بعض مظاهر حقوق الإنسان في مدونة الأسرة المغربية
نجاة بوعريب*
يعتبر موضوعُ المرأةِ من أهم المواضيع التي تحظى باهتمامٍ كبيرٍ ومتزايدٍ من طرف مختلفِ الدارسين والباحثين، ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي تضطلع به المرأة في الأسرة وفي المجتمع على وجه العموم، ولا يمكن بالتالي فصلُ قضيتها (أعني المرأةَ) عن قضيةِ الأسرة، إن هذا الاهتمامَ وسَّعَ من نطاقِ وأبعادِ تناولِ قضيةِ المرأة، حيث إنها لم تعُدْ قضيةً وطنيةً محضةً، بل أضحَت قضيةً ذاتَ أبعـادٍ دوليةٍ، خاصةً بعد التزام المغرب باحترام منظومة حقوق الإنسان، كما هي متعارفٌ عليها عالمياً.
فما هو الإطار العام لنشأة حقوق الإنسان، وما هي بعض مظاهر هذه الحقوق في المنظومة التشريعية، خاصة مدونة الأسرة المغربية.
*إطار عام حول نشأة فلسفة حقوق الإنسان
لقد كانت ومازالت " حقوق الإنسان" الشغل الشاغل لبني البشر منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، وستظل شغله الشاغل طالما هناك في هذا الوجود، صراع بين قوى الشر وقوى الخير، بين قوى الظلم وقوى العدل، بين قوى المساواة وقوى العنصرية، بين قوى النفي وقوى الإثبات.
و لعلنا لا نبتعد كثيرا إذا قلنا إن البحث عن حقوق الإنسان من مستلزمات وجود الإنسان نفسه لأن وجوده منذ وجد لا ينفصل عن وجود التناقض والتضاد والتصارع بينه وبين نفسه وبين أبناء البشرية جميعهم.
و لقد عرفت لدى الإنسان مجموعة من المفاهيم أطلق عليها عدة مسميات حتى يستطيع التمييز بين جوهرها وآثارها على حياته الاجتماعية، كمفهوم الحق والعدل والظلم والمساواة والحرية.. و ما إلى ذلك من آلاف المفاهيم التي تراكمت لتشكل في عالم العقل البشري ووجدانه كلا متكاملا من الأحكام والمعارف، ومعلوم أن الإنسان يجد نفسه يقف مواقف مختلفة تجاه تفسير وتأويل هذه المفاهيم، بل وتظل في عالمه الواسع قضايا نسبية، وليست مطلقة.
وفي هذا الإطار جاءت مدونة الأسرة لتعبر في فلسفتها عن رد الاعتبار للمرأة المغربية ولتدعيم مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا وكما يقضي بذلك الدستور المغربي، حيث تم إقرار مبدأ المساواة ومبدأ الرضى بين الزوج والزوجة بالنسبة للعديد من المقتضيات، إحقاقا للعدل وتدعيما للبعد الاجتماعي ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا.
*مفهوم المساواة في التصور الإسلامي:
المساواة في اللغة: السَّوَاء والعدل، أما في مفهومها العام، فتقوم أساسا على مبدأ المماثلة والمعادلة بين شيئين أو أكثر، ويعتبر الإسلام أول من أكد عليها، لذلك جاءت النصوص التشريعية لتجعل منها القاعدة الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته، والركن الأساسي في التكليف[1]، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم ْمِن ْذَكَر ٍوَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِن َّأَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[2].
و قد نصت المادة 400 من مدونة الأسرة على أنه: "كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف".
هذا فيما يتعلق بالمساواة بمفهومها العام، أما المساواة بمفهومها الخاص ونقصد بها المساواة بين الرجل والمرأة، فالمتأمل في آيات القرآن الكريم يتضح له أن الإسلام ألغى التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، وصرف النظر عنه وذهب أبعد من ذلك إذ جعل المرأة والرجل من أصل واحد يقول تعالى: ﴿وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾[3]، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾[4]، نفس هذا التصور يجسده قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال في الأحكام"[5].
ويكشف تتبع النصوص والأدلة التي تؤسس لمبدأ المساواة في الخطاب الشرعي عن وجود استثناءات لهذا المبدأ ترجع في كنهها "إلى طبيعة كل من الزوجين الذكر والأنثى ووظائفه المنوطة به التي يكون بها كل واحد منهما متمما ومكملا للآخر في تناسل النوع وترقية شؤونه، فيكون الرجل رجلا قائما بشؤون الرجال والمرأة امرأة قائمة بشؤون النساء بالتعاون الذي يشعر به كل منهما... [6].
إن الإسلام وفق هذا المنطَلقِ، يرى في كل من الرجل و المرأة جوهر الإنسانية، ويعلي ذلك في ميزان التكليف على آثار الاختلافات العضوية والنفسية بينهما، ولهذا فهو يقرر مبدأ المساواة المطلقة بينهما في كل ما يتصل بالكرامة الإنسانية وبالمسؤولية، والأصل في الأحكام الشرعية جعل حقها في الحياة عزيزة مكرمة وحقها في المساواة مع الرجل في إطار طبيعتها وقدراتها بل تبدي رأيها بحرية المساواة الكاملة بينهما إلا ما استثناه الشارع وهو قليل. [7]
بعض مظاهر قيم حقوق الإنسان في مدونة الأسرة:
جاء في ديباجة مدونة الأسرة، أنه تم تعديل مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في إطار العمل على صياغة منظومة تشريعية متكاملة ومنسجمة بهدف إنشاء أسرة قائمة على مبادئ المسؤولية المشتركة، والمودة والمساواة والعدل، والمعاشرة بالمعروف وفق أحكام الإسلام السمحة ومقاصده، مع الالتزام بمنظومة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، استنادا إلى ذلك، تم إقرار مبدأ المساواة بالنسبة للعديد من المقتضيات، وفي ما يلي عرض لأهم هذه المقتضيات.
أولا: المساواة في أهلية الزواج
لا نجد في القرآن الكريم تحديدا لأهلية الزواج ببلوغ سن معينة، بل نجد فيه ما يفيد إمكان الزواج من الصغيرة قبل أن تحيض، أما النظر الفقهي في أهلية الزواج فيحدد أهلية الزواج حسب الفقهاء باعتبارين:
* الإِعْتِبَارُ الشخصي: ويتحدد أساسا بظهور علامات البلوغ بالنسبة للذكر والأنثى.
* الإِعْتِبَارُ الموضوعي: ويتمثل أساسا في تحديد سن معينة متى بلغ المعني بالأمر اعتبر بالغا ومؤهلا للزواج.
جاءت مدونة الأسرة بإقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في سن الزواج، حيث تم اعتماد الثامنة عشر السن القانوني لإجراء عقد الزواج، طبقا لمقتضيات المادة 19 التي تنص على أنه:"تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية"، استثناء من ذلك نص المشرع على إمكانية تخفيض هذا السن بالنسبة للزوج القاصر بمقرر قضائي معلل، مع بيان الأسباب الداعية للتخفيض والاستماع إلى أبوي القاصر أو النائب الشرعي و الاستعانة بخبرة طبية أو بعد إجراء بحث اجتماعي، إن توحيد سن الزواج بين الفتى والفتاة يدخل في إطار رفع الحيف عن الفتاة المغربية التي كانت تغتصب في طفولتها، بتزويجها في السن الخامسة عشر من عمرها وهو سن جد منخفض لن تقوى فيه هذه الصغيرة على تحمل الأعباء المادية والمعنوية للزواج الذي هو مؤسسة لتدبير الشأن الأسري تدبيراً حكيما لا يقوى الصغار على تحمل المسؤوليات الناجمة عنه. [8]
بالإضافة إلى ما سبق، فتعديل مدونة الأسرة ارتبط بمضمون الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب واستجابة للضغوط الدولية، فالرفع من سن الزواج إلى ثماني عشرة بالنسبة للفتى والفتاة مؤسس على مبرر إلغاء التمييز بين الجنسين وإدماج مبدأ المساواة كمبدأ أساسي في مختلف التشريعات الداخلية، ومنها التشريع الأسري[9].
وما ألاحظه شخصيا أن توجه المشرع للمساواة بين الذكر والأنثى في سن الزواج،يتماشى إلى حد كبير مع تحقيق المقاصد الشرعية، فرغم أن الزواج المبكر له عدة ايجابيات، حيث إِنه يحولُ دون الوقوع في الزِّنا ويحد من الآثار السلبية للعلاقات غير الشرعية والمتمثلة أساسا في ظهور الأبناء غير الشرعيين وأطفال الشوارع وانتشار الأمراض الخطيرة، إلا أنه غالبا ما يكون مآله الفشل خاصة أن الزوجة الصغيرة قد لا يكون لها الوعي اللازم لمعرفة حقوقها وواجباتها والنضج الكامل للسهر على تكوين أسرة مستقرة الأمر الذي يعتبر إحدى الغايات الأساسية لعقد الزواج.[10].
ثانيا: جعل الولاية حقا للمرأة
لقد كانت مسألة الولاية من أبرز القضايا الخلافية بين أنصار الاتجاه المحافظ وأنصار الحداثة، فاعتبر الاتجاه المحافظ الولاية لازمة عند إبرام عقد الزواج، وأنها من شروط عقد الزواج، إذ لا مبرر لحذف مؤسسة الولي، على اعتبار أن الولاية كما كانت تقررها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة هي ولاية تفويض، أما أنصار الحداثة فقد عارضوا فكرة الولاية في الزواج لأنها تتعارض مع ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان خاصة مبدأ المساواة عند إبرام عقد الزواج.
والولاية في اللغة: النصرة والمحبة، أما في الاصطِلاح، فقد عرَّفها الفقهاء بأنها: "تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى"[11]، إن هذا التعريف يتضمن تشديدا ضمنيا على مؤسسة الولاية، ومما لاشك فيه أن هذا التشدد وهذه الأهمية لمؤسسة الولي تجد أساسها في مجموعة من المقاصد الشرعية والمبررات الواقعية، ذلكَ أن الغرض من الولاية هو الحفاظ على مصالح المرأة، وليست قيدا يمنعها من ممارسة حريتها أو حدا لهذه الحرية، خاصة وأن المرأة غالبا ما يصعب عليها التعرف على طبائع الرجال، فتعين مساعدتها من قبل وليها، نظرا لكونه أقرب الناس إليها وأكثرهم شفقة وحنانا عليها، والأصل في الولاية أنها شرعت للإحسان للمرأة بخدمة مصالحها وحماية حقوقها في إطار تحقيق المقاصد الكبرى لعقد الزواج، إلا أنها فهمت اليوم على أنها امتهان وحط من قيمة المرأة، ومظهر من مظاهر الدونية، وهو ما يفسر تزايد المطالبين بإلغائها، وسبب هذا الفهم الخاطئ هو قصور النظر القانوني الذي يتناول الولاية في إطار ضيق لا يتعدى حقوق المتعاقدين، قياسا لعقد الزواج على عقد البيع أو الشركة، وهو منطق من صميم التخطيء، إذ أن عقد الزواج عقد لا يقاس عليه.[12]
في خضم هذه النقاشات، وبناء على المسوغات الواقعية، المرتبطة بضرورة مواكبة سنة التطور وما وصلت إليه المرأة من الوعي ومن درجات التعليم في مختلف أنواع المعرفة ناسبت بها الرجل، وتزايد الضغوط الداخلية لدعاة تغيير المدونة ونظرا لمرونة التشريع الإسلامي جاء تعديل حكم الولاية على المرأة في الزواج في المادتين 24 و25 من مدونة الأسرة، فمن خلال هذه المقتضيات يتبين أن المشرع لم يلغ مؤسسة الولاية من النسق القانوني، وإنما أبقى عليها، وهو ما يظهر واضحا من خلال صياغة المادة 24 التي تحدد الولاية كحق للمرأة.
فالمشرع المغربي استطاع أن ينقل النقاش حول الولاية من دائرة الإبقاء عليها، أو إلغائها إلى دائرة أخرى حُصرت في كيفية ممارسة هذه الولاية[13]، حيث تم تقيد الولاية كحق للمرأة "بالرشيدة"، وحتى إن كانت رشيدة فلها الخيار في أن تعقد زواجها بنفسها أو أن تفوض ذلك لأوليائها.
ثالثا: المساواة في المسؤولية المشتركة للزوجين
حرِصَ المشرع المغربي حرصا شديدا على تجسيد مبدأ المساواة بين الزوجين، من خلال الصياغة الحديثة التي تبناها وهو يعيد بناء النسق التشريعي المنظم للرابطة الزوجية، وتعتبر مسألة المساواة في المسؤولية المشتركة للزوجين على الأسرة أبرز نموذج لهذا التوجه، في إطار ذلك سندرس مفهوم القوامة باعتبارها أساس العلاقة الزوجية في التصور الإسلامي.
*القوامة في التصور الإسلامي:
إن مفهوم القوامة في الاستخدام القرآني ورد في ثلاثة مواضع[14]، والقوامة[15] في الأصل، صفة من صفات المؤمنين رجالا ونساء، وتعتبر القوامة من أهم دعائم نظام الأسرة في التصور الإسلامي، وقد حدد بعض الباحثين مفهومها في كونها" رعاية ومسؤولية ترتبط بها ما ألزم الله به الزوج من الإنفاق[16]، حيت يقول تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)[17]، فهذه الآية صريحة في أن القوامة في حقيقتها تنظيم للشؤون الأسرية، يقوم على الشورى والتوزيع العادِل للمسؤوليات في ظل القوامة، فتضع المسؤولية على الرجل حتى يحمي بيته ويرعاه، وتضع المسؤولية على المرأة كذلك حتى تعرف ما عليها من واجب فتؤديه حق الأداء، وبذلك يتم الانسجام بين الطرفين وتسير الأسرة بذلك مَسيرَة الاستقرار[18]. وهذا الاختصاص من الرجل لا يجعل القوامة مساسا بشخصية المرأة أو انتقاصا من أهليتها، بل يجعلها درجة من الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بإرادة رئيسه واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهورا مسلوب الإرادة لا يعمل عملا إلا ما يوجهه إليه رئيسه، بل في إطار الإرشاد و التوجيه والتهذيب والشورى، وكل معاني التعاون والتآزر والإرادة الحسنة، ولهذا جعلها الإسلام مسؤولية وتكليفا إذ تعطِي المرأةَ حقوقاً وتفرض على الرجل واجباتٍ، ومعلوم أن جعل القوامة بيد الرجل لا يعد ضربا من التمييز، أو تفضيلا للرجل على المرأة كما يعتقد البعضُ، بل إنه يستند إلى مسؤولية الرجل عن الأعباء الاقتصادية التي ينهض بها داخل الأسرة، والتي هي مسؤولية كبيرة إذا ما قيست بمسؤولية المرأة في هذا المجال.
إن النص على "مسؤولية الزوجين معا في رعاية الأسرة في المادة 4 من مدونة الأسرة يطرح تساؤلا حول مدَى إسقاط القوامة عن الرجل، وجوابا على هذا التساؤل يرى الدكتور أحمد الريسوني أن المادة 4 لم تسقط القوامة ولم تتحدث عنها أصلا، وإنما نصت على" إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين" ورعاية الأسرة شيء والقوامة شيء آخر، فالمدونة لم تقل "تحت رئاسة الزوجين" أو "تحت إمرة الزوجين" ولا تتصور هيئة ولا مؤسسة يمكن أن تكون تحت رئاسة شخصين اثنين.
أما الرعاية فهي بدون شك مسؤولية مشتركة بين الزوجين معا كما جاء في الحديث الصحيح (والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية عن أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم). [19]
انطلاقا مما سبق، نستنتج أن المغرب وفي إطار العمل على انفتاحه على مبادئ المنظومة الكونية لحقوق الإنسان وفي إطار، عمِل على ملاءَمة تشريعه مع الاتفاقيات الدولية خاصة ما يتعلق بإدماج مبدأ المساواة ضمن النصوص المنظمة للعلاقات الأسرية عموما وفي العلاقة بين الزوجين خصوصا، هذا ويجب النظر إلى مبدأ المساواة بين الزوجين بناءً على معنى التكافؤ في أداء الالتزامات بين الزوجين، حيث أداء كل زوج – بمعيار العدل والإنصاف - ما يكمل به دور صَاحِبِهِ، وليس ضروريا توزيع كل التزام بين الاثنين لأَنَّ الهدف من الرابطة الزوجية هُوَ التَّكامل لا التقسيم العيني وأداء كل زوج نصيبه من عين ما يؤديه الطرف الآخر[20]، وهذا ما حاولت مدونة الأسرة التأسيس له من خلال مقتضيات المادة 4 دون الخروج على الثوابت الشرعية.
ختاما أخلص إلى جملة من النتائج و الخلاصات التي يمكن إجمالها في ما يلي:
-أن الخلاف حول قضية المرأة والأسرة بصفة عامة، خلاف مرجعي بالأساس، وهو خلاف قائم بين من ينطلق من مرجعية إسلامية ذات نظرة تكاملية شمولية للأسرة، قائمة على مبادئ العدل والإنصاف المساواة والمعاشرة بالمعروف من جهة، ومن ينطلق من مرجعية أممية أساسها المساواة المطلقة.
-أن المشرع استطاع، إلى حد بعيد، التوفيق بين مرجعيتين أساسيتين، المرجعية الفقهية الإسلامية والمرجعية الأممية الدولية، وهو ما يكرس ثنائية المرجعية المؤطرة لمدونة الأسرة.
- تأكيدا لمبدأ الحرية والرضى، جعل المشرع المغربي الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها، واستثناء من ذلك مكنها من أن تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها.
- تبني مبدأ المساواة في المسؤولية المشتركة للزوجين على الأسرة بما يتوافق مع المدلول الشرعي الصحيح لمبدأ القوامة، باعتبارها درجة من الرعاية والمسؤولية والشورى بين الرجل والمرأة.
[1]- " مؤتمر حقوق الإنسان "، عياد محمد، المساواة في الشريعة والنظم القانونية الحديثة، مجموعة أبحاث متعلقة بحقوق الإنسان، طبعة 1 –2001 م.
[2]- سورة الحجرات، الآية 13.
[3]سورة الأعراف، الآية 189
[4]سورة الروم، الآية 21
[5]رواه أبو داوود في كتاب الطهارة: باب في المرأة ترى ما يرى الرجل رقم الحديث 236 بلفظ: " قال نعم إنما النساء شقائق الرجال"، والترمذي كتاب الطهارة باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما رقم الحديث 113 بلفظ " نعم إن النساء شقائق الرجال " ورواه احمد في مستند عن حماد بن خالد 256/6أنظر الصفحة 60
[6]حقوق النساء في الإسلام لمحمد رشيد رضا مرجع سابق ص: 175( بتصرف)
[7]المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والالتزامات، للدكتور عبد السلام أحمد فيغو، مرجع سابق، ص: 34
[8]-الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، ج 5 سلسلة الندوات واللقاءات الأيام الدراسية: 2004 منشورات المعهد العالي للقضاة، ص 135.
[9]بعض مظاهر قيم حقوق الإنسان في مدونة الأسرة الجديدة، لإدريس الفاخوري، ص: 156
[10]- هذا التوجه يتماشى مع جعل المشرع الزواج في المادة 4: "عقد تراض وترابط شرعي بين الرجل والمرأة على وجه الدوام، من أجل إنشاء أسرة مستقرة برعايتهما معا".
[11]- رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين، دار الكتاب العلمية، بيروت لبنان: 1415ه- 1994م ص 154
[12]-تدافع قاعدة مراعاة الخلاف ونظرية تنازع القوانين في استبعاد تطور قوانين الأسرة، للدكتور حسن القصاب، مقال منشور بمجلة المذهب المالكي، العدد: 7، سنة 1430-2009 ص: 99.
[13]- مدونة الأسرة ومحددات الفكر الحداثي المجتمعي، الأستاذ عبد الكبير طبيح، مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة، العدد، 22 نونبر 2004، ص: 21.
[14] *قوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)[14].
*قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)[14].
*قول الحق سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)[14].
[15] قال ابن منظور: " قوام الأمر بالكسر نظامه وعماده، وفي التنزيل العزيز (الرجال قوامون على النساء) سورة النساء الآية 34، لسان العرب لابن منظور 497/12 مادة قوم، تاج العروس مع جوهر القاموس باب اللام، ص: 596 – 592.
[16] سعادة الأسرة، لحسن السقرماني، الطبعة الأولى، 2002، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 67.
[17] سورة النساء، الآية 34.
[18] القوامة بين المدلول الشرعي وسوء فهم المتأولين، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، من إعداد الطالب: محمد توفيق الرقبي، تحت إشراف الدكتور: محمد الإدريسي الطاهري، 2003-2004، ص: 34
[19] أخرجه البخاري في صحيحه/ كتاب النكاح/ باب المرأة راعية في بيت زوجها/ ج7/ ص31. رقم الحديث 5200، وأخرجه مسلم في صحيحه /كتاب الإمارة/ باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة/ج3/ ص1459/رقم الحديث 1829.
[20] المرجع نفسه، ص: 29
* نجاة بوعريب: أستاذة باحثة بسلك الدكتوراه، وحدة البحث في " القانون والمؤسسات"
نشر بتاريخ: 14 / 03 / 2017