مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

المغسول -دراسة مصطلحية نقدية-

تمهيد:
لعل أول خطوة إلى التراث البلاغي كما يقول الدكتور أحمد مطلوب هي دراسة مصطلحات البلاغة وتطورها وإبرازها بثوبها العربي الأصيل، وكذلك الأمر بالنسبة للتراث النقدي، لأن البلاغة أول ما نشأت كانت متداخلة مع النقد وصَعُبَ التفريق بينهما في البداية إلى أن استقل كُلٌّ منهما بمصطلحاته الخاصة.
والبحث في المصطلح «بحث في عمق الذات، والتدقيق فيه تدقيق في العلم بالذات، ذلك بأنه يتعلق ماضيا بفهم الذات، وحاضرا بخطاب الذات، ومستقبلا ببناء الذات»(1). 
ومصطلح الكلام المغسول هو من ضمن المصطلحات البلاغية والنقدية التي لم يُصَغْ لها تعريف دقيق في المصادر العربية يحسن الوقوف عليه « وكان المصطلح البلاغي يأخذ معناه العلمي الدقيق كلما ظهر ألمعي له قدرة على وضع الحدود وصياغة التعريفات»(2).
 

تمهيد:

لعل أول خطوة إلى التراث البلاغي كما يقول الدكتور أحمد مطلوب هي دراسة مصطلحات البلاغة وتطورها وإبرازها بثوبها العربي الأصيل، وكذلك الأمر بالنسبة للتراث النقدي، لأن البلاغة أول ما نشأت كانت متداخلة مع النقد وصَعُبَ التفريق بينهما في البداية إلى أن استقل كُلٌّ منهما بمصطلحاته الخاصة.

والبحث في المصطلح «بحث في عمق الذات، والتدقيق فيه تدقيق في العلم بالذات، ذلك بأنه يتعلق ماضيا بفهم الذات، وحاضرا بخطاب الذات، ومستقبلا ببناء الذات»(1).

 ومصطلح الكلام المغسول هو من ضمن المصطلحات البلاغية والنقدية التي لم يُصَغْ لها تعريف دقيق في المصادر العربية يحسن الوقوف عليه « وكان المصطلح البلاغي يأخذ معناه العلمي الدقيق كلما ظهر ألمعي له قدرة على وضع الحدود وصياغة التعريفات»(2).

وكنت قد اطَّلعت على كتاب «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها» للدكتور أحمد مطلوب، وعَجِبْتُ كيف أنه لم يلتفت إلى هذا المصطلح، مع أنه ذَكَرَ أنه جمع ألفا ومائة من المصطلحات، إضافة إلى أنه من مصطلحات الشيخ عبد القاهر الجرجاني، الذي قال عنه «كان من أكثر البلاغيين دِقَّةً في المصطلح وضبطا للقاعدة ورسما للأصول، فقد استطاع بعبقريته الفذة أن يؤلف كتابيه «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة» اللذين كانا عمدة البلاغيين»(3).  

لذلك آثرت أن أُفْرِدَ هذا المصطلح ببحث خاص يبحث في معناه اللغوي والاصطلاحي والعلاقة بينهما، ويتتبع المسير التاريخي للمصطلح ليكون هذا العمل بذرة من البذور التي تسهم في إغناء المعجم البلاغي التراثي العربي. 

1- المعنى اللغوي:

جاء في «القاموس المحيط» مادة -غسل- ما يلي: «غَسَلَهُ يَغْسِلُهُ غَسْلًا، ويضم، أو بالفتح مصدر، وبالضم اسم، فهو غَسِيل ومَغْسول، ج: غَسْلى وغُسَلاء، وهي غَسِيل وغَسِيلَة، ج: كسكارى»(4)، ولم يذكر الفيروزآبادي كما ترى الدلالة المعجمية لهذه المادة وإنما اكتفى بإيراد الأوزان التي تأتي عليها في صيغتي المفرد والجمع. 

وفي شرح الزبيدي في « تاج العروس» بالإضافة إلى هذه الدلالة المعجمية دلالة أخرى اصطلاحية، يقول: «وكلامُه مَغْسُولٌ، كَمَا تقولُ عُرْيان وساذَج، للَّذي لَا يُنَكِّتُ فِيهِ قائِلُه، كأنّما غُسِلَ من النُّكَتِ والفِقَرِ غَسْلًا، أَو من حَقِّهِ أَن يُغْسَلَ ويُطمَس، وَقد يكون المَغْسولُ كِنايةً عَن المُنَقَّحِ المُهَذَّبِ من الكَلَام»(5)، ونستفيد من هذا الكلام معنيين اثنيين:

- المغسول من الكلام هو ما غُسِلَ من النُّكَتِ. 

- المغسول من الكلام هو المُنَقَّحُ المُهَذَّبُ من الكلام.

ويظهر من كلامه أن المعنى الأول هو الأكثر استعمالا، أما الثاني فقليل بدليل ورودِهِ بصيغة التقليل.

2- مصطلح الكلام المغسول في كتب النقد والبلاغة:

يساعد التوثيق على معرفة مدى حضور كل قضية ومصطلح في النقد العربي عامة، أو لدى عنصر ما من المجموعات التي أسهمت فيه خاصة؛ معرفةً قد تسمح بتحديد متى وأين وُلِدَ كل مصطلح، وعلى يد من نَمَا وتَرَعْرَعَ، وإن انقرض فمتى وكيف(6).

لا بد ونحن نتحدث عن المصطلحات إضافة إلى عنصر التوثيق من أن نتتبع المسير التاريخي للمصطلح لمعرفة سياق ظهوره، وكذا تطوره الدلالي من ظهوره أول مرة إلى اليوم لأن المصطلحات تعرف تطورا كبيرا وملحوظا. 

ونقف على نص لأبي بكر الصولي(335هـ) في «أخبار أبي تمام» نظن أنه أول نص ظهر فيه هذا المصطلح، وهو كالتالي «ويصحح علم عَلِيٍّ بالشعر ما جاء به عبد الله بن الحسين قال، قال لي البحتري: دعاني علي ابن الجهم فَمَضَيْتُ إليه، فأفضنا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرنا أشجع السلمي، فقال لي: إنه يخلي، وأعادها مراتٍ ولم أفهمها، وأَنِفْتُ أن أسأله عن معناها، فلما انصرفت فكرتُ في الكلمة، ونظرتُ في شعر أشجع السلمي، فإذا هو ربما مَرَّتْ له الأبيات مغسولةً ليس فيها بيت رائع، فإذا هو يريد هذا بعينه، أنه يعمل الأبيات فلا يصيب فيها ببيتٍ نادرٍ، كما أن الرامي إذا رمى برشقه فلم يصب فيه بشيءٍ قيل أخلى»(7).

والمغسول من الشعر في هذا النص هو أن تمر أبيات كثيرة لا يوجد فيها بيت رائع أو نادر يسري مسرى المثل. ويعضُدُ تعريف الصولي ما ذكره التوحيدي (نحو 400 هـ) في ترجمة البديهي(8) يقول: «وكان البديهي هذا شاعرًا، وكان شهرزوريًا(9)، وكان مغسول الشعر، ما طَنَّ له بيت»(10)، والظاهر أن هذه الصفة التي أطلقها التوحيدي على شعر البديهي أضحت ملازمة له، فقد وجدناه في «المقابسات» يذكر البديهي بالصفة نفسِهَا، يقول بعد أن عَرَضَ كلاما لأبي سليمان في شعره: «كان أبو سليمان يستحسن للبديهي قوله:

لَا تَحْسُدَنَّ عَلَى تَظَاهُرِ نِعْمَةٍ          شَخْصًا تَبِيتُ لَهُ الْمَنُونُ بِمَرْصَدِ

أَوَلَيْسَ بَعْدَ بُلُوغِهِ آمَالَهُ            يُفْضِي إِلَى عَدَمٍ كَأَنْ لَمْ يُوجَدِ؟

لَوْ كُنْتُ أَحْسُدُ مَا تَجَاوَزَ خَاطِرِي       حَسَدَ النُّجُومِ عَلَى بَقَاءٍ سَرْمَدِي

فقال: ما أفلح البديهي قط إلا في هذه الأبيات؟ وصَدَقَ كان غَسِيلَ الشعر، سَرِيعَ الْقَوْل»(11).

والملاحظ أن البحتري والتوحيدي معا إذ يطلقون صفة المغسول فهما يريدان بذلك مغسول الشعر من جهة روعة الأبيات وندرة بعضها، وإنما كانت العرب تُحَبِّذُ البيت الذي يصير مثلا سائرا فيعرفون الفضل لقائله، ولذلك قال غير واحد من العلماء: الشعر ما اشتمل على المثل السائر، والاستعارة الرائعة، والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإنما لقائله فضل الوزن(12).

وقال الجاحظ: قيل لأبي المهوش: لم لا تطيل الهجاء؟ قال: لم أجد المثل النادر إلا بيتًا واحدا،  و لم أجد الشعر السائر إلا بيتًا واحدا(13).

ونقل صاحب «العمدة» عن الحاتمي قوله «وزعم أن حمادًا الراوية سُئِلَ: بأي شيء فضل النابغة؟ فقال: إن النابغة إن تمثلت ببيت من شعره اكتفيتَ به، مثل قوله:

حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً       وَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ(14)

بل لو تمثلت بنصف بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله «ليس وراء الله للمرء مذهب» بل لو تمثلت بربع بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله «أي الرجال المهذب؟»»(15).

ويبدو أن مصطلح المغسول في المصادر العربية لم يعد مرتبطا بالشعر أو الأبيات بل ارتبط أيضا ببعض العناصر التي تدخل في جوهر صناعة الشعر كما سوف نرى. 

وقد  التقط ابن رشيق صفة «مغسول الشعر» التي أُطْلِقَت على شعر أشجع كما رأينا في النص الذي نقله الصولي في «أخبار أبي تمام» فقال: «ولا ينبغي للشعر أن يكون أيضًا خاليًا مغسولًا من هذه الحلى فارغًا ككثير من شعر أشجع وأشباهه من هؤلاء المطبوعين جملة»(16)، فجعل المغسول من الشعر من جهة خلوه من الحلي، ورَبَطَهُ بالطبع.  

وذكر الباخرزي (467هـ) في « دمية القصر» في ترجمته لأبي الفضل جعفر بن الحسين الشّبيبيّ المكيّ حيث يقول: «شَابٌّ حَسَنُ الرُّوَاءِ والرِّوَايَةِ، رأيته بين يدي الشّيخ عميد الحضرة مُدْلِيًا إليه بِحُرْمَةِ العَرَبِيَّةِ، مُدِلًّا عليه بهذه الداليّة [السنيّة]، يُطْرِبُ الحاضرين بِنَشِيدِهَا، ويُرَقِّصُ ذَوَائِبَهُمْ بِأَغَارِيدِهَا. فمما التقطته منها أبيات في المديح معسولة، وإن كانت من الصّنعة مغسولة، وهي:

      تَوَلَّاكَ بِالْإِحْسَانِ عَنْ حُسْنِ خِبْرَةٍ          وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ بَعْدُ

          وَحُمِّلْتَ مَا حُمِّلْتَ لَا نَاهِضًا بِهِ           سِوَاكَ، وَلِلْأَثْقَالِ بَازِلُهَا النّهْدُ»(17).

فجعل المغسول صفة للصنعة، وحَكَمَ بذلك على بيتين اثنين ولم يجعل حُكْمَهُ على شعر الشاعر عامة كما رأينا مع البحتري إذ أطلق صفةَ المغسول على شعر أشجع كله وأدرك هذه الصفة بعدما نظر في شعر هذا الأخير كاملًا.   

وقد أورد محمد التونجي محقق كتاب «الدمية» نصا للباخرزي يتحدث فيه عن أبي سعد البغدادي ويصفه بالإسفاف وعَلَّقَ عليه بقوله: «والعجب أن شعر هذا الشاعر ليس بالإسفاف الذي أشار إليه، كما أن الدمية حَوَتْ شعرا أركَّ من شعره، ولم يُشِرْ إلى مثل ذلك. ولعل عدم إعجابه راجع إلى عدم وجود الصنعة فيها، أو كما قال في شاعر غيره: «هي من الصنعة مغسولة»(18)، رابطا في ذلك بين المغسول والصنعة بمعنى أن الشعر المغسول هو الذي لا صنعة فيه.

غير أن الجرجاني عندما أطلق صفة المغسول لم ينظر إليه من جهة الصنعة وإنما من جهة المعنى، يقول الجرجاني (471 أو 474 هـ) في شرحه لبيت الخنساء(19) وتنبيهه على فَسَادِ مَنْ جعل هذا المجاز من باب ما حُذِفَ منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه: «وإنْ كنا نراهُم يذكرونه حيثُ يَذكرون حذفَ المضافِ ويقولون : إنه في تقدير « فإِنما هي ذاتُ إقبالٍ وإدبارٍ» ذاكَ لأن المضافَ المحذوف من نحوِ الآية والبيتين في سبيل ما يُحذَفُ من اللفظِ ويُرادُ في المعنى كمثل أن يحذَفَ خبرُ المبتدأ أو المبتدأ إذا دَلَّ الدليلُ عليه إلى سائرِ ما إذا حُذِفَ كان في حكمِ المنطوق به وليس الأمرُ كذلك في بيتِ الخنساء لأنَّا إِذا جعلنا المعنى فيه الآن كالمعنى إِذا نحنُ قلنا : «فإِنَّما هي ذاتُ إقبالٍ وإدبارٍ» أفسدنا الشعرَ على أنفسِنا وخرجْنا إلى شيءٍ مغسولٍ وإلى كلامٍ عاميٍّ مرذولٍ»(20)، ويقصد الجرجاني –والله أعلم- بالشيء المغسول: المعنى الشعري.  

وقد تناقل العلماء نص الجرجاني هذا في كتبهم في الباب نفسه، فمن الذين نقلوه البغدادي (1093هـ) في «خزانة الأدب» حيث يقول: « إِذْ لَو قُلْنَا: أُرِيد إِنَّمَا هِيَ ذَات إقبال وإدبار أفسدنا الشّعْر على أَنْفُسنَا وَخَرجْنَا إِلَى شَيْء مغسول وَكَلَام عَامي مرذول لَا مساغ لَهُ عِنْد من هُوَ صَحِيح الذَّوْق والمعرفة، نسابة للمعاني»(21)، وقوله « لَا مساغ لَهُ عِنْد من هُوَ صَحِيح الذَّوْق والمعرفة، نسابة للمعاني» وصف للشيء المغسول والكلام العامي المرذول من جهة المعنى ويعضُدُ قولنا أن الجرجاني أراد بالشيء المغسول الخالي من المعنى الشعري كما ذكرنا سابقا. 

وممن نقل هذا النص من المحدثين شيخ البلاغيين الدكتور محمد محمد أبو موسى في كتابه «خصائص التراكيب» حيث يقول معلقا على كلام الشيخ عبد القاهر: « والذي يفيد أن الناقة كأنها صارت بجملتها إقبالًا وإدبارًا حتى كأنها قد تجسَّمَت منها، ولو أرادت الشاعرة خلاف هذا المعنى لقالت: فإنما هي ذات إقبال وإدبار، أما أن تكون قد بَنَتْ معناها هذا البناء الشعري المصور، ثم بعد ذلك ننزله بالتقدير إلى هذا المعنى المغسول: فذلك مما لا مساغَ له عند من كان صحيح الذوق صحيح المعرفة وهذا النص نص جديد، وكأن سلطان البلاغة ومحاسنها، ولطائفها كل ذلك في خلق الصور اللغوية التي يدلك عبد القاهر عليها في الفرق بين الكلامين الشعر، والكلام الغث المغسول»(22).

وقد أضاف الدكتور محمد محمد أبو موسى في هذا النص صفة الغث وقرنها بالكلام المغسول.

وذكر الراغب الأصفهاني (502هـ) في «محاضرات الأدباء» أنه: «أنشد عمارة شعر أبي العتاهية فَمَجَّهُ سَمْعُهُ وقال: هو أملس المتون قليل العيون. وما كان مثله من الشعر يسمى مغسولا»(23)، فجعل المغسول من الشعر الأملس المتون القليل العيون، وهو أصل المصطلح كما وقفنا عليه في نص الصولي وبعده في نص التوحيدي، ويبدو أن وصف شعر أبي العتاهية بهذا الوصف فيه نوع من التجاوز.  

أما بهاء الدين البغدادي (562هـ) في «التذكرة الحمدونية» فجعل المغسول من الشعر هو الساذج الذي خرج على سنن الابتداع والاختراع، يقول: «فمتى خرج الشعر على سنن الابتداع والاختراع فكان ساذجا مغسولا، فقائله معيب غير مصيب، والتَّرْكُ له أَدَلُّ على العقل وأولى بذوي الفضل»(24).

ونجد ذِكْرَ هذا المصطلح عند العماد الأصفهاني(597هـ)  في «خريدة القصر»، يقول متحدثا عن ابن الكيزاني(25) وعن شعره « وهو شيخ ذو قبول، وكلام معسول، وشعر خالٍ من التصنع مغسول»(26) ، ويبدو جليا أن المغسول عنده في هذا النص هو الشعر الخالي من التصنع.

وفي شعر أبي علي الحسين بن عبد الله بن رواحة شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أيضا: «شعر ابن رواحة روح الشعر، وروح السر، وريحان أهل الأدب، وراحة ذوي التعب، معنى لائق، ولفظٌ رائق، ورويٌ شائقٌ، وكلام فائق، وأسلوب موافق، سَمْحُ الغريزة، سَهْلُ النحيزة، معسول الكلم، مغسول الحِكَم، لا يتكلف صنعةً، ولا يتعسف صيغةً»(27)، والمغسول عنده في هذا النص هو الشعر الخالي من الحِكَمِ.

فالمغسول عند العماد ليس وصفا قائما بذاته وإنما هو وصف مقيد بعنصر من عناصر الشعر؛ من جهة التصنع كما رأينا في النص الأول أو من جهة الحِكَم كما في النص الثاني، وقد يكون من جهات أخرى أيضا لو أتيحت الفرصة للعماد لَكَشَفَ عنها، والحِكَمُ في الشعر عند العرب ضرب من ضروب الصنعة، ويعزز هذا القول قول العماد « مغسول الحِكَم، لا يتكلف صنعةً» حيث عطف  الثانية على الأولى.

وفي وصية ابن الأثير (637هـ) يقول: «من أحبّ أن يكون كاتبا، أو كان عنده طبع مجيب؛ فعليه بحفظ الدواوين ذوات العدد، ولا يقنع بالقليل من ذلك، ثم يأخذ في نثر الشعر من محفوظاته، وطريقه أن يبتدىء فيأخذ قصيدا من القصائد؛ فينثره بيتا بيتا على التوالي، ولا يستنكف في الابتداء أن ينثر الشعر بألفاظه أو بأكثرها؛ فإنه لا يستطيع إلا ذلك، وإذا مرنت نفسه، وتدرّب خاطره؛ ارتفع عن هذه الدرجة، وصار يأخذ المعنى ويكسوه عبارة من عنده، ثم يرتفع عن ذلك حتى يكسوه ضروبا من العبارات المختلفة، وحينئذ يحصل لخاطره بمباشرة المعاني لقاح فيستنتج منها معاني غير تلك المعاني، وسبيله أن يكثر الإدمان ليلا ونهارا، ولا يزال على ذلك مدة طويلة، حتى يصير له ملكة، فإذا كتب كتابا أو خطب خطبة تدفّقت المعاني في أثناء كلامه، وجاءت ألفاظه معسولة لا مغسولة، وكان عليها حدّة حتى تكاد ترقص رقصا، وهذا شيء خبرته بالتجربة، ولا ينبئك مثل خبير»(28).

وقد جاء مصطلح المغسول عند ابن الأثير في مقام النفي، فالألفاظ عنده يجب أن تكون معسولة لا مغسولة، والأولى ضد الثانية، ويفهم من المعسول حلاوته، ومن المغسول ضد ذلك أي غير المحلى أو المغسول من الحلاوة، وجَعَلَ المغسول في هذا النص وصفا للألفاظ فخالف الذين سبقوه حين جعلوا المغسول مقيدا في الصنعة أو وصفا للشعر بأكمله أو مغسول المعنى كما عند عبد القاهر الجرجاني.      

وقال ابن سعيد المغربي(685هـ) متحدثا عن أبي يحيى اليسع بن عِيسَى بن اليسع: « ونثره كزٌّ ثقيلٌ، ونظمه مغسول، ليس عليه طلاوة»(29)، وقوله «ليس عليه طلاوة» تفسير للمغسول قبله، وقد جعله صفة للنظم لا للنثر كعادة من تقدموه باستثناء ابن الأثير.

ووجدنا مصطلح المغسول عند النقاد المحدثين ومنهم الدكتور إحسان عباس، يقول في حديثه عن شعر ابن عبد ربه الأندلسي: «ولكن ليس كُلُّ شعره يحملُ طابع الخفة الارتجالية، ففيه ما يدل على أنه كان يتعبُ في حَوْكِهِ، ويتعمدُ فيه الإعمال ليحصل على الطرافة والغرابة، ولكني أعتقد أنه مرن على النظم حتى أصبح لا يعيبُه القول، أعني أصبح النظم يطاوعه على نحو لا يحتاج فيه إلى استشارة عاطفية عميقة أو شديدة، ولذلك تراه غسيل الشعر، لا من حيث أنه لا يُعْنَى بالمبنى الشعري وما يحتاجه أحياناً من بديع، ولكن من حيث أن التيار العاطفي في شعره مفقود أو مختنق»(30).

وربط إحسان عباس في صفة « غسيل الشعر» بين المبنى والمعنى الشعريين؛ فشِعْرُهُ غسيل المبنى من حيث كونه خاليا من البديع، وشعره غسيل المعنى من حيث كونه خاليا من العاطفة أو التيار العاطفي.

وهناك أيضا الدكتور محمد محمد أبو موسى، يقول مُعَلِّقًا على مجموعة من الأبيات في باب «التجوز في الإسناد»: «ولو قلت: زفرت دموعي لما هب نسيم الريح، واشتقت لما أومض الغمام، وأشجى الله فؤادي بخفقه البرق، وهاجت علل امرئ القيس لما أبصر الدمن الدوارس، واهتز ابن خفاجة لما ذكر أحاديث الصحاب، لكان الكلام جاريا على أسلوب الحقيقة؛ لأنك أسندت الأفعال والأحداث إلى ما هي له، والعبارة قد ذهبت عنها خصائصها الشعرية، وانطفأ فيها وهج الحس، وصارت إلى الكلام بارد مغسول كما يقولون»(31)؛ وَقَرَنَ مُصْطَلَحَ المغسول هذه المرة بالبارد وجعله وصفا للمعنى.

وليس يفوتني في هذا الموضع أن أُشير إلى ما ذكره الشيخ محمود محمد شاكر في تعليقه على معنى «فيك من كل شيء» في بيت العقاد وهو:

فِيكِ مِنِّي وَمِنَ النَّاسِ وَمِنْ           كُلِّ مَوْجُودٍ وَمَوْعُودٍ تُؤَام

يقول: «فإن شئت أن تعرف كيف يتناول الشعراء هذا المعنى المغسول من الشعر «فيك من كل شيء» فانظر حيث يقول جرير، وهو فيما نعلم أول من افتتحه»(32)، ثم ذَكَرَ شعرا لجرير ولأبي نواس ومسلم وأبي تمام والبحتري وابن الرومي تناقلوا فيه هذا المعنى من خلال بيتي جرير وهما:

     مَا اسْتَوْصَفَ النَّاسُ (مِنْ شَيْءٍ) يَرُوقُهُمُ         إِلَّا أَرَى أُمَّ عَمْرٍو فَوْقَ مَا وَصَفُوا

         كَأَنَّهَا مُزْنَةٌ غَرَّاءُ وَاضِحَةٌ           أَوْ دُرَّةٌ لَا يُوَارِي ضَوْءَهَا الصَّدَفُ(33)

حتى انتهى إلى أبيات لابن الرومي ينحو فيها إلى هذه المعاني بعينها وهي:

فَالْعَيْنُ لَا تَنْفَكُّ مِنْ نَظَرٍ       وَالْقَلْبُ لَا يَنْفَكُّ مِنْ وَطَرِ

وَمَحَاسِنُ الْأَشْيَاءِ فِيكِ (معًا)          فَمَلَالتِيكَ مَلَالَتَي بَصَرِي

مُتعاتُ وَجْهِكَ فِي بَدِيهَتِهَا           جُدُدٌ، وَفِي أَعْقَابِهَا الْأُخَرِ

فَكَأَنَّ وَجْهَكِ مِنْ تَجَدُّدِهِ             مُتَنَقّلٌ لِلْعَيْنِ فِي صُوَرِ(34)

وعَلَّقَ عليها محمود محمد شاكر بقوله: «وقول ابن الرومي (ومحاسن الأشياء فيك معًا) هو عمل الشعر في معنى غَسِيلٍ قدَّم به العقاد لقصيدة غزل فلسفيّ وهو قوله: «فِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»»(35).

ومما وقفتُ عليه أيضا نص للرافعي في «وحي القلم» يقول فيه: «أقرأت "شهرزاد"؟ إن فيها سطرًا يجعل كتاب قاسم كله ورقًا أبيض مغسولًا ليس فيه شيء يقرأ:

قالت شهرزاد المتعلمة، المتفلسفة، البيضاء، البضَّة، الرشيقة، الجميلة؛ للعبد الأسود الفظيع الدميم الذي تهواه: "ينبغي أن تكون أسود اللون؛ وضيع الأصل؛ قبيح الصورة؛ وتلك صفاتك الخالدة التي أحبها".

فهذا كلام الطبيعة لا كلام التأليف والتلفيق والتزوير على الطبيعة»(36).

حيث جعل المغسول من الكلام الذي ليس فيه شيء يُقْرَأ ولكنه لم يحدد هذا الشيء، والظاهر أن المقصود به المعنى، إذ لا يعقل أن يكون كتاب بدون كلمات وإنما هي كلمات بدون معنى يستفاد أو بالأحرى يقرأ للاستفادة، لذلك جعله مغسولا من هذه الصفة. 

ولم يوصَفْ كلام الله تعالى شأنه بهذا المصطلح، إلا أنه ورد وصفا للحديث الشريف، وكنتُ قد وقفتُ على نص في كتاب «أضواء على السنة المحمدية» لمحمود أبو رية يتعجب فيه من صدور بعض الكلام المغسول عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: « وكنت أعجبُ كيف يصدر عنه صلوات الله عليه - مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة والعاري عن الفصاحة- وهو أبلغ من نطق بالضاد، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة وهو أحكم من دعا إلى رشاد !!» (37)، فوصف كلامه صلى الله عليه وسلم بالمغسول من البلاغة، وَرَدَّ ذلك إلى ما ألفاه من أحاديث يَبْعُدُ أن يكون – في ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه- من محكم قوله، وبارع منطقه صلوات الله عليه، وعزاه إلى أكثر ما يُنْسَبُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول. 

فجعل المغسول مقيَّدًا في البلاغة ووصفا للكلام ولا شك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله نثر لا شعر فيه، فخرج بذلك وصف المغسول من دائرة الشعر إلى الكلام النثري أيضا.

3- مصطلح الكلام المغسول عند المحدثين:

تَعَرَّضَ المحدثون لمصطلح المغسول ولم يفصلوا فيه تفصيلا يشفي الغليل، وإنما استعملوه في الحكم على شعر شاعر معين، أو نعت كلام ما، كما رأينا مع الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد محمد أبو موسى والشيخ محمود محمد شاكر على عادة القدماء، ومن المحدثين الذين تناولوا مصطلح «المغسول» وفصلوا فيه تفصيلا قليلا عبد الله الغذامي في كتابه «المشاكلة والاختلاف». 

وانطلق في مقاربته لهذا المصطلح من البيت التالي:

كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا        قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُ

ويضع صفتي مغسول/ يخلي في مقابل: الرائع/ النادر انطلاقا من النص الذي نقله الصولي في «أخبار أبي تمام».

ثم أَخَذَ مصطلحي مغسول ويخلي على أنهما يرادفانِ مفهومي المشاكلة والنص المغلق، فقال إن الإخلاء هو ما يغلقُ النص ويحاصره فيكون مغسولا ومشاكلا.

وذكر بأن النصوص المغلقة هي ذات النسبة الأكبر في الأدب، ويقول: « ولقد رأينا شهادة أربعة أدباء عن شعر أشجع السلمي، وكثير غيره، ومنه قول البحتري في مقارنته بين شعره وشعر أبي تمام «جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه»، وإشارات الرداءة هنا هي إحالة إلى دلالات مصطلحي مغسول ويخلي كما مر أعلاه، وهو موجود عند هذين الشاعرين الكبيرين وإن كان ذلك يكثر عند البحتري ويَقِلُّ عند أبي تمام»(38).

بمعنى أن النصوص المغلقة هي نصوص مغسولة عن كل ما يجعلها مفتوحة أمام قراءات النقاد المتعددة، وضدُّهَا النص المفتوح أو نَصُّ الاختصام كما يسميه.

وأحسَبُ أن معنى المغسول عنده بعيد عن معنى المغسول كما أراده النقاد القدماء في نصوصهم التي عرضناها أعلاه.  

4- إضافات المصطلح:

بعد تتبع النصوص التي ورد فيها مصطلح «المغسول» أو «غسيل» وهو فعيل بمعنى مفعول أو «مغسولا» تبين لي أن هذا المصطلح يكون مضافا إلى غيره، وقد يكون غيره مضافا إلىه، وهو ما سنعرض له فيما يأتي:

أ- إضافته إلى غيره:

- الأبيات.

- الصنعة.

- الشيء (ويقصد به المعنى).

- المعنى.

- الكلام.

- الألفاظ.

- التصنع.

- النظم.

ب- إضافة غيره إلىه:

- الشعر.

- الحِكَم.

- البلاغة.

5- بلاغة الكلام المغسول:

إن معظم من تناولوا مصطلح المغسول جعلوه صفة ذم وعيب في شعر الشاعر كله كقولهم مغسول الشعر أو مغسول النظم، أو في عناصر جزئية منه، كالقول بمغسول الصنعة والحِكَم ... إلخ.

إلا أن المغسول من الصنعة ليس دائما صفة ذم في الشعر ولربما كان صفة مدح وثناء، ولينظر كلام الشيخ محمد محمد أبو موسى في حديثه عن مطلع قصيدة «بانت سعاد» حيث يقول: «وتأمل قوله «بانت سعاد» وما في كلمة بانت من الحنين واللوعة، والمفاجأة بالفَقْدِ، وهي كلمة رحبة تبسط معناها على أحوال كثيرة، ثم إن هذه الجملة ليس فيها أي صنعة وإنما هي فعل وفاعل، وإنما كانت الإصابة في اختيار كلمة البين، وجعله مفتتح الكلام، وأول ما يسمع، وأول ما يطرق القلب، ووراء ذلك من شجن النفس، ما وراءه»(39)، أترانا نطلق عليه المغسول من الصنعة وهو خال من الصنعة كما ترى، ولو جاز لنا ذلك لقُلْنَا إن المغسول هو الكلام البليغ الخالي من الصنعة فأضفنا البلاغة، إذ ليس يخلو قول الشاعر «بانت سعاد» من بلاغة.   

وأحسب كلام الزبيدي في «تاج العروس» حين قال إن المغسول من الكلام قد يكون كناية عن المُنَقَّح المُهَذَّب من الكلام يدخل في هذا الباب غير أنه لم يُلْتَفَتْ إلى كلامه، واقْتُصِرَ على المعنى الأول الذي ذكرناه فَحُصِرَ مصطلح المغسول فيه، أليس قول كعب في مطلع قصيدته «بانت سعاد» أهذب كلام وأحسنه مع خلوه من الصنعة، ولا أدل على ذلك من أنَّ أزيد من خمسمائة قصيدة أولها «بانت سعاد»، حتى أصبحت هذه الجملة معرقة في الشعر.

وإنما عاب ابن رشيق شعر أشجع ووصفه بالمغسول من الحلي وهو يقصد بها الأمثال السائرة لقلتها قلةً ظاهرةً في شعره، على أنه هو نفسه يرى أن هذه الأشياء في الشعر إنما هي نبذ تستحسن، ونكت تستظرف، مع القلة وفي الندرة، فأما إذا كثرت فهي دالة على الكلفة، والخروج من باب الكلفة دخول في الطبع. 

ومغسول الشعر من جهة الصنعة لا يخرجه من البلاغة إلا عند أصحاب الصنعة والتكلف المولعون بها كما رأينا في نص الباخرزي، وقد أدرك التونجي محقق «الدمية» ضِيقَ نفس الباخرزي بالأشعار التي تنعدم فيها الصنعة فيصفها بالمغسولة، يقول: «وقد تضيق نفسه إن لم يجد للصنعة مجالا، فإذا مرّ بقصيدة لجعفر الشبيبي امتازت بالليونة والرقّة والموسيقية، لم تعجبه لأنّ العيب المتجلّي فيها أنها «من الصنعة مغسولة»(40).

على أن العرب استطرفوا ما جاء من الصنعة نحو البيت والبيتين في القصيدة بين القصائد، يُسْتَدَلُّ بذلك على جودة شعر الرجل، وصدقِ حِسِّهِ، وصفاءِ خاطرِه؛ فأما إذا كَثُرَ ذلك فهو عَيْبٌ يشهدُ بخلاف الطبع، وإتيان الكُلْفَة(41)، وقول ابن سعيد المغربي « ونظمه مغسول، ليس عليه طلاوة» وقول إحسان عباس «ولذلك تراه غسيل الشعر، لا من حيث أنه لا يُعْنَى بالمبنى الشعري وما يحتاجه أحياناً من بديع» هو من هذا الباب؛ فالمطبوع من الشعراء لا يبتغي لشعره طلاوة ولا يعنى بالبديع ولا يتكلفه تكلفا ظاهرا وإنما يأتي به عَفْوَ الخاطر من غير تعمد فيزيد شعره جمالا وحسنا وبلاغة، والعرب تستحسن ما كان من هذا الضرب وتأنف ما جاء من الضرب الأول. 

وقد رأينا مغسول الشعر من جهة الاختراع والابتداع، و«الفرق بين الاختراع والإبداع - وإن كان معناهما في العربية واحدًا- أن الاختراع: خلق المعاني التي لم يسبق إليها، والإتيان بما لم يكن منها قط، والإبداع إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف، والذي لم تَجْرِ العادة بمثله، ثم لَزِمَتْهُ هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرر، فصار الاختراع للمعنى والإبداع للفظ؛ فإذا تَمَّ للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد استولى على الأمد، وحاز قصب السبق»(42).  

ومغسول الشعر من هذه الجهة إذن هو ما خلا شعره من معنى مخترع مستظرف يسوقه في لفظ بديع، وكأنما غُسِلَ من هذه الأشياء كما يغسل الثوب لأول مرة فيصبح نقيا ولكنه مع ذلك لم يعد جديدا بديعا كما كان، كما هو حال بعض الأشعار فهي جديدة عند الشاعر غسيلة عند متلقيها مما يمنحها جدتها من الاختراع في المعنى والابتداع في اللفظ. 

وقد يُغْسَلُ الثوب تارة فتزولُ عنه بعض الحلي بشكل يفسده فيصبح عاطلا عنها بعد أن كانت جزءا منه فلا يستحسنه أهل العلم والبلاغة، وهو المقصود بالمغسول من جهة المعنى الشعري فهو الفاسد الغث المعنى، بحيث لا يجيزه أهل البلاغة كما رأينا في بيت الخنساء في نص الجرجاني في الدلائل.  

خاتمة:

ليس العلم إلا مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي تكون نظرية العلم ونسقه، لذلك فالبحث في المصطلحات بحث في جوهر العلم، وقد بحثنا في مصطلح «المغسول» انطلاقا من كتب النقد والبلاغة العربيين بدءا بالقديم منها فالأحدث، لنلاحظ كيف تطورت دلالة هذا المصطلح، لأن المصطلحات كما قلنا تعرف تطورا كبيرا.

وقد توسع مصطلح «المغسول» فلم يعد يطلق أحيانا على شعر الشاعر بشكل عام كما رأينا في النص الذي نقله الصولي، بل أصبح صفة لبعض العناصر الجزئية المتعلقة بالشعر، فوجدنا العماد الأصفهاني مثلا يصف المغسول من الشعر من جهة خلوه من الحِكَم، ومع ذلك لم نعدم الوصفَ الأول، وفيما يلي بعض ما سجلته بخصوص هذا المصطلح:

- قد يكون المغسول وصفا للشعر وقد يكون وصفا للنثر أيضا.

- إذا كان الكلام شعرا قد يكون وصفا للشعر بأكمله، وقد يكون وصفًا لبيت أو مجموعة أبيات.

- قد يكون المغسول وصفا للشعر بصفة عامة وقد يكون وصفا لعنصر من عناصر جوهر الشعر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- مقدمة كتاب «مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين» ص:7.

2- معجم المصطلحات البلاغية ص:5.

3- معجم المصطلحات البلاغية ص:5.

4- القاموس المحيط ص:1188.

5- تاج العروس 30/104.

6- مقدمة كتاب «مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين» ص:42.

7- أخبار أبي تمام ص:63، الأوراق 1/81، والقصة أيضا في الموشح ص: 367. 

8- هو أبو الحسن علي بن محمد البديهي، أصله من شهر زور، ورد بغداد وتلقى علومه بها وتخرج بشيوخها وكان كثير التطواف بالآفاق وقصد حضرة الصاحب بن عباد وأقام عنده زمنا. وكان بينه وبين أبي بكر الخوارزمي ما يكون بين أهل الصناعة من التنافس والتحاسد، وقد وضع الخوارزمي فيه رسالة نال منه بها ما تراها في رسائله. [حسن السندوبي: المقابسات ص: 46- 47، الهامش رقم: 2]. 

9- أي من بلدة شهرزور وقد ذكرها ياقوت الحموي في «معجم البلدان» 3/375.

10- البصائر والذخائر 1/145.

11- المقابسات ص: 190.

12- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/218.

13- البيان والتبيين 1/207.

14- ديوان النابغة الذبياني ص:55.

15- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/446.

16- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/452.

17- دمية القصر وعصرة أهل العصر 1/72.

18- دمية القصر وعصرة أهل العصر 3/1606.

19- البيت المقصود هو قولها:

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ، حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ           فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

20- دلائل الإعجاز ص:302.

21- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 1/431- 432. 

22- خصائص التراكيب ص:125- 126.

23- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء 1/110.

24- التذكرة الحمدونية 6/358.

25- هو الفقيه ابن الكيزاني المصري الواعظ الشافعي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرح الأنصاري المعروف بابن الكيزاني، وله ترجمة في الوافي بالوفيات 1/257 والنجوم الزاهرة 5/367 والمحمدون من الشعراء ص: 111.

26- خريدة القصر 15/19.

27- خريدة القصر 11/482.

28- المثل السائر 1/84- 85.

29- المغرب في حلى المغرب 2/88.

30- تاريخ الأدب الأندلسي [عصر سيادة قرطبة] ص:146.

31- خصائص التراكيب ص:101- 102.

32- جمهرة مقالات محمود محمد شاكر 1/17. 

33- ديوان جرير 1/169- 170، «عن شيء» بدل «من شيء» و «رائحة» بدل «واضحة». 

34- ديوان ابن الرومي 3/994.

35- جمهرة مقالات محمود محمد شاكر 1/19.

36- وحي القلم 1/170.

37- مقدمة كتاب «أضواء على السنة المحمدية» ص:21. 

38- المشاكلة والاختلاف ص:92. 

39- قراءة في الأدب القديم ص:30.

40- دمية القصر وعصرة أهل العصر 3/1608.

41- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/230، وفي طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد «إيثار» بدل «إتيان». 

42- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/419. 

***********************

المصادر والمراجع:

- أخبار أبي تمام، لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي، حققه وعلق عليه خليل محمود عساكر ومحمد عبده عزام ونظير الإسلام الهندي، قدم له الدكتور أحمد أمين، الطبعة الثالثة 1400هـ/ 1980م، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت.

- أضواء على السنة المحمدية أو دفاع عن الحديث، لمحمود أبو رية، الطبعة الثانية 1999م/ 1420هـ، منشورات أنصاريان للطباعة والنشر.

- البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة السابعة عام 1418هـ/ 1998م.

- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبي الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، منشورات دار الهداية.

- تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)، للدكتور إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1960م، منشورات دار الثقافة،  بيروت.

- التذكرة الحمدونية، محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي، بهاء الدين البغدادي، تحقيق إحسان عباس وبكر عباس، الطبعة الأولى عام 1996م/ 1417 هـ،  منشورات دار صادر، بيروت، لبنان.

- خريدة القصر وجريدة العصر، لعماد الدين الأصبهاني الكاتب، تحقيق مجموعة من الكتاب، منشورات مطبعة المجمع العلمي العراقي 1375هـ/ 1955م.

- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الطبعة الرابعة عام 1418هـ/1997م، مطبعة المدني، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة.

- خصائص التراكيب: دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، للدكتور محمد محمد أبو موسى، الطبعة الرابعة 1416هـ/ 1996م، منشورات مكتبة وهبة. 

- دلائل الإعجاز، لعيد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه أبو فهر محمود محمد شاكر، الطبعة الرابعة 1413هـ/ 1992م، منشورات مطبعة المدني بمصر.

- دمية القصر وعصرة أهل العصر، للباخرزي، تحقيق ودراسة الدكتور محمد التونجي، الطبعة الأولى 1414هـ/ 1993م، منشورات دار الجيل، بيروت، لبنان.

- ديوان ابن الرومي، تحقيق الدكتور حسين نصار، الطبعة الثالثة 1424هـ/2003م، منشورات دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، مركز إحياء التراث.

- ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق وشرح فضيلة العلامة سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، نشر مشترك بين دار السلام ودار سحنون، الطبعة الأولى 1430هـ/ 2009م.

- ديوان جرير، بشرح محمد بن حبيب، تحقيق الدكتور نعمان محمد أمين طه، الطبعة الثالثة عام 2006م، منشورات دار المعارف.

- العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، تحقيق: الأساتذة توفيق النيفر ومختار العبيدي وجمال حمادة، منشورات المجمع التونسي للآداب والفنون «بيت الحكمة» عام 2009م.

- القاموس المحيط، للفيروزآبادي، راجعه واعتنى به أنس محمد الشامي وزكريا جابر أحمد، منشورات دار الحديث، القاهرة.

- قراءة في الأدب القديم، للدكتور محمد محمد أبو موسى، الطبعة الرابعة عام 1432هـ/ 2012م، منشورات مكتبة وهبة.

- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لابن الأثير، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، منشورات مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، للراغب الأصفهاني،  الطبعة الأولى: 1420هـ، منشورات  شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت.

- المشاكلة والاختلاف قراءة في النظرية النقدية العربية وبحث في الشبيه المختلف، للدكتور عبد الله محمد الغذامي، الطبعة الأولى 1994م، منشورات المركز الثقافي العربي.

- مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين قضايا ونماذج، للدكتور الشاهد البوشيخي، الطبعة الأولى 1413هـ/1993م، منشورات دار القلم.

- معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، لأحمد مطلوب، مطبعة المجمع العلمي العراقي 1403هـ/ 1983م.

- المغرب في حلى المغرب، حققه وعلق عليه الدكتور شوقي ضيف، الطبعة الرابعة، منشورات دار المعارف.

- المقابسات، لأبي حيان التوحيدي، تحقيق حسن السندوبي، منشورات  دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة - تونس.

- وحي القلم، للرافعي، الطبعة الأولى: 1421هـ/2000م، منشورات دار الكتب العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق