الرابطة المحمدية للعلماءدراسات وأبحاث

تفاعلات مفكرين مع كورونا (2): نوح هراري ومستقبل العالم بعد جائحة فيروس كورونا؟

يواجه العالم الان ازمة عالمية قد تكون من أشرس الأزمات التي يمر بها  بعد الحرب العالمية الثانية،  في غضون بضعة اشهر فقط حولت أنظمة العالم المعولم الفيروس التاجي الجديد من عدد قليل من الحالات في الصين الى جائحة عالمية. و من المؤكد  أن القرارات التي سيتخذها ساكنة العالم والحكومات في الاشهر القادمة ستشكل ملامح عالمنا في السنوات ألقادمة. لن تؤثر فقط على انظمتنا ألصحية ولكن ايضا على اقتصادنا وسياساتنا وثقافتنا.هذا ما جعل أحد المفكرين يونال نوح هراري حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام2002، وهو حالياً محاضر في قسم التاريخ بالجامعة العبرية في القدس بالتساؤل كيف سيكون العالم بعد جائحة فيروس كورونا؟ [1]

في بداية مقاله يقول هراري انه ستصبح العديد من تدابير الطوارئ قصيرة المدى عنصرًا ثابتا من الحياة. تلك هي طبيعة حالات الطوارئ.انها تُسرّع الصيرورة التاريخية. فالقرارات التي قد تستغرق سنوات من المداولات في الأوقات العادية، تُتخذ في غضون ساعات. وتصبح التكنولوجيا غير المكتملة وحتى الخطيرة في طور الخدمة، لأن مخاطر عدم القيام بأي شيء تكون أكبر.

أصبحت دول بأكملها مثل فئران التجارب في إطار القيام بتجارب اجتماعية واسعة النطاق. ماذا يحدث عندما يعمل الجميع من المنزل ولا يتواصلون إلا عن بعد فقط؟ ماذا يحدث عندما ترتبط المدارس والجامعات بأكملها عن طريق الإنترنت؟ في الأوقات العادية، لن تقبل الحكومات والشركات والمجالس التعليمية بإجراء مثل هذه التجارب. لكن هذه ليست أوقات عادية. في هذا الوقت من الأزمة، نحن أمام خيارين على درجة كبيرة من الأهمية، أولهما الاختيار بين المراقبة الشاملة واحترام حرية المواطنين، وثانيهما الاختيار بين  العزلة القومية والتضامن العالمي.

أشار الدكتور هراري أن في خلال معركتنا ضد وباء فيروس كورونا، باتت مجموعات بشرية بأكملها ملزمة بالامتثال لمبادئ توجيهية معينة. حيث ان هناك حكومات اتجهت صوب اتخاذ قرارت لمراقبة الأشخاص ومعاقبة أولئك الذين يخالفون القواعد. اليوم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت وذلك عن طريق أدوات مراقبة جديدة. ولعل خير مثال على ذلك الصين. فمن خلال مراقبة الهواتف الذكية للأشخاص عن كثب، والاستفادة من مئات الملايين من الكاميرات المزودة بتقنية التعرف على الوجوه، وإلزام الأشخاص بفحص درجة حرارة أجسامهم وحالتهم الطبية والإبلاغ عنها، استطاعت السلطات الصينية تحديد حاملي الفيروس المشتبه بهم بسرعة وتتبع تحركاتهم وحتى التعرف على أي شخص اتصلوا به. كما تحذر مجموعة من تطبيقات الهاتف المحمول المواطنين عند الاقتراب من المرضى المصابين.[2]وواصل في تحليل الظاهرة انه كل من  الحكومات والشركات استخدمت تقنيات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى لتتبع ومراقبة وتوجيه الأشخاص. ومع ذلك، إذا لم نكن حذرين، فقد يُمثل هذا الوباء نقطة تحوّل مهمة في تاريخ المراقبة. ليس فقط لأنها قد تجعل من انتشار أدوات المراقبة الجماعية أمرًا طبيعيًا في البلدان التي ترفض اعتمادها حتى الآن، وإنما لأنها تعني كذلك الانتقال الدراماتيكي من مرحلة المراقبة “من فوق الجلد” إلى مرحلة المراقبة “من تحت الجلد”.حتى الآن، عندما يلمس أصبعك شاشة هاتفك الذكي وتنقر على رابط، فإن الحكومة تُريد أن تعرف بالضبط ما كان اصبعك ينقر عليه. ولكن مع فيروس كورونا، يتحول محور الاهتمام إلى معرفة درجة حرارة اصبعك وضغط الدم تحت الجلدمن المهم أن نتذكر أن الغضب والفرح والملل والحب ظواهر بيولوجية مثل الحمى والسعال. ويُمكن للتكنولوجيا نفسها التي تحدد السعال أن تحدد الضحكات أيضًا. إذا بدأت الشركات والحكومات في جمع بياناتنا البيومترية بشكل جماعي، فيمكنها التعرف علينا بشكل أفضل بكثير مما نعرف نحن عن أنفسنا، ومن ثم لا يمكنها فقط التنبؤ بمشاعرنا وإنما أيضًا التلاعب بها وبيعنا أي شيء يريدونه – سواء كان ذلك بضاعة أو أفكارًا. تخيل كوريا الشمالية في سنة 2030، عندما يقع إلزام كل مواطن بحمل سوار مزود بمستشعرات حيوية على مدار 24 ساعة في اليوم. حينها إذا استمعت إلى خطاب القائد العظيم والتقط السوار علامات الغضب الواضحة عليك، فقد انتهى أمرك.

بدلاً من بناء نظام مراقبة، لم يفت الأوان لإعادة بناء ثقة الناس في العلم والسلطات العامة ووسائل الإعلام.

يجب علينا بالتأكيد الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة أيضًا، ولكن يجب أن تُكرس هذه التكنولوجيات لتمكين  المواطنين. من جهتي، أنا أؤيد مراقبة درجة حرارة جسمي وضغط الدم لدي، ولكن لا ينبغي أن تُستخدم هذه البيانات لإنشاء حكومة قوية. وعوضًا عن ذلك، ينبغي أن تمكنني هذه البيانات من اتخاذ خيارات شخصية واعية، ومحاسبة الحكومة على قراراتها.

 إذا تمكنت من تتبع حالتي الطبية الخاصة على مدار 24 ساعة في اليوم، لن أعرف ما إذا كنت سأشكل خطرًا صحيًا على الآخرين فقط، ولكنني سأعرف أيضًا العادات التي من شأنها أن تحافظ على صحتي. وإذا تمكنت من الاطلاع على إحصاءات موثوقةٍ حول انتشار فيروس كورونا وتحليلها، سأتمكن من تحديد ما إذا كانت الحكومة تخبرني بالحقيقة وما إذا كانت تعتمد على السياسات الصحيحة لمكافحة الوباء.

وخلص المؤرخ  إلى القول اننا بحاجة الى خطة عالمية حيث  المهم الذي نواجهه يتعلق بالعزلة الوطنية والتضامن العالمي. يمثل كل من الوباء والأزمة الاقتصادية الناتجة عنه مشكلة عالمية لا يمكن حلها بشكل فعال إلا من خلال التعاون العالمي. أولا وقبل كل شيء، نحتاج إلى مشاركة المعلومات عالميًا من أجل الانتصار على الفيروس. وهذه هي الميزة الكبرى التي يتمتع بها البشر للقضاء على الفيروسات. لا يمكن لفيروس كورونا في الصين والولايات المتحدة مقايضة النصائح حول كيفية إصابة البشر. ولكن يمكن للصين أن تعلّم الولايات المتحدة العديد من الدروس القيمة حول فيروس كورونا وكيفية التعامل معه. فما يكتشفه طبيب إيطالي في ميلانو في الصباح الباكر قد ينقذ الأرواح في طهران في المساء. وعندما تتردد حكومة

المملكة المتحدة بين العديد من السياسات، يمكنها الحصول على المشورة من الكوريين الذين واجهوا بالفعل معضلة مماثلة قبل شهر. ولكن لكي يتحقق هذا الأمر، نحتاج إلى التحلي بروح التعاون والثقة العالمية.ينبغي

أن تكون البلدان على استعدادٍ لتبادل المعلومات بشكلٍ علني والحصول على المشورة في كنف التواضع، وأن تكون قادرةً على الوثوق في البيانات والأفكارالتي تتلقاها. نحن نحتاج أيضًا إلى جهد عالمي لإنتاج وتوزيع المعدات الطبية، ولا سيما مجموعات الاختبار وأجهزة التنفس. وبدلا من محاولة كل دولة القيام بذلك محليًا وتخزين أي معدات يمكنها الحصول عليها، من شأن الجهد العالمي المنسق أن يسرع الإنتاج إلى حد كبير

ويضمن توزيع المعدات المنقذة للحياة بشكلٍ أكثر عدالة.[3]

————-

[1]  https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%84_%D9%86%D9%88  %D8%AD_%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%8A

[2] http://www.noonpost.com/content/36404

.[3] https://www.sasapost.com/translation/the-world-after-coronavirus/

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق