مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

المصادر الأولى في النقد والبلاغة (الدرس الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد:

فهذه سلسلة دروس، نشرع فيها، إن شاء الله تعالى، موضوعها:« المصادر الأولى في النقد والبلاغة». وكلامنا اليوم في برنامج هذه الدروس، وفي الكتب التي ننوي أن نشرع في الحديث عنها، نذكر أسماءها، وأفضل طبعاتها وأهميتها، وما ينبغي الوقوف عليه فيها ليتسنى لمن أراد أن يتابع معنا هذه الدروس أن يرجع إلى الطبعات التي سنشير إليها، بحول الله تعالى، وليتابع معنا هذه الدروس من خلال أفضل الطبعات الموجودة، والتحقيقات المعلومة المعروفة.

تكمن أهمية الحديث عن المصادر الأولى في كون هذه المصادر تعود إلى أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية، وإلى أنها أصول لما جاء بعدها لا يمكن أن يفهم ما بعدها إلا بالرجوع إليها، وأنها تعود إلى مرحلة التأسيس والتأصيل والبحث عن نظرية عربية في النقد والبلاغة.

 ونبدأ هذه الدروس بالحديث عن سلسلة من المصادر أولها: «صحيفة بشر بن المعتمر» (ت: سنة 210هـ). وقد وردت صحيفته هذه أول ما وردت في كتاب «البيان والتبين» للجاحظ، كما سيأتي بيان ذلك، وفي كتاب: «الأخبار الموفقيات»، ووردت أيضا في «العقد الفريد» لابن عبد ربه، و«الصناعتين» للعسكري، وفي عمدة ابن رشيق القيرواني. وعند الوقوف على صحيفة بشر هذه سنذكر مواطن ورودها، ونقف عند هذه المواطن ونذكر كل ما تعلق بها، إن شاء الله تعالى، فإذا فرغنا من صحيفة بشر بن المعتمر، في جملة دروس، انتقلنا إلى الحديث عما ورد في كتب الجاحظ من إشارات نقدية وبلاغية، خاصة ما ورد في كتابيه: «البيان والتبين»، و«الحيوان». ثم بعد ذلك ننتقل للحديث عن وصية أبي تمام للبحتري، وهي الوصية الواردة في كتاب «زهر الآداب» للحصري القيرواني (ت: 453هــ)، وفي كتاب معاصره وبلديه ابن رشيق القيرواني(ت: 456 هـ) «العمدة».

وهذه كلها مرحلة فيها وصايا وصحف نقدية، نعتبرها جاءت بعد مرحلة الإشارات النقدية واللمع. وقد أخذت هذه الإشارات تجتمع لتؤلف صحفا نقدية ووصايا، قبل أن تتسع هذه الوصايا في كتب تالية، من مثل كتاب «طبقات فحول الشعراء» لابن سلام الجمحي المولود بالبصرة سنة: 139هــ، والمتوفى ببغداد سنة: 232هـ. وسيكون رجوعنا إلى طبقات فحول الشعراء معتمدين على أفضل تحقيق موجود، وهو تحقيق الشيخ العلامة محمود شاكر، رحمه الله تعالى، أما «زهر الآداب»، الذي ذكرناه آنفا، فسنعتمد فيه على تحقيق علي محمد البجاوي، وسنعتمد في «العمدة» على تحقيق الدكتور قرقزان، مرة، وعلى تحقيق الدكتور النبوي عبد الواحد شعلان، مرة أخرى، وإن لم يتيسر ذلك لمن يتابع هذه الدروس فله أن يرجع إلى تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، إن شاء.

وسنقف في طبقات ابن سلام على مقدمة الكتاب خاصة، وعلى بعض الإشارات النقدية الواردة فيه، سواء تلك التي قال بها الجمحي، أو تلك التي نقلها عن غيره من أهل العلم. وسنقف خاصة عند قضية مشهورة وردت في أوله، وهي قضية الانتحال في الشعر لاعتبارها من أهم القضايا النقدية التي شغلت الناس في زمانه، بل وفي زماننا هذا. وما قضية كتاب طه حسين عن الشعر الجاهلي منا ببعيد. ثم ننتقل إلى كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة(ت: 276 هـ) بتحقيق أحمد محمد شاكر، ووقوفنا سيكون خاصة عند تنظيره لقصيدة المدح، ولبنية أو بناء القصيدة العربية القديمة، وإن كان هذا لا يدفع أننا سنقف عند أمور أخرى ربما كان اهتمام الناس بها أقل، وسنوازن ما جاء به في تعليقه على بعض الأبيات المشهورة القديمة برأي من جاء بعده، وذلك كابن جني، مثلا. وقد ننتقل إلى عبد القاهر أيضا لنرى أثر فهمه في اللاحقين، وما وافقوه عليه وما خالفوه فيه.

 ثم يكون انتقالنا بعد ذلك، إن شاء الله تعالى، في هذه السلسلة من الدروس للحديث عن كتاب «المنظوم والمنثور» لابن طيفور (ت: 280هــ)، وإن كان كتاب «المنظوم والمنثور» لم يصلنا كاملا، غير أننا سنتحدث عنه اعتمادا على ما وصلنا منه خاصة، إذ غالب نظرنا سيكون في القسم الأول من الجزء الثالث عشر الذي حققه ضيف الله الحارثي في رسالة جامعية سنة 1984م بإشراف الدكتور عبد الحكيم حسان.

وقد وقف قبلنا على هذا الكتاب الدكتور إحسان عباس في «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، مع أن الناس لم تتعود كثيرا الوقوف عنده كما تعودت الوقوف عند ابن قتيبة وابن سلام الجمحي وغيرهما. ثم يكون انتقالنا بعد ذلك للحديث عن كتابين للمبرد (ت: 286هــ) وهما كتاب «الكامل في اللغة والأدب»، وكتاب «البلاغة» له.

 أما كتاب «الكامل في اللغة والأدب» للمبرد، فأنا أنصح لمن أراد أن يتابع معنا هذه الدروس أن يرجع إلى تحقيق الدكتور الدالي فهو في نظرنا أفضل تحقيق حقق به هذا الكتاب، مستعينا بكتاب المرصفي الذي شرح فيه الكامل للمبرد وسماه «رغبة الآمل من كتاب الكامل» وهذا نرجع إليه لأن المرصفي، رحمه الله تعالى، أمضى فيه نحو أربعين سنة، وهو عالم جليل كبير، ويكفي أنه كان شيخ مجموعة من الأدباء والعلماء، منهم محمود شاكر، ومنهم الزيات، وطه حسين، إلى غير هؤلاء. وكان قد درسه بإشارة من الشيخ محمد عبده، ومن الطريف في ذلك العهد أن الشيخ الشنقيطي، رحمه الله تعالى، كان قد ثار وطلب إلغاء هذا الدرس لأن المبرد في رأيه أكبر من أن يتسامى إلى نقده رجل من المحدثين، ولكنه رجع عن ذلك بعد أن اطلع على ملزمة من شرح المرصفي. والمرصفي، رحمه الله تعالى، له غير شرح الكامل، شرح الأمالي، وشرح الحماسة المسمى: «أسرار الحماسة»، وشرح «العقد الفريد» لابن عبد ربه، وشرح أراجيز رؤبة والعجاج، وله تعقيب على لسان العرب، ونص على أغلاط صاحب المفصل والكشاف. فالرجل، رحمه الله تعالى، مفيد جدا في فهمه لهذا الكتاب. ولذلك لا أقول يستأنس به فقط، بل أقول: سنعود إليه كما نعود إلى الكتب القديمة لأن نَفَسَهُ من نفسهم.

ثم يكون لنا حديث بعد ذلك عن «قواعد الشعر» لثعلب(ت: 291 هـ)، وسنعود إليه، إن شاء الله تعالى، بتحقيق رمضان عبد التواب. وثعلب هو أيضا قريب العهد من هؤلاء الذين ذكرنا، فهؤلاء كلهم كانوا في عصر واحد. وقد يكون لنا حديث عن الناشئ الأكبر الذي توفي بعده بسنتين.

ثم يكون انتقالنا إلى كتاب «البديع»  لعبد الله بن المعتز. وهذا أصل عظيم من أصول البلاغة العربية، ويكون رجوعنا إلى تحقيق أغناطيوس كراتشكوفسكي، وأظن أن حديثنا عن كتاب البديع سيطول لأن أثره في اللاحقين كان كبيرا جدا ولأنه كان فيه مجتهدا كما كان صاحب نقد الشعر قدامة بن جعفر، مثلا، مجتهدا، وإن كان جاء بعده بقليل. وقد نتحدث عن رسالة أبي أحمد المنجم(ت: 300 هــ): المفاضلة بين العباس بن الأحنف والعتابي.

ثم ننتقل إلى رجلين هما: ابن طباطبا(ت: 322هـ) في كتابه «عِيار الشعر»، وقدامة (ت: 337هــ) في كتابه “نقد الشعر”.

وأفضل تحقيق لعيار الشعر هو تحقيق عبد العزيز بن ناصر المانع.

ولسنا نفضل في تحقيق “نقد الشعر” تحقيقا على غيره. مع أنه حقق أكثر من مرة. فقد طبع أولا بالقسطنطينية، وهي طبعة الجوائب، وحققه في ثلاثينيات القرن الماضي محمد عيسى منون، ثم حققه مرة أخرى س. أ. بونيباكر، ثم عاد إلى تحقيقه كمال مصطفى، ثم ظهرت طبعة أخرى له بتحقيق محمد عبد المنعم خفاجي. وليس في هذه التحقيقات ما يمكن أن يفضل على غيره. وقد بقيت فيه أمور كثيرة، وأخطاء تحتاج إلى التعليق عليها وتصحيحها، إن شاء الله تعالى.

وهذا الكتاب من أكثر كتب البلاغة تأثيرا فيما جاء بعده، لا يكاد يخلو كتاب من الاقتباس منه ومن اعتماده، وإن كان في الناس من رد عليه مسائل في كتابه ومن ذلك رسالة للآمدي لم تصلنا، سماها: تبيين غلط قدامة بن جعفر في نقد الشعر. خالفه فيها في فهمه لبعض النصوص المنقولة عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، وفي فهمه للمعاظلة، فزعم أنه أخطأ في فهمها فظن أنها فاحش الاستعارة، وليست كذلك.

ثم ننتقل بعد ذلك، إن شاء الله تعالى، إلى كتاب «البرهان في وجوه البيان» لابن وهب الكاتب (ت بعد: 335هــ)، وقد طبع نحو ثلثه خطأ تحت اسم “نقد النثر” ونسب لقدامة. وله طبعتان جيدتان، أما الأولى فهي طبعة الدكتور حفني محمد شرف، وأما الثانية فهي طبعة الدكتورة خديجة الحديثي، وزوجها الدكتور أحمد مطلوب، فإذا فرغنا من هذا البرنامج، الذي أعتقد أنه سيتطلب منا دروسا عديدة، نظرنا فيما بعده، بحول الله تعالى.

Science

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق