مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

بلاغة أسلوب التذييل من خلال فتوح الغيب للإمام الطيبي للإمام العلامة شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبيّ (ت:743هـ) – الحلقة السادسة – –

عني الإمام الطيبي –رحمه الله – في فتوحه بتتبع الظواهر البلاغية والأساليب البيانية المستكنة في كلام الله تعالى؛ هذا الكلام الذي هو: «قانون الأصول الدينية، ودستور الأحكام الشرعية، وهو المختصّ من بين سائر الكتب السماوية بصفة البلاغة التي تقطعت عليها أعناق العتاق، وونت عنها خُطى الجياد في السباق»(1/610).

ومن الأساليب البلاغية التي عني الإمام الطيبي – رحمه الله تعالى –  بتتبعها وحسر الخمار عنها أسلوب التذييل، فهو من بدائع القرآن ومحاسنه، وتصدى لبيانه كل من الزركشيّ (ت:794هـ) في برهانه (3/68)، والسيوطيّ (ت:911هـ) في إتقانه (3/250)، وجماعةٌ من علماء البلاغة كابن أبي الإصبع (ت:654هـ) في تحريره (ص:387)، وأبو هلال العسكري (ت:395هـ) في الصناعتين (ص:373)، والقزويني (ت:739هـ) في الإيضاح (3/205).

والتذييل مبحث من مباحث الإطناب ولون من ألوانه، وله «فى الكلام موقع جليل، ومكان شريف خطير؛ لأن المعنى يزداد به انشراحا والمقصد اتضاحا. وقال بعض البلغاء: للبلاغة ثلاثة مواضع؛ الإشارة، والتذييل، والمساواة(1)»، ويذكر أبو هلالٍ أنه «ينبغى أن يستعمل فى المواطن الجامعة، والمواقف الحافلة؛ لأن تلك المواطن تجمع البطىء الفهم، والبعيد الذهن، والثاقب القريحة، والجيد الخاطر، فإذا تكررت الألفاظ على المعنى الواحد توكد عند الذهن اللقن، وصح للكليل البليد»(2).

تعريف التذييل:

التذييل مصدر ذيَّل، ومعناه: «جَعْلُ الشَّيْءِ ذَيْلًا لِلْآخَرِ»(3)، يقال: ذَيَّل فلان ثوبه تَذييلاً إِذا طوّله ومُلاءٌ مُذَيَّلٌ طويلُ الذيل وثوب مُذَيَّل.. ويقال أَذالَ فلان ثوبه أَيضاً إِذا أَطالَ ذَيْله(4).

وفي الاصطلاح، قال الزركشي- رحمه الله تعالى – في تعريفه: «أَنْ يُؤْتَى بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ تَحْقِيقًا لِدَلَالَةِ مَنْطُوقِ الْأَوَّلِ أَوْ مَفْهُومِهِ لِيَكُونَ مَعَهُ كَالدَّلِيلِ لِيَظْهَرَ الْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ لَا يَفْهَمُ وَيَكْمُلَ عِنْدَ مَنْ فَهِمَهُ. كَقَوْلِهِ تعالى: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا) ثُمَّ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)، أَيْ: هَلْ نُجَازِي ذَلِكَ الْجَزَاءَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْكَفُورُ إِلَّا الْكُفُورَ، فَإِنْ جَعَلْنَا الْجَزَاءَ عَامًّا كَانَ الثَّانِي مُفِيدًا فَائِدَةً زَائِدَةً(5)» ثم ذكر له بضعة أمثلةٍ.

وعرفه السيوطي – رحمه الله تعالى – بنحو ذلك وذكر أن التذييل: «أَنْ يُؤْتَى بِجُمْلَةٍ عَقِبَ جُمْلَةٍ وَالثَّانِيَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ؛ لِتَأْكِيدِ مَنْطُوقِهِ أَوْ مَفْهُومِهِ لِيَظْهَرَ الْمَعْنَى لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَيَتَقَرَّرَ عِنْدَ مَنْ فَهِمَهُ»(6).

وقد عرّفه الإمام الطيبي – رحمه الله – في موضعين من كتابه، وقال: «التذييل ما يؤكد به تمام الكلام»(7)، ثم قال في موضع آخر: «والتذييل: ما يؤتى في آخر الكلام بما يشتمل على المعنى السابق؛ توكيداً له»(8).

أقسام التذييل

للتذييل قسمان وضربان وهما(9):

الأول: ما يخرج مخرج المثل، وهو ما استقل معناه واستغنى عما قبله، ومعنى ذلك أنه «يستحق أن يشار به، ويضرب في كل ما يصلح هذا المعنى فيه، لأن المثل قول سائر، ممثَّلٌ مَضربُه بموردهِ» كما قال الطيبي (11/51)

   ومثاله قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81]، فجملة (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) تتضمّن معنى الجملة التي جاءت قبلها، فهي إطناب على طريقة التذييل، وعبارتها ممّا يجري مجْرى المثل، وهي تُؤكّد منطوق الجملة التي جاءت قبلها(10).

   ومثاله أيضا قوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف: 53]، فجملة (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) توكيد للجملة السابقة، لكنها مستقلة بمعناها لا يُفتقر في فهمها إلى ما قبلها.

الثاني: ما لا يخرج مخرج المثل، وهو ما لا يستقل معناه وتوقّف فهمه على ما قبله، كقوله تعالى: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ:17] فقوله (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)، «تذييل يؤكّد مفهوم الجملة التي جاءت قبلها، وهي ممّا لا يجري مجرى المثل، إذ المعنى: لا نجزي مثل هذا الجزاء المعجّل بالعقاب المهلك الشامل للقوم إلاَّ من كان كفوراً»(11).

وقد اجتمع القسمان في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ)[الأنبياء:34-35]؛ فقوله: (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) تذييل من القسم الثاني، وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ) تذييل من القسم الأول.

فوائدُ التذييل:

حرص الإمام الطيبي – رحمه الله تعالى – على بيان أسرار التذييل ولطائفه، وذكر أغراضه وفوائده، ومنها:

1- التقرير والتوكيد، وهو الغالب في استعمال أسلوب التذييل، كقوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ «وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا»)(النساء:81)، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-:  «ذَيَّلَ قولَه: (وتوكل على الله) بقوله: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) تقريرًا وتوكيدًا على مِنوالِ: فُلانٌ ينطِقُ بالحقِّ والحقُّ أبلَج، يعني: مِنْ حَقِّ مَنْ يكون كافيًا لكلِّ الأمورِ، حَسيبًا في جَميع ما يرجِعُ إليه أن تُفَوَّضَ الأمورُ إليه ويُتوكَّلَ عليه» (12/376).

2- التعليل كقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ «وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ») [البقرة: 34]، فقوله: (وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) ««جملة مذيلة أو معترضة واردة على سبيل التعليل نحو قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) [البقرة: 92] أي: أنتم قوم عادتكم الظلم، فلذلك اتخذتم العجل إلهاً»[(2/ 439)].

ومثله أيضا قوله: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ «وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا») [النساء:47]، قال الطيبي – رحمه الله تعالى -: «ذيل الآية على سبيل التعليل بقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً)، أي: هل يجازي الشاكر إلا الشاكر إلا الشكور؟ قال الإمام: المراد من الشاكر في حقه تعالى: كونه مثيباً على الشكر، ومن كونه عليماً: أنه عالم بجميع الجزئيات، فلا يقع الغلط أصلاً، فيوصل الثواب كاملاً إلى الشاكرين» (5/208).

3- التشبيه: كما في قوله تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت:41]، فقوله: (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) يحتمل أن يكون «كالتَّذييلِ للتَّشبيه كما يُفهَمُ مِنَ الوجه الأوَّلِ مِنَ الوُجوهِ المَذكورةِ في جوابِ ما معنى: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

وذلك أنَّ التَّشبيهَ عندَ قولِه: (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا) ثُمَّ ذُيِّل بقولِه: (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) كما مَرَّ في قولهم: فلانٌ يَنطِقُ بالحقِّ، والحقُّ أَبْلَجُ. وحَدَثتِ الحوادثُ، والحَوادثُ جَمَّةٌ. فالتَّشبيهُ حينئذٍ يَحتملُ أن يكون مركَّبًا عقليًّا، إذا جُعِلَ الوجهُ الوَهْنَ كما أشار إليه [الزمخشري] في قوله: (بما هو مَثَلٌ عند النّاسِ في الوَهْنِ)؛ لأنَّه هو الزُّبدةُ والخُلاصةُ المأخوذةُ مِنَ المجموعِ، أو وَهْمِيًّا بأنْ يكونَ الوجهُ مُنْتَزَعًا من عدَّة أمورٍ مُتوهَّمة، وفي قوله: (وأنَّ أَمْرَ دينهِم بالغٌ إلى هذه الغايةِ مِنَ الوَهْن) إيماءٌ إليه» (12/172).

أمثلة من أسلوب التذييل

استقرى الإمام الطيبي –رحمه الله تعالى – أسلوب التذييل الوارد في الآيات الكريمة، وجاوزت المائة، ومنها:

– قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (*) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (*) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ «وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ») [البقرة:174-176]، قال الطيبي –رحمه الله تعالى –: «المعنى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) إنما يثبت لهم العذاب؛ لأنه تعالى نزل جنس الكتاب بالحق وهم اختلفوا فيها وكتموا الحق وقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل؛ ثم نعى عليهم هذا المعنى على سبيل التذييل بقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)، ففي الكلام حذف، والمحذوف ما قدرناه لدلالة التذييل عليه» (3/ 203)

– قوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ»)[البقرة: 235]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «اعلم أن قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) عطف على قوله: (وَاعْلَمُوا) مع ما ترتب عليه، وكلاهما تذييل لما سبق، وفيه إيذان بوكادة المنهي عنه وأنه مما يجب أن يجتنب منه، وذلك نهي عن العزم دون الفعل، وتنبيه على أن من ارتكبه ولم يعاجل بالعقوبة فإنه تعالى يمهله فيأخذه أخذ عزيز مقتدر، ونحوه قوله تعالى: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان: 6]، قال: هذا تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صباً، ولكن صرف ذلك لأنه غفور رحيم يمهل ولا يعاجل»(3/434)

– قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ….) إلى قوله: (…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ «وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»)[البقرة: 282]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: « قال: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي: من شأنه أن يعلم المعلومات كلها فيعلم تقواكم وفسقكم وشكركم لأداء نعمة التعليم، وكفرانكم فيجازيكم بها، فهذا تذييل للتهديد»(3/562).

– قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ») [آل عمران:199]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «قوله: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)؛

* إما كناية عن قرب الموعد فيكون كالتكميل لقوله: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فإنه في معنى الوعد، ولذلك قال بعد ذكر الموعد – أي: الوعد -: كأنه قيل: لهم أجرهم عند ربهم عن قريب. قال القاضي: المراد من قوله: (سَرِيعُ الْحِسَابِ): أن الأجر الموعود سريع الوصول، فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء.

* وإما تعليل له على سبيل التذييل، يعني أن يجزيهم بما عملوا لأنه تعالى سريع الحساب، ولم يكن سريعاً للحساب إلا وهو عالم بالمحسوب الذي هو أعمال العباد، وإذا علم ذلك يوفي ما يستأهله العامل من الأجر؛ لأنه عادل متفضل كريم لا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى، فعلى هذا هو كناية تلويحية»(4/397)

قوله تعالى: (ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)[الأنفال:14]، ففي هذه الجملة وضع الظاهر ((لِلْكَافِرِينَ) موضعَ المضمر (ذَلِكُمْ)، للإشعار : بأن صفة الكفر هي الموجبة لإذاقة العذاب في الدارين، والجملة أيضا تذيييل، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «وفائدة التذييل أن يُقال: أيها الكفار، إن العذاب في الدنيا من ضرب الأعناق وقطع الأطراف لكم خاصة فذوقوه، ثم الأمر في الآخرة أن تدخلوا في زمرة الجاحدين المخلدين في عذاب النار»(7/49).

– قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»)[آل عمران:18-19] فقد ذكر الطيبي أن جملة: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) «مذيلة معترضة، على أسلوب قوله تعالى: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: 125]، وإنما كانت مذيلة لأن الشهادة بالوحدانية وبالعدل والعزة والحكمة هي أس الدين وقاعدة الإيمان، ولاشك أن الدين أعم من الاعتقاد الذي هو التصديق، ثم إن التذييل صدر بـ (إِنَّ) وخصص بقوله: (عِنْدَ اللَّهِ) وهو كناية عن رفعة المنزلة، ثم التعريف في الخبر، الذي هو (الإِسْلامَ)، جاء لقصر المسند على المسند إليه، قال أبو البقاء: (عِنْدَ اللَّهِ): ظرف، والعامل فيه (الدِّينَ) وليس بحال؛ لأن “إن” لا تعمل في الحال» (4/ 53).

– قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ «وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ») [يونس: 72]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «قوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) جملة مذيلة للكلام السابق مقررة لمضمون معناه، وإلى التقرير والتأكيد الإشارة بقوله: “المراد أن يجعل الحجة لازمة لهم، ويبرئ ساحته”» (7/ 535)

– قوله تعالى: (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا «وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»)[البقرة:269]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «ذيل ذلك بقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) تعريضاً لمن لا يتعظ بهذا البيان الشافي، المعنى: لا يذكر ذلك إلا من عرف الحكمة ورسخت قدماه فيها، لا من لا يرفع لها رأساً، فإنه في عداد الأنعام بل هم أضل سبيلاً»(3/ 534).

– قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ إِلَّا خَطَأً … (*) «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا») [النساء:93]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «ثم ذيّل هذه المبالغة تغليظاً وتشديداً بقوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)، يعني: كيف يستقيم من المؤمن قتل المؤمن عمداً وأنه من شأن الكفار الذين جزاؤهم الخلود في النار وحلول غضب الله ولعنته عليهم» (5/ 119).

– قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»[المائدة:5])، فقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ…)- كما قال الطيبي رحمه الله تعالى- «كالتذييل والتأكيد لقوله: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) تعظيماً لشأن ما أحلّه الله وما حرّمه، وتغليظاً على من خالف ذلك»(5/285).

– قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا») [النساء:141)، لما سمَّى ظفرَ المسلمين فتحاً، وظفر الكافرين نصيبا؛ تعظيما لشأن المسلمين وتخسيساً بحظ الكافرين؛ ولأن ظفر المسلمين أمر عظيم تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه. وأمّا ظفر الكافرين، فما هو إلا حظ دنيء، ولمظة من الدنيا يصيبونها. قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «ولذلك ذيل الكلام بقوله: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فجيء بـ”لن” المؤكدة، ونكر (سَبِيلاً) للتعظيم والتهويل، أي: تسلطاً تاماً كما للمسلمين عليهم» [5/199]

– قوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ «قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ»)[الأعراف:3]…..، وقوله: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ «قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ»)[الأعراف:10] قال الطيبي -رحمه الله تعالى: «واعلم أن هذا نوع آخر من أنواع الإنذار. فإن قوله: (ولَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ) جملة قسمية معطوفة على جملة قوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ) [الأعراف: 3] على تقدير: قل اتبعوا، وقل: والله لقد مكناكم، ولهذا ذيله بقوله: (قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)، كما ذيل ذلك بقوله: (قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)، فإن الشكر مناسب لتمكنهم في البلاد، والتصرف فيها، كما أن التذكر موافق للتمييز بين إتباع دين الحق ودين الباطل» [6/33]

– قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ «وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ») [الأعراف:196]، قال الطيبي- رحمه الله تعالى-: «إنما خص وصف اسم الذات في هذا المقام بإنزال الكتاب، وجعلت الآية تعليلاً لقوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ) للدلالة على تفخيم أمر المنزل، وأنه الفارق بين الحق والباطل، وأنه القامع لضلالات الكفر، والمجلي لظلمات الشرك، والمفحم لألسن أرباب البيان، المعجز الباقي في كل أوان، وهو النور المبين، والحبل المتين، وبه أصلح الله شؤون رسوله صلوات الله عليه، حيث كمل به خلقه، وأقام به أوده، وأفسد به أباطيل المعطلة، وأفحم ملفقات المعارضة. ومن ثم جيء بقوله تعالى: (وهو يتولى الصالحين) كالتذييل والتقرير لما سبق، والتعريض بمن فقد الصلاح بالخذلان والمحق»(6/ 716).

– قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ «وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»)[التوبة:93]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «والظاهر أن قوله: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) كالتذييل لما سبق، فيكون الطبع سبباً للجهل المؤدي إلى الرضا بالدناءة والدعة، ويؤيده الفاء في قوله: (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، فالمجموع سبب لذلك المجموع»(7/329).

– قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ «إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» [هود:73]، قال الطيبي في قوله: (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ): «هذه الخاتمة كالتذييل والتعليل لما سبق، فإن قولهم: (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) متضمن لما أوجب عليها من الوقار والرزانة والتسبيح والتمجيد لا للتعجب- كما ذكر، يعني: أنه تعالى (حَمِيدٌ) يفعل ما يستوجب به الحمد من عباده، سيما في حقها، (مَّجِيدٌ) كثير الإحسان إلى العباد، خصوصاً في أن جعل بيتها مهبط البركات» (8/ 138).

– قوله تعالى: (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ «وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ») [الأنبياء: 56]. قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: « ذيل الجواب بما هو مقابلٌ لقولهم، وهو قوله: (وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِن الشَّاهِدِينَ) من حيث الأسلوب، وهي الكناية، ومن حيث التركيب، وهو بناء الخير على الضمير أي: لست من اللاعبين في الدعاوى، بل أنا من القائمين فيها بالبراهين القاطعة، والحجج الساطعة، كالشاهد الذي تُقطعُ به الدعاوى»(10/ 365)

– قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)[النور: 10]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «هذه الآية كالتذييل لما سبق، بمعنى: من فضله ورحمته أنه بين لكم حكم اللعان، ومن كونه توابًا إذا حصلت التوبة قبل الرفع إلى الإمام، يتوب عليكم، ويستره عليكم، ومن حكمته أنه يلعن القاذف الكاذب، ويغضب على الزواني بأن يأمر بالرجم والجلد في المحصن وغيره، لأنه يعلم عاقبة الأمور كلها، ويضع كل شيءٍ في موضعه».

– قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الآيات:9-68-104-122-140-159-175-191] فقد ورد في سورة الشعراء ثماني مرات لنكتة لطيفة، ولتسلية سيدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم -، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «وأنت يا أيها المتأمل في كتاب الله المجيد إذا أمعنت النظر فيما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة وجدته نازلاً تسليةً لقلب الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من تكذيب القوم إياه، والطعن فيما أنزل إليه والاستهزاء به، ألا ترى كيف ذيل كل قصةٍ من القصص المذكورة فيها بقوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، وجعل كالتخلص إلى قصةٍ أخرى وكالمهتم بشأنه، فيرجع إليه إذا وجد له مجالاً، يعني: لا تتحسر على إصرارهم على الكفر، وتكذيبهم ما أنزلنا عليك، إن ربك عزيزٌ ينتقم منهم، ويرحم عليك بأن يقدر لك من يؤمن بك إن لم يؤمن هؤلاء. ومن ثم قرن معه وقدم عليه كل مرةٍ قوله تعالى: (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)»(11/318).

– قوله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ «وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ») [الروم:29] قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «أراد أن يُسَلِّيَ حبيبَه – صلى الله عليه وسلم – ويُوطِّنَه على اليأس من إيمانهم، فأضرَبَ عن ذلك وقال: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم) وجَعل السَّبب في ذلك أنه تعالى ما أراد هدايتَهم وأنه مختوم على قلوبهم، ولذلك رتَّب عليهم قوله: (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) على التَّقريع والإنكارِ، ثم ذَيَّل الكُلَّ بقولِه: (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) يعني: إذا أراد اللهُ منهم ذلك لا مَخْلَص لهم منه، ولا أحدَ يُنقذهم لا أنتَ ولا غيرُك، فلا تذهب نفسُكَ عليهم حسرات، فاهتَمّ بخاصّةِ نفسك ومَنْ تَبِعَك، وأقِمْ وجهَك معهم للدِّين حنيفًا» (12/242).

– قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ «وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا») [الأحزاب: 50]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «اعلم أن قولَه: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) واردٌ على سبيل التذييل للآية أجمعِها، ومضمونُها رَفْعُ الحَرجِ عن حضرةِ الرسالةِ في أمور النساء، كذا عن الواحدي، فجيء بالفاصلةِ عامة في نفي الحرج من جميع التكاليف في الدين لِسائرِ المؤمنين، فيدخل فيه أمرُ الرسول – صلى الله عليه وسلم – أوّليًّا فإذن لا مَدْخَل لحديثِ التوبة» (12/ 461).

– قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ..)[ص:23-24]، فقوله: ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ … وقَلِيلٌ مَّا هُمْ) تذييل، ويحتوي على فوائد، ذكرها الطيبي، وقال:«

إحداها: أن يكون موعظة للسامع بأن يرغب في اختيار عادة الخلطاء الصلحاء لقوله: (وقَلِيلٌ مَّا هُمْ) كقوله: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].

وثانيتها: أن يكون لطفًا للخلطاء المعتدين فينزجروا عن الاعتداء.

وثالثتها: أن يكون تسلية للمظلوم»(13/269)

– قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (*) «أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ»)[الزمر:2-3]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «وموقع الجملة في هذا المقام موقع التذييل للكلام السابق، وحسنه أن يكون مؤكدًا لمضمون جملة قوله: (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) لاتفاقهما وتطابقهما، وإليه الإشارة بقوله: “الخالص والمخلص”، أي: بفتح اللام “واحد” لأن الدين إذا كان مخلصًا كان خالصا، ولو جعل تذييلًا لقوله: له الدين وحده، جاء الكلام مبتورًا ونباه الطبع السليم، فإن معنى (للهِ الدِّينُ) أن الدين مختص به لا بغيره، وهو معنى (أَلَا للهِ الدِّينُ) فيبقى وصف الدين بالخالص خارجًا وتطويلًا، ومن ثم أحاله إلى الذوق في قوله: “رجع به الكلام إلى قولك: لله الدين ألا الله الدين الخالص”»(13/ 335).

– قوله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ «إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ») [الشورى: 27]، نبه الطيبي- رحمه الله تعالى-  على أن قوله: «إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» تذييل، ثم قال: «ووضع المظهر -وهو (بِعِبَادِهِ) – موضع المضمر، أي: إنه خبير بأحوال عباده المكرمين، بصير بما يصلحهم وما يرديهم، وإليه ينظر ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا، كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء”، أخرجه الترمذي عن قتادة»(14/41).

– قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ» وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38]، قال الطيبي –رحمه الله تعالى -: «ولإرادة التوكيد ذيل الكلام بقوله: (واللَّهُ الغَنِيُّ وأَنتُمُ الفُقَرَاءُ)، وجعله كالاعتراض بين المتقابلين، أعني قوله: (وإن تُؤْمِنُوا وتَتَّقُوا) وقوله: (وإن تَتَوَلَّوْا)، وهما المعطوفان المعنيان بقوله: ” (وإن تَتَوَلَّوْا) معطوف على (وإن تُؤْمِنُوا). والتعريف في (الغَنِيُّ) و (الفُقَرَاءُ) للجنس، فآذنا بكمال الغنى ونهاية الفقر، ثم كونهما خبرين وهما معرفتان: دلا على الحصر، نظيره قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَاتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [فاطر: 15 – 16]، والمعنى: أنتم جنس الفقراء الكاملون فيه، والله هو الغني على الإطلاق، فهو غني عنكم وعن عبادتكم، فإن لم تحمدوه أنتم يستبدل قومًا غيركم؛ من يحمد ولا يكفر مثلكم» (14/ 366).

– قوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (*) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا «إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ»)[الشورى:49-50]، قال الزمخشري: « (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بمصالح العباد، (قَدِيرٌ) على تكوين ما يصلحهم»، وقال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «ثم ذيل الكل وعلله بقوله: (إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)؛ ليكون ذريعة إلى ذكر فضل من فضائل هذا النوع من المخلوق، ومنتهى كماله وغاية درجاته»(14/ 86).

-قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ)[الحشر: 20]، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: «اعلم أن هذا التمثيل، أي: (لا يَسْتَوِي) كالتذييل لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) إلى آخره، وذلك أنه تعالى لما أمر المؤمنين بالتقوى التي هي قصارى كرامة الله، كما قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، وبالنظر والتيقظ للعاقبة، والأخذ في العمل وما يسره الغد إذا لقيته، ثم نهاهم أن يكونوا من الغافلين الذين نسوا الله وتركوا الحذر، فأهملوا العمل للغد، فامتهنهم الله بالخذلان فأنساهم أنفسهم، حتى رأوا في العاقبة من الأهوال ما نسوا فيها أنفسهم، ذيل الكلام بقوله: (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وأَصْحَابُ الجَنَّةِ) مزيدًا للترغيب فيما يزلفهم إلى الله، ويدخلهم دار كرامته، ويجعلهم من أصحابها، والترهيب عما يبعدهم من الله، ويدخلهم دار الإهانة ويجعلهم من أصحابها، ومن ثم دق ولطف استدلال أصحابنا بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر وحسن كلام القاضي حيث قال: لا يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة، والذين استمهنوا نفوسهم فاستحقوا النار» [15/341].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) كتاب الصناعتين (ص: 373)

(2) كتاب الصناعتين (ص: 373)

(3) البرهان (3/68)

(4) لسان العرب (مادة: ذيل)

(5) البرهان (3/68)

(6) الإتقان (3/250)

(7) فتوح الغيب (2/579)

(8) فتوح الغيب (3/41)

(9) انظر: الإيضاح (3/205)، والتبيان (213)

(10) البلاغة العربية (2/86)

(11) البلاغة العربية (2/87)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق