رائدات مغربيات في التصوف:فاطمة تاعلاّت الهلالية…، رابعة زمانها (ت1207ھ)
في المجتمع المغربي وعبر حقبه وتطوراته التاريخية، كان للمرأة حضور في شتّى المجالات الثقافية والدينية والسياسية، فكما هو معلوم، لم يعد يقتصر دور المرأة في الأشغال الشاقة للبيت، بل تقلدت مناصب قيادية وكانت فاعلة سياسية أثبتت حنكتها ومهارتها في كل شيء، فتجد من النساء الفقيهات المدرسات، ومنهن العالمات اللائي كُنّ يدرّسن العلوم، ومنهن الواعظات المرشدات، ومنهن الحافظات لكتاب الله المقرئات، ومنهن ذوات الروحانية القوية حتى عُرفن برابعات زمانهن، ومنهن من يهِمن بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظمن في ذلك المنظومات والمحفوظات، ومنهن من أسست عليه المدارس العلمية العتيقة منذ قرون، ومنهن من تقام عليهن مواسم دينية أو تجارية أو هما معا...، والواقع أن النساء العالمات المشهورات بالصلاح والولاية في المغرب، أخذن مكانة مرموقة في مجال الفكر الصوفي المغربي، ويكفي أن تكون آثارهن شاهدة عليهن، فجامع القرويين إنما أسسته فاطمة أم البنين بنت محمد بن عبد الله الفهري عام 245ھ، بينما أقامت أختها مريم جامع الأندلس الذي كان ينافس جامعة القرويين حوالي القرن 4ھ، وقد برزت في هذا الميدان الأميرة الحسنى بنت سليمان النجاعي زوجة المولى إدريس الثاني، وعاتكة بنت الأمير علي بن عمر بن المولى إدريس زوجة الأمير يحيى التي كان لها دور في تحرير مدينة فاس عام 281ھ...
وقد احتفظ لنا التاريخ المغربي بأسماء نساء شهيرات عُرفن بالتصوف والصلاح والعلم والفقه والأدب...، من أشهرهن الولية الصالحة، العابدة الذاكرة، للا تاعلاّت الهلالية... رابعة زمانها.
نسبها:
ذكرت كتب التاريخ التي تناولت سيرة هذه المرأة المشهورة بسوس ب"تعلاّت" أن اسمها الحقيقي هو: "فاطمة بنت محمد" من بني عْلاَّ الهِلالية، رابعة زمانها، كانت- رضي الله عنها- عالمة عجيبة الحال، من الصالحات القانتات الصابرات الخاشعات، الذاكرات لله كثيرا العابدات، قد انتشر صيتها وعمّ بلاد السوس والغرب، وأثنى عليها الناس وفشا ذكرها بالولاية والصلاح عند الخاصة والعامة في جميع الناس.[1]
عُرفت هذه الولية- رحمها الله تعالى- بالصلاح والتقوى، حتى اشتهرت برابعة زمانها، وأُثرت عنها كرامات كثيرة، شهد لها بذلك كله أكابر العلماء العاملين، وأهل الخير والمحبة والدين، من ذلك أن الشيخ العالم، الخاشع الناسك، الغارق في محبة النبي صلى الله عليه وسلم سيدي محمد بن الصالح، الملقب بالمعطي البجعدي كتب إليها يسلم عليها ويطلب منها الدعاء، وناهيك من يخص مثل هذا الرجل الكبير بالسلام ويطلب منه الدعاء.[2]
من كراماتها:
قال عنها الفقيه محمد بن أحمد البوقدوري: "ومن كرامات هذه الولية الصالحة أن الفقراء الناصريين يزورونها كل عام في أول فبراير، فإن أجذبت السنة صلوا صلاة الاستسقاء، وإلا فلا، وكانوا يبيتون فيها ليلة الجمعة، ويحيون تلك الليلة بالموعظة والذكر، وكانوا فيها مرة، ولم يكن عندهم خبز، وقد أتوا بالمزاود مملوءة بالدقيق، وليس ثمّة من يخبز لهم الدقيق، ونصبوا القدور، وطاب اللحم، وأجمع رأيهم على أن يجعلوا العصيدة، وأتوا بالمزاود، ووجدوا ذلك الدقيق صار كسكسا بفضل الله".[3]
ومن كراماتها أيضا، ما حكاه الرواة عن زوجها، حين أراد أن يمشي إلى الحج، فقالت له هذه الولية: "إذا هاج البحر واشتدت الرياح ولم تستقر السفينة فنادني باسمي"، فنهَرها ولم يبال بكلامها، ثم إنهم اشتد بهم البحر والريح ذات يوم، وتلاطمت الأمواج، وأيسوا من الحياة وأيقنوا بالغرق، ثم تفكر تلك الكلمة التي قالتها له هذه الولية، فناداها باسمها، فرآها قادت السفينة تمشي فوق الماء، حتى قطعت بهم البحر بلا مشقة ولا محنة.[4]
وفاتها:
توفيت- رضي الله عنها- سنة 1207ھ، بعد وفاة السلطان المولى يزيد العلوي بسنة، حيث توفي سنة 1207ھ، وكانت معمرة ومسنة حيث عاشت قرنا كاملا حتى تجاوز عمرها أكثر من 110 سنة...، ويقام إزاء ضريحها موسم ديني حافل، أسس عام 1255ھ، أسسه الحاج أحمد إكني الحاحي الذي نزل بتارودانت وتِدسي، وأثر أطلال داره باقية بتِدسي، وقد كان هذا الموسم زاخرا بتلاوة كتاب الله عز وجل، ومليء بالطلبة يأتون إليه من كل فج عميق، ويعكفون على قراءة القرآن ليل نهار، وما زال إلى يومنا هذا...[5]
ذكر الفقيه البوقدوري أن السيدة تاعلات تركت قصائد شعرية أمازيغية سوسية، في موضوع التوسل والإرشاد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أنا لم أقف عليها.
الهوامش
[1]- طبقات الحضيكي، محمد بن أحمد الحضيكي (ت1189ھ-1775م)، تحقيق: أحمد بومزكو، ط1، 1427ھ-2006م، 2/592.
[2]- المصدر السابق.
[3]- تاريخ قبائل هلالة بسوس المسمى: "إتحاف أهل البدو والقرى بسلالة زينب الكبرى، ص: 287-289.
[4]- الصالحات المتبرك بهن في سوس، الحسن العبادي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط: 1425ھ-2004م، ص: 58-59.
[5]- المصدر السابق، ص: 60.