مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

مصطلح التوبة 3

ذة. أسماء المصمودي.

باحثة بمركز دراس بن إسماعيل .

 

التوبة في الاصطلاح الصوفي: 

يقول عبد الواحد بن عاشر:

        وتوبة من كل ذنب يجـتـرم          تجب فورا  مطلقا وهي النـدم

        بشرط الإقلاع ونفي الإصرار         وليتلاف مـمكنا ذا استـغفار[1]

فتجب التوبة من الذنوب المجهولة إجمالا ومن المعلومة تفصيلا… ووجوبها على الفور لا على التراخي، فمن أخرها وجبت عليه التوبة من ذلك التأخير، ويكون الندم توبة بثلاثة شروط : الأول : الإقلاع عن الذنب في الحال بنية لأنها روح العمل، ولكن إنما يشترط هذا الشرط في معصية اتصلت بالتوبة فلو تاب من معصية بعد الفراغ منها كشرب الخمر أمس سقط هذا الشرط، الشرط الثاني أن ينوي أن لا يعود إلى ذلك أبدا وهذا الشرط لابد منه في حق من تاب بعد الفراغ من المعصية ولا إشكال، الشرط الثالث ما يمكن تلافيه من الحقوق التي ترتبت عليه قبل التوبة كرد المظالم ..”.[2]

ولعل ما ذكره السادة الصوفية في تعريفهم للتوبة ـ وهنا تجدر الإشارة إلى أنهم اتفقوا على تصنيفها كأول مقام من مقامات السير الصوفي ـ يتوافق مع ما أورده الشيخ ميارة في ضبط شروط التوبة ومستلزماتها .

فيقول سيدي ابن عجيبة الحسني في التوبة أنها “الرجوع عن كل قبيح، إلى كل فعل مليح، أو عن كل وصف دني إلى التحقق بكل وصف سني،أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق وشروطها الندم والإقلاع ونفي الإصرار، وأما رد المظالم ففرض مستقل… فتوبة العامة من الذنوب، وتوبة الخاصة من العيوب، وتوبة خاصة الخاصة من كل ما يشغل السر عن حضرة علام الغيوب، وكل المقامات تفتقر إلى التوبة، فالتوبة تفتقر إلى توبة أخرى بعد نصوحها ، والخوف يفتقر إليها بحصول الجزع، والزهد بخواطر الرغبة…والتوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وعدم الإصرار بالجنان، ومهاجرة سيئ الخلان.[3]

“وسئل السوسي عن التوبة فقال: التوبة الرجوع  من كل شيء ذمه العلم إلى ما مدحه العلم.

وسئل سهل بن عبدالله عن التوبة فقال: أن لا تنسى ذنبك”[4]

وسئل الجنيد رحمه الله عن التوبة فقال” هي نسيان ذنبك” وبين نسيان الذنب وعدم نسيانه خيط رفيع ، إذ الجامع بينهما أن الأول في دوام المراقبة لله عز وجل والثاني في دوام الوقوف على باب الرجاء والعكوف عليه وكلاهما معا في حال توافق مع التذلل في الحضرة الإلهية .

وقال سهل بن عبدالله : التوبة ترك التسويف[5]

“ويقول ذو النون المصري: التوبة توبتان: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة أن يتوب العبد خوفا من عقوبته، وتوبة الاستجابة، أن يتوب حياء من كرمه”[6]

وعموما فالتوبة ملاذ المؤمن وفراره إلى الله ، فأي ملاذ لهذا الضعف البشري سوى العفو الإلهي، كيف لا وقد جعل بابه التوبة قبل اللقاء، ذاك اللقاء الذي جعله للتائبين لقاء السلم والصفاء، لقاء الهدنة والطمأنينة، لقاء المذنب الضعيف مع العافي القوي، فيفرح الرب بتوبة عبده، ويفرح العبد بعفو ربه وسعة رحمته، تلك المفارقات التي لا يمكن أن نجمع شتاتها إلا في حضرة الاعتراف بالعبودية والاستسلام للربوبية .

فالضعف ومشقة التغلب عليه يفي به الانكسار للقوي الحليم، الذي منه يأتي العفو،  كن صادقا مع الله ترى لتوبتك كل معاني محبة الله للعبد قبل محبة العبد لله، فتح الباب لمن يريد أن  يلج الرياض ، رياض العفو والمغفرة، ضيف منكسر ومتذلل، بالذنب معترف وفي العفو طامع، وصاحب بيت العزة  مستضيف جليل،  عفو كريم .

فالتوبة أمر عظيم في الإسلام لكل تلك المعاني التي يجسدها الرجوع بها إلى الله والرضى به وبمحبته ، والتخلي عن الهوى وما يجره على صاحبه من المهالك  التي تفقده عطر إنسانيته وعبق عبوديته وريحان قربه وغيبته في المحبة الدائمة لله وفي الله وبالله.

 

 


[1] مختصر الدر الثمين والمورد المعين ،لمحمد بن أحمد الفاسي الشهير بميارة،دار الرشاد الحديثة ط.2010ص134

[2] انظر المزيد من التفصيل في مختصر الدر الثمين، ص 134،135

[3] معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ابن عجيبة الحسني، ص.27

[4] اللمع،أبو نصر السراج الطوسي، تحقيق عبد الحليم محمود،مكتبة الثقافة الدينية،ص.68

[5] الرسالة القشيرية، أبو القاسم القشيري، تحقيق عبدالحليم محفوظ، ومحمود بن الشريف، مطابع مؤسسة دار الشعب،ص.178

[6] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، رفيق العجم، مكتبة لبنان، ط.1،ص.213

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق