وحدة الإحياءأعلام

المنهج الدلالي: الأسس والمكونات.. قراءة في تفسير الحرالي المراكشي

ينبني تفسير الإمام الحرالي المراكشي (638ﻫ/1241م) على جملة قوانين تختص بالتطرق إلى فهم القرآن، وتتنزل في فهم القرآن منزلة أصول الفقه في تفهم الأحكام. وتشكل هذه القوانين، تنظيرا، نظرية فريدة، وتطبيقا، منهجا متميزا في التفسير الصوفي1. ومن أبرز ظواهر هذا المنهج الاهتمام بدلالات ألفاظ القرآن على مستوى المعنى المعجمي والتطور الدلالي والمعنى السياقي، حتى جاز لنا نعته بالمنهج الدلالي. فما هو هذا المنهج الدلالي؟ وما مجالات تطبيقاته؟ وهل الجمع بين الدلالة والتفسير الصوفي من البحث العلمي اللغوي في شيء؟

معلوم أن علم الدلالة (La sémantique) هو “العلم الذي يدرس المعنى”2 حيث ينطلق من الألفاظ، فيدرسها من الناحية المعجمية، ثم يلتفت إلى تطورها الدلالي، والقوانين التي تحكم هذا التطور، ثم يحدد ما تحتمله من معان في سياقها اللغوي والاجتماعي، ليخلص إلى الأفكار والمضامين؛ وفق نظريات علمية توظف حسب المطلوب، منها نظرية السياق ونظرية الحقول الدلالية والنظرية التحليلية وغيرها. وقد يستغرب بعض الدارسين الجمع بين الدلالة، باعتبارها فرعا من فروع علم اللغة الحديث، وبين تفسير صوفي للقرآن الكريم هو عبارة عن بحث في إشارات وتلويحات في سياق لا يخضع، في جملته، في رأيهم، للمرجعية اللغوية المعجمية؛ وإنما يتشكل وفق معجم خاص، مرجعيته الذوق والوجد والإلهام.

والواقع أنَّ عدّنا منهج الإمام الحرالي في تفسير القرآن الكريم منهجا دلاليا يرجع لاعتبارات كثيرة، منها:

أولا: محاولة الإمام الحرالي وضع قوانين فهم معاني القرآن، كما أن علم الدلالة يسعى إلى ذلك، إذ “الإشكالية اللغوية في هذا العلم هي الوقوع على قوانين المعنى التي تكشف أسراره، وتبين السبل إليه وكيفية حركته، لترقى الدلالة؛ فتؤدي وظائف حضارية عالية في الحياة اليومية، وميادين العلوم، وآفاق الفن”3.

وقد يعترض على هذا الاعتبار كون قوانين الفهم عند الشيخ الحرالي، هي قوانين تكاد تنحصر في تأصيل الدلالة الإيحائية. ولكن هذا الاعتراض لا ينقض اعتبارنا هذا، من حيث إن المعنى الإيحائي هو كذلك، كما ستأتي الإشارة، من موضوعات علم الدلالة؛ ومن حيث إن استخراج المعنى يعتمد في منهج الشيخ على وسيلتين: الأولى؛ استيحاء الدلالة القرآنية. والثانية؛ الكشف والإلهام. وحيث إن معظم تفسيره من باب استيحاء الدلالة القرآنية اعتبرنا منهجه منهجا دلاليا.

ثانيا: مراعاة الإمام الحرالي التطور الدلالي للألفاظ إذ كان غالبا، كما يتبين من النصوص المتبقية من تفسيره، ما يبدأ من الألفاظ، فيدرس المعنى المعجمي، ثم ينظر ما يعتور هذه الألفاظ من تطور يفيد في كشف معاني القرآن. كما سيأتي بيانه.

ثالثا: مراعاته السياق اللغوي والاجتماعي. كما تحددهما مدرسة فيرث Firth.

ومن الواضح أن هذه الجوانب اللغوية هي من أسس البحث الدلالي الحديث. ونحن في هذه الدراسة الموجزة نسعى إلى بيان القضايا اللغوية التي يزخر بها تفسير الحرالي، والتي لها تعلق بعلم الدلالة. والتي ربما تكشف عن آراء وأفكار خصبة مبدعة. وليس من قصدنا في بيان هذا التعلق ادعاء السبق، لاعتقادنا أن العلم هو تراكمات وتجارب متلاحقة غير متحيزة ولا تعرف وطنا.

كان الإمام الحرالي، يدرك أن فهم الكلمة القرآنية ومحاولة تبينها وتبيانها أمر عسير، لا يكفي فيه التفسير والتأويل؛ فهم الكلمة القرآنية هو مجاهدة النفس وتزكيتها من الظنون والأهواء. فهم الكلمة القرآنية مطلب سام، وإدراك بعيد غوره. إذ الفهم في اصطلاحه هو “الأخذ من إفادة الخطاب من غير حاجة إلى سابق فسر ولا نظر إلى متقدم علم سابق، فيأخذ الفاهم من القرآن ما أعطاه القرآن لسماعه إياه”4، ولذلك كان لابد “في قراءة القرآن من تجديد إقبال، وتهيئ لقبول وتحقيق تقوى؛ لأنه إنما هو هدى للمتقين. . . فلا يقرأ القرآن من لم يقبل عليه بكلية ظاهره، ويجمع اهتمامه له بكلية باطنه”5. ويبقى الأمر بعد ذلك لدنيا “ليس مما في فطر الخلق وجبلاتهم وإقامة حكمتهم، وإنما هو موهبة من الله، سبحانه وتعالى، بحسب العناية”6.

كان الإمام الحرالي يسعى في تفسيره إلى تعميق التلقي الذاتي للكلمات القرآنية عن طريق الإصغاء الدقيق، والإنصات العميق لهذه الكلمات. كان إحساسه بهذه الكلمات مرهفا. وكان الفهم يرادف عنده ما نسميه “الإحساس الروحي” للكلمات. ولكن “الإحساس الروحي فيما يزعم بعض المعاصرين أمر لا علاقة له بعلم اللغة، الإحساس الروحي فيما يزعمون مسألة تستبطن فيها النفس أو تخضع للتأمل الذاتي، وهي لذلك متميزة من شئون البحث العلمي في أمور اللغة والكلام والتطور”7. وربما كان هذا أحد الاعتراضات التي تقلل، في نظر هؤلاء، من اعتبار منهج الحرالي منهجا دلاليا.

والواقع أن الذين طرحوا جانبا مسألة الإحساس الروحي للكلمات أسرتهم سلطة الدلالة الوضعية، واعتقدوا في إسراف أن المدلول مواضعة. بيد أن الدرس الدلالي عند كثير من الباحثين يتجاوز الدلالة الحرفية إلى الدلالة المجازية والإيحائية. فهذا، مثلا، ديفيد ديتشيس فبعد أن يقرر حقيقة التغير وعمليات التطور الدلالي، يوجه الدارسين ومن يعمل في النقد إلى أن يهتموا بالعلاقات المتداخلة بين المعاني، ويتطرقوا إلى أدق صنوف تلك العلاقات، وأن يعنوا بأصغر العناصر في المبنى وبالإماءات الجانبية وبالظلال التي قد تمر دون أن يلحظها قارئ عارف بالأثر المنقود فهي ظلال لا يلمحها إلا ذو تمرس8. هذه الظلال والإماءات الجانبية في لغة الإبداع الأدبي التي يتحدث عنها ديفيد ديتشيس، والتي لا يلمحها إلا ذو تمرس؛ هي في لغة القرآن الكريم اللطائف والإشارات التي لا يلمحها إلا أهل الفهم.

هذا، وإن أبرز تعريف للغة الإبداع الأدبي هو أنها لغة رمزية لا تقوم على المواضعة اللغوية حيث يدل اللفظ على ما وضع من أجله، بل تقوم على القدرة الدائمة والمتجددة على الإيحاء بدلالات غير متواضع عليها9. وإذا صدق هذا على لغة الإبداع الأدبي، فكيف بلغة التنزيل، لغة الإعجاز البياني.

علو بيان القرآن على بيان الإنسان

وقبل بيان مكونات المنهج الدلالي في تفسير الإمام الحرالي أوضح أن منهجه في بيان مدلول الدلالة القرآنية يتأسس على مسلمة، وهي “أن بلاغة البيان تعلو إلى علو قدر المبين، فعلو بيان الله على بيان خلقه، بقدر علو الله على خلقه”10. وقد ثبت التقصير في بيان الخلق “وبلغ إلى غاية البلاغة بيان القرآن عن كل ناطقة بأيما لسان”11. ومن هنا لا يجوز اعتبار لغة القرآن بلغة الإنسان. بعبارة أخرى لا يمكن الإحاطة بلغة القرآن إحاطتنا بلغة الإنسان؛ إذ قواعد العلوم تمنح إمكان هذه الإحاطة. ولكن ليس لهذه القواعد مزية بيان خبيئات معاني القرآن، وذلك لقصورها عن الإحاطة بخطاب القرآن فإن للقرآن علوا من الخطاب يعلو على قوانين العلوم علو كلام الله على كلام خلقه”12.

وتلك مسلمة لم تذعن لها عقول بعض المعاصرين، فراحوا يتعاملون مع نص القرآن كما لو أنهم يتعاملون مع نص بشري، وقصدهم من ذلك، كما هو بين من طروحاتهم، نزع قداسة النص الكريم وتعاليه.

مكونات المنهج الدلالي

1.الدلالة القرآنية بين نبأي الإفصاح والإفهام

إن لغة القرآن أسمى، في منظور الحرالي، من أن تدرك حقائق دلالاتها بواسطة قواعد العلوم فقط كما ظن بعض المفسرين والمأولين، الذين جعلوا منها لغة دالة كدلالة لغة البشر. فَهْمُ المعنى في منهج الحرالي يتجاوز “ظاهر الخطاب إلى ما وراء ذلك من باطنه، فإن لكل آية ظهرا وبطنا”13. فَهْمٌ يبدأ من إدراك ظواهر الدلالة القرآنية إلى أقصى ما تحتمله هذه الدلالة من احتمالات مؤيدة، ثم يتجاوزها إلى ما وراء ذلك من إفهام. لذلك كان من أجل قوانين فهم القرآن إدراك أن خطابه يجمع بين نبأي الإفصاح والإفهام. “فهامه إسراره للقلوب الفهمة، وإفصاحه إعلانه للأسماع الواعية، فيسمعه من ربه سرا وعلانية”14.

إن ثمة معان عميقة لا متناهية كامنة في الدلالة القرآنية تتجاوز الإفصاح ويتضمنها الإفهام “لما قد علم من أن إفهام القرآن أضعاف إفصاحه، بما لا يكاد ينتهي عده، فلذلك يكثر فيه الخطاب عطفا، أي من غير مذكور، ليكون الإفصاح أبدا مشعرا بإفهام يناله من وهب روح العقل في الفهم: كما ينال فقه الإفصاح من وهبه الله نفس العقل الذي هو العلم”15.

من الواضح أن إفصاح الدلالة القرآنية يومئ أبدا عند الشيخ الحرالي إلى إفهام يدركه “الذين لهم لب العقل، الذي للراسخين في العلم ظاهره”16. عقل17 وقل ظاهر العقل، وهو النظر عند الأصوليين والفقهاء والمتكلمين، يدرك إفصاح الدلالة القرآنية، وإفهامها يحصله روح العقل. فقه الإفصاح الوسيلة إليه الحس وظاهر العقل أو قل السمع الواعي. وفقه الإفهام الوسيلة إليه لب العقل أو قل القلب الفهم. فالأول علم والثاني فهم. وشتان ما بينهما “لأن العلم من العقل بمنزلة النفس، والفهم من العقل بمنزلة الروح، فللفهم مدرك لا يناله العلم، كما أن للروح معتلى لا تصل إليه النفس، لتوجه النفس إلى ظاهر الشهود ووجهة الروح إلى علي الوجود”18.

العقل، إذن، عند الشيخ الحرالي مصدر العلم والفهم، لكن منال الفهم لا يدركه العلم، كما أن للروح منالا يعز عن النفس؛ إذ “نزوع النفس لسفل شهواتها، في مقابلة معتلى الروح لمنبعث انبساطه، كأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب، والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار، وكأن العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علوا وسفلا”19.

العقل، في تصور الحرالي، مدرك مدلول الدلالة القرآنية إفصاحا وإفهاما؛ إذ قد جعل الله “العقل الذي هو نور من نوره هدى لمن أقامه من حد تردد حال الناس إلى الاستضاءة بنوره في قراءة حروف كتابه الحكيم”20. ويبقى بعد هذا أن الدلالة القرآنية أعمق وأشمل من أن يحيط بها قطعا علم أو فهم. فمحال أن يحيط النسبي بالمطلق؛ “فلم تكن الإحاطة بالتأويل المحيط إلا لله سبحانه وتعالى”21.

ونوط إدراك المعنى القرآني بظاهر العقل ولبه يرتد في منهج الحرالي إلى أمرين:

أحدهما: مفهوم المعنى عنده، فالمعنى هو “مسلك العقل بالعلم فيما بين باب مدلول الاسم إلى غاية الحقيقة التي هي أقصى منال العقل”22. بين مدلول الاسم (اللفظ) وغاية الحقيقة ينساب المعنى، والعقل ظاهر ولب يقتنص بعضا منه. المعنى، في النص القرآني، طبقات بعضها فوق بعض، يحف به النور والجمال والجلال والكمال من كل جانب. المعنى إشارة، وتصريح متفرع إلى تفصيل أو حكم؛ فسورة البقرة، مثلا، “تنتظم جوامعها خلال تفاصلها انتظاما عجيبا، يليح المعنى لأهل الفهم، ويفصله لأهل العلم، ويحكم به على أهل الحكم”23.

والثاني: طبيعة العلاقة بين المتلقي والقرآن. العلاقة بين المتلقي والقرآن تتجاوز في حقيقتها علاقة القارئ بما به يتلقى إلى علاقة القارئ، بما به يترقى في مقامات الإيمان الموصلة إلى صفاء الإيقان الذي به ينال فهم القرآن إفصاحا وإفهاما. ولذلك يجعل الإمام الحرالي أول شرائط الفهم التزكية تطهرا وتحققا وتخلقا؛ “لأن الله سبحانه أباح علم الآيات بغير شرط، وجعل من دون تعلم الكتاب والحكمة، التزكية بالزهد والوجهة إلى الله (يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (آل عمران: 164)”24؛ فبقدر ما تزكو النفس بقدر ما ينقشع ما تراكم على فطرتها من مفاسد وما انطبع فيها من صور الأكوان، حتى تصفو صفاء يجعلها تقرأ بنور العقل آيات الآفاق والأنفس وآيات الكتاب.

صفوة القول: مدلول الدلالة القرآنية في منهج الحرالي كلي يجمع بين نبأي الإفصاح والإفهام، لا يميز الإفهام من الإفصاح. “فما يقع فيه الإفهام في متقابلات ظاهرة يقع البيان عن أحدها إفصاحا ويلازمه الآخر إفهاما25. ففي الآية الكريمة (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (آل عمران: 18)، يذكر الحرالي أن القرآن أفرد القيام، فاندرج من ذكر من الملائكة وأولي العلم في هذا القيام إفهاما، كما اندرجوا في الشهادة إفصاحا، فكان في إشعاره أن الملائكة وأولي العلم لا يقاد منهم فيما يجريه الله، سبحانه وتعالى، على أيديهم؛ لأن أمرهم قائم بالقسط من الله26.

وفي الآية الكريمة (اِن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) (آل عمران: 4) يبين الحرالي أن ختم الآية بقوله جل وعز: (والله عزيز ذو انتقام) فأظهر وصف العزة موصولا بما أدام من انتقامه، بما تعرب عنه كلمة (ذو) المفصحة بمعنى صحبة ودوام. فكأن في إشعاره دواما لهذا الانتقام بدوام أمر الكتاب الجامع المقابل علوه لدنو هذا الكفر، وكان في طي إظهار الانتقام أحد قسمي إقامة القيومية في طرفي النقمة والرحمة، فتقابل هذان الخطابان إفصاحا وإفهاما، من حيث ذكر تفصيل الكتب إفصاحا، فأفهم جزاءها بالرحمة إلاحة من حيث ذكر جزاء الكفر إفصاحا، فأفهم متنزل الفتنة في الابتداء إلاحة، فإنه كما أنزل الكتب هدى، أنزل متشابهها فتنة، فتعادل الإفصاحان والإلاحتان، وتم بذلك أمر الدين في هذه السورة”27.

وفي قوله تعالى: (فأولئك هم الخاسرون) من الآية الكريمة (الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يومنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) (البقرة: 120) “فلبعده بالتقدم، يقول الإمام الحرالي، كرره تعالى إظهارا لمقصد التئام آخر الخطاب بأوله، ليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلا لما يمكن أن يرد من نحوه في سائر القرآن، حتى كأن الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمة، يجب أن يلحظ القلب بداية تلك الغاية فيتلوها، ليكون في تلاوته جامعا لطرفي البناء وفي تفهمه جامعا لمعاني طرفي المعنى”28.

واضح أن الإفصاح والإفهام في اصطلاح الحرالي يقابلهما الظاهر (العبارة) والباطن (الإشارة) كما يفهمهما المفسرون الصوفيون المعتدلون من أهل السنة والشيعة، على اعتبار أن “الظاهر هو ظاهر التلاوة، والباطن هو الفهم عن الله لمراده؛ لأن الله تعالى قال: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) (النساء: 77)، والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام، كيف وهو منزل بلسانهم؟ ولكن لم يحظوا بفهم مراد الله من الكلام، وكأن هذا هو معنى ما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه سئل هل عندكم كتاب؟ فقال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة”29.

ولا يبعد أن يكون الفهم الذي قصده سيدنا علي كرم الله وجهه، هو ما كان يروم الإمام الحرالي قربانه والتطلع إليه؛ إذ هو الباب إلى فهم الكتاب. يقول رحمه الله: “وقد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي، رضي الله عنه، ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء”30.

2.دلالات الألفاظ المختصة بغيب عالم الملكوت

في القرآن الكريم كلمات معانيها مبهمة، وهي التي تعرف بالمتشابهات، وهي الكلمات التي “أخبر الحق سبحانه وتعالى فيهن عن نفسه، وتنزلات تجلياته، ووجوه إعانته لخلقه، وتوفيقه، وإجرائه ما أجرى من اقتداره وقدرته في بادي ما أجراه عليهم، فهن لذلك متشابهات، من حيث إن نبأ الحق عن نفسه لا تناله عقول الخلق، ولا تدركه أبصارهم، وتعرف لهم بمثل من أنفسهم”31. ولذلك يقرر الإمام الحرالي أن “الأحق بمجرى (هذه) الكلم وقوعها نبأ عن الأول الحق، ثم وقوعها نبأ عما في أمره وملكوته، ثم وقوعها نبأ عما في ملكه وإشهاده، فلذلك حقيقة اللفظ لا تصلح أن تختص بالمحسوسات البادية في الملك دون الحقائق التي من ورائها من عالم الملكوت، وما به ظهر الملك والملكوت من نبأ الله عن نفسه من الاستواء ونحوه”32.

ومفهوم عبارة الحرالي “فلذلك حقيقة اللفظ لا تصلح أن تختص بالمحسوسات البادية في الملك؛ (أي عالم الشهادة) دون الحقائق التي من ورائها من عالم الملكوت؛ أي (عالم الغيب)”. يرجع إلى طبيعة اللغة من حيث هي نسق من الرموز والبنيات التصورية، “فلا يمكن أن يطلب منها الخروج عن وصفها الرمزي والصوري لتنقل إلينا الأشياء ذاتها بسماتها الخارجية ومعالمها الوجودية”33. ولئن صدق هذا عن عالم الشهادة، فلأن يصدق عن أسرار عالم الملكوت أحرى، وأولى. ذلك أن معاني الكلمات القرآنية المتعلقة بغيب عالم الملكوت “معان عالية ضاقت عن إيفاء كنهها اللغة الموضوعة لأقصى ما هو متعارف أهلها. فعبر عن تلك المعاني بأقصى ما يقرب معانيها إلى الأفهام”34.

والتماس تلك المعاني من طريق التأويل يشوبه كثير من الاضطراب، والتكلف، والابتداع، وتحريف الكلم عن مواضعه. “وذلك لأن التأويل، في نظر الإمام الحرالي، يحمل على الإضمار والتقدير، والفهم يمنع منه، ويوجب إيراد القرآن على حده ووجهه”35. وهو الفهم الذي لا يصور المعاني ولا يجردها، وإنما يشير إليها ويقربها. بناء على أنه “ليس تستحق الظواهر حقائق الألفاظ على بواطنها، بل كانت البواطن أحق باستحقاق الألفاظ؛ وبذلك يندفع كثير من لبس الخطاب على المقتصرين بحقائق الألفاظ على محسوساتهم”36؛ أي على الحس وظاهر العقل، وهم الذين جنحوا إلى إخضاع الدلالة القرآنية إلى الدلالة العقلية.

فالاستواء الذي اختلف في فهمه المفسرون، وحارت في معرفة كنهه عقول المتكلمين يفسره الإمام الحرالي وفق فهمه للألفاظ المختصة بغيب عالم الملكوت، فيبين عند الآية الكريمة (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) (البقرة: 28) أن القرآن “أعلى الخطاب بذكر الاستواء إلى السماء الذي هو موضع التخوف لهم؛ أي (العرب)، لنزول المخوفات منه عليهم، فقيل لهم: هذا المحل الذي تخافون منه هو استوى إليه، ومجرى لفظ الاستواء في الرتبة والمكانة أحق بمعناه من موقعه في المكان والشهادة”37.

وإتيان الله جل وعز كما ورد في الآية الكريمة (هل ينظرون إلا أن ياتيهم الله في ظلل من الغمام) (البقرة: 208) يفسره المفسرون بصرف اللفظ عن ظاهره بالدليل العقلي، فيكون التأويل إما في معنى الإتيان أو في إسناده إلى الله أو بتقدير محذوف من مضاف أو مفعول. فقيل: إسناد الإتيان إلى الله إسناد مجازي؛ وإنما يأتيهم عذاب الله يوم القيامة أو في الدنيا. وقيل: يأتيهم كلام الله الدال على الأمر، ويكون ذلك الكلام مسموعا من قبل ظل من الغمام تحفه الملائكة. وقيل: إن هنالك مضافا مقدرا، أي: يأتيهم أمر الله؛ أي قضاؤه بين الخلق أو يأتيهم بأس الله. إلى غير ذلك من الأقوال. لكن الإمام الحرالي يلمح معنى آخر، فيذكر أن إتيان الله في محل الإيمان أمر مبهم لا يناله علم العالمين، ويقف دونه إيمان المؤمنين، لا يأخذونه بكيف، ولا يتوهمونه بوهم. وإتيان الله، في أوائل فهم الفاهمين، بدو أمره، وخطابه في محل ما من السماء والأرض أو العرش أو الكرسي أو ما شاء من خلقه، فهو، تعالى، يجل أن يحجبه كون، فحيث ما بدأ خطابه كفاحا بواسطة، فهناك هو (وناديناه من جانب الطور الاَيمن) (مريم: 52) إلى (إنني أنا الله) (طه: 13)38.

إن الفهم الذي كان يلوح للشيخ الحرالي من هذه الكلمات المتشابهات هو، في اعتقادي، فهم يرتاح إليه الوجدان، ويجد نور العقل برد اليقين فيه. ومهما خالف فيه المخالف فهو أفضل بكثير من تلك التأويلات التي فرقت الأمة، وتركت أثارها السيئة على وحدة فكرها وعقيدتها.

3.الفهم والتطور الدلالي

انتهى الباحثون في علم الدلالة إلى أن أصل الدلالة حسي، ومن هذا الأصل الحسي يتشعب التطور. وقد كان الشيخ الحرالي كثير التنقيب عن معاني القرآن الكريم من خلال هذا التطور الدلالي. كان شديد الإصغاء للكلمات القرآنية، كثير الرغبة في استنباط إفهام الدلالة وإفصاحها من تاريخ اللفظ؛ كثير العزوف عن استبدال لفظ بآخر فيما توارثه المفسرون جيلا عن جيل. كان رحمه الله ينفذ في فهم الدلالة الكريمة من المعنى المشتق من الاستعمالات الحسية للفظ إلى معان إيحائية، ما أروعها !وما أغربها!

لقد فسر “متاع” من الآية الكريمة (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الاَرض مستقر ومتاع إلى حين) (البقرة: 35) بأنه تمتع بالأرزاق، من أكل ولبس وحياة وغير ذلك. والأصل في “المتاع” كل شيء ينتفع به، ويتبلغ به ويتزود والفناء يأتي عليه في الدنيا. فما عسى أن يشي هذا اللفظ من إيحاءات في تفسير الشيخ الحرالي؟

يرى الإمام الحرالي عند تفسير الآية الآنفة، أن “المتاع هو الانتفاع بالمنتفع به وقتا منقطعا، يعرف نقصه بما هو أفضل منه. ففيه إشعار بانقطاع الإمتاع بما في هذه الدنيا، ونقص ما به الانتفاع عن محل ما كانا؛ أي (آدم وحواء) به، من حيث إن لفظ المتاع أطلق في لسان العرب على الجيفة التي هي متاع المضطر، وأرزاق سباع الحيوان وكلابها، فكذلك الدنيا هي جيفة متع بها أهل الاضطرار بالهبوط من الجنة، وجعلها حظ من لا خلاق له في الآخرة”39.

لم أهتد إلى أن “المتاع” يطلق في كلام العرب على الجيفة. ومهما يكن فإن الإمام الحرالي لا يستبدل لفظ “متاع” بلفظ “جيفة” استبدالا ترادفيا… يوحي متاع الدنيا في خساسته بخساسة الجيفة. وهو ما أفصح عنه الإمام الحرالي في موضع آخر عند تفسير (ذلك متاع الحياة الدنيا) (آل عمران: 14) قال: “فأنبأ سبحانه وتعالى أن ما في الدنيا متاع، والمتاع ما ليس له بقاء، وهو في نفسه خسيس خساسة الجيفة”40.

إن المؤمنين الذين هم على سنن الشرع لا يفتنهم متاع الدنيا، والكفار يملكهم؛ لأنهم لا يعتقدون غيره. وربما كان من ملكه هذا المتاع فيه شبه بالكفار؛ قال تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) (البقرة: 210) “من التزيين بما منه الزينة، وهي بهجة العين التي لا تخلص إلى باطن المزين (للذين كفروا) ففي ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما، من حيث إن نظر العقل والإيمان يبصر طينتها، ويشهد جيفتها، فلا يغتر بزينتها، وهي آفة الخلق في انقطاعهم عن الحق”41.

واعتقاد أن متاع الدنيا خسيس خساسة الجيفة ليس نظرة صوفية إلى هذه الدنيا فحسب، كما قد يتبادر. إن معنى “متاع” يشي في سياق القرآن بإيحاءات وإشارات شتى يبصرها من رزق عقلا نيرا، وإيمانا راسخا. وإنها لإيحاءات نشهدها نحن اليوم معان مرئية. . نكاد نرى متاع الدنيا جيفة ينهشها الكلاب، وتفترسها الآساد والذئاب في عولمة مغتربة متجبرة. وأكثر الناس لا يحسون خساسة هذا المتاع. لقد غرقوا في بحر زينة الدنيا اللجي، واسترقهم متاعها الغرور. . فتبلدت المشاعر، وطمست البصائر فأنى يحسون؟!

جاء في التنزيل: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يومنون) (البقرة: 87) ومعنى اللعن هاهنا، حسب المفسرين، أبعدهم الله من رحمته، وقيل: من توفيقه وهدايته، وقيل: من كل خير وهذا عام. ولكن الإمام الحرالي يلمح معنى لطيفا؛ فاللعن عنده “إبعاد في المعنى والمكانة والمكان، إلى أن يصير الملعون بمنزلة النعل في أسفل القامة، يلاقى به ضرر الموطي”42. ما علاقة “لعن” بـ”نعل”؟ إلا أن يكون من باب تقليب أصول الكلمة (فاؤها وعينها ولامها)، رد بلطف الإحساس، والتأويل إليه. وهو باب عظيم في العربية، أصله ابن جني في خصائصه.

لقد كان الشيخ الحرالي يفيد في استكشافه خبيئات معاني القرآن من التطور الدلالي للألفاظ بالنقل من مجال إلى آخر، مستندا إلى مسوغات الشبه الشكلي أو الوظيفي بين المجالين. من ذلك أنه يجعل معنى (تدلوا) في الآية الكريمة (ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من اَموال الناس بالاِثم وأنتم تعلمون) (البقرة: 187) يجعله من الإدلاء الذي هو في الأصل إرسال الدلو في البئر، ولكن خفية، كما يرسل الناس بالرشوة إلى الحكام خفية، ليقضوا لهم بها بالباطل. يقول رحمه الله: “وهو من معنى إنزال الدلو خفية في البئر ليستخرج منه ماء، فكأن الراشي يدلي دلو رشوته للحاكم خفية ليستخرج جوره ليأكل به مالا”43.

وفي صدر سورة البقرة يتحدث القرآن عن فئة المؤمنين، وفئة الكافرين، وفئة المنافقين. وخص المنافقين باسم الناس وذلك في الآية الكريمة (ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الاَخر وما هم بمومنين) (البقرة: 7) فلِم خصهم بذلك اللفظ ولم يقل “ومن المسلمين” لكونهم يشهدون ظاهرا ويصلون مع المسلمين؟ يلمح الإمام الحرالي من أصل لفظ الناس معنى دقيقا، ذلك أن القرآن “لما ذكر طرفي الإيمان والكفر وأحوال المؤمنين، وأحوال الذين كفروا، ذكر المنافقين المترددين بين الاتصاف بالطرفين بلفظ الناس، لظهور معنى النوس فيهم، لاضطرابهم بين الحالين، لأن النوس هو حركة الشيء اللطيف المعلق في الهواء، كالخيط المعلق الذي ليس في طرفه الأسفل ما يثقله، فلا يزال مضطربا بين جهتين، ولم يظهر هذا المعنى في الفريقين لتحيزهم إلى جهة واحدة”44.

ويبين الشيخ الحرالي عند تفسير قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) (البقرة: 35) أن “(الشيطان) هو مما أخذ من أصلين: من الشطن وهو البعد، الذي منه سمي الحبل الطويل، ومن الشيط الذي هو الإسراع في الاحتراق والسمن، فهو من المعنيين مشتق كلفظ الإنسان والملائكة. . . وذكر الحق تعالى الإزلال منه باسمه الشيطان، لا باسمه إبليس، لما في معنى الشيطنة من البعد والسرعة التي تقبل التلافي، ولما في معنى الإبلاس من قطع الرجاء، فكان في ذلك بشرى استدراك آدم بالتوبة”45.

كان الشيخ الحرالي مرهف الإحساس بلغة القرآن، كما هو واضح من النماذج السابقة. وكان هذا الإحساس ثمرة انطباق كلية لغة القرآن على التجربة الذاتية الصوفية التي عاشها الشيخ. انطباق انتهى إليه بعد مجاهدة طويلة للنفس، وزهد “كان فيه حقيقيا بالباطن والظاهر”46.

وهكذا ترى الشيخ الحرالي في هذه النصوص، وفي غيرها وهي كثيرة، مولعا بالبحث في أصول الكلمات، يستجلي من خلالها أسرار معاني التنزيل. كان يدرك أن الطريق إلى مقاربة هذه الأسرار فقه اللسان، وطهارة الجنان. كان الاشتقاق والاستعمال، وملاحظة انتقال الدلالة من المحسوس إلى المجرد، أو من الخاص إلى العام، أو من المحدود إلى الموسع عبر المشابهة أو المجاورة أو من طرق الاستعارة والمجاز، كان كل أولئك وغيره مما لم نذكره، هاهنا47، مسوغات لغوية للقول بمعان غريبة، وفوائد بديعة تدل على إمامة الرجل في العربية، ورسوخ قدمه في علوم القرآن وعلوم الشريعة.

  1. السياق اللغوي والاجتماعي

يقوم التحليل الدلالي (Sémanalyse) على نظرية السياق (Contexte) كما حدد أصولها اللساني الإنجليزي فيرث (Firth). ويمكن أن نميز بين نوعين من السياق: سياق لغوي؛ وسياق اجتماعي أو ثقافي؛ فالسياق اللغوي يشمل العلاقات الركنية في المحور النظمي (Syntagmatique)، ويدخل فيه التضام وكل ما يربط بين كلمتين أو أكثر في سياق لغوي. أما السياق الاجتماعي فيضم كل ما يتعلق بالموقف من التنغيم في النطق والزمان والمكان ومكانة المتحدث، ومكانة المخاطب والعلاقة بينهما، وطبيعة الموضوع، وما يحيط بالموقف من عناصر مادية، وأخرى معرفية48.

ويرى أصحاب نظرية السياق أن “معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى. وإن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها”49.

وفي تفسير الشيخ الحرالي نجد توظيفا لأغلب آليات نظرية السياق كما بسطها اللسانيون المحدثون، ولكن تأسيسا على الاعتقاد في قداسة القرآن الكريم وعلو بيانه. ويمكن أن نتبين من خلال نصوصه في التفسير أن اللفظ في منهجه علامة لا يستوفى معناها بمعزل عن سياق واسع يشمل اللغوي والثقافي؛ وإذا لم يراع فلا تدرك دلالة اللفظ الظاهرة فضلا عن إشارته وإيحائه.

ومفهوم الوحدة الدلالية في نظرية السياق هو عند الشيخ الحرالي مفهوم “خطاب”، و”آيات”. فالقرآن عبارة عن:

أ. وحدات دلالية كبرى، ويسميها الحرالي خطابات، وجوامع تقع متجاورة، أي: متناسقة، بعضها ببعض.

ب. ووحدات دلالية صغرى، أي: آيات، تنتظم متجاورة فيما بينها آخذ بعضها بحجز بعض.

 ويكاد بحث الحرالي الدلالي ينحصر، كما هو واضح من نصوصه في التفسير، في بيان روابط تضام هذه الوحدات الدلالية.

السياق اللغوي

والسياق اللغوي هو السياق النصي، أي: الكلمات أو الجمل التي تجاور كلمة أو جملة ما داخل النص. وحين نتبين هذه المجاورة ندرك كثيرا من معاني النص وأسراره. وقد كان من أكبر اهتمام الشيخ الحرالي في تفسيره بيان التناسب في النظم القرآني، وقد “أبدى فيه من مناسبات الآيات والسور، ما يبهر العقول، وتحار فيه الفحول، وهو رأس مال البقاعي، ولولاه ما راح ولا جاء، لكنه لم يتم، ومن حيث وقف، وقف حال البقاعي في مناسباته”50.

القرآن نسق لغوي كلي

وكان مذهب الشيخ الحرالي أن خطاب القرآن نسق لغوي كلي. يشير بصدد تفسير قوله جل وعز: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يومنون) (البقرة: 87) إلى أن القرآن أعقب استكبارهم اللعن، كما كان في حق إبليس مع آدم، عليه السلام، فانتظم صدر هذه السورة إظهار الشيطنتين من الجن والإنس الذي انختم به القرآن في قوله: (من الجنة والناس) (الناس: 6) ليتصل طرفاه فيكون ختما لا أول له ولا آخر، والفاتحة محيطة به، لا يقال هي أوله ولا آخره. ولذلك ختم بعض القراء51 بوصله حتى لا يتبين له طرف، كما قالت العربية، لما سئلت عن بنيها: هم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها52.

القرآن الكريم في آياته وخطاباته متصل طرفاه، ترتيبه حرف حرف ولفظ لفظ وآية آية وسورة سورة معجز، أو بعبارة الحرالي وغيره من المفسرين والبلاغيين “نظم القرآن، على ما هو عليه، معجز”53.

وقد يستبعد بعض ممن يقرؤون القرآن على عجل هذا الانتظام العجيب المعجز. فالآيات القرآنية، كما يرون ليست مبنية، حتى في السورة الواحدة، على موضوع واحد، وإنما تتوزع عادة بين مجموعة غير قليلة من الموضوعات. فأين، إذن، هذا الانتظام؟

لا يفوت الإمام الحرالي أن يوضح، جوابا على التساؤل الآنف، ببيانه المبهر، وجه انتظام الموضوعات القرآنية إلى حد الإعجاز. حيث يرجع هذه الموضوعات إلى جوامع ثلاث، وهي “صلاح الدين والدنيا والمعاد”54، ثم يبين وجه اختيار القرآن أن تأتي معانيه متنوعة، في وحدات دلالية كبرى، أو قل باصطلاحه في خطابات أو جوامع، متعددة. وما ذلك إلا ليكون قلب المتلقي بها أجمع، ونفسه إليها أشوق. يوضح رحمه الله ذلك فيقول: “لما كان منزل القرآن لإقامة الأمور الثلاثة التي بها قيام المخاطبين به وهو صلاح دينهم، وهو ما بين العبد وربه، من عمل أو إلقاء بالسلم إليه؛ وإصلاح دنياهم، وهو ما فيه معاش المرء؛ وإصلاح آخرتهم، وهو ما إليه معاده؛ كان لذلك منزل القرآن مفصلا بأحكام تلك الأمور الثلاثة، فكان شذرة للدين، وشذرة للدنيا، وشذرة للآخرة، فلما كان في صدر هذا الخطاب (يأيها الناس كلوا مما في الاَرض حلالا طيبا) (البقرة: 167) وهو خطاب للملوك، ومن تبعهم من رؤساء القبائل، ومن تبعهم، انتظم به بعد ذلك حكم من أحكام أهل العلم ومن تبعهم في قوله تعالى: (إن الذين يكتمون) (البقرة: 173) ثم انتظم به ذكر أحوال الرشى من الراشي والمرتشي، ليقع نظم التنزيل ما بين أمر في الدين، ونهي في الدنيا، ليكون ذلك أجمع للقلب في قبول حكم الدنيا عقب حكم الدين، ويفهم حال المعاد من عبرة أمر الدنيا، فلذلك تعتور الآيات هذه المعاني، ويعتقب بعضها لبعض، ويتفصل بعضها لبعض، كما هو حال المرء في يومه وفي مدة عمره، حيث تعتور عليه أحوال دينه ودنياه ومعاده، يطابق الأمر الخلق في التنزيل والتطور”55.

انتظام الوحدات الدلالية الكبرى أو انتظام خطابات القرآن

“وانتظام القرآن إنما ينتظم رأس الخطاب فيه برأس خطاب آخر يناسبه في جملة معناه، وينتظم تفصيله بتفصيله”56 من ذلك ما يبينه الشيخ الحرالي عند الآية الكريمة (ما ننسخ من اية اَو ننسها نات بخير منها اَو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة: 105) وهي آية يعدها الحرالي من جوامع آي الفرقان، وبعد أن يفصل في تفسيرها يقول: “وهو في الحقيقة خطاب جامع لتفصيل ما يرد من النسخ في تفاصيل الأحكام والأحوال، بمنزلة الخطاب المتقدم في صدر السورة المشتمل على جامع ضرب الأمثال في قوله تعالى: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما) (البقرة: 25)، وذلك لأن هذه السورة (البقرة) هي فسطاط القرآن الجامعة لجميع ما تفصل فيه، وهي سنام القرآن، وسنام الشيء أعلاه، وهي سيدة سور القرآن، ففيها لذلك جوامع؛ (خطابات) ينتظم بعضها ببعض إثر تفاصيله خلالها في سنامية معانيها، وسيادة خطابها، نحوا من انتظام آي سورة الفاتحة المنتظمة من غير تفصيل وقع أثناءها، ليكون بين المحيط الجامع والابتداء الجامع مشاكلة ما”57.

وعند قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) (البقرة: 53) قال رحمه الله: “لما تكمل إقبال الخطاب عليهم مرات، بما تقدم من ندائهم والعطف على ما في صلته، صرف الحق وجه الخطاب عنهم إلى ذكر خطاب نبيه، صلى الله عليه وسلم، لهم، فإن الله يخاطب العباد بإسقاط الواسطة بينه وبينهم، ترفيعا لأقدارهم لديه، فيرفع من شاء فيجيبه بما شاء، فيجعل بينه وبينهم في الخطاب واسطة من نبيه، فلما قررهم بما مضى من التذكير على ما واجههم به الحق تعالى، ذكر في هذه الآية تقريرهم على ما خاطبهم به نبيهم، حين أعرض الحق عن خطابهم بما أصابوه من قبيح خطيئتهم”58.

انتظام الوحدات الدلالية الصغرى أو انتظام الآيات القرآنية

وكما تتناسق خطابات القرآن، تتناسق كذلك آياته، وذلك “لأن في كل آية معنى تنتظم به بما قبلها، ومعنى تتهيأ به للانتظام بما بعدها، وبذلك كان انتظام الآي داخلا معنى الإعجاز الذي لا يأتي الخلق بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا”59.

وقد كان البحث في تناسب آي القرآن في تفسير الشيخ الحرالي من وسائل استجلاء المعنى وأسرار النظم القرآني. كانت ملاحظة الروابط اللغوية، وترتيب النزول، والتطور الروحي للأمة، ومقارنة الآيات بعضها ببعض، تبعا لقاعدة القرآن يفسر بعضه بعضا، كان كل أولئك وغيره مما يستلهمه الشيخ في إبراز وجوه انتظام الآي. من ذلك أنه يبين وجه مناسبة الآية الكريمة (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاَقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) (البقرة: 213) والآية الكريمة التي تليها: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 214) فيبرز بفهمه الفطن وجه انتظام هاتين الآيتين في سياق واحد، والذي به يتضح المعنى أكثر، فيقول: “وقد كان من أول منزله، أي: القتال: (أذن للذين يقاتلون) (الحج: 37) فكان الأول إذنا لمن شأنه المدافعة عن الدين بداعية من نفسه، من نحو ما كانت الصلاة قبل الفرض واقعة من الأولين بداعية من حبهم لربهم، ورغبتهم إليه في الخلوة به، والأنس بمناجاته، فالذين كانت صلاتهم حبا، كان الخطاب لهم إذنا… فلما اتسع أمر الدين، ودخلت الأعراب والأتباع الذين لا يحملهم صدق المحبة للقاء الله على البدار للجهاد، نزل كتبه، كما نزل فرض الصلاة استدراكا فقال: (كتب عليكم القتال)، عليكم، أي: أيتها الأمة، القتال. وكان في المعنى راجعا لهذا الصنف الذين يسألون عن النفقة، وبمعنى ذلك انتظمت الآية بما قبلها، فكأنهم يتبلدون في الإنفاق تبلدا إسرائيليا، ويتقاعدون عن الجهاد تقاعد أهل التيه منهم، الذين قالوا: (فاذهب أنت وربك فقاتلا) (المائدة: 26)”60.

السياق الاجتماعي أو السياق المقامي

يتحدد معنى الكلمة، إذن، في التحليل الدلالي بعلاقاتها مع الكلمات الأخرى في السلسلة الكلامية؛ لكن السياق اللغوي قد يكون غير كاف لتمييز معاني الكلمات، فلا بد من مراعاة الموقف الذي يقال فيه الكلام أي الظروف والملابسات التي يحدث فيها السياق، ومعرفة المتكلم والمخاطب، وطبيعة العلاقة بينهما. وهذا ما يعرف بالسياق الاجتماعي (Contexte de situation) في علم الدلالة، كما تقدم. أو السياق المقامي أو القرينة الحالية أو المعنوية في البلاغة العربية.

وقد كان التحليل الدلالي في تفسير الإمام الحرالي يشمل إلى جانب مراعاة السياق اللغوي، الاهتمام أيضا بالسياق المقامي، أو السياق الاجتماعي بعبارة علماء الدلالة؛ حيث كان ينبه إلى ضرورة التعرف إلى المتكلم بخطاب القرآن، وهو الله سبحانه وتعالى، وذلك بالإحاطة بمعاني أسمائه الحسنى وصفاته العليا، كما وردت في نظم القرآن. فإن لمواقع الأسماء الحسنى في نظم القرآن معان سامية، ومن لم يتفطن لهذه المواقع لم يبن له خطاب الله، من خطاب الرحمن، من خطاب الملك الديان. “وذلك لسر من أسرار العلم بمواقع معاني الأسماء الحسنى في ما يناسبها من ضروب الخطاب والأحوال والأعمال، وهو من أشرف العلم الذي يفهم به خطاب القرآن، حتى يضاف لكل اسم ما هو أعلق في معناه وأولى به، وإن كانت الأسماء كلها ترجع معاني بعضها لبعض”61.

فمن تفطن لمواقع الأسماء الحسنى في نظم القرآن استوضح من تفصيل بيان القرآن الختم، واستنبأ من الختم التفصيل، كما في هذه الآية الكريمة (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) (البقرة: 172) حيث يبين الشيخ الحرالي أن هذا الحكم علل مرهبا ومرغبا بقوله: (إن الله) فأتى بهذا الاسم المحيط إشارة إلى عموم هذا الحكم للمضطر والموسع. وفي قوله: (غفور) إشعار بأنه لا يصل إلى حال الاضطرار إلى ما حرم عليه أحد إلا عن ذنب أصابه، فلولا المغفرة لتممت عليه عقوبته، لأن المؤمن أو الموقن لا تلحقه ضرورة، لأن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، وعبد الله لا يعجزه ما لا يعجز ربه (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) (الروم: 48) فاليأس الذي يحوج إلى ضرورة إنما يقع لمن هو دون رتبة اليقين، ودون رتبة الإيمان، “جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم، جيشا ففنيت أزوادهم، فأقاموا أياما يتقوتون بيسير حتى تقوتوا بتمرة تمرة، فأخرج الله لهم العنبر دابة من البحر فلم يحوجهم في ضرورتهم إلى ما حرم عليهم، بل جاءهم في ضرورتهم بما هو أطيب مأكلهم في حال السعة من صيد البحر، الذي هو الطهور ماؤه الحل ميتته وفي قوله: (رحيم) إنباء بأن من اضطر فأصاب مما اضطر إليه شيئا لم يبغ فيه ولم يعد، تناله من الله رحمة توسعة من أن يضطر بعدها إلى مثله، فيغفر له الذنب السابق الذي أوجب الضرورة، ويناله بالرحمة الموسعة التي ينال بها من لم يقع منه ما وقع ممن اضطر إلى مثله”62.

وأما المخاطب؛ أي المتلقي فقد حضي في نظرية الحرالي بعناية خاصة، وذلك لمكانته في عملية فهم الخطاب. فعلى قدر التزكية وتحصيل العلم والحكمة تتنامى نفس المتلقي بأحكام القرآن وآدابه ترقيا في درجات الإيمان، وإقبالا على روح الخطاب، وفق أسنان قلبية، تنبئ عن مدى استشعاره مواقع آي القرآن من نفسه. ولذلك يتفاوت خطاب القرآن بحسب كنه ذات الإنسان، وقربه أو بعده من الخطاب سماعا ومحاضرة. فخطاب “الناس” وخطاب “الذين ءامنوا” وخطاب “المومنين”، وخطاب “المومنين حقا”، وخطاب “المحسنين”، وخطاب “الموقنين” كل خطاب من هذه الخطابات يقع على سن من أسنان القلوب “وليس يقع على عموم يشمل جميع الأسنان القلبية، فتوهم ذلك من أقفال القلوب التي تمنع تدبر القرآن”63.

ففي الآية الكريمة: (يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 182) إنما خاطب القرآن “بما يتوجه بادئ بدء إلى أدنى الطبقات التي التزمت أمر الدين؛ لأنه لم يكن لهم باعث حب وشوق يبعثهم على فعله من غير فرض، بخلاف ما فوقهم من رتبة المومنين والمحسنين، فإنهم كانوا يفعلون معالم الإسلام من غير إلزام. فكانوا يصومون على قدر ما يجدون من الروح فيه”64.

ومراعاة رتب المخاطبين مما يفتح باب الفهم، حسب نظرية الحرالي، والتي كانت تعنى بالمخاطب من نواح أربع، كما أوضحها البيان القرآني، وهي:

الناحية الأولى: تطور الإنسان بترقيه في درج الإيمان أو ترديه في درك الكفران.

الناحية الثانية: إضافة الآيات القرآنية إلى قلب المتلقي حسب أسنان قلبية معلومة مشهودة.

الناحية الثالثة: لكل قلب خطاب إقبال أو خطاب إعراض على حسب درجة علاقته بنص الخطاب.

الناحية الرابعة: مدى إحساس المتلقي وتوحده، علما وعملا وحالا، بنص الخطاب65.

كما كان الإمام الحرالي يقدر أيضا في كشف المعنى الموقف الذي نزل فيه القرآن، أي: الظروف والأحوال التي يحدث فيها السياق، وهو ما يعرف عند علماء أصول الفقه والمفسرين بأسباب النزول. والقاعدة عندهم “أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”. وكان الشيخ الحرالي يفيد من جميع المواقف التي يمر منها المجتمع الإسلامي إبان نزول الوحي، سواء على مستوى التطور الروحي للأمة، أو على مستوى أطوار الدعوة، أو على مستوى الأحداث التي يعيشها الأفراد، فيتنزل القرآن موجها هاديا إلى التي هي أقوم. ففي تفسير قوله عز وجل: (ألم تر إلى الملإ من بني إسراءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيء لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) (البقرة: 244) يستنبط الحرالي معنى يستوحيه من أحوال عاشها الصحابة رضي الله عنهم عقب وفاة رسول الله صلى عليه وآله وسلم، قال رحمه الله: “وفيه؛ (أي قوله تعالى: (من بني إسراءيل من بعد موسى)) إيذان بأن الأمة تختل بعد نبيها، بما يصحبها من نوره زمن وجوده معهم، قالوا: “ما نفضنا أيدينا من تراب رسول الله صلى عليه وسلم، حتى أنكرنا قلوبنا”66.

وفي تفسير قوله تعالى: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) (البقرة: 186) قال الحرالي: ففيه يسر من حيث لم يؤاخذوا بذنب حكم خالف شرعة جبلاتهم، فعذرهم بعلمه فيهم، ولم يؤاخذوهم بكتابه عليهم، وفي التوب رجوع إلى مثل الحال قبل الذنب، “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”67. وكانت هذه الواقعة لرجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار68، ليجمع اليمن في الطائفتين فإن أيمن الناس من وقع في مخالفة فيسر الله حكمها بوسيلة مخالفته، كما في هذه الآية التي أظهر الله سبحانه وتعالى الرفق فيها بهذه الأمة، من حيث شرع لها ما يوافق كيانها، وصرف عنها ما علم أنها تختان فيه لما جبلت عليه من خلافه”69

وخلاصة القول لقد كانت المعاني الإيحائية التي لاحت للشيخ الحرالي من آي القرآن معان مستنبطة، كما رأينا آنفا، من الدلالة القرآنية الجامعة لنبأي الإفصاح والإفهام، ومن ملاحظة التطور الدلالي للألفاظ، ومن السياق اللغوي، والسياق المقامي. وقد بالغ الإمام الذهبي في وصفه تفسير الحرالي بأنه “عمل تفسيرا عجيبا ملأه باحتمالات لا يحتملها الخطاب العربي أصلا”70، فهو حكم يخالف ما تشهد به نصوص تفسير الحرالي المتوفرة، فلم أر فيه من معنى سوى أن يكون صاحبه ممن يرفضون الفهم الإشاري للقرآن، أو يكون قد اطلع على نصوص أخرى لم تصلنا؛ ورغم ذلك فإن ما دبجه قلم الحرالي من قوانين الفهم في كتبه الثلاثة المفتاح والعروة والتوشية لمما يدفع هذا الحكم.

لقد توسلنا بعلم الدلالة الحديث للكشف عن البعد الدلالي في تفسير الشيخ الحرالي، على نحو سمح لهذه الصلاحية الإجرائية أن تبرز، وبالقدر الذي تفيد نصوص الشيخ، كثيرا من القواعد والفوائد التي يكتنزها هذا التفسير، مما يسهم، ولا شك، في بناء علم الدلالة العربي. لقد عكفنا على دراسة الشعر وشروحه، ولم نعر الاهتمام نفسه للكتاب العزيز وشروحه، ففاتنا بذلك مورد عذب في إقامة بناء نظرية لغوية حديثة.

الهوامش

  1. ينظر: عبد الرحيم مرزوق، تفسير أبي الحسن الحرالي المراكشي، نظرية ومنهج في التفسير الصوفي. مجلة الحياة الطيبة، بيروت: مؤسسة الحوزات والمدارس العلمية، العدد 13 السنة 4، (1424ﻫ/2003م)، ص213-240.
  2. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، القاهرة: عالم الكتب، 1993م، ص11.
  3. فايز الداية، علم الدلالة العربي، النظرية والتطبيق، دمشق: دار الفكر، ط2، (1417ﻫ/1996 م)، ص6.
  4. الحرالي، الحكم 118. تحقيق: جورج كتورة، مجلة الباحث، بيروت العدد 3، أكتوبر 1978م.
  5. الحرالي، نصوص من تفسيره المفقود 92 ضمن تراث أبي الحسن الحرالي المراكشي في التفسير، تحقيق: محمادي عبد السلام الخياطي، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، (1418ﻫ/1997م)، ص92.
  6. نفسه، 517.
  7. مصطفى ناصف، مسؤولية التأويل، القاهرة: دار السلام، ط1، (1425ﻫ/2004م)، ص134.
  8. ديفيد ديتشيس، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، 469 – 470، نقلا عن فايز الدية، م. س 190.
  9. عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة 117. عالم المعرفة. 272. الكويت.
  10. الحرالي، مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل 29 ضمن تراث الحرالي في التفسير.
  11. نفسه، 32.
  12. نفسه، 28.
  13. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 145.
  14. الحرالي، مفتاح الباب المقفل، م، س، 31.
  15. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 404.
  16. نفسه، 516.
  17. العقل كما يعرفه الحرالي هو “إدراك حقائق ما نال الحس ظاهره. ” نصوص من تفسيره 207 ويميز الحرالي بين ما يسميه ظاهر العقل وبين باطن العقل أو روح العقل أو لب العقل، ويعبر عنه أيضا بالقلب. فشأن باطن العقل “أن يلحظ أمر الله في المشهودات، كما أن شأن ظاهر العقل أن يلحظ الحقائق من المخلوقات. ” نصوص من تفسيره 331.
  18. نفسه، 266.
  19. نفسه، 238.
  20. نفسه، 304.
  21. نفسه، 515.
  22. الحرالي، الحكم. م. س. 118.
  23. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 349.
  24. الحرالي، مفتاح الباب المقفل، م، س، 27.
  25. نفسه، 31.
  26. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 537.
  27. نفسه، 504.
  28. الحرالي، م. س. 259.
  29. الشاطبي، الموافقات، تحقيق: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت. د. ت،ج 3/382.
  30. الحرالي، مفتاح الباب المقفل، م، س، 26.
  31. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 509.
  32. نفسه، 184.
  33. طه عبدالرحمن: العمل الديني وتجديد العقل، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2000، ص26.
  34. الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج 3/158 الدار التونسية للنشر. د. ت.
  35. الحرالي، نصوص من تفسيره.
  36. نفسه، 184.
  37. نفسه.
  38. نفسه، 377.
  39. نفسه، 199.
  40. نفسه، 530.
  41. نفسه، 379.
  42. نفسه، 239.
  43. نفسه، 360.
  44. نفسه، 159.
  45. نفسه، 196-197.
  46. بدر الدين القرافي، توشيح الديباج وحلية الابتهاج، تحقيق: أحمد الشتيوي. دار الغرب الإسلامي. ط1، 1983، ص: 164. الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج: 9/104.
  47. لم نأت، مخافة الإطالة، على تحليل كثير من القضايا الدلالية كاللفظ المشترك والفروق اللغوية وغيرهما.
  48. أحمد محمد قدوري، مقدمة لدراسة التطور الدلالي في العربية الفصحى في العصر الحديث، عالم الفكر الجلد السادس عشر. العدد الرابع، 1986، ص31.
  49.  أحمد مختار عمر، م. س. 68.
  50. المناوي عبد الرؤوف، الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، ص123. تحقيق: د. عبد الحميد صالح حمدان. المكتبة الأزهرية للتراث، مصر. د. ت. مرتضى الزبيدي، تاج العروس، ج 14/147، مادة “حرل” تحقيق: علي سيري، بيروت: دار الفكر، 1994.
  51. يقصد حمزة أحد القراء السبعة الذي كان يقرأ القرآن من غير بسملة بين السورتين، فكأن القرآن عنده كالسورة الواحدة.
  52. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 239.
  53. نفسه، 152.
  54. في كتاب “عروة المفتاح” يربط الحرالي هذه الجوامع الثلاثة بحديث الأحرف السبعة، فيذكر أنه في كل صلاح إقدام وإحجام، فتصير الثلاثة الجوامع ستة مفصلات هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح النبي صلى الله عليه وسلم يستزيدها من ربه حرفا حرفا، فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعا فردا لا زوج له، فتم إنزاله على سبعة أحرف. ينظر تفصيل ذلك في “العروة” 56 – 117، ضمن تراثه في التفسير.
  55. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 361-362.
  56. نفسه، 224.
  57. نفسه، 250.
  58. نفسه، 217.
  59. نفسه، 188.
  60. نفسه، 386.
  61. نفسه، 220.
  62. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 323.
  63. نفسه، 316.
  64. نفسه، 333.
  65. للاطلاع على تفصيل هذه النواح الأربع، ومكانة المتلقي في نظرية الفهم عند الحرالي، ينظر دراستنا المنشورة في مجلة الحياة الطيبة، المشار إليها أعلاه، من ص 222 إلى 230.
  66. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 426.
  67. ابن ماجة، السنن، باب ذكر التوبة، رقم 4240. والحديث حسن كما قال الألباني في صحيح وضعيف ابن ماجة.
  68. وهما عمر بن الخطاب وصرمة بن قيس الأنصاري، ينظر تفسير ابن كثير ج 1/192.
  69. الحرالي، نصوص من تفسيره، م، س، 352.
  70. الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق: بشار عواد معروف. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط4، 1986، ج 23/47
Science
الوسوم

د. عبد الرحيم مرزوق

أستاذ الدراسات القرآنية

كلية الآداب بالجديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق