مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

نصيحة المغترين وكفاية المضطرين لميارة تـ1072هـ

اعتنى الفقهاء المغاربة بموضوع الفتاوى والنوازل والأجوبة على مذهب مالك رحمه الله عناية شديدة، وألفوا فيه المؤلفات، مختصرين ومطولين. وممن اشتهر بهذا العِلْم الفقيه  أبو عبد الله محمد بن محمد أحمد مِيَّارَة (ت 1072هـ) في كتابه الموسوم بـ «نصيحة المغترين وكفاية المضطرين في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين ولا جاء به الرسول الأمين ولا ثبت عن الخلفاء المهديين»،  الذي أدلى فيه بدلوه للوقوف على الحكم الشرعي.

 والكتاب عبارة عن جواب مفصل عن فتوى ترصُد طبيعة العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين تجار قيسارية فاس، حينما أقدم التجار المسلمون القدماء  على منع  التجار المسلمين الجدد، أو حديثي العهد بالإسلام من اعتمار حوانيت القبة الكبرى من قيسارية فاس، سندهم في ذلك فتوى بعض المفتين الذين حَوَّرُوا الفتوى من الجواز إلى المنع، انطلاقا من تأويلات خاطئة للآيات القرآنية وأحاديث موضوعة، وذلك لخدمة المصالح المادية لفئة معينة على حساب  أخرى.  

وجاء تأليف الفقيه ميارة لكتاب نصيحة المغترين جوابا عن فتوى مضمونها: هل يجوز اعتمار القبة الكبرى بقيسارية فاس من طرف المسلمين الجدد أوحديثي  العهد بالإسلام؟

وهو الصراع الذي دام رَدْحًا طويلا من الزمن بين مكونات المجتمع الفاسي، وقد استُفتي فيه كثيرٌ من الفقهاء والأئمة، وكان الفقيه ميارة رحمه الله واحدا ممن تصدوا لهذه النازلة بمؤلف جامع لمضامينها، مُسْتَوْفٍ لجزئياتها، ونتيجة فتواه أنه: لا يجوز التفريق والمفاضلة بين المسلمين على أساس عرقي أو لوني أو سَبْقٍ للإسلام.

وقد أشار المؤلف في مقدمة كتابه عن سبب التأليف بقوله: كنت قد سُئِلْتُ قبل مدة عن نازلة حكمها أشهر من نار على عَلَم، غنية عن الكلام فيها فضلا عن الكتب بالقلم، هي أن رجلا طلع حانوتا في القبة الكبرى من قيسارية فاس على أن لا ضرر ولا ضرار ولا بأس، فاجتمع سكانها على منعه من ذلك، وتحزبوا على سد تلك المسالك، محتجين على كونه من جنس اصطلحَ من لا مروءة له ولا دينَ على شتمهم بالمهاجرين، من غير أن يجعلوا لاصطلاحهم قاعدة، ولا لما ينبني عليه فائدة، مع أن البعض من هذا الجنس فيها قديم إلى الآن ولم يمنعه من طلوعها.

وسلك الفقيه ميارة في مؤلفه تصميما محكما، و منهجا موسوما بالدقة والتقصي،  مقسِّما مادته العلمية على خمسة أقسام، فخصّص القسم الأول بتمهيد عام وشامل للنازلة، وبينما تناول في القسم الثاني التعريف بالقضية وجذورها، وقام في القسم الثالث  بعرض نماذج من رسوم وأقوال العلماء والفقهاء الذين عاصرهم، وأما القسم الرابع فقد أدلى فيه بدلوه في القضية المطروحة، ثم ختم القسم الخامس بنصائح وإرشادات لساكنة مدينة فاس.

وأما عن أسلوب المؤلف في الكتاب فهو محكم ومتين وسلس، وحسن الترتيب، واضح العبارة، خال من التعقيد، يفهمه المسلم المتخصص وغيره، مما جعله ينعكس إيجابا على المجتمع الفاسي عامة وعلى معتمري حوانيت القيسارية خاصة.

وتنوعت مصادر المؤلف التي استقي منها نصوص الأدلة، فإلى جانب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كان اعتماده على كتب أمّات الفقه المالكي، كالتبصرة للإمام اللخمي، والذخيرة لشهاب الدين القرافي، واعتمد كتب التفسير كتفسير الثعالبي والكواشي، ولم يغفل كتب الفتاوى والنوازل والأجوبة، كالمعيار والجامع المعرب  لأحمد بن يحيى الونشريسي، وكانت كتب العقيدة حاضرة أيضا في مصادره، كالعقيدة الكبرى لمحمد بن يوسف السنوسي وغيرها.    

– الكتاب: «نَصِيحَة الُمغْتَرين وكفاية المضطرين في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين ولا جاء به الرسول الأمين ولا ثبت عن الخلفاء المهديين».

– المؤلف: الفقيه  أبو عبد الله محمد بن محمد أحمد ميارة (ت 1072هـ).

– مصادر ترجمته: طبقات الحضيكي(2/309). سلوة الأنفاس(1/175). شجرة النور الزكية(309).

– دراسة وتحقيق: مينة المغاري وحفيظة الدازي.

– الناشر: دار أبي رقراق للطباعة والنشر- الرباط.

إعداد: ذ. عبد الكريم بومركود.

Science

الدكتور عبد الكريم بومركود

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء الرباط

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هناك تحقيق جيد وأكثر جدية من التحقيق الحالي وقد قام بذلك الدكتور محمد الغرايب والدكتور مصطفى بنعلة وهو من منشورات ربانيت

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق