مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

سلسلة أعلام الصحراء: العلامة عبد الواحد الركراكي دفين تِيغمَرت

اسمه ومولده

شيخ الجماعة بوادنون، العلامة المقرئ الفقيه الأصولي المؤقت النظار المتفنن، صاحب التآليف، سيدي أبو مالك عبد الواحد بن الحسين بن إسماعيل الميموني، الرگراگي نسبة، الوادنوني بلدا، التِّيغمرتي مدفنا، الباعمراني[1]، قال معرفا بنفسه في أول رجز له:

….. نجلُ الحسينِ وَهْوَ عَبْدُ الوَاحِدِ
مَوْضِعُه بَنُو صلمت أَرْض الجُدُودْ ربِّ ارحَمِ الحيَّ ومن تحتَ اللحُودْ
قِبْلَة تُوغْبَا[2] مَسْجِدُ الكِرَامِ بِشَاطِئِ الزَّاخرِ ذِي الطَّوَامِ

ولد في أوائل القرن التاسع الهجري، وجنوب المغرب إذ ذاك يعج بالفقهاء والعلماء والصلحاء، وهم أسّ حركة علمية مشهودة خلفت بعدها مدارس وتآليفا، قال العلامة السوسي: “كان القرن التاسع قرنا مجيدا في سوس، ففيه ابتدأت النهضة العلمية العجيبة التي رأينا آثارها في التدريس والتأليف، وكثرة تداول الفنون، وقد شاركت سملالة وبعقيلة ورسموكة وآيت حامد، وأقا، والگرسيفيون والهشتوكيون، والوادنونيون والطاطائيون والسگتانيون والراسلواديون وغيرهم فيها”[3]. وأضاف في خلال جزولة: “وقد كان لأهل رگراگة سعي مشكور في نشر المعارف في سوس قبل القرن العاشر من الخامس”[4].

لم نقف على سنة ولادته بالضبط، لكننا نعرف تاريخ تأليفه لرجز ناقد العساجد وهو 824ه، ولو قدرنا مدة تتلمذه بالغالب المعهود وهو ثمانية عشر سنة، فسوف يكون حيا حوالي 806ه.

انخرط رحمه الله في سلك التعلم والتلقين والحفظ، حتى صارا علما مشهورا، قال عنه السوسي في خلال جزولة: “وعبد الواحد علامة كبير الشأن، لا يشق له غبار، وله ترجمة واسعة”[5] .

إلا أن كتب التاريخ والتراجم ضنت بشيوخه الذين أخذ عنهم من أعلام التاسع في هذا الصقع، اللهم ما ذكر التنبكتي وابن القاضي من رفقته لعصريّيه أبي القاسم الفلالي[6]، وحسن بن علي الشوشاوي الراسلوادي (ت 899ه)[7].

ثم لم ينتصف القرن التاسع حتى غدا مترجمنا من جهابذة العلم والتحصيل، ماهرا في علوم القرآن والحساب والفقه والأصول والهيئة وغيرها، مع اعتناء بالإقراء كما في درة الحجال، وتدريس للفنون والتأليف فيها، قال المختار السوسي رحمه الله: “المدرس المخرج المؤلف في النحو والفقه والأصول”[8]، وقال: “ويوجد ما يدل على الاعتناء بتدريسه –أي أصول الفقه- في التاسع إلى الآن، بل هناك فيه مؤلفون كحسين الشوشاوي وعبد الواحد الوادنوني”[9].

تآليفه:

يظهر من نص البعقيلي (ت حوالي 1076ه) -وكان مقيما بأسرير أربع سنوات- أن سيدي عبد الواحد كثير التأليف في الفنون، قال رحمه الله: “صاحب التواليف في العلوم نظما ونثرا، فقها ونحوا وأصولا وحسابا وغير ذلك من العلوم، وقد ملئت خزائن العلماء بتواليفه، رضي الله عنه ونفعنا به”[10].

وجاء في درّة الحجال: “عبد الواحد بن الحسن الرجراجي، شيخ واد نون بومالك، تصدى للإقراء وألّف في ظاءات القرآن، وطاءاته، وذالاته، ودالاته، توفي بقرب 900 في آخر التاسعة رحمة الله تعالى عليه”[11]. غير أن ما تعرفنا عليه من هذه التآليف معدود قليل، وهذه هي:

  • ناقد العساجد؛ وهو رجز في ضوابط الحساب، وأوله:
الحمد لله الذي هدانا لملة الإسلام واصطفانا
حمدا بلا عد ولا انفصال ما اعتقب الغدو بالآصال
ثم على سيدنا محمد صلاة ربنا دوام الأبد
وآله وصحبه ما طفا لال وأسفر الفجر وما لمع رال
وبعد فالنظم بعون الله لابن الحسين سائلا لله
غفران ما اقترفت من جرائم بجاه رسله ذوي المكارم
لنفسه أو ناش أو شاد نظم ضوابط الحساب خذها لا تصم
في رجز يدني قصي المقاصد سميته بناقد العساجد
فلا تكن عن وعيه بحائد واغفل عن الاطاء خذ فوائد

وآخره:

فأحمد الإله حمدا ناميا ثم على رسوله صلاتيا
وآله وصحبه الغر الكرام ليوم نشر كل من ذاق الحمام
بيوته “زيت” كالأري العافي بعون رب تم في ازدلاف
سنة أربع وعشرين أتت إثر ثمانمائة قد سلفت
  • شرح المدونة، ذكره السوسي في خلال جزولة وسوس العالمة [12].
  • الملخصة[13] أو العروسة؛ رجز من 254 بيتا في علم رسم القرآن، عمد فيها إلى تلخيص رائية أبي زكرياء يحيى بن موسى الجزولي[14]، وهذه الملخصة هي التي قصد المختار السوسي بأرجوزة في زهاء مائتي بيت معروفة عند القراء السوسيين إلى الآن.

وأولها:

الحمد لله على النعماء حمدا بلا عد ولا انتهاء
متصلا ليس له انفصال ما اعتقب الغدو والآصال
صلى إلهنا تعالى سرمدا على النبي الهاشمي أحمدا

إلى أن قال فيها:

فدُونَكم منِّي عروسا بِكرا تعبتُ فيه خاطرا وفكرا
حتى جلوتها على ما نصّه تهدي لكم من كل نوع فصه

وقال مشيرا لتاريخ نظمها:

[في] مائَتَيْ بيتٍ بعيد [دِن] كمِلْ خَميسَ [زِيِّ] رجبِ سنة [ظِلْ]

أي كملت في يوم الخميس السابع عشر من رجب سنة ثلاثين وثمانمائة. وتوجد منها نسخة بخزانة تامگروت ضمن المجموع رقم 1639[15]، وأخرى بالخزانة المحجوبية رقم: 264[16].

  • رسالة في ترحيل الشمس، كذا ذكرها السوسي[17] وهي أرجوزة، وفي خزانة ابن يوسف بمراكش نسخة منها بعنوان: أرجوزة في ترحيل الشمس والقمر وسائر ما اتصل به من مداخل الشهور والفصول وغيرها من الفوائد للمتعلمين، وهي في 190 بيتا، تحت رقم 1/497 ، فرغ منها سنة 844ه، وأولها:
الحمد لله الكبير المتعال ثم صلاته تخص ذا الكمال[18]
  • نظم في من سرى من المسجد الحرام، وهو في السيرة النبوية، محفوظ بجامعة أبادان في نيجيريا تحت رقم: 82/456 [19].

تلاميذه

عرفَت أسرة الرگراگي علماء وقضاة وأفاضل من القرن العاشر[20]، لكن؛ لم يشتهر من تلاميذه غير اثنين:

الأول: أبو سليمان داود بن محمد التملي، قال السوسي: “وأما داود بن محمد التِّمْلِي فالمقصود به التونلي الشهير، المتوفى بعد 830ه، وهو ممن أخذ حينئذ أيضا عن الوادنوني هذا كما رأيت، كما أخذ أيضا عن الشوشاوي والونشريسي”[21].

وداود التملي هو شارح قصيدة شيخه الرگراگي المسماة بالملخصة أو العروسة، توجد منه نسخة بخزانة تامگروت ضمن المجموع رقم: 1639[22]. ووقف المختار السوسي في خلال جزولة على نسخة أخرى من الشرح عنوانه وسيلة النشأة لفهم الملخصة[23].

كما شرح التملي أيضا رجز شيخه في ترحيل الشمس وسماه إيضاح الرگراگية في ترحيل النيرة[24].

الثاني: ابنه سيدي مبارك دفين أگجگال قرية من قرى إصبويا بأيت بعمران[25] جوار المدرسة العلمية العتيقة هناك، قال عنه داود التِّمْلي رحمه الله: “ما رأيت فيما علمت أكثر منه حفظا، وقد رباه –يقصد والده الرگراگي- بكثرة الدرس والحفظ، ولم يترك كتابا مما يناله الناس في هذا الزمان من فقه ونحو ولغة وأصول وعروض وقراءة إلا وحفظه، ثم ذهب عنه الغلام هاربا حتى مات الناظم، زاعما أنه حر، ولم يرجع إليه”، قال د محمد الصالحي: وربما لكثرة شوقه إليه وارتباطه به، خصه بالذكر ودعا له بما ارتضاه لنفسه فقال:

سائلٌ ربَّهُ لعفوِ ما اقتَرَف…

ولغلامِه ومَن شَا الواحدُ[26]

وفاته ومدفنه:

توفي الإمام الرگراگي حوالي 900ه، ودفن بقرية تِيغمرت[27]، وهي قرية تقع شرق أسرير وتبعد عن إقليم كلميم بحوالي 20 كيلومترا، قال البعقيلي في مناقبه: “سيدي عبد الواحد بن الحسين الرگراگي المدفون بالمرفقة بنون لمطة القريبة لمدينة أسرير… وقد جاورت ببلدته مدة أربع سنين وكنت أضرب إلى زيارة ضريحه، فرأيت له بركة عظيمة، نفعنا الله به[28]. وقال في المعسول ناقلا عن وثيقة للررگراگيين كتبت حوالي 1253ه: “وعبد الواحد بن الحسن من رگراگة، وهو شارح المدونة، دفن في أسرير في وادي نون في قرية المرفقة بقبلتها”[29]. ولا يزال الآن في مقبرة ايت مسعود بتيغمرت قبره المعروف عند الأهالي بضريح سيدي عبد الواحد، وهو بناء قديم مسقوف بجذوع النخل يتوسطه قبر هذا الإمام الكبير، وقد أضيف آخرا حول البناء غرفةٌ ثانية تأوي بعض القبور عن يمينها وشمالها، رحمه الله ورضي عنه.

[1] ذكرها في رجالات العلم العربي في سوس (ص: 14).

[2] موضع بالجنوب الشرقي لمدينة الداخلة، ويبعد عن البحر بحوالي 60 كيلومترا، فهل كان الشيخ يتنقل في هذا المجال الفسيح للتدريس أم أنه كان يقصد وجهة معلومة؟

[3] سوس العالمة (ص: 20)

[4] خلال جزولة (4/161).

[5] خلال جزولة (4/161).

[6] قال في درة الحجال: أبو القاسم الفلالي رفيق عبد الواحد الرگراگي الولي الصالح ظهرت له كرامات لا تحصى، وظهرت له كرامات بعد وفاته كما كانت له في حياته، توفي في حدود 899ه، درة الحجال الترجمة رقم 1356، (4/284).

[7] قال التنبكتي في نيل الابتهاج: “حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي رفيق عبد الواحد بن حسين الرجراجي”نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي دار الكاتب، طرابلس – ليبيا الطبعة: الثانية، 2000  (1/163).

[8] رجالات العلم العربي في سوس (ص: 14).

[9] سوس العالمة (ص: 43).

[10] مناقب البعقيلي (ص: 29).

[11] درة الحجال لابن القاضي المكناسي تحقيق محمد الأحمدي (3/144).

[12] انظر خلال جزولة (4/161)، سوس العالمة (ص: 178) .

[13] خلال جزولة (2/12).

[14] انظر تفصيل الكلام حول ذلك من الدراسات القرآنية في سوس من القرن التاسع إلى نهاية القرن الرابع عشر الهجري دراسة في المصنفات والأعلام، أطروحة الدكتوراه د محمد الصالحي إشراف د التهامي الراجي الهاشمي من جامعة محمد الخامس أكدال 2010-2011، (3/198) .

[15] دليل مخطوطات الكتب الناصرية بتمگروت، إعداد العلامة محمد المنوني، ط 1985. (ص: 100) .

[16] طبقات الحضيكي (2/546) .

[17] سوس العالمة (178) .

[18] انظر فهرس خزانة ابن يوسف بمراكش، إعداد الصديق بن العربي، طبعة دار الغرب الإسلامي 1994م. (ص: 479).  وفي بعض الخزائن الإفريقية نسخ أخرى: https://waamd.lib.berkeley.edu/titles?fieldName=authorId&query=275

[19] الدراسات القرآنية في سوس (3/197).

[20] سوس العالمة (ص: 122)

[21] خلال جزولة (2/12).

[22] دليل مخطوطات الكتب الناصرية بتمگروت، إعداد العلامة محمد المنوني، ط 1985. (ص: 100).

[23] خلال جزولة (2/12).

[24] الدراسات القرآنية في سوس (3/197).

[25] المعسول (4/6).

[26] الدراسات القرآنية في سوس (3/197).

[27] تعرب تيغمرت فيُقال: المرفقة.

[28] مناقب البعقيلي (ص: 29).

[29] المعسول (4/6).

ذ. وديع أكونين

  • باحث بمركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق