المفاضلة بين العشر الأول من شهر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا أياما مباركات، فيها يضاعف الأجر والثواب، وفيها تتنزل الرحمات، ومن هذه الأيام: العشر الأول من شهر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان؛ وهما من الأيام التي تبث فضلها بنص القرآن والسنة. لأجل ذلك جاء هذا المقال ليبين أفضلية هذه الأيام من خلال الآتي:
أولا: فضل العشر الأول من شهر ذي الحجة من خلال القرآن والسنة:
ثانيا: فضل العشر الأواخر من شهر رمضان من خلال القرآن والسنة:
ثالثا: المفاضلة بين العشر الأول من شهر ذي الحجة والعشر الأواخر من شهر رمضان
وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق
أولا: فضل العشر الأول من شهر ذي الحجة من خلال القرآن والسنة:
لقد ورد في فضل العشر الأول من شهر ذي الحجة آيات وأحاديث عديدة؛ ففي القرآن الكريم قول الله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) [1]، قال ابن عباس وغيره: " الأيام المعلومات أيام العشر"[2] ،وقول الله تعالى: (والفجر وليال عشر)[3]، قال ابن كثير: "المراد بها: عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف"[4].
ومن السنة النبوية أذكر ثلاثة أحاديث في الباب وهي:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله لم يرجع من ذلك بشيء "[5] .
وحديث جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة ". قال : فقال رجلٌ : يا رسول الله هن أفضل أم عِدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : " هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله "[6] .
وحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عمل أزكى عند الله –عز وجل- ولا أعظم أجراً، من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ . قال : " ولا الجهاد في سبيل الله –عز وجل- إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء، قال وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه "[7] .
ثانيا: فضل العشر الأواخر من شهر رمضان من خلال القرآن والسنة:
لقد خص الله تعالى العشر الأواخر من شهر رمضان بمزيد الفضل وعظيم الأجر، وفيها ليلة تعد من أفضل الليالي وهي "ليلة القدر المباركة".
ولفضل هذه الأيام المباركات -ومنها ليلة القدر- ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون حرصا فيها على الطاعة، والعبادة ،والقيام، والذكر، والدعاء ...الخ.
هذا وقد وردت أدلة من الكتاب والسنة تبين هذا الفضل وتؤكده ؛ فمن القرآن أذكر قول الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) [8] .
ومن الأحاديث النبوية أذكر ثلاثة أحاديث وهي :
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"[9].
حديث أبي هريرة رضي الله عنه " فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم"[10].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه "[11]”.
ثالثا: المفاضلة بين العشر الأول من شهر ذي الحجة والعشر الأواخر من شهر رمضان:
إن الذي قرره جمع من أهل العلم في شأن المفاضلة بين العشر الأول من شهر ذي الحجة والعشر الأواخر من شهر رمضان؛ أن ليالي العشر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، ونهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار عشر رمضان؛ لأن في ليالي العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر التي هي أفضل الليالي وخير من ألف شهر، وفي أيام عشر ذي الحجة يوم عرفة الذي يباهي الله تعالى بالحجاج ملائكته كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا"[12]”.
قال ابن تيمية رحمه الله: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة"،قال ابن القيم: "وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا فإنه ليس من ايام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة " [13]”.
وخير ما أختم به الكلام ما جاء في النصيحة الكافية شرح الزروقية قال: "وقال أبو أمامة بن النقاش: فإن قلت : أيهما أفضل: عشر ذي الحجة أو العشر الأخيرة من رمضان ؟ فالجواب: إن أيام عشر ذي الحجة أفضل لاشتمالها على اليوم الذي ما رئي الشيطان في يوم غير يوم بدر أزجر ، ولا أغيظ منه فيه ، وهو يوم عرفة، ولكونه يكفر بصيامه سنتين؛ ولاشتمالها على أعظم الأيام حرمة عند الله ، وهو: يوم النحر الذي سماه الله تعالى: يوم الحج الأكبر، وليالي عشر رمضان الأخيرة أفضل؛ لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر[14]” .
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:
ورد في فضل العشر الأول من شهر ذي الحجة آيات وأحاديث نبوية عدة وقد أشرت إلى بعضها في المقال.
ورد في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان ومنه ليلة القدر آيات وأحاديث نبوية شريفة أشرت إلى بعضها في المقال.
قرر جمع من أهل العلم في المفاضلة بينهما : أن نهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار شهر رمضان، وليالي أواخر شهر رمضان أفضل من ليالي شهر ذي الحجة .
*******************
هوامش المقال:
[1] - سور الحج (27-28).
[2] - تفسير ابن كثير (5 /415).
[3] - سورة الفجر (1-2).
[4] - تفسير ابن كثير (8/ 390).
[5] - سنن أبي داود (4 /102 )، برقم: (2438).
[6] - صحيح ابن حبان (9/ 164) برقم: (3853).
[7] - سنن الدارمي (2/ 41) رقم: (1774).
[8] - سورة القدر (1-3).
[9] - أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 526)، كتاب: الإعتكاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، برقم: (1175)
[10]- أخرجه أحمد في مسنده (15 /302)، برقم: (9497)، و النسائي (2/ 66)، كتاب: الصيام، برقم: (2416)..
[11]- أخرجه البخاري في صحيحه (2 /31)، كتاب: الصوم، باب: من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية، برقم: (1901)، ومسلم في صحيحه (1/ 343)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم: (759)، واللفظ للبخاري.
[12]- مسند أحمد (11 /660)، برقم: (7089).
[13]- نقلا من مجموع فتاوى ابن تيمية (15 /30).
[14]- شرح النصيحة الكافية ( 2/ 519).
*********************
لائحة المصادر والمراجع:
تفسير القرآن العظيم. لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي . تحقيق: سامي بن محمد السلامة. دار طيبة. الرياض. ط2/ 1420 هـ- 1999مـ.
الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.
سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية. 1430هـ- 2009مـ .
سنن الدارمي. لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي . حقق نصه وخرج أحاديثه وفهرسه: فؤاد أحمد زمرلي – خالد السبع العلمي. نشر قديمي كتب خانه (د.ت).
سنن النسائي الكبرى. أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق : د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن دار الكتب العلمية – بيروت. ط1/ 1411-1991.
شرح النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية. لأحمد زروق والشرح للشيخ محمد بن عبد الرحمن بن زكري . تحقيق وتخريج وتعليق: عاصم إبراهيم الكيالي الشاذلي الدرقاوي. دار الكتب العلمية (د. ت).
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان علاء الدين علي بن بلبان الفارسي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة بيروت (د.ت).
صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.
مجموع الفتاوى. لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. تحقيق: عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. (د.ت).
المسند. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. (ج15)ط2/ 1420-1999. (ج11) ط1/ 1417هـ- 1997مـ
*راجع المق الباحث: محمد إليولو