دراسة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب» المخرج في «سنن ابن ماجه»

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد؛ فقد أخرج الإمام ابن ماجه رحمه الله في سننه؛ في كتاب: الصيام، باب: صيام أشهر الحرم؛ حديثا بسنده قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا داود بن عطاء قال: حدثني زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن سليمان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، «نهى عن صيام رجب».
ولأهمية موضوع هذا الحديث أحببت أن أفرده بهذا المقال الذي سأتناول فيه إن شاء الله تعالى: دراسة رجال إسناده، وتخريجه، والحكم عليه من خلال أقوال بعض العلماء؛ وقد جعلته في مقدمة، وثلاثة مباحث ، وخاتمة وفق الآتي:
مقدمة:
المبحث الأول: سأخصصه إن شاء الله تعالى لدراسة رجال إسناد الحديث، وبيان أحوالهم من حيث التوثيق أو التضعيف ، وذلك استنادا إلى أقوال بعض أئمة الجرح والتعديل في ذلك.
المبحث الثاني: سأخصصه إن شاء الله تعالى لتخريج الحديث من خلال عزوه إلى بعض مظانه من المصنفات الحديثية التي أخرجته بأسانيدها.
المبحث الثالث: سأخصصه إن شاء الله تعالى لبيان أقوال بعض العلماء وحكمهم على هذا الحديث.
وخاتمة : أذكر فيها ما توصل إليه المقال من نتائج.
وهذا أوان الشروع في المقصود؛ فأقول وبالله التوفيق والسداد:
المبحث الأول:
دراسة رجال إسناد الحديث
الحديث أخرجه الإمام ابن ماجه رحمه الله في سننه؛ قال: « حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا داود بن عطاء، قال: حدثني زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن سليمان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، «نهى عن صيام رجب»[1].
فإسناد هذا الحديث جاء من طريق ستة رجال وهم:
1-إبراهيم بن المنذر الحزامي:
هو: أبو إسحاق إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسيد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الحزامي، قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب: «صدوق؛ تكلم فيه أحمد لأجل القرآن»[2].
2- داود بن عطاء:
هو: أبو سليمان داود بن عطاء المدني، أو المكي مولاهم. قال البخاري[3]، وأبو زرعة، وأبو حاتم[4] الرازيان: «منكر الحديث»، وقال الدارقطني: «متروك»[5]. قال في تقريب التهذيب: «ضعيف»[6].
3- زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب:
هو: زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب القرشي العدوي المدني، قيل: هو زيد ابن عبد الكبير بن عبد الحميد، قال ابن حجر في تقريب التهذيب: «مقبول»[7].
4- سليمان:
هو: أبو أيوب سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي المدني، ويقال: البصري، قال ابن حجر في تقريب التهذيب: « مقبول»[8].
5-أبوه:
هو: أبو محمد، وأبو السجاد، وأبو عبد الله، وأبو الفضل علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي الحجازي، قال ابن حجر في تقريب التهذيب: « ثقة عابد»[9].
6-عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
هو: الصحابي أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس المدني ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر في تقريب التهذيب هو: « أحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة»[10].
خلاصة الحكم على الإسناد:
بعد دراسة رجال إسناد هذا الحديث من خلال أقوال علماء الجرح والتعديل؛ تبين لي أنه إسناد ضعيف جدا؛ لعلة وجود راو فيه شديد الضعف ، وهو: داود بن عطاء ؛ جرحه كبار علماء الجرح والتعديل - البخاري (256هـ)، وأبو زرعة (264هـ)، وأبو حاتم الرازيان (277هـ) - بنكارة حديثه، واتهمه الإمام الدارقطني أنه متروك في حديثه، ولخص القول فيه الحافظ ابن حجر بكونه ضعيف كما تقدم.
المبحث الثاني:
تخريج الحديث من بعض مظانه
أخرجه الإمام ابن ماجه في «سننه»[11] ، والإمام الطبراني في «المعجم الكبير»[12] ، والإمام البيهقي في «شعب الإيمان»[13] ، وفي « فضائل الأوقات »[14] ، والإمام الجوزقاني في « الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير»[15]، والإمام أبو الحجاج المزي في « تهذيب الكمال»[16].
كلهم من طرق إلى إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن داود بن عطاء، عن زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن سليمان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلهم بلفظ: « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب كله»؛ إلا ابن ماجه في سننه، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، فقد أوردا هذا الحديث بدون زيادة كلمة (كله).
المطلب الثالث:
أقوال العلماء وحكمهم على هذا الحديث:
حكم العلماء بضعف هذا الحديث، وأنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرد داود بن عطاء به ، ومن هؤلاء الآتي:
الإمام الجوزقاني (543هـ) رحمه الله في «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» قال: «هذا حديث باطل، لم يروه عن زيد بن عبد الحميد، إلا داود بن عطاء وهو منكر الحديث»[17].
والإمام ابن الجوزي (597هـ) في «العلل المتناهية»: قال: «هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم »[18].
و الإمام الذهبي (748هـ) في «تنقيح التحقيق»؛ حين ذكر مسألة كراهة إفراد رجب بالصيام ، قال: «مسألة : يكره إفراد رجب بالصوم، خلافا لأكثر المتأخرين. واحتج أصحابنا بما لم يصح: داود بن عطاء - أحد الضعفاء - عن زيد بن عبد الحميد، عن سليمان بن علي العباسي، عن أبيه، عن ابن عباس " أن رسول الله نهى عن صيام رجب»[19].
والإمام الشوكاني (1250هـ) في «الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني» : قال: «وكما لم يصح الترغيب في صوم رجب على الخصوص، لم يصح النهي عن صومه؛ كما روى ابن ماجه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن صيام رجب " ؛ فإن هذا الحديث في إسناده ضعيفان: زيد بن عبد الحميد، وداود بن عطاء »[20].
الخاتمة:
وخلاصة القول فإن هذا الحديث حكم عليه الأئمة الحفاظ: الجوزقاني، وابن الجوزي، والذهبي، والشوكاني، بالضعف، وأنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم وأحكم.
فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزي عنا أئمة الحديث، وحماة السنن خير الجزاء، وأن يبارك لنا العمل الصالح المسنون في أشهر الخير في رجب وشعبان ورمضان، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن ينفع به، وأن يذخر لي أجره يوم لقائه، آمين.
********************
هوامش المقال:
[1]- سنن ابن ماجه، كتاب: الصيام، باب: صيام أشهر الحرم(ص: 303)(رقم الحديث: 1743).
[2]- تقريب التهذيب (ص: 34)(الترجمة رقم: 253).
[3]- الضعفاء الصغير (ص: 45)(الترجمة رقم: 109).
[4]- الجرح والتعديل (3/ 421)(رقم الترجمة: 1919).
[5]- سؤالات أبي بكر البرقاني للإمام أبي الحسن الدارقطني، في الجرح والتعديل (ص: 73)(رقم: 138).
[6]- تقريب التهذيب (ص: 139)(الترجمة رقم: 1801).
[7]- تقريب التهذيب (ص: 164)(الترجمة رقم: 2144).
[8]- تقريب التهذيب (ص: 193)(الترجمة رقم:2596).
[9]- تقريب التهذيب (ص:342)(الترجمة رقم:4761).
[10]- تقريب التهذيب (ص:251)(الترجمة رقم:3409).
[11] - السنن، في كتاب: الصيام، باب: صيام أشهر الحرم (ص: 303)، (رقم الحديث: 1743) .
[12] - المعجم الكبير (10/ 348)( رقم الحديث: 10681).
[13] - شعب الإيمان (3/ 375)(رقم الحديث: 3814).
[14] - فضائل الأوقات (ص: 106)(رقم الحديث: 15).
[15] - الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (2/ 130)(رقم الحديث: 493).
[16] - تهذيب الكمال (10/ 84-85).
[17] - «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» (2/ 130)(رقم الحديث: 493).
[18] - العلل المتناهية» (2 /65)(رقم الحديث: 913).
[19] - تنقيح التحقيق (1 /396)(المسألة رقم: 359).
[20] - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (6/ 3212-3213).
*******************
لائحة المصادر والمراجع:
الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير: لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر، الهمذاني الجورقاني، ت: د.عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية، الهند، ط4، 1422 -2002.
تقريب التهذيب: لأبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، ت: عادل مرشد، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 – 1999.
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق: لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، ت : مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، دار الوطن – الرياض، ط1، 1421- 2000.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ليوسف بن عبد الرحمن بن يوسف المزي، ت: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط1، 1400 – 1980.
الجرح والتعديل: لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، الهند، ط1، 1371-1952.
سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، (د.ت).
سؤالات أبي بكر البرقاني للإمام أبي الحسن الدارقطني، في الجرح والتعديل: ، ت: أبو عمر محمد بن علي الأزهري، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط1، 1427-2006.
شعب الإيمان: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، تحقيق : محمد السعيد بسيوني زغلول : دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 ، 1421-2000.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، ت: إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان، ط2، 1401- 1981.
الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني: لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، ت: أبو مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، اليمن، (د.ت).
فضائل الأوقات: لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبي بكر البيهقي ت: عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي، مكتبة المنارة - مكة المكرمة، ط1، 1410.
كتاب الضعفاء الصغير : لأبي محمد بن إسماعيل البخاري، ت: محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1406-1986.
المعجم الكبير : لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني،ت: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، (د.ت).
*راجع المقال: الباحثة خديجة ابوري، والباحث يوسف ازهار