مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

درة الغوّاص في محاضرة الخواص لابن فرحون تـ799هـ

يُعد كتاب «درة الغوّاص في محاضرة الخواص» من أهمّ كتب المالكية المصنفة في باب الألغاز الفقهية كفَنٍ اعتمده الفقهاء وحرصوا فيه على تنويع أساليب تناول المسائل الفقهية لشحذ ذهن المتلقي واختبار معلوماته، ويمكن الجزم بأن ابن فرحون قد حاز قصب السبق في كتابه وكان رائد هذا الميدان، ولا غرو في ذلك؛ فالقاضي برهان الدين ابن فرحون المتوفى سنة(799هـ) كان واسع العلم، فصيح القلم، من أهل التحقيق والفضل، حتى أصبح قدوة العلماء وخاتمة الفضلاء.

ألّف ابن فرحون هذه الألغاز لإثارة عزم الطلاّب وتحريك روح التنافس بينهم، اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلّم مع أصحابه حينما كان يطرح عليهم مسائل عويصة تتطلّب مهارة واتقّاد ذهن لحلّها، كما في حديث عبد الله بن عمر عن النخلة. وفي هذا قال ابن فرحون: «فإن طلب العلم أشرف الاكتساب وأسماه، وطالبه يحتاج إلى قوة وعزم، وإجمام نفسه… ومن أحسن ما أجمّ به نفسَه محاضرة الطلاّب بألغاز فروع الأصحاب؛ لأنها تحد الأذهان، وتفتح الجَنان، وتفاضل بين الأقران…ولم أقف للمالكية على تآليف من هذا النوع يقتفى به ويتبع، فقيّدت من ذلك ما تُستطرف به المذاكرة ويُستجلى به المحاضرة».

افتتح سِفره بمقدمة تناول فيها دواعي التأليف، واسم الكتاب، وبيّن أبوابه التي بلغت 67 بابا، وكان منهجه في هذه الألغاز التي بلغت 628 أن رتبّها على أبواب الفقه، مع حرصه على جانب تعليل الأحكام عناية منه بمقاصد الشريعة وأسرارها، وجاءت هذه الألغاز على شكل سؤال وجواب يغلب عليه طابع الإيجاز، وأحيانا يورد الجواب دون تصرّف كما جاء في المصدر الذي استمّد منه المسألة، وأحيانا يبتكر مسائل ويجيب عنها وفق أصول وقواعد المذهب لتمكنّه منها. أما في ما تعلّق بالمسائل التي اختلف حولها فقهاء المذهب فقد اختار مسلكين؛ فتارة يميل إلى ما ذهب إليه بعضهم دون أن يراعي الشهرة والترجيح، وتارة يصرّح بما ترّجح لديه. وكل هذا بأسلوب بديع يدلّ على علّو كعبه؛ فيستعمل في السؤال عبارة: «فإن قلتَ» وأحيانا «إن شئتَ قلتَ» وفي الجواب عبارة: «قلتُ».

اعتمد ابن فرحون على أمهات المذهب ودواوينه وكتب الأحكام والوثائق والشروط والمختصرات وغيرها؛ فمنها: العتبية، والمبسوط للقاضي إسماعيل، والمدونة لسحنون، والتهذيب للبرادعي، وفتاوى ابن رشد، وأحكام القرآن لابن العربي، والنهاية والتمام للمتّيطي، والفروق للقرافي، وكتاب الوثائق لأبي إسحاق الغرناطي، والتوضيح للشيخ خليل.

قال عنه التنبكتي في نيل الابتهاج: مما لم يسبق لمثله، وقال مخلوف في شجرة النور: فيه من الفوائد ما هو معروف. ولأهمية الكتاب في بابه اهتم به العلماء فتداولوه ونقلوا عنه في كتبهم كالحطاب الرُّعيني في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، والشيخ عبده يوسف الصفتي في حاشيته على الجواهر الزكية.

صدر في جزء واحد بتحقيق محمد أبو الأجفان وعثمان بطِّيخ، عن دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس، سلسلة من تراثنا الإسلامي(16).

-الكتاب: درة الغواص في محاضرة الخواص.

-المؤلف: القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون اليَعْمُري المدني المغربي الأصل (ت799هـ).

من مصادر ترجمته: توشيح الديباج وحلية الابتهاج للقرافي(45)، نيل الابتهاج للتنبكتي (33)، شجرة النور الزكية لمخلوف(222/1).

-المحقق: محمد أبو الأجفان وعثمان بطِّيخ.

-الناشر: دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس، سلسلة من تراثنا الإسلامي(16).

تحميل الكتاب

إعداد: ذة. غزلان بن التوزر.

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق