مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

الفعلُ “استضافَ” يُستعملُ اليومَ في غير مَوضعه


اسْتَضافَ يستَضيفُ فعلٌ يدلُّ على مَعْنى : طَلَب الضّيافَة ؛ فإذا قُلْنا :”نسْتضيفُ” فَمعناه نطلبُ الضيافَةَ؛ وذلكَ خلافاً للاستعمال الجاري الذي يقلبُ دلالةَ الفعل فيجعلُها للمُضيِّفِ، والقياسُ أنْ نَقولَ: اسْتَضافَ زيدٌ، فضُيِّفَ أي طلبَ الضيافةَ والنزولَ على قومٍ فأنزلوه ديارَهم.

قد يقولُ القائلُ: الاستعمالُ المُتداوَلُ اليومَ فيه مجازٌ مثل الطاعم الكاسي  أي المُطعَم المَكْسوّ، والليل القائم والنهار الصائم… والجوابُ أن السياقَ البلاغي ألجأ إلى القلبِ أو تضمين صيغةٍ فعليّةٍ معنى صيغة أخرى وهما من الأصل المعجميّ الواحد. وعلةٌ أخرى تقدحُ في الاستعمال المعاصر وهي أنّ العربَ قَلَبَت أو ضمّنَت أو جازَت بالمعنى ، قصداً ودرايةً ، أما الاستعمال المعاصر ففيه انزياحٌ وانزلاقٌ من غير قصدٍ إلى المَعْنى المُجازِ إليه

قد يَقولُ القائلُ : لِمَ لا يُفيدُ الفعلُ اسْتَضافَ مَعْنى طلبَ المُستضيفُ أن ينزلَ عليه المُستضافُ ضيفاً، أي دَعاه إلى النزول عندَه؟ والجوابُ: أنّ هذه المعنى مُحتمَل، تُفيدُه الصيغةُ الصرفيةُ، ولكن مع ضربٍ من التّوجيه، لا لغلَبَة الاستعمال الدّاارج؛ فالتّوجيه مطلوبٌ لأنّ المعنى الذي ذكرْتَ خروجٌ عن الأصل الوضعيّ، فاحتاجَ هذا الخروجُ إلى علّة، وهي بيان الدّلالة، أي البرهنَة عليه بأنّه طلبَ إليه أن يحلّ عليه ضيفاً، وإلاّ فالأصلُ ما وردَ في قوله تعالى: [فأبوْا أن يُضيِّفوهُما]، وقول وقول الفزاري جويرية بن أسماء يصفُ الذئبَ:

ورأَيتُ حَقّاً أَن أُضَيِّفَه /// إذْ رامَ سِلْمِي واتَّقى حَرْبي

استعار للذئبِ التضييفَ، وإنما يريد أَنه أَمَّنَه وسالمه….. ومن الصيغ المُستعمَلَة في الأصلِ الوضعيّ: ضِفْتُ الرجلَ وتَضَيَّفْتُه سأَلته أَن يُضِيفَني

وأَتيتُه ضَيْفاً……. أمّا اسْتضافَ فإن استُعمِلَ فبمَعْنى طلبَ هو أن ينزلَ على غيرِه ضيفاً لا العكسُ، وقد ذكَرَ العربُ أنّ المُدَفَّعَ والمُتدافَعَ هو المَحْقُور الذي لا يُضَيَّف إِن اسْتضافَ ولا يُجْدَى إِن اسْتَجْدَى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق