- "علامة كمال الحب دوام ذكره في القلب، بالفرح، والسرور، والشوق إليه، والأنس به، وأثرة محبة الله على محبة نفسه، والرضا بكل ما يصنع. وعلامة أنسه بالله استلذاذ الخلوة، وحلاوة المناجاة، واستفراغ العقل كله حتى لا يكاد يعقل الدنيا وما فيها، ولا يحمل هذا على الأنس بالخلق، فيرتب على مدارج العقول، كما لا يحمل المحبة على محبة الخلق، فيكون بمعاني العقول، لأنه حال منها، أو إنما هو طمأنينة وسكون إليه، ووجد حلاوة منه، واستراحة وروح بما أوجدهم". [1]
- سئل الجنيد رحمه الله تعالى عن المحبة، فقال: "الناس في محبة الله خاص وعام. فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم في دوام إحسانه وكثرة نعمه، فلم يتمالكوا أن أرضوه، إلا أنهم تقل محبتهم وتكثر على قدر النعم والإحسان. فأما الخاصة فنالوا المحبة بعظم القدر والقدرة، والعلم والحكمة، والتفرد بالملك، فلما عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه، إذ استحق عندهم المحبة بذلك؛ لأنهم أهل لها، ولو أزال عنهم جميع النعم". [2]
- وكان الجنيد يقول: "من علامة المحب في المكاره والأسقام هيجان المحبة، وذكرها عند نزول البلاء، إذ هو لطف من مولاه، وفيه القربة إلى محبوبه، وقلة التأدي بكل داء وبلاء يصيبه؛ لغلبة الحب على قلبه". [3]
- قال أبو عمرو الزجاجي: "سألت الجنيد عن المحبة، فقال: تريد الإشارة؟ قلت: لا، قال: تريد الدعوى؟ قلت: لا. قال: فأيش تريد؟ قلت: عين المحبة. فقال: أن تحب ما يحب اللهُ تعالى في عباده، وتكره ما يكره الله تعالى في عباده". [4]
- قال رجل للجنيد: "على ماذا يتأسف المحب من أوقاته؟ قال: على زمان بَسْطٍ أورث قبضا، أو زمان أُنْس أورث وحشة. ثم أنشأ يقول: قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم فكدرته يد الأنام حين صفا". [5]
- قال الجنيد رحمه الله تعالى: "علم الفقير إذا قوي ضعفت محبته، وإذا ضعف قويت محبته، وحكم الفقير أن يكون فوق محبته...". [6]
- حكي عن الجنيد رحمه الله أنه كان يقول: "ذكرت المحبة بين يدي سري السقطي رحمه الله فضرب يده على جلد ذراعه فمدها ثم قال: لو قلتُ إنما جفّ هذا على هذا من المحبة لصدقتُ، قال: ثم أغمي عليه حتى غاب، ثم تورّد وجهه حتى صار مثل دارة القمر، فما استطعنا أن ننظر إليه من حُسنه حتى غطينا وجهه". [7]
الهوامش
[1] - قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، أبو طالب المكي محمد بن علي بن عطية (ت386ھ): حققه وقدم له وعلق حواشيه: محمود إبراهيم محمد الرضواني، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1422ھ/2011م، 2/1105.
[2] - المصدر السابق، 2/1163.
[3] - نفسه، 2/1088.
[4] - عبد الرحمن السلمي (ت412ھ): طبقات الصوفية، تحقيق: نور الدين شريبه، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1418ھ/1997م، ص: 163.
[5] - المصدر السابق، ص: 163.
[6] - اللمع، ص: 231.
[7] - المصدر السابق، ص: 382.