مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

حقوق اليتامى وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم من زاوية السنة المشرفة

تمهيد

 لقد عظَّمَ الإسلامُ حقَّ اليتيم من خلال الحث على مخالطتهم ومعاملتهم بالعدل والإنصاف فقال: ﴿ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح﴾([1])وجعل القيام بحقوقه من أعظم الواجبات فقال: ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا﴾([2])، وبالمقابل جعل ظلم اليتيم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب الموجبة للعقاب الأليم فقال: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ﴾([3])، كما جعله من الموبقات السبع التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء في حديث  أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([4]).

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الاهتمام باليتيم من حيث: تربيته، ورعايته، ومعاملته؛ حتى ينشأ عضوا نافعا ، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فقال حاتا وآمرا وموجها ومحفزا على رعايته: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا»([5]).

  ولما كان الموضوع بهذه الأهمية رأيت أن أفرده بمقال، الذي سأتناول فيه إن شاء الله تعالى الحقوق المقررة لليتيم، مستدلة بأدلة من السنة المشرفة، ومذكرة  ببعض النماذج في تعامله صلى الله عليه وسلم مع اليتامى، فأقول وبالله التوفيق:

حقوق اليتامى في السنة:

لقد جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متضافرة في هذا الموضوع، حيث نجده صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ أموال اليتامى، وعدم أكلها بالباطل، وعد ذلك من السبع الموبقات  لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([6])،ولخطورة ذلك وجه من كان ضعيفا من الصحابة ألا يتولى مال اليتيم، لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: « يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم»([7])،وأمر باستثمارها وتنميتها حتى لا تستنفذها النفقة عليهم فقال: « ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة»([8])، وأمر بكفالته وضمه إلى بيوت المسلمين، وعدم تركه هملا بلا راع في المجتمع المسلم لما أخرجه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى»([9])، قال ابن حجر في الفتح معلقاعلى هذا الحديث: «لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك»([10]).

نماذج من تعامله صلى الله عليه وسلم مع اليتامى

لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة  في رحمته باليتامى ؛ ومن ذلك: موقفه صلى الله عليه وسلم مع أيتام شهداء  بدر لحديث الفضل بن الحسين الضمري قال:« أن أم الحكم أو ضباعة، ابنتي الزبير بن عبد المطلب، حدثته عن إحداهما أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه ما نحن فيه، وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبقكن يتامى بدر لكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك: تكبرن الله على إثر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة، وثلاثا وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.» قال عياش: وهما ابنتا عم النبي صلى الله عليه وسلم»([11]).

وفي موقف آخر نجده يزور أصحابه ومن لديهم اليتامى ليدخل السرور إلى قلوبهم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: قوموا فلنصل بكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت عليه أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين ثم انصرف».

وفي هذا الحديث دِلالة أنه إنما صلى تطوعا، أراد إدخال عليهم([12]).

كما كان يلاعب اليتامى ويلاطفهم ليدخل السرور إلى أنفسهم لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال كانت عند أم سليم يتيمة وهي: أم أنس، فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليتيمة فقال « آنت هيه لقد كبرت لا كبر سنك ». فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكى، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية، قالت الجارية: دعا علي نبى الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يكبر سنى فالآن لا يكبر سني أبدا – أو قالت قرنى – فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « ما لك يا أم سليم ». فقالت يا نبى الله أدعوت على يتيمتى؟ قال « وما ذاك يا أم سليم ». قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها – قال – فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: « يا أم سليم أما تعلمين أن شرطى على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة »([13])

خاتمة

   وفي الختام أحمد الله  تعالى الذي أعان ووفق على إتمام هذا المقال الذي أوردت فيه بعض الحقوق المقررة لليتيم مستدلة بأدلة من السنة المشرفة،  مع الوقوف على بعض النماذج  من سيرة النبي في تعامله  معهم باختصار، راجية منه سبحانه وتعالى أن ينفع به، ويدخر لي أجره يوم لقائه.  وصل الله على نبينا المجتبى، وعلى آله وأصحابه أولي النهى.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

***********************

هوامش المقال:

([1]) سورة البقرة من الآية: 220.

([2]) سورة النساء الآية: 6.

([3]) سورة النساء الآية: 10.

([4])أخرجه البخاري في صحيحه (2 /295) كتاب: الوصايا، باب: قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا) برقم: (2766)، ومسلم في صحيحه (1 /54)كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها برقم: (89).

([5])أخرجه البخاري في صحيحه (3 /413) كتاب: الطلاق، باب: اللعان، برقم: (5304).

([6])تقدم تخريجه.

([7])أخرجه مسلم في صحيحه (2 /885-856) كتاب: الإمارة، باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة برقم: (1826).

([8])أخرجه الترمذي في سننه (2 /25)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في زكاة اليتيم، برقم: (641).

([9])تقدم تخريجه.

([10])فتح الباري (10 /537).

([11]) أخرجه أبو داود (4 /604) كتاب: الخراج والإمارة والفيء،  باب: في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى برقم: (2787).

([12]) أخرجه الترمذي (1 /273-274) كتاب:  الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء برقم: (234) قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح.

([13]) أخرجه مسلم في صحيحه (2 /1206) كتاب:  البر والصلاة والصلة والآداب، باب: من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة برقم: (2603) قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح.

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق