسائل الثلاث كلها من طرف الباحث الدكتور بريك الله حبيب.

[20] نسب له المختار السوسي أيضا شرحَ إضاءة الدجنة للمقري، والراجح أنه شرح لابن الأعمش العلوي كما تقدم. انظر: سوس العالمة ص: 199.

[21] المجموعة (2/278).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق