مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

المشتركُ اللَّفظيّ في كتاب “مُعترك الأقران في إعْجاز القُرآن” للسّيوطي

 

1ـ كتاب المعترك ومنزلته العلمية
يعد كتاب«معترك الأقران في إعجاز القرآن» من أبرز ما كتبه الإمام السيوطي في الإعجاز القرآني، فخصه بوجوه الإعجاز لا غير،فعدَّها في خمس وثلاثين وجها، وفصل فيها تفصيلا عجيبا، مع ذكر الأمثلة بما يليق بكل مقام؛ فضلا عن كون الكتاب تضمن مباحثَ غنية؛ جعلت منه مرجعا أساسيا لأهل علوم اللغة، وعلوم القرآن والتفسير، فقد أخذ من كل هاته العلوم في خدمة الإعجاز القرآني، فعُدَّ بذلك كتابه، كتابا إعجازيًّا بامتياز فضلا عن اتساعه وجمعه لكل وجوه الإعجاز التي وردت في كتب السلف.
وهذا خلافا لما آل إليه في كتابه “الإتقان” الذي خصه بعلوم القرآن وما يقاربها، مع ذكر بعض وجوه الإعجاز، ومنها إفراده نوعاً من أنواع علوم القرآن، للحديث عن الإعجاز، و هو النوع الرابع والستون.
فاستهل كتابه “المعترك” بالوجه الأول الذي خصه بالعلوم المستنبطة من القرآن الكريم، ثم الوجه الثاني في كونه محفوظا من الزيادة والنقصان، والثالث في حسن تأليفه والتئام كلمه… إلى أن بَلَغَ إلى الوجه الخامس والثلاثينَ الذي جَعَلَه من نصيب ألفاظ القرآن المشتركة، فخصه بحديث مستفيض.
2 ـ  عنوان الكتاب .
عنوان الكتابِ اختزالٌ لمضمونه،ومُعربٌ عن منهج صاحبه؛فما من عنوان إلا ويحمل خبايا، ولا يمكن أن يُوضع من غير روية وصَنعة؛ فبه نقرأ النص وبه نستشف معالمه وأبعاده المقصودة…
وعنوان الكتاب الذي بين أيدينا «معترك الأقران في إعجاز القرآن»؛ يتضمن في جملته الحديث عن إعجاز القرآن، إلا أن ما يثير الانتباه و الفضول؛ هو الشق الأول منه «معترك الأقران» وهذا أمر يدعونا إلى تتبع معاني «المعترك» و«الأقران»، لنخرج بالمقصود من العنوان وكذا ارتباطه بموضوع الكتاب.
ففي لسان العرب، مادة عرك؛المعترك موضع الحرب، وكذلك المَعْرَكُ، وعاركَهُ مُعاركةً وعِراكًا: قاتَله وبه سُمي الرجلُ مُعَارِكاً، واعترك القَوْمُ: ازدحَمُوا، وقيل: ازدحموا في المُعتَرَكِ.(1)”
و من المادة اللغوية للمعترك يتضحُ أن معنى هذا المفهوم في اللغة، موضع الحرب و كذا ازدحام القوم فيها.
وعليه فما دامت دلالة المعترك: الحرب بمختلف جوانبها؛ فيمكن القول إن المعتركَ في ارتباطه بالإعجاز، تضارب لمجموعة من الآراء حول الإعجاز و تجمُّعها.
أما«الأقران» فهو من القَرْنِ؛ أي المثيلُ في السن و يكون بذلك الأقران من تساوت أعمارهم، ومنه قولنا إن فلانا على سِنِّي أي على قَرنِي.  
ومن ثمة فـ «معترك الأقران في إعجاز القرآن» معناه جدالٌ بين جهات مختلفة تُعربُ فيه كلُّ جهةٍ الآراء والتصورات حول الإعجاز القرآني، وهذا ما قد يمكن قوله عن موضوع الكتاب الذي بين أيدنا.
إلا أن المتأمل في مباحث الكتاب وموضوعاته، يظهر له أن الإمام السيوطي لم يورد معركة أو مقارعة فكرية بينه وبين معاصريه أو متقدميه، وإنما جمع بعضَ آراء المتقدمين و علق عليها تعليقاً علميا سديداً، وبخُلُق حَسَن، و هو ما عبر عنه قوله: “لكني تطفلت على المتقدمين، رجاء أن يضمني جميل الاحتمال معهم، ويسعني من حسن التجاوز ما وسعهم… (2)”.
3 ـ  بين يدي الكتاب.
كتابُ «معترك الأقران في إعجاز القرآن» مُؤلَّفٌ من ثلاثة أجزاء، وفي مقدمة الجزء الأول قدَّمَ المؤلِّفُ صورةً عامة عن الإعجاز وما يتصلُ به، من آراء وآيات تدل على إعجاز القرآن الكريم وتحديه، وما يمتاز به النص القرآني عن غيره من شعر وكلام منثور، فضلا عن تنزيهه عنهما، فكلامه سبحانه ليس كسائر الكلام .
وعَرَضَ بعدَ ذلِكَ لوجوه الإعجاز التي حصَرَها في خمس وثلاثين وجها، مستهلا بالوجه الأولِ الذي خصَّهُ بما تضمنه كتابه عز وجل من علوم ومعارف، إلى أن وصل إلى الوجه الخامس والثلاثين الذي خصه بألفاظ القرآن المشتركة، فكان الحديث فيه مطولا حيث استغرق ثلثي الكتاب تقريبا؛ فكان بذلك أطول وجه من وجوه الإعجاز التي أوردها السيوطي ـ رحمه الله ـ  
4   ـ  في ألفاظه المشتركة .
وهو وجه الختام الذي ختم به السيوطي ـ رحمه الله ـ وجوه الإعجاز التي أوردها ضمن كتابه، فكان الختام مسكا؛ فهو من أعظم الوجوه التي ذكر، ولذلك بسط فيه القول وفصل،  ولما له من أهميته عنده؛  خصص له ثلثي الكتاب تقريبا.
وقد أوضح المشترك بقوله ” الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر(3)”
وعرفه في كتابه المزهر بقوله “وقد حدَّه أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر، دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة.”(4) وهذا تعريف أدقُّ.
وما يُستفاد من الحدَّيْنِ أن اللفظَ المفرَدَ -عندَ الحديثِ عن المشتركَ اللفظي- لا ينبغي النظر إليه في ظاهره اللغوي، وإنما يجب الغوص على معانيه ودلالاته القياسية، وكذا التفسيرات التي وَرَدَت عليْها.
وقد بين السيوطي هذا الباب ـ كذلك ـ في كتابه المزهر و أتى بأمثلة كثيرة لبيان وقوعه في كلام العرب، ورغم ذلك فلن يَبلُغَ وُقُوعَهُ ما بلغه في كتابه عز وجل، ومن ذلك كلمة “هُدى” التي أتت على سبعة وعشرون حالة من بينها:
الهدى بمعنى الثبات :«اهدينا الصراط المستقيم »(5)
بمعنى البيان : «أولائك على هُدى من ربهم »(6)
بمعنى الدين :«إن الهُدى هدى الله»(7)
و بمعنى الإيمان :« ويزيد الله الذين اهتدواْ هُدى »(8)
وإلى غير ذلك من الوجوه.
ومنه “جعل” التي جاءت على خمسة وجوه فيما نقله الإمام السيوطي عن الراغب الأصفهاني :(9)
تجري مجرى صار وطفق، ولا تتعدى، نحو جعل زيدٌ يقول كذا.
والثاني بمعنى أوجد فتتعدى لمفعول واحد؛ نحو :”وجَعَلَ الظُلُمَاتِ والنُور” [ الأنعام : الآية 1]
والثالث في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه؛ نحو:” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا “[ النحل: الآية 72]. “وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَال أَكْنَانًا”[ النحل،الآية: 81]
والرابع في تصيير الشيء على حالة دون حالة؛ نحو: ” الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَاشاً ” [البقرة،الآية : 225]، ” وجعل القمر فيهن نورا” [ نوح، الآية : 16].
والخامس الحكم بالشيء على الشيء حقا كان؛ نحو :” وَجَاعِلُوهُمِنَالْمُرْسَلِينَ ” [ القصص : 7]. أو باطلا؛ نحو ” وَيَجْعَلُونَلِلَّهِالْبَنَاتِ ” [ النحل، الآية، الآية 57]
وهذا التنوع والثراء في إيراد ألفاظه المشتركة؛ هو ما يُعجز على الإتيان بمثله، ووجه الإعجاز من هذا الوجه هو  قول الإمام السيوطي أن الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها، وأكثر، وأقل ولا يوجد هذا في كلام البشر. والله أعلم.
منهج المؤلف في إيراد الألفاظ المشتركة.
ولِمَا كان من هذا الوجه من طول وغزارة المادة، لا بأس أن نقف عند بعض النقط المنهجية التي أقام بها الإمام السيوطي هذا الوجه ومن بينها :
إيراد اللفظ دون إرجاعها إلى مادته اللغوية، بل يأتي به كما أنزل، إلا في بعض الاستثناءات ، منها :
«تَعْبُرُونَ»(10) في موضع، فأتى بمادته في موضع آخر “عبر”.
«تَعْضُلُوهُنَّ»(11) ذكره في موضع فأتى بمادته في موضع آخر “عضل”.
وقد يأتي باللفظ على مادته ـ وهو أمر قليل ـ ومن قبيل ذلك: «ظلم» ،«دعا».
و في إيراده لألفاظ يستفيض في التفسير و يتوسع فيه فيذكر اللفظ و يأتي بما يقاربه وقد يتوسع في تفسير الآية كاملة؛ ومن ذلك قوله:”مع أني زدت مع اللفظ المشترك تفسير مفردات لابد له منها، ليتم له معناه “(12)
استقصاء ذكر الحروف ومعانيها، و كذا ذِكر الأدوات والنواسخ، وهذا أمر ليس في المشترك في شيء و إنما أورده ـ كما أشار ـ لما له من أهمية في اختلاف مواضعه.
ومنه قوله في هذا الصدد :”وأعقبت كل حرف بحروف تشاكلها منها من الأسماء والظروف، لأن ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها، ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها.”(13) ومنه قوله تعالى :«وإنا وإيَّاكُم لعلى هدًى أو في ضَلال مبين»(14) ففي الآية استُعملت «على» إلى جانب الحق، و«في»  إلى جانب الضلال، لأن جانب الحق كأنه مستعلٍ، وصاحب الباطل كأنه في الدرك الأسفل، لا يدري أين يمضي.
وفي ترتيب الألفاظ يظهر أن السيوطي لم يكن يحتكم إلى منهج محدد في إيراده لألفاظ، وإنما في الوهلة الأولى تحسبه خاضعا إلى ترتيب هجائي وفجأة يخرج عنه؛ فبدأ بحرف الهمزة ـ ترتيبا ـ إلى حرف الزاي، وبعدها انتقل إلى الطاء، والظاء ، تاركا السين، والشين وهكذا …
وأختم بقول طريف لأبي حيان التوحيدي لما سُئل عن موضع الإعجاز في القرآن فقال: “هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان ؟”(15)
وعليه فلا موضع للإنسان من الإنسان لدلالته بالقوة على نفسه، وهذا ما يصدق على كتابه عز وجل، فإنّه بمجرد النطق بكلماته تميلُ القلوب إليه، لعظمته وعجز الإنسان على الإتيان بمثله، فمهما يبلغْ الإنسانُ من العلم، يبقَ كتاب الله سبحانه المثل الأعلى الذي لا مثل بعده.
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة. 
 لسان العرب، مادة عرك، ص 2911. 1
2  معترك الأقران، ج 1، ص 388.
3  معترك الأقران، ص 387.
4 المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ص 285.
 سورة الفاتحة، الآية:75
6 سورة البقرة، الآية 5.
7 سورة أل عمران، الآية 73.
8 سورة مريم، الآية 76.
 نقلا عن كتاب معترك الأقران ج 2، ص 144 145.9
سورة يوسف، الآية 43 10
سورة البقرة، الآية 232. 11
 معترك الأقران، ج 1، ص 389.12
 المرجع نفسه ، ص 389.13
سورة سبأ، الآية 24 14
روائع البيان في إعجاز القرآن :الدكتور محمد سالم محيسن، ص  23. 15

1ـ كتاب المعترك ومنزلته العلمية

يعد كتاب«معترك الأقران في إعجاز القرآن» من أبرز ما كتبه الإمام السيوطي في الإعجاز القرآني، فخصه بوجوه الإعجاز لا غير،فعدَّها في خمسة وثلاثين وجها، وفصل فيها تفصيلا عجيبا، مع ذكر الأمثلة بما يليق بكل مقام؛ فضلا عن كون الكتاب تضمن مباحثَ غنية؛ جعلت منه مرجعا أساسيا لأهل علوم اللغة، وعلوم القرآن والتفسير، فقد أخذ من كل هاته العلوم في خدمة الإعجاز القرآني، فعُدَّ بذلك كتابه، كتابا إعجازيًّا بامتياز فضلا عن اتساعه وجمعه لكل وجوه الإعجاز التي وردت في كتب السلف.وهذا خلافا لما آل إليه في كتابه “الإتقان” الذي خصه بعلوم القرآن وما يقاربها، مع ذكر بعض وجوه الإعجاز، ومنها إفراده نوعاً من أنواع علوم القرآن، للحديث عن الإعجاز، و هو النوع الرابع والستون.فاستهل كتابه “المعترك” بالوجه الأول الذي خصه بالعلوم المستنبطة من القرآن الكريم، ثم الوجه الثاني في كونه محفوظا من الزيادة والنقصان، والثالث في حسن تأليفه والتئام كلمه… إلى أن بَلَغَ إلى الوجه الخامس والثلاثينَ الذي جَعَلَه من نصيب ألفاظ القرآن المشتركة، فخصه بحديث مستفيض.

2 ـ  عنوان الكتاب .

عنوان الكتابِ اختزالٌ لمضمونه،ومُعربٌ عن منهج صاحبه؛فما من عنوان إلا ويحمل خبايا، ولا يمكن أن يُوضع من غير روية وصَنعة؛ فبه نقرأ النص وبه نستشف معالمه وأبعاده المقصودة…وعنوان الكتاب الذي بين أيدينا «معترك الأقران في إعجاز القرآن»؛ يتضمن في جملته الحديث عن إعجاز القرآن، إلا أن ما يثير الانتباه

والفضول؛ هو الشق الأول منه «معترك الأقران» وهذا أمر يدعونا إلى تتبع معاني «المعترك» و«الأقران»، لنخرج بالمقصود من العنوان وكذا ارتباطه بموضوع الكتاب.ففي لسان العرب، مادة عرك؛المعترك موضع الحرب، وكذلك المَعْرَكُ، وعاركَهُ مُعاركةً وعِراكًا: قاتَله وبه سُمي الرجلُ مُعَارِكاً، واعترك القَوْمُ: ازدحَمُوا، وقيل: ازدحموا في المُعتَرَكِ.(1)”و من المادة اللغوية للمعترك يتضحُ أن معنى هذا المفهوم في اللغة، موضع الحرب و كذا ازدحام القوم فيها.وعليه فما دامت دلالة المعترك: الحرب بمختلف جوانبها؛ فيمكن القول إن المعتركَ في ارتباطه بالإعجاز، تضارب لمجموعة من الآراء حول الإعجاز و تجمُّعها.

أما«الأقران» فهو من القَرْنِ؛ أي المثيلُ في السن و يكون بذلك الأقران من تساوت أعمارهم، ومنه قولنا إن فلانا على سِنِّي أي على قَرنِي.  ومن ثمة فـ «معترك الأقران في إعجاز القرآن» معناه جدالٌ بين جهات مختلفة تُعربُ فيه كلُّ جهةٍ الآراء والتصورات حول الإعجاز القرآني، وهذا ما قد يمكن قوله عن موضوع الكتاب الذي بين أيدنا.إلا أن المتأمل في مباحث الكتاب وموضوعاته، يظهر له أن الإمام السيوطي لم يورد معركة أو مقارعة فكرية بينه وبين معاصريه أو متقدميه، وإنما جمع بعضَ آراء المتقدمين و علق عليها تعليقاً علميا سديداً، وبخُلُق حَسَن، و هو ما عبر عنه قوله: “لكني تطفلت على المتقدمين، رجاء أن يضمني جميل الاحتمال معهم، ويسعني من حسن التجاوز ما وسعهم… (2)”.

3 ـ  بين يدي الكتاب.

كتابُ «معترك الأقران في إعجاز القرآن» مُؤلَّفٌ من ثلاثة أجزاء، وفي مقدمة الجزء الأول قدَّمَ المؤلِّفُ صورةً عامة عن الإعجاز وما يتصلُ به، من آراء وآيات تدل على إعجاز القرآن الكريم وتحديه، وما يمتاز به النص القرآني عن غيره من شعر وكلام منثور، فضلا عن تنزيهه عنهما، فكلامه سبحانه ليس كسائر الكلام .وعَرَضَ بعدَ ذلِكَ لوجوه الإعجاز التي حصَرَها في خمس وثلاثين وجها، مستهلا بالوجه الأولِ الذي خصَّهُ بما تضمنه كتابه عز وجل من علوم ومعارف، إلى أن وصل إلى الوجه الخامس والثلاثين الذي خصه بألفاظ القرآن المشتركة، فكان الحديث فيه مطولا حيث استغرق ثلثي الكتاب تقريبا؛ فكان بذلك أطول وجه من وجوه الإعجاز التي أوردها السيوطي ـ رحمه الله ـ

 4   ـ  في ألفاظه المشتركة .

وهو وجه الختام الذي ختم به السيوطي ـ رحمه الله ـ وجوه الإعجاز التي أوردها ضمن كتابه، فكان الختام مسكا؛ فهو من أعظم الوجوه التي ذكر، ولذلك بسط فيه القول وفصل،  ولما له من أهميته عنده؛  خصص له ثلثي الكتاب تقريبا.وقد أوضح المشترك بقوله ” الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر(3)”وعرفه في كتابه المزهر بقوله “وقد حدَّه أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر، دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة.”(4) وهذا تعريف أدقُّ.وما يُستفاد من الحدَّيْنِ أن اللفظَ المفرَدَ -عندَ الحديثِ عن المشتركَ اللفظي- لا ينبغي النظر إليه في ظاهره اللغوي، وإنما يجب الغوص على معانيه ودلالاته القياسية، وكذا التفسيرات التي وَرَدَت عليْها.
وقد بين السيوطي هذا الباب ـ كذلك ـ في كتابه المزهر و أتى بأمثلة كثيرة لبيان وقوعه في كلام العرب، ورغم ذلك فلن يَبلُغَ وُقُوعَهُ ما بلغه في كتابه عز وجل، ومن ذلك كلمة “هُدى” التي أتت على سبعة وعشرون حالة من بينها:

الهدى بمعنى الثبات :«اهدينا الصراط المستقيم »(5)

بمعنى البيان : «أولائك على هُدى من ربهم »(6)

 بمعنى الدين :«إن الهُدى هدى الله»(7)

و بمعنى الإيمان :« ويزيد الله الذين اهتدواْ هُدى »(8)

وإلى غير ذلك من الوجوه.

ومنه “جعل” التي جاءت على خمسة وجوه فيما نقله الإمام السيوطي عن الراغب الأصفهاني :(9)

تجري مجرى صار وطفق، ولا تتعدى، نحو جعل زيدٌ يقول كذا.

والثاني بمعنى أوجد فتتعدى لمفعول واحد؛ نحو :”وجَعَلَ الظُلُمَاتِ والنُور” [ الأنعام : الآية 1]

والثالث في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه؛ نحو:” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا “[ النحل: الآية 72]. “وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَال أَكْنَانًا”[ النحل،الآية: 81]

والرابع في تصيير الشيء على حالة دون حالة؛ نحو: ” الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَاشاً ” [البقرة،الآية : 225]، ” وجعل القمر فيهن نورا” [ نوح، الآية : 16].

والخامس الحكم بالشيء على الشيء حقا كان؛ نحو :” وَجَاعِلُوهُمِنَالْمُرْسَلِينَ ” [ القصص : 7]. أو باطلا؛ نحو ” وَيَجْعَلون لِلَّهِ الْبَنَاتِ ” [ النحل، الآية، الآية 57]

وهذا التنوع والثراء في إيراد ألفاظه المشتركة؛ هو ما يُعجز على الإتيان بمثله، ووجه الإعجاز من هذا الوجه هو  قول الإمام السيوطي أن الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها، وأكثر، وأقل ولا يوجد هذا في كلام البشر. والله أعلم.

 5 منهج المؤلف في إيراد الألفاظ المشتركة.

ولِمَا كان من هذا الوجه من طول وغزارة المادة، لا بأس أن نقف عند بعض النقط المنهجية التي أقام بها الإمام السيوطي هذا الوجه ومن بينها :

 إيراد اللفظ دون إرجاعها إلى مادته اللغوية، بل يأتي به كما أنزل، إلا في بعض الاستثناءات ، منها :«تَعْبُرُونَ»(10) في موضع، فأتى بمادته في موضع آخر “عبر”

.«تَعْضُلُوهُنَّ»(11) ذكره في موضع فأتى بمادته في موضع آخر “عضل”.

وقد يأتي باللفظ على مادته ـ وهو أمر قليل ـ ومن قبيل ذلك: «ظلم» ،«دعا».

و في إيراده لألفاظ يستفيض في التفسير و يتوسع فيه فيذكر اللفظ و يأتي بما يقاربه وقد يتوسع في تفسير الآية كاملة؛ ومن ذلك قوله:”مع أني زدت مع اللفظ المشترك تفسير مفردات لابد له منها، ليتم له معناه “(12)

استقصاء ذكر الحروف ومعانيها، و كذا ذِكر الأدوات والنواسخ، وهذا أمر ليس في المشترك في شيء و إنما أورده ـ كما أشار ـ لما له من أهمية في اختلاف مواضعه.

ومنه قوله في هذا الصدد :”وأعقبت كل حرف بحروف تشاكلها منها من الأسماء والظروف، لأن ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها، ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها.”(13) ومنه قوله تعالى :«وإنا وإيَّاكُم لعلى هدًى أو في ضَلال مبين»(14) ففي الآية استُعملت «على» إلى جانب الحق، و«في»  إلى جانب الضلال، لأن جانب الحق كأنه مستعلٍ، وصاحب الباطل كأنه في الدرك الأسفل، لا يدري أين يمضي.

وفي ترتيب الألفاظ يظهر أن السيوطي لم يكن يحتكم إلى منهج محدد في إيراده لألفاظ، وإنما في الوهلة الأولى تحسبه خاضعا إلى ترتيب هجائي وفجأة يخرج عنه؛ فبدأ بحرف الهمزة ـ ترتيبا ـ إلى حرف الزاي، وبعدها انتقل إلى الطاء، والظاء ، تاركا السين، والشين وهكذا …

وأختم بقول طريف لأبي حيان التوحيدي لما سُئل عن موضع الإعجاز في القرآن فقال: “هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان ؟”(15)وعليه فلا موضع للإنسان من الإنسان لدلالته بالقوة على نفسه، وهذا ما يصدق على كتابه عز وجل، فإنّه بمجرد النطق بكلماته تميلُ القلوب إليه، لعظمته وعجز الإنسان على الإتيان بمثله، فمهما يبلغْ الإنسانُ من العلم، يبقَ كتاب الله سبحانه المثل الأعلى الذي لا مثل بعده.

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة.

 1 لسان العرب، مادة عرك، ص 291.

2  معترك الأقران، ج 1، ص 388

3 معترك الأقران، ص 387

4 المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ص 285.

 5 سورة الفاتحة، الآية:756

 6 سورة البقرة، الآية 5

.7 سورة أل عمران، الآية 73

.8 سورة مريم، الآية 76.

 9 نقلا عن كتاب معترك الأقران ج 2، ص 144 145.

 10 سورة يوسف، الآية 43

 11 سورة البقرة، الآية 232.

12 معترك الأقران، ج 1، ص 389 

 13المرجع نفسه ، ص 389

.14 سورة سبأ، الآية 24 

 15 روائع البيان في إعجاز القرآن :الدكتور محمد سالم محيسن، ص  23. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق