وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

المدرسة المرينية بطالعة سلا

 تعتبر المدرسة المرينية بطالعة سلا من أشهر وأجمل المدارس التي بناها السلطان أبو الحسن المريني[1]. بالمغرب، وكان ذلك سنة 733هـ،  وقد شكلت هذه المدرسة في القرن الرابع عشر قبلة  للطلبة الذين يفدون إليها من جميع أنحاء البلاد طلبا للعلم والمعرفة، وكانت المدرسة تدرس أصول الفقه والآداب واللغة والفلسفة والطب والحرف الصناعية، ورغم صغر حجمها ومساحتها، إلا أنها تعد تحفة معمارية فريدة، بفضل هندستها البديعة وجمال زخرفتها و شكلها، إذ تتوفر على ساحة مستطيلة تحيط بها أربعة أروقة، و تحتوي عل حجرات الطلبة الموزعة على طابقين.

 كان ابتداء بنائها سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، حسبما هو مكتوب على بابها نقشا في الخشب الذي هو فوق القوس الحجري ونص ذلك:

اقتضى أمر أمير المسلمين     هذه السنة في أسعد حين

لثلاث وثلاثين –  بها –        أسست      – والسبعمئين.

وكان تاريخ الفراغ من بناء هذه المدرسة كما في رخامتها، يوم الجمعة التاسع عشر من جمادى الثانية عام اثنين وأربعين وسبع مائة[2].

هذه المدرسة من المدارس التي بناها السلطان الأسعد أبو الحسن المريني بأمصار مملكته، وهي وحدها شاهدة بقوة ملكه وعظم همته، من أحسن المدارس شكلا ورونقا، وأرفع المباني القديمة وأتقنها صنعا وإحكاما، ولطفا وظرفا، وقد أودعها الصناع من بديع الصنائع ما لا مزيد عليه من الحسن والإتقان، وحالها اليوم شاهدة على ذلك مع كونها أشرفت على الخراب[3].

وقد فرشت هذه المدرسة بالزليج القديم الرفيع بصنعة عجيبة، وأدير بحيطانها وسواريها حزام يزيد على الذراعين من الزليج المذكور، واتصل به حزام قدر أربعة أصابع دائر بحيطان المدرسة كلها، مكتوب نقشا في الزليج قصيدة دالية تضمنت مدح بانيها السلطان بانيها السلطان أبي الحسن المريني، والدعاء له وذكر محاسن المدرسة، وجلها قد محي وأتلف، والباقي منها عن يسار الداخل لقبة المدرسة [4] .

كان الطلبــة بها كثيرين جدا، والمدرسون،  ويذكر أن في هذا الزمان الذي بنيت فيه المدرسة المذكـورة بسلا، ورد عليها الوزير الأديب ابن الخطيب السلماني، فلقيه بها من شعرائهــا عدد كبير ينيف على المائة شاعـر في مختلف القافيات والأوزان، وذاك ما جعله يفضـل السكن بها مـدة من عمره عند خروجه من الأندلس[5]..
ودون ابن علي في 13 صفر/ 1336 31  دجنبر 1914، تقييدا[6]. عن مدرسة الطالعة تناول حالتها من حيث عدد طلابها، والعلوم التي تدرس فيها، وأسماء أساتذتها، وسبب بطلان التعليم فيها، وبيانات عن الأشعار المرقومة في جدرانها   وسواريها،… قال المؤلف إن عدد الطلبة بها كان كثيرا خلال العهد المريني، وأن سلا أنجبت من الأدباء في العصر المذكور عددا كثيرا، بحيث أنه لما ورد لسان الدين ابن الخطيب على المدينة، كان عدد الشعراء الذين لقيهم بها يتجاوز المائة، وعن العلوم التي كانت تدرس فيها، ذكر أنها علوم الشريعة واللسان والفلسفة والصنائع، وأن أعيان بعض المدن مثل فاس كانو يشدون الرحال إليها، لتلقي العلوم العلوم كالطب والتصوف عن رجال مثل عمر بن غياث، وأبو الفضل العجلاني، وأحمد بن عاشر الأندلسي، وفيما يرجع البعض من أساتذتها قال إن القاضي الشاعر أحمد ابن الحفيد، كان أول عميد للمدرسة، وأن أول من درس العربية بها كان هو علي بن إبراهيم الأنصاري المالقي المعروف بسيدي علي الغرناطي، ومن جملة مدرسيها كذلك في العصر المريني، عبد الله العثماني المشهور بابن الصباغ السلاوي المتوفى عام 747هـ، وعلي بن موسى المطماطي  وأبو القاسم محمد بن داود الفخار السلاوي، والفاضي سعيد العقباني، والقاضي على بن عطية المكناسي…وكان من آخر الأساتذى بها في القرن الرابع عشر للهجرة أحمد بن محمد بن موسى الهمساسي، وذلك من 1302 إلى 1310، وبعد ذلك أصبحت المدرسة مخصصة لتعليم القرآن الكريم، فكان محمد بن سالم الحناوي ت 1325 آخر من علمه فيها [7].

وكانت تدرس بها سائـر العلوم الشرعية وسواها، ما بين رسائل من علوم اللسان، مقاصـد من علوم الدين، وكماليات من علوم التصوف، والفلسفة، والصنائع.
وأفاد ابن الخطيب السلمانــي الأندلسي في كتابه: (مثلى الطـريقة، في علم الوثيقة) أن أهل سلا في عصره (أواسط المائة الثامنة للهجرة)، كانت لهـم مشاركـة كبرى في سائر العلـوم، واختصاص ببعضهـا التي لا يتعاطاهـا سواهـم إذاك، والدليل على الاختصـاص المذكور، أن أعيـان علمـاء فاس في ذلك الزمان كانوا يرحلون إلى سلا لأخــذ الطلب والتصوف عن أساتذتهـا. [8].

وتذكر المصادر التاريخية أن سبب ترك القراءة في المدرسة المرينية كان مجاورتها للمسجد الأعظم الواسع الأرجاء، نظرا  لضيق مساحتها، وإضافة أحباسها إلى الأوقاف العامة، وعرفت المدرسة المرينية بسلا مجموعة من عمليات الإصلاح والترميم في عهد الحماية وبعد الاستقلال، وفي عصرنا الحالي، ومازالت بنايتها شاهدة على ما أودع فيها الصانع المغربي من بديع مهارته في فن العمارة والنقش والزليج والزخرفة… .

[1] – هو السلطان أبو الحسن بن علي بن السلطان أبي سعيد المريني، دفين شالة المتوفى عام 752هـ،

[2] – الإتحاف الوجيز في تاريخ العدوتين ص 66  الطبعة الثانية 1996م، مطبعة المعارف الجديدة.

[3] – الإتحاف الوجيز في تاريخ العدوتين ص 62  الطبعة الثانية 1996م، مطبعة المعارف الجديدة.

[4] – الإتحاف الوجيز في تاريخ العدوتين ص 65  الطبعة الثانية 1996م، مطبعة المعارف الجديدة.

[5] – دعوة الحق مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية العدد 293 ربيع 1-ربيع 2 1413/ شتنبر-أكتوبر 1992.

[6] – وهذا التقييد محفوظ بالخزانة الصبيحية بسلا، وهو بخط المرحوم الحاج الصبيحي،

[7] – الإتحاف الوجيز في تاريخ العدوتين ص 62  الطبعة الثانية 1996م، مطبعة المعارف الجديدة.

[8] – دعوة الحق مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية  العدد 293 ربيع 1-ربيع 2 1413/ شتنبر-أكتوبر 1992.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق