تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(5)
والنظر لهم فيه عبارات، قال في شرح الصغرى نقلا عن ابن العربي: "رسْم النظر أنه الفكر المرتب في النفس على طريق تُفضي إلى العلم، يَطلب به من قام به علما في العلميات، أو غلبة ظن في المظنونات". انتهى. قال السكتاني: حركة النفس في المعقولات، وأما حركتها في المحسوسات فتخييل، واحترز بقوله: المرتب على طريق مِن المرتب لا على طريق تفضي إلى العلم، كأن يكون التركيب خارجا عن الأشكال وعن الشروط المعتبرة فيها، كأن يكون من جزئيتين وسالبتين، ومن القضية الواحدة لانتفاء الترتيب، وهذا الرسم يشمل المعرِّفات عدا التعريف بالمفرد كالتعريف بالفصل وحده، فإنه حد ناقص، والتعريف بالخاصة وحدها، فإنه رسم ناقص، ولعل ابن العربي لا يراه. وقوله: أو غلبة ظن في المظنونات؛ يدل على أنه شامل لما لم يُقطع بصحة مادته. انتهى باختصار.
وفي شرح الكبرى: حقيقة النظر ترتيب أمور معلومة على وجهٍ يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم، هكذا عرفه البيضاوي وغيره، وأحسن منه وأسلم أن تقول: النظر وضع معلوم أو ترتيب معلومين فصاعدا على وجه يُتوصل به إلى المطلوب، أو للتنويع فيشمل ناقصَ الحد والرسم. انتهى. وإنما كان أحسن وأسلم؛ لأن قوله: ترتيب أمور، لا يصدق بترتيب أمرين فقط إلا إن قلنا أقل الجمع اثنان؛ ولأنه لا يصدق بالتعريف بالمفرد كتعريف ابن العربي.
وقال ابن عرفة: هو ما يفيد استحضارُه استحضارَ أمرٍ غيره من نوعه. انتهى.
ونظمه صاحب المراصد في قوله:
النظر استحضار ما يفيد إدراكُه لمُمْعِن يُجيد
إدراك أمرٍ غيره من نوعه وأوجبوه لوجوب فرعه
وأشار بقوله من نوعه إلى أنه يُكتسب المجهولُ التصوري من الأمور التصورية والمجهولُ التصديقي من الأمور التصديقية.
وقال سيدي عبد الرحمان في حاشيته: قد يقال هو حركة النفس من المطلوب إلى مبادئه ثم منها إليه. وفي الاقتصاد للغزالي: "الفكر عبارة عن إحضار الأصلين في الذهن، وطلبُك التفطنَ بوجه لزوم العلم الثالث من العلمين الأصلين هو النظر، فإذن عليك في دَرْك العلم المطلوب وظيفتان: إحداهما إحضار الأصلين في الذهن، وهذا يسمى فكرا، والأخرى تشوفك إلى التفطن بوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين، وهذا يسمى طلبا، فلذلك قال من جرد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حد النظر أنه طلب علم أو غلبة ظن، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا أنه الفكر الذي يَطلب به من قام به علما أو غلبة ظن". انتهى. ثم قال: "ولن يعرف قدر هذه الكلمات الوجيزة إلا من انصرف خائبا عن مقصده بعد مطالعة تصانيف كثيرة". انتهى. وتقدم عن ابن رشد أن حصول المعرفة لا يتعين بطريقة المتكلمين، قال: ومن اعتقد هذا فهو جاهل. انتهى. ويأتي لهذا المعنى تتمة.