مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

رسالة محمد بن عبد السلام بناني (ت1163هـ) في فضائل ليلة النصف من شعبان (تعريف وتوصيف)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

وبعد؛

فإن فضل ليلة النصف من شعبان  اشتهر عند الناس مند زمان طويل، فكانوا يحيونها بالعبادة والذكر  والدعاء، إلا أن العلماء اختلفوا هل هي التي تُبرم فيها أمور السنة أم ليلة القدر أم هما معا؟ ولأهمية هذا الموضوع ألف العلماء فيه تآليف عديدة منها: رسالة محمد بن عبد السلام بناني في فضل ليلة النصف من شعبان، ولما احتوت عليه من فوائد مفيدة، وحل إشكالات عديدة متعلقة بهذا الموضوع ارتأيت التعريف بهذه الرسالة وبصاحبها.

 أولا: التعريف بالمؤلف[1]:

 هو: أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الفقيه الإمام العالم العلامة، ولد بفاس، ونشأ بها. أخذ عن  القاضي أبي عبد الله بردله، وأبي العباس ابن الحاج، وعبد المالك التاجموعتي، وأبي مدين ابن السوسي، وابن زاكور، وعبد السلام جسوس، وميارة الحفيد،  وأبي عبد الله المسناوي، ورحل إلى المشرق فأخذ عن أعلام منهم الخرشي وعبد الباقي الزرقاني.

 أخذ عنه جماعة منهم: الشيخ التاودي بن سودة، ومحمد بن عبد العزيز السجلماسي، وعلي قصارة، وعبد القادر بوخريص وأبو حفص الفاسي.

 له مؤلفات كثيرة منها: شرح على لامية الزقاق،  وشرح على خطبة المختصر، وتكميل لشرح حدود ابن عرفة، وشرح على كليات المقري، وجواب عن ثمانية أسئلة تتعلق بالآذان، ورسالة في علم الفرائض، ومعاني الوفاء بمعاني الاكتفاء، في ستة أسفار كبار ضخمة، اختصار شرح الشهاب الخفاجي على شفا القاضي عياض، وفهرسة صغرى وكبرى.

توفي يوم 16 ذي القعدة عام 1163هـ بفاس، وهو ابن ثمانين سنة ودفن في عدوة فاس القرويين مجاورا لروضة أبي عياد ابن جلون.

  ثانيا: التعريف بالرسالة.

هذه الرسالة جمع فيها محمد بن عبد السلام بناني  ما ورد من الأحاديث والآثار في فضائل  ليلة النصف من شعبان، وكذلك أقوال أهل العلم فيها، وهي رسالة عظيمة النفع غزيرة الفوائد في هذا الباب.

فقد استهلها رحمه الله بقوله: “هذا بحول الله وقوته: جَمع البعض لما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان”[2].

ثم أتى بقول الله عز وجل: (فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا) [3].

وبعد هذه الآية الكريمة أتى ببعض أقوال العلماء في هذه الليلة المباركة، وهل هي التي تُبرم فيها أعمال العباد وأرزاقهم في السنة أم ليلة القدر؟ قال رحمه الله:

“روى ابن جرير الطبري،  وابن المنذر  النيسبوري، وابن حاتم  عن عكرمة مولى ابن العباس في ليلة النصف من شعبان يُبْرم أمر السنة، أي: يدبر ويحكم من تلك الليلة إلى مثلها من العام القابل.

وذهب الجمهور إلى أن ذلك إنما يكون في ليلة القدر.

وجُمِع بينهما بأن تمام ذلك يكون في ليلة القدر، والابتداء فيه ليلة النصف من شعبان.

وهل المراد أن الابتداء فيه الفرق يكون ليلة النصف من شعبان، ويستمر إلى ليلة القدر فيكون فيها تمامه، أو المراد أن الفرق وقضاء الأقضية يكون كله ليلة النصف كابتداء  كتابة الصحف والشروع فيها، ويكون انتهاء الكتابة والفراغ منها ليلة القدر؟”[4]

 ثم قال ناقلا عن الزمخشري: “فتدفع نسخة الأرزاق إلى مكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذا الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، ونسخة الآجال إلى ملك الموت[5]، فالمتأخر إلى ليلة القدر على هذا إتمام الكتابة وتعريف الصحف لا إبرام الأمر”[6].

  ثم قال عقب هذا الرأي الذي ذهب إلى الجمع: “ويؤيد هذا الجمع المذكور  حديث ابن عباس عند البغوي: أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان، ثم يسلمها إلى الملائكة في ليلة القدر، على أن ولي الله ابن أبي جمرة حكى عن البعض أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان”[7].

 ثم انتقل إلى الحديث عن فضل وفوائد العبادة والاستغفار في هذه الليلة المباركة، وأتى بأحاديث وآثار كثيرة، وكذا أقوال أهل العلم والصوفية الشاهدة على فضل الاستغفار والعبادة في هذه الليلة المباركة.

واعتمدت في التعريف بها على نسخة بخط مؤلفها بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت رقم: 16ك.

*********************

هوامش المقال:

[1]  مصادر ترجمته: سلوة الأنفاس(1 /156)، شجرة النور(ص: 353)، معجم طبقات المؤلفين(2 /322)، إفادة السالك(ص: 50)

[2]  رسالة ليلة النصف من شعبان مخطوط الوطنية رقم: (16ك) (ص: 228 )، ضمن مجموع.

[3]  الدخان: 4 ـ 5.

[4]   رسالة ليلة النصف من شعبان مخطوط الوطنية رقم: (16ك) (ص: 228 )، ضمن مجموع.

[5]  الكشاف للزمخشري (ص: 228).

[6]  رسالة ليلة النصف من شعبان مخطوط الوطنية رقم: (16ك) (ص: 228 )

[7]  نفسه (ص: 228).

**********************

جريدة المصادر والمراجع:

  إفادة السالك بتمييز الأعلام المتشابهة في مذهب مالك، للدكتورمحمد العلمي.منشورات مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي ط1، 1436هـ 2015م.

 معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين لعبد الرحمن ابن زيدان، تحقيق: حسن الوزاني، ط وزارة الأوقاف المغربية ط1، سنة 1430.

سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لأبي عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (ت1345ﻫ)، ط دار الثقافة ط1، سنة 1425ﻫ، تحقيق: ذ عبد الله الكامل الكتاني، وذ حمزة بن محمد الطيب الكتاني، وذ محمد حمزة بن علي الكتاني.

 شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف، ط دار الفكر.

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، ط/ دار الكتاب العربي ـ بيروت ط3، سنة:1407 هـ.

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق