مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويتراث

رحلة روني كايي  الإثنولوجية إلى بلاد الصحراء و الساحل

رحلة روني كايي  الإثنولوجية إلى بلاد الصحراء و الساحل

 

في 20 من أبريل سنة 1828 قام الشاب الأروبي روني كايي  René Caillé ذو 28 عاما بعبور القارة  الإفريقية من أجل الوصول إلى التمبكتو  المجهولة في تلك الحقبة الزمنية، وكان في مراهقته مشغوفا بمطالعة القصص التي تتحدث عن الرحلات والاستكشافات وحياة  الشعوب والأمم، وقد وضع في مخيلته منذ سن مبكرة هدف الوصول إلى التمبكتو، وخصوصا بعد فشل جل الأروبيين الذين حالوا الوصول إليها وفك رموزها وألغازها، وكان روني كايي يطمح إلى أن يصبح أول أروبي يحقق هذا الحلم الصعب تحقيقه، وبعد محاولات عدة من أجل الوصول إلى التمبكتو والتي باءت بالفشل لظروف وأسباب معينة،  استطاع رني كايي  خلال رحلة طويلة مليئة بالمآسي الوصول إلى تمبكتو سنة 1828م، وأمضى فيها 13 يوما ليسافر منها إلى فرنسا مرورا بمدينة طنجة المغربية، من أجل الحصول على 10،000 فرنك من قبل الجمعية الجغرافية في باريس عرضت لأول أوروبي يصل إلى هذه المنطقة، بالإضافة إلى وسام شرف استحقاقي ومعاش من الحكومة الفرنسية، وقد كتب روني كايي مذكرات عن هذه الرحلة الاستكشافية التي تطرق فيها لكل ما يخص المجتمع الصحراوي من ثقافة واحتفالات وألعاب وضيافة و تقاليد غذائية، وكذا التقاليد الصحية والأمراض والعلاج والوقاية بالإضافة إلى النشاط الزراعي  والمبادلات التجارية، ورغم ما يلف هذا السفر من غموض ومخاطر إلا أن إصرار وعزيمة  كايي ورغبته في استكشاف هذه المنطقة كانت سببا في تخطي جميع العراقيل التي صادفها، وأبلى في ذلك بلاءا حسنا، وتمكن من تحقيق حلم لطالما راوده منذ سن مبكرة.

ولد الرحالة الفرنسي René Caillé في 19 نونبر من سنة 1799م،  وتربى في كنف أسرة فقيرة، وعاش يتيما بعد أن فقد أبويه سنة 1811م، لينتقل بعدها للعيش مع جدته ويتابع دراسته، وكان طالبا مواظبا ومحبا لمادة الجغرافيا، وبعدها ذهب إلى إسكافي من أجل تعلم تلك المهنة، لكنه لم يجد فيها ذاته، معتبرا إياها مهنة مملة تفتقد لوسائل الترفيه، واكتشف أنه يميل إلى الوحدة ويسعى إلى  قراءة  مؤلفات  Robinson Crusoë وجميع الروايات المستكشفين التي يمكن أن تقدم له خريطة أفريقيا.[1]

وقد حاول René Caillé  السفر عبر الصحراء الكبرى متجها نحو السنغال بحثا عن التمبكتو، وبعد فشل رحلته لم تمض إلا ستة أشهر وعاود الكرَّة مرة أخرى، وأصيب بمرض مما استدعى رجوعه لفرنسا من أجل تلقي العلاج.

وبعد محاولتين فاشلتين للوصول إلى التمبكتو، عاد من جديد René Caillé  إلى السنغال قوي العزيمة والإرادة من أجل اختراق قلب إفريقيا، ووضع استراتيجية للظفر بلقب أول أروبي يصل إلى التمبكتو، وحط الرحال بالبراكنة  من أجل تعلم اللغة العربية وأصول الدين الإسلامي وحمل معه الأحذية والصنادل، والقرآن الكريم ومسبحة في يده، واستقر بها مدة ثمانية أشهر[2].

وفي 28 أبريل 1828، فرحة لا توصف بعد أن حقق حلمه في الوصول إلى التمبكتو، والتي أمضى فيها 13 يوما، وفي هذه الأثناء كتب الكثير عن رحلته ومعاناته وحياته في إمارة البراكنه، كما كتب عن حياة تمبكتو من حيث الموقع الجغرافي والمناخ ونمط العمران وحياة سكانها وعاداتهم وتقاليدهم، كما كتب عن الصحة والأمراض وطرق الوقاية منها وعلاجها.

 

 الصورة عبارة عن خريطة تبين مسار رحلة René Caillé

 

وفي ما يخص مجال الصحة وطرق العلاج، لاحظ  René Caillé أن المجتمع الصحراوي يستعملون الزبدة استعمالا مفرطا في علاج جل الأمراض التي تصيبهم، سواء من أصل نباتي أو حيواني، ويصنعون منها مستحضرات التجميل، ومراهم لعلاج الجروح، ولاحظ على العموم أن معظم أهل الصحراء يتمتعون بصحة جيدة بالرغم من افتقارهم للنظافة، وأشار إلى أنه لم تسجل أثناء وجوده هنالك أية حالة مصابة بمرض الجذام، وبمجرد أن يبدأ أحدهم يحس بأعراض المرض، فإنه يدخل في حمية غذائية، ثم تناول الكثير من اللحوم لتسريع شفائهم، ومن ضمن والوسائل الغريبة التي يستعملونها في العلاج، ضمادة ضاغطة حول الرأس في حالة الصداع، شرب الشاي بالأعشاب مع بول الإبل، تقطير الزبدة في الأنف في حالة الإصابة بالزكام، يشيع كذلك عند البيضان استخدام حجر أحمر (المغرة) يعالجون به الرمد والشقيقة، وأضاف أن مجتمع البيضان لا يعرفون أي دواء للحمى، ولكن حين تصيبهم يشربون اللبن الممزوج بالصمغ[3].

وفيما يخص الاحتفالات والتقاليد، فرغم قساوة وشح محيطهم الطبيعي وانشغالهم جل الوقت بملاحقة السحب، فإن بيضان الجزء الجنوبي الغربي من الصحراء الكبرى عروا كغيرهم من الشعوب، أنواعا من الألعاب أثارت انتباه بعض مستكشفي القرن التاسع عشر/ ومن تلك الألعاب الشائعة عند البيضان سباق الإبل والخيل في الألعاب الدينية والمناسبات الاجتماعية كحفلات القران والزفاف، وقد يصاحب ذلك السباق استعراض للبنادق وإطلاق الرصاص في الهواء.

وقد تحدث كايي عن تخليد عيد الفطر قائلا: إنه عند الزوايا مجرد عيد ديني، غير أن بني حسان يجعلون العيد يوم فرح وتسلية، فالرجال يطلقون نيران بنادقهم، كما يجرون مباريات في سباق الخيل، أما النساء الحسانيات فيجتمعن حول المطربين يغنين ويصفقن على أنغام الموسيقى[4].

ثم يتحدث كايي بإيهاب عن كيفية المعاملة التي يتلقى بها البيضان ضيوفهم، فحينما حلت – بمخيم الزوايا الذي يقيم فيه ذلك الرحالة – قافلة بيضانية متجهة إلى فوته لبيع الملح، نزلت في وسط المخيم فجاء السكان فورا بالحصائر التي تستخدم فرشا للضيوف، وأرسلت مختلف أسر الحي أقداحا من اللبن والعصيدة إلى خيمة زعيم الحي ليتم توزيعها على الضيوف، ويشير الرحالة كايي خما إلى ظاهرة التعزيرت التي دأب البيضان على تقديمها للضيوف والتي ما تزال بعض أحياء البادية الموريتانية محتفظة بها إلى اليوم، ويعود منشأ هذه العادة في اعتقادنا إلى ضعف إمكانات المجتمع البدوي، واضطراد ظاهرة الضيافة التي قد ترغم الأسرة على استقبال عدد غير محدد من الضيوف دون استعداد مسبق، فكان أهل الحي يقومون كل حسب إمكاناته، في المساهمة في إطعام أي ضيف ينزل بالحي دون فرق في ذلك بين الأسرة التي ينزل عندها وبقية الأسر[5].

أما فيما يخص التقاليد الغذائية لهذه المنطقة الصحراوية، فإنها تتكون أساسا من اللحم واللبن والثمر الذي ينتشر بكثرة في منطقتي أدرار وتكانت ، وتليها أغذية أخرى تصنع من الحبوب فضلا عن الشاي.

ولإعطاء فكرة أوسع عن المطبخ الصحراوي التمبكوتي فإن هناك أربع أطباق رئيسية، اثنين منها تحمل سيمة مغربية، والثالثة مزيج  من المطبخ السونغاي وصلصات الساحل السوداني، والرابعة مستوحات من بيئات  صحراوية مختلفة[6].

ويضيف  René  أن استخدام طبق العصيدة منتشر جدا في منطقة البراكنة، لأن سكان هذه المنطقة لا يأكلون السمك بل أنهم يعبرونه مقرفا رغم أن الشريعة لا تحرمه، فرائحته الكريهة تثير تقززهم[7].

وقبل مغادرته تمبكتو متوجها الى إيرون،  René Caillé مدعو إلى "غداء" مكون من الشاي والخبز الطازج والزبدة، وقدم له مضيفه طعاما وماءا ليستعين به أثناء الطريق، والمكون من خبز القمح وزبدة ذات أصل حيواني وكمية جيدة من الأرز[8].

وخلال رحلة طويلة مليئة بالمآسي، وصل روني كايي إلى تمبكتو سنة 1828 وأمضى فيها 13 يوما ليسافر منها إلى فرنسا مرورا بمدينة طنجه المغربية، وقد حصل من الجمعية الجغرافية الباريزية على جائزة كبرى مقدارها 10 آلاف فرنك بالإضافة إلى وسام شرف استحقاقي ومعاش من الحكومة الفرنسية، وكان روني كايي قد كتب الكثير عن رحلته ومعاناته وحياته في إمارة البراكنه كما كتب عن حياة تمبكتو من حيث الموقع الجغرافي والمناخ ونمط العمران وحياة سكانها وعاداتهم، قبل أن يختطفه الموت وهو في الـ 38 من عمره أي سنة 1838م.

 

[1] - p:274-273  par le Dr René LOGEAY  Le voyage de René Caillé à Tombouctou

[2] -  p:275  par le Dr René LOGEAY  Le voyage de René Caillé à Tombouctou

[3] - p:277-278  par le Dr René LOGEAY  Le voyage de René Caillé à Tombouctou

[4] - المجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية منشورات معهد الدراسات الإفريقية 2001 ص 350.

[5] - المجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية منشورات معهد الدراسات الإفريقية 2001 ص 315.

[6] - la cuisine de tombouctou entre afrique subsaharienne et maghreb par monique chastanet p:62

[7] - المجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية منشورات معهد الدراسات الإفريقية 2001 ص 322.

[8] - la cuisine de tombouctou entre afrique subsaharienne et maghreb par monique chastanet p:54

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق