مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

“المتظاهرون بالإسلام”

يقول فخر الدين الرازي  في الباب التاسع من كتابه تحت عنوان: “في الذين يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين” : « وفرق هؤلاء كثيرة جدا إلا أننا نذكر الأشهر منهم:
فالفرقة الأولى الباطنية:
اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار وهم عدة فرق؛ ومقصودهم على الإطلاق إبطال الشريعة بأسرها ونفي الصانع ولا يؤمنون بشيء من الملل ولا يعترفون بالقيامة إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء إلا بالآخرة، ونحن نشير إلى ابتداء أمرهم فنقول:
نقل أنه كان رجل أهوازى يقال له عبد الله بن ميمون القداح؛ وكان من الزنادقة، فذهب إلى جعفر الصادق، وكان في أكثر الأوقات في خدمة ولده إسماعيل، فلما مات إسماعيل لزم خدمة ولده محمد بن إسماعيل. ثم إنه سافر مع محمد بن إسماعيل إلى مصر فمات محمد بن إسماعيل ولم يكن له ولد إلا أن جاريته كانت حملت منه. وكانت لعبد الله بن ميمون أيضا جارية قد حملت منه، فقتل عبد الله جارية محمد بن إسماعيل، فلما ولدت الجارية قال الناس: إنه قد ولد لمحمد بن إسماعيل ابن، ولما كبر الابن علمه الزندقة، وقال للناس إن الإمامة صارت من محمد إلى ابنه هذا وقد وجب عليكم طاعته، وساعده على ذلك بقية من أولاد ملوك العجم من المجوس لما كان في قلوبهم من عداوة الدين للمسلمين وأضلوا بذلك خلقا كثيرا. واستولى من ذلك القبيل جماعة من المغرب ومصر وإسكندرية، وانتشرت دعاويهم في البلاد، وأول[من] تملك منهم بمصر المهدي ثم القائم، ثم لما كان في زمن المستنصر سار إليه الحسن بن صباح وأخذ منه إجازة الدعوة ورجع إلى بلاد العجم وأضل خلقا كثيرا وإن كانت شجرة ملوك مصر قد انقطعت في زماننا إلا أن فتنة الحسن بن صباح قائمة بعد. ولنشرع في ذكر بعض فرقهم:
الأولى الصباحية:
وهم أتباع الحسن بن صباح، واعتمادهم في سائر المسائل على هذه النكتة؛ وهي أن العقل إن كان كافيا فليس لأحد أن يعترض الآخر، وإن لم يكن كافيا فلا بد من إمام. والجواب أن نقول إن كان العقل غير محتاج إليه، فكيف يميز المحق من المبطل بينهم. وإن كان محتاجا إليه فلا بد [من] حاجة إلى الإمام. ثم نقول هب أن الإمام محتاج إليه فأين ذلك الإمام ومن هو؟ لأن الذي ينصون عليه بالإمامة في غاية الجهل لأن أمراء مصر الذين كانت دعوة الباطنية كان أكثرهم جهالا فساقا.
الثانية الناصرية:
 وهم أتباع ناصر بن خسرو، وقد كان شاعرا، وضل بسببه خلق كثير.
 الثالثة القرامطية:
 أتباع حمدان القرمطي، وكان رجلا متواريا صار إليه أحد دعاة الباطنية ودعوه إلى معتقدهم فقبل الدعوة ثم صار يدعو الناس إليها، وضل بسببه خلق كثير واجتمع منهم قوم وقطعوا الطريق على الحج وقتلوهم وأرادوا أن يخربوا مكة فدفع الله تعالى شرهم وقتلوا عاقبة الأمر.
الرابعة البابكية:
 أتباع بابك وهو رجل من أذربانجان، اشتدت شوكته على طول الدهر وأظهر الإلحاد واجتمع عليه خلق كثير، وكان في زمن المعتصم وأسروه بعد محاربات عظيمة واندفع شره.
الخامسة المقنعية:
 أتباع مقنع وكان من أصحاب أبي مسلم صاحب الدعوة وادعى بعده النبوة وعظم أمره واجتمع عليه خلق كثير ثم ادعى الألوهية وقتل عاقبة الأمر.
السادسة السبعية:
 وهم يقولون أن الدور التام سبعة بدليل أن السموات والأرضين سبع وأيام الأسبوع سبع والأعضاء سبع، ثم قالوا والدور التام للأنبياء أيضا سبعة فالأول آدم عليه السلام ووصيه شيث، والثاني نوح[عليه السلام] ووصيه سام، والثالث إبراهيم [عليه السلام]  ووصيه إسماعيل وإسحق، الرابع موسى [عليه السلام]  ووصيه هارون، الخامس عيسى [عليه السلام]  ووصيه شمعون، السادس محمد [عليه السلام] ووصيه علي [رضي الله عنه]، والإمام الأول علي والثاني الحسن والثالث الحسين والرابع زين العابدين والخامس محمد الباقر والسادس جعفر الصادق والسابع إسماعيل بن جعفر، والمقصود من البعثة والرسالة هو أن يلحق الجثمانيون من نوع من الأنس بالروحانيين. فلما انتهت النبوة من الابن إلى محمد بن إسماعيل ارتفع التكليف الظاهر من الناس، فبهذا الطريق يخرجون الخلق من الشريعة، وعلى الحقيقة إن جميع ما يذكرون من هذا الجنس فإنما يذكرونه من طريق التلبيس، وذلك بأنهم لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بالإمام ولكنهم يضلون الخلق بهذا الطريق».

 [الكتاب: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين- المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)- المحقق: علي سامي النشار- الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت]

 

                                                        إعداد الباحث: منتصر الخطيب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق