وحدة الإحياءمفاهيم

تأويل القرآن وسؤال التاريخ.. قراءة في مدونات التفسير الأولى

لم يزل الباحثون منذ ما يربو على قرن من الزمان مشغولين، صراحة أو ضمنا، بتعريف الصلة بين الخطاب القرآني وسياقه التاريخي وأثرها في النظرية التفسيرية أو التأويلية([1]). وليس المقصود بالتاريخ هنا ذلك التاريخ الذي يتحدث عنه القرآن ويسميه قَصَصا([2])، وإنما الظروف التاريخية والأوضاع الدينية والثقافية التي رافقت تنزيل القرآن أو كانت سائدة إبان نزوله. وصورة السؤال مفادها: ما هي العلاقة البيانية بين النص القرآني وسياقه التاريخي؟ وما مدى استقلال النص القرآني بالدلالة بمعزل عن سياقه التاريخي؟ فطبيعة السؤال المقصود تأويلية بالمقام الأول، وليست تأريخية.

في الإجابة عن هذا السؤال تفرقت المذاهب بالباحثين طرائق قددا، فبينما تبنى فريق رؤية نصية محضة، ترى النص القرآني مطلقا عن أي اعتبار زماني أو مكاني يحد من عموميته وإطلاقيته الزمانية أو المكانية، وأن سياقَه التاريخي ليس إلا وعاءً ظرفياً لتنزله، ولا يرقى لمرتبة التأثير في معطياته الدلالية أو التأويلية([3]). فإن فريقا آخر بلغ به القول حد النظر للقرآن باعتباره ابن بيئته التاريخية وثقافته ولغته، وأنه وفق ذلك ينبغي فهمه وتأويله، ولئن كان له من معنى متجاوزٍ فحدوده المقاصد الكبرى والمبادئ العامة وحسب([4]). وبين هذين الحدين تنوعت النظريات التأويلية والطرائق المنهجية المقترحة لمعالجة هذه المسألة([5]).

وليس الغرض من هذا المبحث مناقشةَ الأسس المعرفية والأبعاد المنهجية لهذه السؤال، سؤالِ الصلة بين الخطاب القرآني والتاريخ، ولا كذلك تقديمَ قراءة في الطرائق المتشعبة التي سلكها الباحثون في ذلك، وإنما المقصود هنا هو البحث عن جذور هذا السؤال في تاريخ التلقي الإسلامي للقرآن؛ بعبارة أخرى: كيف فهم المتقدمون من المسلمين علاقة القرآن بالتاريخ من حيث هو أحداث ووقائع وظروف حفت بتنزيله وارتبطت به ارتباطا مباشرا أو شبه مباشر، أو من حيث هو أحوال وعوائد وأفكار ومعتقدات كانت سائدة في زمن التنزيل؟ وما هي التحولات أو التطورات التي طرأت على هذا الفهم بعد تأسيس العلوم وتأصيل الأصول، ورسم القواعد في حقول التفسير والأصول وغيرها؟

وإذ تندرج هذه الدراسة في إطار تأريخ الأفكار والمفاهيم، فإنه يجدر التنبيه إلى أمرين: أولهما؛ تجنب إسقاط مفاهيم وإشكالات حديثة النشأة على المدونة التاريخية، بتحميلها ما لا تحتمله من مفاهيم. وثانيهما؛ التحرز عن إضفاء قيمة معيارية على هذه القراءة التاريخية، بغية اتخاذ موقف المتقدمين (السلف) نموذجا يحتذى ويحتج به، بما هو سلفي، على رؤية أو نظرية تفسيرية معينة.

بعبارة أخرى: إن الغاية المبتغاة هي تقديم قراءة حفرية عن جذور التلقي الإسلامي للقرآن في صلته بتاريخه، والتحولات التي طرأت عليه، لعل ذلك يساعدنا على فهم أعمق لتطور النظريات الإسلامية في التأويل، وكذلك فهم جذور الجدل الحديث حول هذه المسألة، وربما أيضا في تجاوز حالة الانغلاق التأويلي التي انتهت إليها مدارس التأويل.

أولا: مظانُّ الكشف عن سؤال التاريخ

إذا ما تصفحنا كتب علوم القرآن مثلا، وهي أعمال موسوعية بدأت في الظهور بعد القرن الخامس([6])، وقُصد منها لمُّ شتات المعارف القرآنية في موضع واحد، فسنجد طائفة واسعة من المعارف القرآنية التي يمكن القول بأنها تمت بصلة وثيقة إلى فهم العلاقة بين القرآن وتاريخه، وهي تتوزع على خمسة محاور أساسية:

1.  طبيعة التنزيل: الوحي وخصائصه.

2.  مكان التنزيل: المكي والمدني، الحضري والسفري.

3.  وقت التنزيل: الليلي والنهاري.

4.  ترتيب التنزيل: الناسخ والمنسوخ، أول ما نزل وآخر، لوائح ترتيب النزول.

5.  أسباب التنزيل.

قد تبدو بعض هذه المعارف غير ذات صلة وثيقة بفهم القرآن وتأويله، وأنها ضرب من المعلومات التاريخية المحيطة بالتنزيل، إلا أننا لا يمكن أن نغض من قدر ما يمكن للمفسر أن يستنبطه من دلالات وإشارات من هذه المعارف. يكفي أن نذكر في هذا السياق أن الباب الخاص بترتيب نزول آيات القرآن وسوره، كان أثره شبه محدود بباب النسخ ومتعلقاته؛ ولكنه في العصر الحديث فتح بابا من التصنيف عند المسلمين المعاصرين، ألا وهو التفاسير التي بنيت على ترتيب النزول([7])، وكذا عند بعض المستشرقين “كنولدكه” أو من نسج على منوالهم من الباحثين العرب، مثل محمد عابد الجابري، الذين اعتمدوا على هذا العلم في الكشف عن نشأة النص القرآني وتطور منظوره ورؤيته عبر مراحل السيرة النبوية([8]).

ولضيق المقام فإن هذا المبحث سيختص بالنظر في صلة القرآن بالتاريخ من خلال ما عُرف بأسباب النزول أو مناسباته. مع الأخذ في الحسبان أن مبحث النسخ على وجه الخصوص ذو أهمية بالغة لاكتمال التصور المراد بلوغه؛ أعني فهم رؤية المتقدمين للصلة بين النص الموحى وسياقه التاريخي، لاسيما حينما يتصل ذلك بفهم التطورات التي طرأت على النص نفسه([9]).

ولأن هذا السؤال المخصوص عديدةٌ موارده واسعةٌ مصادره؛ فإن هذه القراءة الأولية ستقتصر من ذلك على نماذج محدودة تشمل موقف بعض الصحابة منه، ومن ثمَّ أوائل المفسرين، ومنهم على الخصوص مقاتل بن سليمان (150ﻫ) ومن بعده الطبري (310ﻫ). باعتبارهما أقرب حدين بين مرحلتي التفسير ما قبل عصر التأصيل، وما بعده.

فمتى نشأ الاهتمام بأسباب النزول أو مناسباته، ولماذا، وكيف فهمت صلة تلك الأسباب من حيث هي دلائل غير نصية بدلائل النص، وهل كانت بذلك فاتحة بابا من التأويل متجاوزا باب قراءة الدلائل النصية؟

ثانيا: الصحابة ومناسبات([10]) النزول

1. أخرج البخاري عن ابن مسعود قوله: “وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ الله إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كتاب الله إلا [و] أنا أعلم فيما أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ([11]).”

وإذا كان لهذه الرواية أن تلخص فهم ابن مسعود وغيره للعلم بكتاب الله([12])، فإنها تعكس تصورا يتصل أساسا بمعرفة السياق التاريخي للقرآن، بما هو ظروف زمانية ومكانية أحاطت بنزوله، ولا يتطرق إلى العلم بمعانيه أو دلالاته. ونص الرواية وإن كان لا يدل على حصر العلم بالقرآن بما ذكره، إلا أن ظاهره دال على أن هذا الضرب من العلم على نحو خاص هو ما تقطع لأجله الفيافي والقفار([13]). والرواية التالية تكشف أن العلم بمناسبات النزول في مذهب ابن مسعود شرط ومقدمة ضرورية للخوض في تفسيره.

2. أخرج البخاري أن رجلا جاء إلى ابن مسعود؛ فقال: “تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ، يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿يوم تاتي السماء بدخان مبين﴾ (الدخان: 9)؛ قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ، فيأخذ بأنفاسهم، حتى يأخذهم [منه] كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ؛ فَأَنْزَلَ الله: ﴿فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين﴾ ([14]).”

فعلى الرغم من أن تفسير الرجل لا يخالف ظاهر الآية، بل لعله المتبادر من منطوقها، إلا أن ابن مسعود عدَّ هذا ضربا من التفسير بالرأي مذموما، لجهل صاحبه بسياق التنزيل الذي يحيل إلى حادثة تاريخية لا صلة لها بالمستقبل.

3. أخرج أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ؛ قَالَ: “خَلَا عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ؛ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ: كَيْفَ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَنَبِيُّهَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُهَا وَاحِدَةٌ؟ فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ: كَيْفَ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَنَبِيُّهَا وَاحِدٌ وَقِبْلَتُهَا وَاحِدَةٌ؟]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ فقرأناه، وعلمنا فيما نَزَلَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَنَا أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ولا يدرون فيما نَزَلَ، فَيَكُونُ لَهُمْ فِيهِ رَأْيٌ، فَإِذَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ رَأْيٌ اخْتَلَفُوا، فَإِذَا اخْتَلَفُوا اقْتَتَلُوا، قَالَ: فَزَجَرَهُ عُمَرُ وَانْتَهَرَهُ؛ فَانْصَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَنَظَرَ عُمَرُ فِيمَا قَالَ، فَعَرَفَهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ؛ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ مَا قُلْتَ، فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ؛ فعرف عمر قوله وأعجبه ([15]).”

ومن نفس الباب ما أخرجه البخاري تعليقا عَنْ بُكَيْرٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ نَافِعًا: كَيْفَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَرُورِيَّةِ؟ قَالَ: “يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ الله، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ أُنْزِلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ([16]).”

فالرواية الأولى تقرر أن اختلاف الأمة السياسي والعقدي ناجم عن فهم القرآن بالرأي، والجهل بمناسبات النزول والظروف التاريخية التي أحاطت به. وهذه الرواية مضمومة إلى الروايات السابقة عن ابن مسعود تؤكد على هذا التقابل القديم بين: التفسير بالرأي، والتفسير بالأثر، بما هو ناقل وواصف للظروف التي أحاطت بتنزيل القرآن. والرواية الثانية عن ابن عمر تؤكد هذا المعنى بل تبلغ به درجة أعلى، حيث أصبح الجهل بالسياق التاريخي سبيلا إلى الانشقاق عن الجماعة، والخروج عليها.

ولكي نفهم بدقة أثر العلم بالسياق التاريخي في فهم النص، على النحو الذي قرره ابن عباس ووافقه عليه عمر، فلابد أن نقرأ الرواية التالية التي كان ابن عباس وعمر أيضا مشاركين فيها:

1. روي أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ؛ فَقَدِمَ الْجَارُودُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: “إِنْ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ يَشْهَدْ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ الْجَارُودُ: أَبُو هُرَيْرَةَ يَشْهَدُ عَلَى مَا أَقُولُ”، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ فَقَالَ عُمَرُ: “يَا قُدَامَةُ! إِنِّي جَالِدُكَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شَرِبْتُ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَجْلِدَنِي، قَالَ عُمَرُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الله يَقُولُ: ﴿ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح﴾ (المائدة: 95)…إِلَخْ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ الله اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ الله”.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: “لِمَ تَجْلِدُنِي؟ بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ الله، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيُّ كِتَابِ الله تَجِدُ أَنْ لَا أَجْلِدُكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ليس على الذين ءامنوا﴾ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ؛ فَأَنَا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا، شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلم، بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلْنَ عُذْرًا لِلْمَاضِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ؛ فَعَذَرَ الْمَاضِينَ بِأَنَّهُمْ لَقُوا الله قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَمْرُ، وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ لِأَنَّ الله يَقُولُ: ﴿يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر﴾ (المائدة: 90)، ثُمَّ قَرَأَ إِلَى آخِرِ الْآيَة الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا؛ فَإِنَّ الله قَدْ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ الْخَمْرُ، قَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ([17]).”

وخلاصة القول هنا: أن قدامة قد اعترض هنا على العقوبة، ولم يعترض على الحرمة، وذلك اعتمادا على ما فهمه من ظاهر قوله تعالى: ﴿ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا﴾، هذا الظاهر الذي رده عمر احتجاجا: بإشارة النص (التقوى تقتضي تجنب المحرمات)، ثم أضاف ابن عباس احتجاجه بالسياق التاريخي لنزول الآية، سياقا يقتضي تخصيص رفع الجناح عن أولئك المؤمنين المرتكبين لحرمة شرب الخمر قبل نزول الآية حصرا، دون من يأتي بعدهم من المؤمنين، نظرا إلى أن الآية جاءت جوابا عن سؤال المسلمين عن مصير إخوتهم الذين شربوا الخمر وماتوا قبل تحريمه، كما تبين ذلك الروايات الأخرى([18]).

هذه الأخبار وغيرها تدل على اعتبار كبير أولاه الصحابة لفهم السياق التاريخي للتنزيل شرطا لفهمه فهما صحيحا. وهو اعتبار ناجم عن وعي مبكر بأهمية توثيق التجربة النبوية عموما، وفي تلقي الوحي خصوصا، للأجيال اللاحقة. وهو توثيق لا يدفع الفضول المعرفي الذي نجده عند المؤرخين، بقدر ما يدفعه الرغبة بتقديم نموذج معياري يكون قدوة ودليلا للأجيال القادمة.

 وأسباب النزول من هذه الحيثية ليست إلا أحداث السيرة التي ترافقت مع نزول آيات من القرآن، وأهميتها تكمن في قوتها البيانية الكاشفة عن استجابة النبي أو الصحابة لآيات كتاب الله. وبذلك تصبح تلك الوقائع التاريخية ضربا من التفسير التطبيقي للآيات القرآنية، أما تفسير كلام الله بناء على بنائه اللغوي دون إحاطة بالسياقات التاريخية فهو ما ذمه الصحابة واعتبروه ضربا من التفسير بالرأي، إن صحت الرواية عنهم.

ثالثا: الاجتهاد: بحثا عن السياق التاريخي

مما يؤكد رسوخ هذه النزعة عند الصحابة، أنه على الرغم من أن هذا الضرب من المعرفة التاريخية مستند أساسا إلى الخبر والسماع عمن شاهدوا التنزيل، فإن قدرا مما سيق في هذا الباب كان مبنيا على الاجتهاد والنظر في الربط بين آيات القرآن وأحداث معينة من السيرة النبوية بناء على قرينة أو إشارة يسمح بها النص. وكأن المفسر مطالب بالتحري عن الوقائع التاريخية التي يظن أن النص تعلق بها أو أشار إليها حتى يتحقق له الفهم الصحيح([19]). وهو أمر أدركه من قبل بعض العلماء، فقد نقل الزركشي عن أبي الفتح القشيري قوله: “بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تَحصَّل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا([20])”. واستشهد على ذلك بأمثلة منها:

ما أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: “اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ …” الْحَدِيثَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾ (النساء: 64)([21]).

1. السياق الثقافي والاجتماعي العام

على أن هذه العناية من الصحابة لم تقتصر على أسباب النزول والوقائع المصاحبة للتنزيل، بل امتدت لتشمل كذلك السياق التاريخي العام، من عادات ومعتقدات ونحو ذلك. وقد بين الشاطبي ذلك في معرض حديثه عن أنواع أسباب النزول فقال: “وَمِنْ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ عَادَاتِ الْعَرَبِ فِي أَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا وَمَجَارِي أَحْوَالِهَا حَالَةَ التَّنْزِيلِ، وَإِنْ لم يكن ثمَّ سبب خاص، لابد لِمَنْ أَرَادَ الْخَوْضَ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ مِنْهُ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الشُّبَهِ وَالْإِشْكَالَاتِ الَّتِي يُتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْهَا إِلَّا بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةَ([22])”. ومن أمثلة ذلك:

أ. ما أخرجه الطبري في تفسير ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية اَو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان اَو مشرك﴾ (النور: 3)؛ عن ابن عباس، قال: “كن بغايا في الجاهلية، على أبوابهن رايات مثل رايات البيطار، يعرفن بها([23]).”

ب. وما أخرجه أيضا في تفسير: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ (القصص: 68)؛ عن ابن عباس، قوله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية([24]).

ج. بل إن إحدى الرواية رفعت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وذلك في تفسير: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ (الجاثية: 23)؛ عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ قال: فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى: “يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار ([25]).”

2.صناعة أسباب النزول

وقد استثمر القصّاص والوعَّاظ هذه المكانة التي نالتها أخبار النزول في صناعة أخبار عن وقائع ينشرونها على أنها أسباب أو وقائع ومناسبات نزول لكثير من آيات القرآن. ولعل مما أعانهم على ذلك أيضا الرغبة عن التفسير بمحض الظواهر اللغوية؛ أي ما سمي التفسير بالرأي. وقد لاحظ العلماء هذا الأمر منذ وقت مبكر ونبهوا إليه. من ذلك مثلا قول الإمام أحمد (241ﻫ) المشهور: “ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي”. ولكن يبدو أن هذه الظاهرة استمرت حتى عصر الواحدي (468ﻫ)، حيث قال في مطلع كتابه: “وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية، وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب”([26]).

ولكن الواحدي لم يلتزم بما وعد من تنقيح الروايات كما قال ابن حجر الذي أنشأ كتابه “العجاب في بيان الأسباب” لإصلاح ما وقع فيه الواحدي. يقول: “وجدته V قد وقع فيما عاب، من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع، ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت لوهاء بعض رواته…([27]).”

ويؤكد هذا ما انتهى إليه حسن البلوط في دراسته لروايات أسباب النزول في تفسير الطبري، والتي بلغت 1632 رواية، حيث بلغ مجموع ما هو مقبول منها، صحيحا أو حسنا لذاته أو لغيره، 454 رواية، أي نحو ربع الروايات تقريبا، أما ما وراء ذلك فهو إما ضعيف أو واه أو مرسل([28]).

3. الوجوه البيانية لمناسبات النزول

والسؤال الذي يثار بعد هذا هو: كيف فهم المتقدمون من الصحابة والتابعين صلة مناسبات النزول وأسبابه، بما هي دلائل غير نصية، بدلائل النص وظواهره، بعبارة أخرى: ما هي أوجه البيان التي كانت تدور في خلدهم، حينما كانوا يعنون بنقل أسباب النزول ويؤكدون على أهميتها؟

من خلال الأخبار سالفة الذكر وغيرها يمكننا أن نحدد، من غير حصر، بعض وجوه البيان التي فهمها الصحابة من مناسبات النزول:

 أ‌.  تحديد المخاطَب: كما في حديث ابن عمر عندما تحدث عن حمل الآيات التي أنزلت بشأن الكافرين على المؤمنين جهلا بسبب النزول.

 ب‌.   تحديد الواقعة التاريخية المقصودة: والفصل بين الأحداث المستقبلية والماضية، كما في حديث ابن مسعود عن الدخان.

ج‌.   ربط الآية بالسياق الخطابي: سؤال، استنكار، اعتراض. كما في حديث قدامة بن مظعون السابق.

د‌. التخصيص، أو التعميم.

ﻫ. وجوه بيانية أخرى تتصل بفهم الاستعمالات القرآنية أو الروابط بين الآيات وغير ذلك.

4. تفسير قلة أسباب النزول

إذا ما استثنيت الأخبار الواهية والموضوعة، فإن المروي في أسباب النزول قياسا إلى عدد آيات القرآن محدود جدا([29]). فكيف تُفَسر قلة عدد المرويات في أسباب النزول، في ضوء ما توصل إليه البحث من اهتمام الصحابة والتابعين بنقل أسباب النزول والاعتماد عليها في التفسير وفهم كتاب الله؟

ـ أيرجع السبب في ذلك إلى تدخل القصاص في الرواية، على نحو أضعف الثقة بهذا النوع من المرويات، فتحوّل العلماء عنها؟

ـ أم أن الصحابة لم يهتموا إلا بنقل الأسباب والمناسبات ذات الأثر في الفهم، وعليه فلا يمكننا الحديث عن نقص أو تقصير؟

ـ أم كان للتحولات العلمية المتمثلة في تأصيل الأصول وتقعيد العلوم أثر في تحجيم هذا النوع من المرويات، باعتبارها ضربا من التاريخ الذي لا يؤدي إلا دورا محدودا في فهم النص؟

وإذا كانت الإجابة الدقيقة عن هذه الأسئلة متعذرة الآن، إلا أن المقارنة الآتية قد تساعد على فهم التحولات التي ألمت بالموقف من أخبار النزول.

5. التفاسير الأولى والسياق التاريخي: بين مقاتل والطبري

لقد تلقى التابعون مبدأ العناية بسياق التنزيل من الصحابة، وأولوه عناية كبيرة تنطق بها كتب التفسير اللاحقة التي جمعت آثارهم في التفسير، كتفسير الطبري مثلا. وعليه فلابد من الانتقال إلى المرحلة التالية في تاريخ التفسير وهي المدونات الأولى في التفسير، لاستكشاف منهجها في التعامل مع السياق التاريخي، وكيفية استثمار الأخبار التي وصلتهم عن الصحابة والتابعين في فهمهم لكتاب الله وتأويله.

للإجابة عن هذا تم اعتماد تفسيرين: أحدهما لمقاتل بن سليمان البلخي (150ﻫ) والآخر لمحمد بن جرير الطبري (310ﻫ) وأُريدَ بذلك الجمع بين تفسير ينتمي لما قبل عصر التأصيل، وآخر لما بعد عصر التأصيل([30]).

أما مقاتل بن سليمان فيمكن تلخيص تناوله للسياق التاريخي من خلال ثلاثة عناصر أساسية:

أ. التصريح بسبب النزول؛ وهذا منهج مطرد لديه، وكثيرا ما يستخدم عبارة: ونزلت، فأنزل، أنزلت في. ويفسر الآية في حدود السبب المذكور.

ب. رفع الإبهام أو الغموض؛ اتبع مقاتل في تفسيره خطة التصريح بالمضمرات، وتحديد المطلقات، وبيان المبهمات، وذلك بالإحالة إليها في السياق التاريخي للسيرة أساسا، حتى وإن كان بعضها يستفاد من سياق النص نفسه. فحينا يحدد مقاتل أن الخطاب: لأهل مكة، لمشركي العرب، لأهل المدينة، للأنصار، لليهود، لجماعة من المنافقين.. الخ. وهذه كلها تحديدات واستخدامات بيانية للمعطيات التاريخية في فهم النص، وهي خارجة عادة عما يذكر في سبب النزول.

ج. التعريف بالمحيط الثقافي والتاريخي؛ وهذا أيضا من الخطة المطردة عند مقاتل أن يشرح الوضع التاريخي السائد قبل أو أثناء نزول الوحي، وكذلك العادات والمعتقدات، باعتبار أن هذه المعطيات تفيد في فهم الآيات القرآنية التي جاءت ردا أو تعديلا أو قبولا لهذه العادات والأعراف والأحوال. ويستخدم في هذا السياق عبارات من مثل: (وكانت العرب، وكان مشركو العرب، ذلك أن أهل مكة …) ونحو ذلك.

ولكن هل يدلنا صنيع مقاتل هذا على أنه لا يرى دلالة للآيات وراء السياقات التاريخية التي وردت فيها، أو أنه لا يمكن فهمها بمعزل عن تلك المعرفة التاريخية؟ إن ذلك مما لا نجد له جوابا صريحا من مقاتل نفسه. ولكن القراءة المتمعنة في خطته تلحظ اطراد اهتمامه بتلك المعرفة التاريخية، إلى درجة تجعل من المبرر القول: بأنه يقيم وزنا كبيرا للسياق التاريخي في فهم النص، يتضح ذلك جليا في المواطن التي تؤثر فيها تخصيصا أو تقييدا أو نسخا.

أما ابن جرير الطبري فإنه إذ سعى في تفسيره إلى الإحاطة بكل ما روي أو قيل قبله في التفسير، فإنه قد ألم في تفسيره بكل النقاط السابقة التي تناولها مقاتل؛ إلا أن منهجية الفهم والمعالجة كانت قد تغيرت. والأمثلة المقارنة الآتي ذكرها ستجلي التطور الذي طرأ على معالجة قضية السياق التاريخي:

1. ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزمر: 50).

ـ قال مقاتل: نزلت في مشركي مكة وذلك أن الله، عز وجل، أنزل في الفرقان ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا…﴾ (الفرقان: 68)، فقال وحشي مولى المطعم بن عدي بن نوفل: إني قد فعلت هذه الخصال فكيف لي بالتوبة فنزلت فيه: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الفرقان: 70) فأسلم وحشي فقال مشركو مكة قد قبل من وحشي توبته، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت في مشركي مكة: ﴿æ÷قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ يعني بالإسراف: الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافا من الشرك…([31]).”

اللافت في كلام مقاتل، أن المشركين فهموا من آية الفرقان خصوص خطابها لوحشي، على الرغم من عمومها اللفظي، وشمولها لهم، فطلبوا إنزال آية خاصة بهم فنزلت الآية المذكورة. ومقاتل وإن لم يصرح بتخصيص الآية بهم، إلا أنه المتبادر من صنيعه المطرد.

أما الطبري، فيبدأ كعادته في تعداد الأقوال المختلفة في تفسيرها:

ـ اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الآية… وقال آخرون: بل عني بذلك أهل الإسلام، وقالوا: تأويل الكلام: إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد الله، وقالوا: إنما نزلت هذه الآية في قوم صدهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم، فأشفقوا ألا يكون لهم توبة. …. وقال آخرون: نزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء([32]).

ثم عقب برأيه:

ـوأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك؛ لأن الله عمَّ بقوله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ جميع المسرفين، فلم يخصص به مسرفا دون مسرف فإن قال قائل: فيغفر الله الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك وإنما عنى بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ لمن يشاء، كما قد ذكرنا قبل أن ابن مسعود كان يقرؤه..”([33]).

والملاحظ هنا أن الطبري قد مال في تفسير الآية إلى الأخذ بعمومها متجاوزا ما ورد فيها من روايات تحدد سياقها التاريخي. والمتتبع لصنيعه يلحظ أنه كلما تعددت الأقوال في أسباب النزول واختلفت، كان الطبري أميل إلى الأخذ بعموم الآية وفهمها وفقا لمنطوقها بعيدا عن قيود الأسباب التاريخية. أما إذا ما اتفقت الآراء على سبب واحد لا خلاف فيه، وكان السبب مقتضيا تقييدا لدلالة الآية، فإن الطبري يميل إلى إثبات الفهم الذي يفرضه سبب النزول غالبا. والمثال التالي دليل على ذلك.

2. ﴿لا إكراه في الدين﴾ (البقرة: 255).

ـ قال مقاتل: “لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ لأحد بعد إسلام العرب إذا أقروا بالجزية، وذلك أن النبي كان لا يقبل الجزية إِلَّا من أَهْل الكتاب فَلَمَّا أسلمت العرب طوعا وكرها قبل الخراج، من غَيْر أَهْل الكتاب، فكتب النَّبِي إلى المنذر بن ساوى، وأهل هجر، يدعوهم إلى الْإِسْلام… فكتب المنذر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، إني قرأت كتابك إلى أهل هجر فمنهم من أسلم، ومنهم من أبى، فأما اليهود والمجوس فأقروا بالجزية، وكرهوا الْإِسْلام فقبل النبي، صلى الله عليه وسلم، منهم بالجزية. فقال منافقو أَهْل المدينة: زعم محمد أَنَّهُ لَمْ يؤمر أن يأخذ الجزية إِلَّا من أَهْل الكتاب فَمَا باله قبل من مجوس أَهْل هجر، وقد أبى ذَلِكَ عَلَى آبائنا وإخواننا حَتَّى قاتلهم عَلَيْه، فشق عَلَى الْمُسْلِمِين قولهم، فذكروه للنبي، صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم…﴾ (المائدة: 107) آخر الآية([34]).”

يتلخص صنيع مقاتل في أمرين: وضع الآية في سياقها الزماني، وهو بعد إسلام العرب، ثم تقييدها بشرط الإقرار بالجزية. وكأنه يرى أنه بعد إكراه العرب على الإسلام، لم يعد يقبل الإكراه، بل أصبح خيار الجزية، أو الخراج كما سماه، مفتوحا للجميع.

أما الطبري فبعد سوقه الأقوال وروايات النزول المختلفة، يقرر أن:

ـ أولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، قال: عنى بقوله تعالى ذكره: ﴿لا إكراه في الدينأهل الكتابين والمجوس، وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه، وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا. وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب لما قد دللنا عليه في كتابنا كتاب “اللطيف من البيان عن أصول الأحكام” من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما، فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص، فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل، وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل أن يقال: لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم، صلى الله عليه وسلم، أنه أكره على الإسلام قوما، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه، وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين، ومن أشبههم؛ كان بينا بذلك أن معنى قوله: ﴿لا إكراه في الدين﴾ إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام، ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس؟ وعمن روي عنه: من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام؟ قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر، ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه([35])، فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عباس وغيره، إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها على النحو الذي قلنا في ذلك..([36]).”

يتلخص صنيع الطبري في: الإقرار بأن الآية عامة مطلقة في دلالتها الأصلية، ولكن اجتماع المسلمين على أن النبي أكره قوما على الإسلام؛ أي مشركي العرب، جعله يحمل الآية على العام المراد به الخصوص، متفقا بذلك تماما مع ما ذهب إليه مقاتل، في إضافة قيود سكتت عنها الآية، ولكن دلت عليها التجربة التاريخية للنبي، وهي، لغير العرب، وشرط دفع الجزية. وهو بهذا التخريج أخرج القول بالنسخ ورده.

ومن جهة أخرى: فإن الطبري رفض تخصيص الآية بالأنصار الذين أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام، احتجاجا بالعموم الأصلي للخطاب الإلهي، وهو سحب الدلالة على كل ما جانس المعنى التاريخي. فالسياق التاريخي المتفق عليه، يصلح مقيدا ومخصصا لدلالة الآية، ولكنه لا يصلح ناسخا لحكمها لما يستقبل من الزمان.

3. ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ (البقرة: 199).

ـ قال مقاتل: “وذلك أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مَسْجِد منى وبَيْنَ الجبل يذكر كل واحد منهم أباه، ومحاسنه ويذكر صنائعه فِي الجاهلية أَنَّهُ كان من أمره كذا وكذا، ويدعو لَهُ بالخير. فَقَالَ الله سبحانه وتعالى: “فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا الله كذكر الأبناء الآباء فَإِنِّي أَنَا فعلت ذَلِكَ الخير إلى آبائكم الَّذِين تثنون عليهم ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: أَوْ أَشَدَّ يعني أكثر ذِكْراً للَّه منكم لآبائكم وكانوا إذا قضوا مناسكهم، قَالُوا: اللهم أكثر أموالنا، وأبناءنا، ومواشينا، وأطل بقاءنا، وأنزل علينا الغيث، وأنبت لنا المرعى، واصحبنا فِي سفرنا، وأعطنا الظفر عَلَى عدونا، وَلا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئًا…([37]).”

واضح هنا أن مقاتل لا يقدم سبب نزول، وإنما يعرض السياق الثقافي والمبرر الديني لاستخدام القرآن هذا التعبير، بالإحالة إلى دلالة التعبير عند العرب قبل الإسلام. وبذلك يفهم الاستعمال القرآني.

ـ أما الطبري فيقول: “والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لأمره والعبادة له بعد قضاء مناسكهم. وذلك الذكر جائز أن يكون هو التكبير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله: ﴿وذكروا الله في أيام معدودات﴾ (البقرة: 201) الذي أوجبه على من قضى نسكه بعد قضائه نسكه، فألزمه حينئذ من ذكره ما لم يكن له لازما قبل ذلك، وحث على المحافظة عليه محافظة الأبناء على ذكر الآباء في الإكثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرع الولد لوالده والصبي لأمه وأبيه، أو أشد من ذلك؛ إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه وهو وليه([38]).”

بعد أن ساق الطبري الأقوال المختلفة في “صفة ذكر القوم آباءهم” وهي مسألة تاريخية، لا صلة لها مباشرة بالنزول، إلا أن فهمها يفترض أن يساعد على فهم الآية. ولكن الملاحظ فيما انتهى إليه الطبري، أنه قد أعرض عن معظم هذه الأقوال ومال إلى تفسير لغوي محض، لا يعوزه فهم العادات التاريخية للعرب. وهذا دليل آخر على ميله إلى التعميم والتحرر من الالتزام بالسياقات التاريخية عندما يختلف القول فيها. ويدعم خياره عموم النص وسياقه.

خلاصة القول في قراءة الطبري لتراث أسباب النزول ومناسباته يجمل في نقاط ثلاث:

الأول؛ تصنيف تلك الأخبار، ووضعها في حالة تواز أو تقابل، وقراءة ما جاء فيها على أنه يمثل مذهب رواتها في تقييد دلالة الآية بالسبب أو المناسبة المسوقة بشأنها. فالطبري كان يرى أن رواة أسباب النزول قائلون بتقييد فهم الآية بالظروف التاريخية التي يتحدثون عنها.

الثاني؛ إن تعليقات الطبري تأتي لتبين غالبا الراجح من هذه الروايات التاريخية، منتقدة في كثير من الأحيان تقييد دلالة الآية بأحدها، منتصرة كذلك لعموم الآية وإطلاقها، وكأنه لم ير في هذه الروايات غير ضرب من الاجتهادات التي تحتمل الأخذ والرد بحسب ما يسمح به أساسا سياق الآية ودلالاتها.

الثالث؛ أنه عند الاتفاق على سبب النزول، فإن الطبري غالبا ما يميل حينها إلى تقييد الآية به، ما لم يكن في دلالتها النصية ما يسمح بتجاوزه.

إذن، إن العناية التي وجدناها عند الصحابة والتابعين وأوائل المفسرين بأخبار النزول ومناسباته، باعتبارها مكونا أساسيا لفهم النص القرآني، قد بدأت تنحسر وتتضاءل لصالح مزيد من الاتكاء على دلالات النص العامة أو المطلقة في فهم كلام الله.  وقد حدث هذا التحول في الفترة الفاصلة بين تفسيري مقاتل (150) والطبري (310)، فما أسباب هذا التحول ودوافعه؟

ـ القصاص والأخباريون: هو ما عبر عنه الإمام أحمد حين قال: ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي. فهذا لا يعكس فقط حركة القص الشعبي والوضع التي انتشرت في نهاية القرن الأول وعلى امتداد القرن الثاني للهجرة، ولكنها تفيدنا في التأكيد على الاهتمام السائد بتفسير القرآن في سياق التاريخ والقصص وأحداث السيرة، التي ساهم القصاص في توسعتها وخلط الصحيح منها بالمتخيل والخرافي.

ـ الاجتهاد في تحديد أسباب النزول، وربط الآيات بأحداث في السيرة: وهو ما عبر عنه ابن تيمية في قوله: “قولهم: (نزلت هذه الآية في كذا) يراد به تارة أنه سبب لنزول، ويراد به تارة أن هذا داخل في الآية وإن لم يكن السبب، كما تقول: عنى بهذه الآية كذا”([39]).

وقال الزركشي في البرهان: “قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند … وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند وكذلك مسلم وغيره وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع([40]).”

ـ تطور علم أصول الفقه: بما يمثله من حاجة لتطوير قواعد عامة للاستنباط، تتجاوز الحدود الظرفية التي تفرضها أسباب النزول ومناسباته. وقد أفرد الأصوليون منذ وقت مبكر بابا لدراسة الصلة بين دلالات النص العام أو المطلقة، وبين السياقات التاريخية التي أحاطت بها مما جاءت بها الأخبار والروايات الصحيحة.

وقد ظهر في هذا السياق اتجاهان متعارضان: اتجاه يولي التاريخ وأسباب النزول مكانة كبيرة في فهم النص، بل وتحديد دلالته تبعا للرواية التاريخية، وهم الذين قالوا إن العبرة بخصوص السبب، واتجاه آخر: رأى أن أسباب النزول فن لا طائل تحته، وأنه يجري مجرى التاريخ([41]). ولكن الغلبة يبدو كان من نصيب فريق ثالث حدد لأسباب النزول دور البيان والتعليق على النص، بما يسمح بإزالة إشكال، أو دفع لبس أو نحو ذلك من وجه البيان، دون أن يؤدي إلى تضييق دلالة النص([42]).

وبحسب ابن تيمية: فإن الخلاف محصور في صورة الحكم لا في أفراده، “وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَال: إِنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فتعم مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسْبِ اللَّفْظِ وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إِنْ كَانَتْ أمرا ونهيا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ متناولة لذلك الشخص ومن كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ([43]).”

إن هذه الرؤية التي انتهى إليها جمهور المفسرين والأصوليين تعكس فهما متطورا للنص الديني وقدراته على استيعاب الوقائع الجديدة وتجاوز الوقائع الجزئية، من خلال استخدام لغة عامة. وإذا أضفنا إلى ذلك الإشكالات المحيطة بالروايات التاريخية، من حيث التوثيق أو المرجعية، ثم أضفنا لذلك أيضا النزعة الإطلاقية للنص القرآني، فإنه يمكننا القول إن المفسرين، جريا على قواعد الأصوليين، قد سعوا لتقديم رؤية متوازنة في تحديد العلاقة بين النص والتاريخ: فلا هي نزعت النص من سياقه التاريخي ولا هي حبسته في الوقائع الجزئية الماضية. بل حاولت أن تضع قواعد منضبطة في استخلاص الأحكام من التجربة النبوية.

خامسا: العصر الحديث: زمن النص وزمن المفسر

إذا كان للتغيرات التي طرأت على المجتمعات المسلمة في القرون المصاحبة لتوسع الدولة الإسلامية أثرٌ بالغ في تطوير آليات تأويلية واستنباطية قادرة على استيعاب متغيرات التاريخ، على نحو أعلى من شأن النص ودلالاته المطلقة على الظروف التاريخية التي صاحبت تنزيله؛ فإن التغيرات الكبرى التي حلَّت بالمجتمعات المسلمة في العصر الحديث قد أعادت طرح سؤال الصلة بين النص والتاريخ، ودفعت العلماء والباحثين إلى إعادة التفكر فيها بغية إيجاد أجوبة عن أسئلة العصر ووقائع الزمان المتغيرة.

وفي هذا السياق نشأت نظريات مختلفة حدَّ التعارض؛ ففي مسعاهم الواحد لتوسيع آفاق فهم النص القرآني على نحو يقدم إجابات تلائم حاجات العصر: ذهب البعض إلى تحجيم دور تاريخ النزول وظروفه في فهم النص، اعتمادا على إطلاقية النص القرآني([44]). بينما عوَّل آخرون كثيرا على السياق التاريخي بغية فهم غايات النص وتحديد مقاصده، وبالتالي تجاوز الدلالات الجزئية المرتبطة بذلك الزمان إلى المقاصد والغايات الكلية التي تنفع في الزمان الحاضر.

بل إن تطور النظريات التأويلية قد سمح بظهور مقاربات جديدة لسؤال التاريخ نفسه، فلم يعد التاريخ المطلوب معرفته من أجل فهم النص هو تاريخ التنزيل فحسب، بل أيضا تاريخ المفسِّر المعاصر نفسه أيضا؛ ذلك أن التأويل يقوم على أمرين:

1. البحث عن السياق الاجتماعي التاريخي الذي أنزل فيه القرآن، وهذا السياق يتضمن رؤية العالم عند المتلقين الأولين للقرآن، بالإضافة إلى الإطار العام لسيرة النبي، والممارسات والقيم التي كانت شائعة في ذلك العصر. والسياق بهذا المعنى يمدُّ المؤول بالأدوات التي تعينه على استخلاص المعاني الكلية التي نزل القرآن بها.

2. إن معنى النص عرضة للتغير والتبدل مع اختلاف الظروف والسياقات الاجتماعية والسياسية، وهذا أمر لم يكن محل اعتبار من قبل نظريات التفسير التقليدية، إذ كان المعنى لديهم ثابتا لا يتبدل. ولكنه بحسب هذه النظرية مفهوم حيوي متغير، وليس هوية ثابتة محددة مسبقا. وعليه فإن كل تأويل مرهون بظروفه وسياقاته التاريخية، كما هو مرهون بثقافة المفسر ومعارفه وقدراته. ولا يمكننا الحديث عن معنى مطلق للنص؛ إذ معظم نصوص القرآن قابلة للتغير والتبدل بحسب المؤول وبحسب الزمان والسياق([45]).

وتعد نظرية فضل الرحمن نموذجا لهذا النهج في التأويل، وقد أصبحت نظريته مدرسة يشتغل ويطورها كثير من الباحثين المسلمين، لاسيما من يعيشون في الغرب، مثل: أمينة ودود وفريد إسحق وعبد الله سعيد([46]).

تقوم نظرية فضل الرحمن في التفسير على ما سماه حركتين أو حركة مزدوجة: من الوضعية الراهنة إلى زمان القرآن، ثم العودة إلى الزمن الراهن. وتفصيل ذلك: أن على المفسر أن يسعى أولا إلى: فهم دلالة قول معين من خلال دراسة وضعيته التاريخية والسياق الخاص الذي جاء ردا عليه، وهذا يقتضي وضع دراسة شاملة تطال الوضعية الشاملة للمجتمع والدين والأعراف التي كانت سائدة في جزيرة العرب عشية ظهور الإسلام. ثم عليه ثانيا: البحث عن الأهداف الأخلاقية والاجتماعية التي قصد إليها القرآن في ذلك الزمان.

أما الحركة الثانية: فإنها تنطلق من هذه الأهداف الأخلاقية والنظرة العامة وصولا إلى النظرة الخاصة التي يتعين على المفسر صياغتها وإنجازها باعتبارها فهمه وتأويله الخاص بزمانه. وهذا يقتضي دراسة الوضعية الراهنة للمجتمع والفكر البشري. إن مبدأ استمرارية الهدي القرآني عبر الزمان، إضافة إلى مبدأ تفاعل القرآن مع السياق التاريخي الذي نزل فيه، يقضي على المفسر أن يستخلص فحوى الرسالة القرآنية حتى يكون قادرا على نقل حكمة القرآن عبر الزمان([47]).

وقد اختلفت الآراء في مثل هذه النظرية: فقد رأى بعض الباحثين أن الفوارق الجوهرية محدودة بين النظرية التقليدية في التأويل من حيث صلتها بالتاريخ، وبين هذه النظرات الحديثة. فليس ثم إلا فوارق شكلية ونظرية بين الرؤية التاريخية الحديثة والاعتبارات التي فهمها الصحابة كأساس لفهم القرآن، ثم قعدها الأصوليين وفصلوا قواعدها؛ وعليه فإن محل الخلاف يتصل بجانب التطبيق والممارسة أكثر منه بجانب التأصيل: بمعنى أن القواعد التقليدية في علم التفسير وعلم الأصول تضم بين جنباتها قدرات تأويلية تسمح للمؤول بممارسة القراءة التاريخية، ولكن هذه القواعد لم يتم استثمارها على النحو المطلوب لعوامل عديدة. وإن أسباب النزول ومبدأ النسخ والتدرج في التشريع، كل ذلك عدَّ دليلا على التفاعل القرآني مع الواقع بطريقة مرنة، وتساعد في الكشف عن المقاصد والأسس الكبرى للرسالة([48]).

ولكن آخرين رأوا أن هذه النظريات السياقية التاريخية إنما تقوم على رؤية وضعية للدين عموما وللنص الديني خصوصا، رؤية تنظر إلى الدين باعتباره انعكاسا لبنية اجتماعية وثقافية تاريخية، وبالتالي فإنه يفتقد في كثير من جزئياته شروط المناسبة والملائمة لمتطلبات الإنسان الحديث. وبالتالي فإن محاولات استلهام روح النص أو مبادئه الأخلاقية العامة، محاولة عبثية لا جدوى منها([49]).

وبعيدا عن الجدل النظري، فإن هذه النظريات التأويلية لا تزال تفتقد إلى الأسس العملية لتحقيق غايتها في تقديم معالجة تأويلية منضبطة، ذلك أنها لم تجب على الأسئلة المعرفية التي شغلت المتقدمين عقودا طويلة قبل تقديم إجابات وافية بخصوصها، من ذلك مثلا:

ـ ما هي المصادر العلمية التي يمكن الوثوق بها لبناء السياق التاريخي للتنزيل، إذا ما علمنا أن الأخبار المتصلة بنزول القرآن محدودة عددا، ومحصورة في نسبة ضئيلة من آيات القرآن. فإذا أضفنا لذلك حالات التعارض فيما بينها، ومشكلات الرواية، واندراج بعضها في باب الاجتهاد في الربط بين النص وحدث تاريخي ما؛ فإن فرصة الباحث في بناء ذلك السياق التاريخي تبقى محدودة، ما لم يقترح مصادر بديلة يعتمد عليها!

ـ لم تحدد هذه النظريات بعدُ سبلا منضبطة منهجيا لتحصيل المعرفة الخاصة بمحيط الدعوة النبوية قبل الإسلام وخلال البعثة. ففي ظل ما شهدنا في القرن الماضي من قراءات تاريخية عديدة لحضارة العرب وتاريخهم: بين رؤية تكرس الرؤية التقليدية عن مجتمع جاهلي تحكمه القبيلة وعلاقات الولاء والنسب والأحلاف. إلى رؤية تقدم منظور مختلفا عن مجتمع تحكمه قواعد وأعراف ويقوم على علاقات وثيقة مع الأمم من حوله، ويتوفر على مخزون ثقافي غني.

قد يبادر البعض إلى القول بأن المطلوب هو اعتبار القرآن نفسه معيارا أساسيا في تحديد الإحالات التاريخية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار والنظر، وهذا رأي لم يفت بعض الأصوليين الإشارة إليه، باعتباره الثابت الأكبر في عملية التأويل([50]).

ما ينبغي التأكيد عليه ختاما هو: أن طرح سؤال التاريخ على مناهج التفسير والتأويل يبقى مطلبا مشروعا وبابا للاجتهاد والنظر، ذاك أن قدم حتى اليوم لا يوفر بنية نظرية متماسكة تصلح للبناء والنظر، مقارنة مع النظرية التقليدية التي لا تزال تملك في باطنها إمكانيات لم يتم استثمارها والاستفادة منها على نحو يوفر للمفسر طريقة تمكنه من تقديم فهم للقرآن يجيب عن تساؤلات زمانه، دون أن يشعر أنه مضطر لاستعادة زمان غير زمانه. ولعل أول خطوة لذلك تتمثل في إعادة قراءة هذا التراث بغية فهم مراحل تطوره ونشأته المعرفية.

الهوامش


([1]) وتجدر الإشارة إلى أن من أوائل من أعاد النظر في هذه القضية المجدد الهندي ولي الله الدهلوي (ت 1762م) في كتابه: “الفوز الكبير في أصول التفسير”، دمشق: دار الغوثاني، ط1، 2008م، ص18.

([2]) فهذا شأن آخر في علاقة القرآن بالتاريخ انشغل به كثير من الباحثين أيضا، وكان محمد أحمد خلف الله في كتابه: “الفن القصصي في القرآن” 1948، قد أثار زوبعة كبيرة من الجدل والنقاش حول منهجه في فهم القصة القرآنية. وتجدر الإشارة إلى أن موقفه من القصص القرآنية، باعتبارها بناء أدبيا ذا مقاصد دينية وأخلاقية، لا سجلا لأحداث تاريخية، قد أقامه على النظر إلى فهمه للخطاب القرآني باعتباره استخدم أدوات عصره وزمانه في مخاطبة الناس حينها، وعليه فإن رؤيته قائمة بدرجة ما على فهم خاص لعلاقة الخطاب القرآني بزمانه وسياقه التاريخي.

([3]) وقد انتشر هذه الاتجاه في العقد الأخير من القرن العشرين حينما أصدر محمد شحرور كتابه: “الكتاب والقرآن” 1990م.

([4]) ومن أبرز أعلام هذا الاتجاه: نصر حامد أبو زيد: “مفهوم النص دراسة في علوم القرآن” 1990م، وحسن حنفي “الوحي والواقع دراسة في أسباب النزول”.

([5]) تعد دراسة روتراود فيلانت: “الوحي والتاريخ في فكر المسلمين المحدثين” 1971م، من أقدم الدراسات التي التفتت إلى أثر هذه الصلة في فهم المسلمين المحدثين للنص القرآني. وقد ظهرت في العقد الأخير دراسات عديدة اهتمت برصد هذا الجانب، ولكن معظمها لم يخل من نزعة سجالية، انظر:

Offenbarung und Geschichte im Denken moderner Muslime, Wielandt, Rotraud, Wiesbaden: F. Steiner, 1971.

العلمانيون والقرآن: تاريخية النص، أحمد الطعان، الرياض: دار ابن حزم، ط1، 2007.

([6]) ولكن الغريب في الأمر أن باب أسباب النزول لم يذكر في تلك المؤلفات الأولى، وأول من أفرد له بابا في هذه المجاميع، هو الزركشي.

([7]) من ذلك: تفسير ملا حويش العاني، “بيان المعاني” وهو في ستة مجلدات، دمشق: مطبعة الترقي، 1965م، وكذلك: “التفسير الحديث” لمحمد عزة دروزة، القاهرة: دار إحياء التراث، 1967م، وأيضا: محمد حسن حبنكة الميداني في تفسيره: “معارج التفكر ومدارج التدبر”، دمشق: دار القلم، 2000م.

([8]) قام نولدكه بذلك في كتابه: “تاريخ القرآن” الذي صدر بألمانيا بين عامي 1909-1938م، ونقله إلى العربية جورج تامر في بيروت 2004، ثم أصدر محمد عابد الجابري، كتابه “فهم القرآن الحكيم” بين عامي 2005-2010م.

([9]) كثرت في الآونة الأخيرة الدراسات عن أسباب النزول جمعا، أو تحقيقا، أو تأصيلا، وفيما يأتي أهمها مما اشتغل بالحفر عن المفهوم ودلالاته الأولى، والروايات ودورها في عملية التفسير والتأويل:

The Quranic Asbāb Al-Nuzūl Material An Analysis of Its Use and Development in Exegesis, Rippin, Andrew, National Library of Canada- Ottawa, 1983.

Rippin, A. 1988. “The Function of “Asbāb Al-Nuzūl” in Qur”ānic Exegesis”. Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London. 51, no. (1/ 1-20).

أسباب النزول، بسام الجمل، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط.1، 2005م.

Typen historisch-exegetischer Überlieferung: Formen, Funktionen und Genese des asbāb an-nuzūl-Materials, Tillschneider, Hans-Thomas, ERGON Verlag – Würzburg, 2011.

([10]) إن استخدام مصطلح “مناسبات النزول” أدق وأشمل من مصطلح “أسباب النزول” على ما ذكره الطاهر بن عاشور، وقد استعملا في سياق هذا البحث بمعنىً، انظر: التحرير والتنوير، 1/47 .

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب: القراء من أصحاب النبي، حديث رقم: (5002). كما أخرج آخرون نحوه عن علي بن أبي طالب، انظر: زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، بيروت: دار الكتاب العربي، 1422ﻫ،  2/451.

([12]) الملاحظ أن اهتمام الشراح بهذا الحديث قد انصب على جواز ذكر المرء فضائله، ولم يعنَ كثير منهم باهتمام ابن مسعود بأسباب النزول، كما لم يستخدمه في الاستدلال على أهمية معرفة أسباب النزول، خلا الشاطبي الذي احتج به، انظر: ابن حجر، فتح الباري، بيروت: دار المعرفة، 1379ﻫ، 9/59، الشاطبي، الموافقات، الخُبَر:  دار ابن عفان، 1997ﻫ،  4/153.

([13]) ولابد من التنبيه هنا إلى أن هذه الرواية قد وظفت في سياقات مختلفة، منها ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من أنها جاء في سياق جدال ابن مسعود مع عثمان أوان جمع المصحف على أحقيته بالتصدر للقيام بهذه المهمة، من زيد بن ثابت، الشاب اليافع الذي لم يشهد من التنزيل ما شهده ابن مسعود الصحابي المخضرم. كما استخدم في سياق الجدال مع ابن عباس وما ينقل عنه من تفسير على رغم صغر سنه وغيابه عن تاريخ التنزيل ومشاهده، انظر: المصاحف، ابن أبي داود، الفاروق الحديثة – القاهرة، 2002م، ص77.

([14]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: سورة الروم، حديث رقم:  4774.

([15])أبو عبيد القاسم بن سلام، فضائل القرآن، تحقيق: مروان العطية وآخرون، دمشق: دار ابن كثير، ط1، 1995م، ص102.

([16]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم.

([17]) وأخرجه مطولًا عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم: 17076، 9/240-242، وابن شبة في تاريخ المدينة 3/842-849، وابن سعد في الطبقات الكبرى (5/56)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/315-316) بأسانيد وألفاظ.

([18]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: “ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا”.

([19]) ولم يعد هذا ضربا من التفسير بالرأي المذموم.

([20])الزركشي،  البرهان،  1/22.

([21])ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، دمشق: مكتبة الحلواني، 1971م،  10/200.

([22])الشاطبي، الموافقات، تحقيق: أبو عبيدة مشهور آل سلمان، الخُبَر: دار ابن عفان، ط1، 1997م، 4/154.

([23])الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله التركي، القاهرة: دار هجر، ط.1، 2001م، 17/153.

([24]) المرجع نفسه،  18/299 .

([25]) المرجع نفسه،  21/97 .

([26]) الواحدي، أسباب نزول القرآن، تحقيق: عصام الحميدان، الدمام: دار الإصلاح، ط2، 1992م، 1/9.

([27])ابن حجر، العجاب في بيان الأسباب، تحقيق: عبد الحكيم أنيس، الدمام: دار ابن الجوزي، ط1، 1997م،  1/200.

([28]) أسباب النزول الواردة في كتاب “جامع البيان” للإمام ابن جرير الطبري، جمعا وتخريجا ودراسة: حسن البلوط، أطروحة دكتوراه مقدمة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، 1419ﻫ،  3/1159.

([29]) فالروايات التي أحصاها حسن البلوط في دراسته الآنف ذكرها في تفسير الطبري، تتصل بخمسمائة ونيف من الآيات، وأما في الكتب التسعة جميعها: فقد استخرج المزيني نحو 250 حديثا تتصل بنحو 200 آية فقط، انظر: المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة، خالد المزيني، دار ابن الجوزي – الدمام، ط1، 1426ﻫ، ص1110. وقد أشار بسام الجمل في كتابه إلى أن عدد الآيات التي ورد فيها سبب نزول عند الطبري بلغت: 564، بينما بلغت عند السيوطي نحو 857 آية؛ أي ما يقرب من 13.74 من آيات القرآن، أسباب النزول، بسام الجمل، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 2005م، ص121.

([30]) يقصد بعصر التأصيل، هنا، على سبيل الإجمال، تلك الفترة الزمنية التي شهدت ظهور المدونات الأولى في علم الأصول والكلام والنحو وغيرها، بما قدمته من قواعد وأصول أولية تم تطويرها لاحقا.

([31]) تفسير مقاتل، م، س،  3/683.

([32]) جامع البيان، م، س،  20/225.

([33]) المرجع نفسه،  20/229.

([34]) تفسير مقاتل، م، س،  1/213-214.

([35]) قارن مع بيان ابن تيمية في مقدمة التفسير الآتي ذكره.

([36]) جامع البيان، م، س،  4/554-555.

([37]) تفسير مقاتل، م، س،  1/174-175.

([38]) جامع البيان، م، س، 3/540.

([39])ابن تيمية، مقدمة في التفسير، تحقيق: عدنان زرزور، د. ت، ط.2،  ص48.

([40])الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة: البابي الحلبي،  1/32.

([41]) البرهان في علوم القرآن، م، س،  1/22.

([42]) والمتأمل في تعليقات الطبري، لاسيما حينما يذكر كتابه في الأصول “اللطيف من البيان عن أصول الأحكام”، يدرك حجم الجدل الدائر حينها حول قضايا الناسخ والمنسوخ خصوصا، وعلاقات الخصوص والعموم وعلاقتها بأسباب النزول. وينظر كذلك في النقاشات التي نقلها الزركشي حول هذه المسألة في البحر المحيط، وما فيها من اختلاف بين الأصوليين في توصيف موقف الأئمة، كأبي حنيفة والشافعي من هذه المسألة، انظر: البحر المحيط، دار الكتبي، ط1، 1994م،  4/269-286.

([43]) مقدمة في التفسير، م، س، ص47.

([44]) ومن أبرز الأمثلة على ذلك صنيع محمد عبده وتلميذه رشيد رضا في تفسير المنار، 2/57-225، وتبعهم في ذلك الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، م، س،  1/46.

 ([45]) Interpreting the Qurʼān Towards a Contemporary Approach, Saeed, Abdullah, Abingdon [England]: Routledge, 2006.

([46]) انظر مثلا:

Quran, Liberation and Pluralism, Esack, 1998; The Quran: An Introduction, Farid Esack,Oxford: Oneworld, 2002.

Quran and Woman, Amina Wadud, Kuala Lumpur: Fajar Bakti, 1992.

([47]) فضل الرحمن، الإسلام وضرورة التحديث، بيروت: دار الساقي، ط1، 1993م، ص16-17.

([48]) Speaking in God”s Name: Islamic Law, Authority and Women, Khaled Abou El Fadl, Oxford: Oneworld, 2001.

 ([49]) Alam. Reforming the Muslim World, Choudhury Masudul, London: Kegan Paul International, 1998, p.62-64.

([50]) للتوسع ينظر: عبد الرحمن حللي، المطلق والنسبي في القرآن الكريم مع تطبيق في سورة التوبة، مجلة: التجديد (محكمة)،  ماليزيا: الجامعة الإسلامية العالمية، عدد: 62، مجلد: 13، 2009م.

Science
الوسوم

د. سامر عبد الرحمن رشواني

مدرس بكلية الشريعة جامعة دمشق

باحث زائر بمعهد الدراسات المتقدمة ببرلين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق