مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

القـول المرجـوح 3

د/ادريس غازي

باحث بمركز دراس بن اسماعيل 

 

والحاصل من هذه النقول مجتمعة:

– أن المتعين في الفتوى والقضاء الاعتماد على الأقوال الراجحة أو المشهورة من مذهب الإمام مالك، أما الأقوال المرجوحة سواء لضعف أدلتها أو تفرد القائل بها، فإن الأصل فيها هو الإهمال، وذلك قصد الحفاظ على قواعد المذهب، وصيانة منصبي الفتوى والقضاء من التسيب، واتخاذ مرجوح الأقوال مطية للأغراض والمقاصد الباطلة، وهذا ما قصد إليه الإمام المازري الذي رسخت قدمه في الاجتهاد حين قال: “لا أفتي بغير المشهور ولا أحمل الناس على غيره، لأن الورع قل بل يكاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك وقد كثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه بغير بصيرة، فلو فتح لهم باب في مخالفة مشهور المذهب لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيبة المذهب، وهذا من المفسدات لأنه يكون تحكيما فلا يسير إلا حيث يكون غرضه وشهوته، ولا يكون داخلا تحت قانون شرعي يضبط به تصرفاته التي لا خفاء بها”[1].

وقال ابن فرحون: “وذكر عن المازري رحمه الله تعالى أنه بلغ رتبة الاجتهاد وما أفتى قط بغير المشهور، وعاش ثلاثا وثمانين سنة وكفى به قدوة في هذا، فإن لم يقف على المشهور من الروايتين أو القولين، فليس له التشهي والحكم بما شاء منهما من غير نظر في الترجيح”[2].

وقال الونشريسي في معرض الجواب عن سؤال وجه إليه حول التقليد والاجتهاد: “وأما أن يعمل [أي المقلد] أو يفتي أو يحكم بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح، ولا تقييد بالمشهور والصحيح، فإنه لا يحل ولا يجوز، فإن فعل فقد أثم بلا نزاع وجهل وخرق سبيل الإجماع”[3].

وقد علق العلامة القادري على هذا القول: “فقوله من الأقوال أي الشاذة، وقوله أي الوجوه أي الأقوال الضعيفة الوجه والدليل والله أعلم”[4].

– أن المذكور أعلاه من لزوم الفتوى والقضاء براجح المذهب أو مشهوره هو القاعدة العامة الواجب المضي عليها في الأحوال العادية، إذ الأصل “أن المقلد بعد اطلاعه على الراجح أو الأرجح من قولي إمامه أو أقواله، لا يجوز له تقليد المرجوح لا باعتبار نفسه ولا باعتبار حمل غيره عليه، لأن العمل بالراجح أو الأرجح واجب”[5].

لكن قد يرد على هذه القاعدة المقررة من الاستثناء ما يجعل للقول المرجوح بصنفيه حظا من النظر يقتضي الإعمال ويوجب الترجيح، ولذلك ندرك السبب في عناية العلماء بالأقوال المرجوحة إلى جانب الأقوال الراجحة أو المعمول بها، حيث بقيت محفوظة النسبة إلى القائلين بها محققة المدارك، بل قد تكون هي المطلوبة والمتعينة كلما قامت الاقتضاءات وانتفت الموانع.[6]

 


[1] – انظر الموافقات 4/105.

[2] – تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام 1/57.

[3] – المعيار 12/12.

[4] – رفع العتاب والملام ص28.

[5] – المعيار 12/27.

[6] – انظر نشر البنود على مراقي السعود، لسيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي 2/275-276، طبع تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، مطبعة فضالة، المحمدية المغرب. وانظر كذلك رفع العتاب والملام للقادري ص38-39.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق