وحدة الإحياءقراءة في كتاب

العلوم الإسلامية أزمة منهج أم أزمة تنزيل؟

لقد شكلت ندوة العلوم الإسلامية[1] لحظة من لحظات النظر البنائي تشخيصا ونقدا وعلاجا في أفق إنتاج البراديغمات الهادية لاستئناف عطائنا الحضاري. وهو ما تناولته من خلال سبع جلسات عمل فضلا عن جلستي الافتتاح والختام، حيث حاولت هذه الندوة الكشف عن المحددات النظرية والمنهاجية لهذه العلوم وتشخيص عللها واقتراح المنهجيات الكفيلة بتجديد براديغماتها وتفعيل علاقتها مع الوحي واقتراح السبل الكفيلة بتجاوز إشكالاتها.

جدير بالذكر أن الندوة شارك فيها ثلة من العلماء والمفكرين من المغرب وتونس وموريتانيا ومصر وسوريا والكويت وأمريكا وذلك من خلال ستة وعشرين بحثا علميا توزعت على جلسات الندوة السبعة وعرضت على الشكل التالي:

بدأت أعمال الندوة بالجلسة الافتتاحية التي تليت فيها آيات من الذكر الحكيم وتخللتها كلمات كل من اللجنة المنظمة والسيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء د. أحمد عبادي، كما ازدانت هذه الجلسة بالمحاضرة الافتتاحية التي ألقاها د. رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، ومستشار تحرير مجلة "التسامح" المعنونة بـ"إشكاليات العلوم الإسلامية بين التنزيل والتأويل" حيث أشار فيها المحاضر ابتداء إلى صلته الوثيقة بأعمال الحارث المحاسبي أكاديميا ليخلص إلى صياغة منظومته الفكرية الجديدة التي حددها في ثلاث؛ الأولى أن الحارث المحاسبي على خلاف المعتزلة والفلاسفة يرى في العقل بعدا غريزيا أي بنية إنسانية باعتبارها قدرة يوازن بواسطتها الإنسان بين العيان المدرك بالحواس وبين الخبر المنزل من الله وذلك عن طريق التفكر والاعتبار. النقطة الثانية تتمحور حول رؤية الحارث المحاسبي في فهم القرآن الكريم عبر آلية التأويل التي يراها هي المشكلة في الاستنباط التشريعي. النقطة الثالثة جلى فيها المحاضر خصوصية لمنهج التأويل عند المحاسبي من خلال أطروحة "العقل عن الله" والتي تتبع ثلاث خطوات أساسية: التعقل اللغوي والبياني للنص وعمل النص في تجربة الجماعة وصيرورة النص وانبثاقاته نتيجة لما سبق.

أما الجلسة الأولى التي تمحورت حول "العلوم الإسلامية: المحددات النظرية والمنهاجية" وترأسها د. أحمد السنوني فقد افتتحت بمحاضرة أسهم فيها د. طه جابر العلواني، رئيس جامعة قرطبة حول: "العلوم الإسلامية، أزمة منهج أم أزمة تنزيل؟"، نوّه فيها إلى أن معالجة أزمة العلوم الإسلامية تستمد أهميتها من ضرورة تصحيح مسيرة الأمة وإعادة بناء عالم أفكارها ودعائم ثقافتها ومناهج معرفتها وقواعد علومها من خلال إعادة تشكيل العقل المسلم، وتأسيس وعيه بالقرآن المجيد. وقد تمحورت الورقة حول أربع محاور أساسية، ذَهب أولها حول السياق التاريخي واللغوي لأصول خطاب العلوم الإسلامية تناول فيه بالتحري والاستقراء التاريخي خمس قضايا مركزية: عالجت القضية الأولى أصل تسمية "العربي" و"الأعجمي" ليصل إلى مناسبة اللغة العربية للبعد العالمي للخطاب القرآني، والثانية رصد فيها جوانب من الثقافة الجيوسياسية والدينية والتاريخية للعرب قبل نزول القرآن، مشيرا إلى أن ملامح ثقافتنا تكمن في ذلك التراث الشفوي قبل التدوين الذي اكتمل بالتفاعل مع الوحي. وفي القضية الثالثة حلل المحاضر العلاقة الكامنة بين أطراف الخطاب واستحقاقاته على مستوى الفهم والتنزيل مشيدا بالنقلة النوعية التي أحدثها القرآن الكريم منهجا ومعرفة، القضية الرابعة ركز فيها الباحث على التراكم الملحوظ لمعارف المسلمين بفضل نزول القرآن حتى عصر التدوين فهما وتنزيلا. بينما في القضية الأخيرة من هذا القسم وقف الكاتب وقفة متأنية مع كتاب "الموطأ" محاولا الوقوف على منهج الإمام "مالك" في الموطأ وتصنيفه. أما القسم الثاني من المداخلة فقد خصصه الدكتور طه للحديث عن مجمل الإشكالات المنهجية في العلوم الإسلامية، حيث أشار إلى الظروف التاريخية لنشأة هذه العلوم وتدوينها متطرقا لمجمل الإشكالات المنهجية التي تواجهها، وذلك بعد تعريف هذه العلوم ومجالات اشتغالها وأهم المباحث المتناولة فيها مختتما كل علم بأهمية الرجوع إلى الأصل القرآني لتصحيح مساره ولعل هذا ما حذا بالمحاضر إلى الوقوف مليا عند مسألة الهجر القرآني. أما القسم الثالث فقد أفرده د.طه بعلاج سؤال المنهج في العلوم الإسلامية من خلال الرؤية القرآنية حيث استقصى فيه طبيعة المنهج الإسلامي من خلال القرآن الكريم مبرزا أهم المحددات المنهجية القرآنية التي من شأنها، عند تفعيلها، الإسهام في حل العديد من المعضلات المنهجية. أما القسم الرابع والأخير فقد خصصه الباحث لفقه المراجعة في العلوم الإسلامية؛ حيث أشار إلى ضرورة المراجعة كشرط أساسي لتطور العلوم محددا أسس وقواعد هذه المراجعة المتمثلة أساسا في الاحتكام إلى الوحي ومقتضياته، من خلال أحد عشر مدخلا مختتما بحثه ببعض العوائق التي تعترض عملية هذه المراجعة.

الورقة الثانية في هذه الجلسة ألقاها فضيلة د. أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب في موضوع: "العلوم الإسلامية: المفهوم والوظيفة" أوجز فيها رؤيته للإشكالية المؤطرة لموضوع الندوة من خلال أربع نقاط أساسية. رصد في النقطة الأولى مفهوم العلوم الإسلامية بنفس إشكالي من حيث صيرورتها التاريخية مبديا إعجابه بذلك النبض المميز للعطاء الإسلامي في المجال العلمي، وفي النقطة الثانية رصد الأستاذ عبادي المؤشرات الدالة على قيمة المنسوب الكمي والنوعي لهذه العلوم في تاريخنا الحافل بهذا العطاء؛ مما جعله يتساءل في آخر المطاف عن السبيل إلى استئناف هذا المجد العلمي للأمة. كاشفا عن النقلات النوعية التي أحدثها القرآن الكريم في العقل العربي على المستوى المنهجي والمعرفي. النقطة الرابعة خصصها المحاضر للحديث عن وظيفة العلوم الإسلامية من خلال معالجة سؤال التفعيل ديداكتيكيا وبيداغوجيا، حيث خلص في آخرها إلى تحقيق السعادتين الدنيوية والأخروية كوجهة ارتيادية لهذه العلوم من جهة، وباعتبارها الخلفية الكامنة وراءها والمحركة لمفرداتها التفصيلية.

وجاءت مداخلة د. احميدة النيفر، الأستاذ بجامعة الزيتونة تحمل عنوان: "المفسر الحديث والوحي: قراءة في المقدمات التفسيرية لقطب وابن عاشور وحاج حمد". مهد المحاضر فيه ابتداء بعدد من المداخل الإشكالية لعلاقة المفسر الحديث بالوحي، من خلال التساؤل عن علاقة المفسرين المعاصرين بالقرآن الكريم، ومدى وعي المفسر الحديث بأزمة علم التفسير، وكذلك مقاصد المفسر المعاصر في مدونته التفسيرية بين الحفاظ على التراث وبين الإجابة على الأسئلة المعاصرة. حاول المحاضر بلورة هذه الأسئلة الإشكالية من خلال محورين: الأول ناقش فيه موقع الإنسان في الخطاب القرآني، راصداً فيه العلاقة الجدلية بين الوحي والتاريخ من أجل صياغة معاصرة للإيمان في مجتمعاتنا الراهنة؛ ولقد أجاب الباحث عن هذا الأمر من خلال ثلاثية: التجديد والأنساق الثقافية/النص والخطاب/تنجيم المعنى، حيث اعتبر في النقطة الأولى أن التجديد قرين لراهنية الإيمان، ولهذا حضر المتن التفسيري المعاصر لرأب الهوة بين مقتضيات النص المؤسس وبين القيم الواقعية السائدة. كما جرى التركيز على تفاعل النص مع الشروط الموضوعية التاريخية للإنسان؛ لهذا كان لابد من التمييز بين نص القرآن كمتن، وبين خطاب القرآن الذي هو أوسع مجالا، على اعتبار أنهما يقدمان خطابين مختلفين عن الإنسان، وهو ما عبر عنه الكاتب بـ"وحدة الخطاب وتعدد مستويات النص"، أما فيما يتصل بتنجيم المعنى فقد ناقش فيه المحاضر طبيعة القرآن وصلاحيته لكل زمان ومكان ارتكازا على ثلاثة مبادئ أساسية: الأول أن القرآن ليس مجرد نص تاريخي بل هو متعالي ويحمل في نفس الآن محايثة للواقع البشري، الثاني أن الوحي بما هو علاقة بين الله والإنسان يجعل الخطاب القرآني هو الفهم الحي للنص المقدس، الثالث هو انتهاء تنجيم القرآن لفظا، واستمرار تنجيمه للمعنى من خلال التفاعل الدائم مع الواقع. أما المحور الثاني فقد ركز المحاضر فيه على الرؤية القرآنية للإنسان بين فيه اعتمادا على ما سبق وظيفة الوحي المتمثلة في تحقيق الاتصال بن المطلق والنسبي، والإنسان بهذا الفهم الجدلي يتجدد وتتحقق صيرورته باستمرار.

الجلسة الثانية خصصت لمحور "العلوم الإسلامية: مقاربات تشخيصية" برئاسة الدكتور رضوان السيد حيث عملت أوراق الجلسة الأربعة على تشريح بعض النماذج من العلوم الإسلامية في قراءات ابستيمولوجية لكل من علم الأصول وعلم الكلام المعاصر؛ فجاءت ورقة د. برهان النفاتي، عن المعهد العالي للحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة في موضوع: "قراءة في علم الأصول" منتظمة في أربع نقاط أساسية: الأولى عدد فيها ما لا يحتاج إليه من المسائل في هذا العلم كالمسائل النظرية ذات البعد الكلامي، وتلك المتعلقة باللغة وغيرها مما لا طائل عملي يرجى منه، كما ذهب إلى ذلك الإمامين الشاطبي وابن عاشور. أما النقطة الثانية فتناول فيها الباحث ثلاث قضايا أصولية اعتبرها مما يفتقر إلى التقويم ويحتاج إلى مراجعة متأنية وهي: 1. قواعد التفسير وركز فيها الباحث بالنقد على مسألة تخصيص العام 2. الإجماع واكتفى فيه المحاضر بمراجعة مشاكل تعريفه ومراتبه وحجيته 3. القياس الأصولي وقد ركز فيه المحاضر على مشكلة التقليد في مجال التعليل دون الرجوع إلى الكتاب والسنة. النقطة الثالثة رصدت ما يصلح أن يكون مجالا خصبا منتجا للأحكام في مختلف العصور حيث تمت الإشادة بأصل المصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع... النقطة الرابعة والأخيرة عدد فيها المحاضر ما كانت تفتقر إليه المدونة الأصولية؛ خاصة في تأطير قضايا المعاملات وهو ما أجاد فيه الطاهر بن عاشور حسب رأي الباحث وذلك في كتابه مقاصد الشريعة.

أما د. مصدق الجليدي، عن المعهد العالي للحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة شارك بموضوع "أزمة العلوم العقلية في الإسلام الوسيط: علم الكلام نموذجا"، حيث كثفت محاور ورقته الست أطروحته في تجديد أصول الدين. قارب الباحث في المحور الأول البعد الإشكالي لمنزلة علم الكلام المعرفية؛ حيث شكك في أصالة هذا العلم بدعوى هذا التعدد المذهبي في الفرق الكلامية؛ داعيا إلى إعادة النظر في علم أصول الدين جذريا. وفي المحور الثاني من مداخلته ناقش الباحث محاولات تجديد علم أصول الدين وإعادة بنائه من خلال عرض ونقد كل من محاولات محمد عبده وحسن حنفي بالأساس. ليمر في المحور الثالث إلى نقد جذري لعلم الكلام من خلال التساؤل عن الحدود الوظيفية لهذا العلم على المستوى الدين والدنيا، ومن خلال إبراز الهشاشة النظرية لهذا العلم على المستوى المعرفي مستتبعا إياه إشكالياته التعليمية في المحور الرابع من خلال جدلية الخصوصي والكوني في مناهج التعليم المدرسية؛ لهذا تناول الباحث في المحور الخامس مقترح الدراسة العلمية للظاهرة الدينية وحرية النشاط الروحي للفرد كحل لتلك الإشكالية التعليمية التي استتبعت نقده لعلم الكلام التقليدي، كما اقترح بدل الخوض في الحجاج عن فكرة العقيدة، الانخراط بالمقابل في الدراسات المقارنة للمشترك العقدي والإنساني. وفي سياق فكرة التجديد اقترح الباحث في المحور السادس من مداخلته الانتقال من علم كلام يهتم بفكرة الخلاص الفردي إلى علم كلام يتبنى الحوار والتضامن الإنساني والعيش المشترك.

الورقة الثالثة في هذه الجلسة كانت للأستاذ هاني نسيرة، عن كلية دار العلوم، جامعة القاهرة جاءت تحت عنوان: "علم كلام جديد أم تجديد لعلم الكلام: إشكاليات وقضايا". ركز في البدء على ظاهرة عودة الحديث عن علم الكلام في المرحلة المعاصرة، وعن الدور الإيراني في الاهتمام بهذا العلم بما سماه ب"المدرسة الإيرانية الكلامية الحديثة" مستشكلا بعض المواضيع الخارجية التي أقحمت فيه؛ لهذا تساءل الباحث في المحور الأول من مداخلته عن التداول الكلامي في الساحة الثقافية: هل هو من قبيل التجديد في علم الكلام، أم مجرد كلام جديد يمكن تجاوزه، وعرض الباحث لنماذج من البحوث والباحثين في اتجاهين؛ الاتجاه الداعي إلى تجديد علم الكلام القديم لكن برؤية عصرية والاتجاه الداعي إلى تأسيس علم كلام جديد مناسب للتحديات المعاصرة، مع الإشارة إلى أن كلا الاتجاهين متفقين على واقع أزمة علم الكلام في شكله التاريخي سواء عند السنة أو الشيعة. غير أن المفردة المحورية في هذا المجال الكلامي تتجلى في غياب مبحث الإنسان الذي كان العنوان الأبرز في أطروحات التجديد. ويعلن الباحث عن مقصده من هذا البحث، والذي يتجلى في معالجة مسألة الهوية المعرفية والهندسة المعرفية لهذا العلم التي تتجاذب بين اتجاه عربي وآخر إيراني، وهو ما يفضي إلى النقطة الثانية من ورقة الباحث المتمحورة حول الهوية المعرفية للكلام الجديد، وذلك على مستوى المسائل والمبادئ والمنهج والوظائف؛ فالمسائل في علم الكلام الجديد تتنوع قضاياه ومجالاته لتسائل حدود التدين، وعلى مستوى المبادئ؛ فالتراكمات المعرفية والعلمية تناقش المنطلقات المعرفية المحددة لنظام الخطاب العقدي لعلم الكلام، في حين أن سؤال المنهج الذي استفاد من تداخل العلوم والمعارف أصبح يتحدث عنه في علم الكلام الجديد بصيغة التعدد بدل الإفراد كما كان في علم الكلام القديم. أما الأهداف والوظائف فيبرز الباحث أنها في علم الكلام الجديد تتوخى تقديم الإيمان للناس وتقريبها للفهم وتداولها لتنخرط في القضايا المعاصرة؛ وهكذا يصبح الكلام الجديد عاكسا لهندسة معرفية جديدة للعلم بتعبير حيدر حب الله. وختم المحاضر ورقته بذلك الجدل القائم حول تسمية علم الكلام الجديد والغموض الحاصل على هذا المستوى مما أدى إلى نوع من التدافع العقدي بين السنة والشيعة حسب رأي الباحث.

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة كانت للدكتور مصطفى الهند، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء وجاءت تحت عنوان "ابستمولجية العلوم الإسلامية وتطبيقاتها على نموذج علم الكلام المعاصر" حيث بدأ المحاضر بتبرير تناوله النقدي لعلم الكلام والمتمثل في كون هذا العلم يأتي على رأس  قائمة التصنيف للعلوم الإسلامية، وأنه العلم الذي اهتم بالمسائل العقدية التي تنبني عليها معظم القضايا العلمية الأخرى كما أنه من العلوم المقاصدية. تناولت المحاضرة محورين: الأول بين فيه الباحث وجه الحق في علم الكلام والموقف منه؛ إذ بالرغم من الانتقادات الموجهة إليه إلا أنه كان الحصن المنيع الذي وقف أمام الهجوم الممنهج على عقيدة الأمة، وهو نفس العنوان نفسه الذي يستمد منه علم الكلام الجديد مشروعيته مع اختلاف في المنسوب الكمي والنوعي لآليات اشتغال هذه المحاولات أو تلك في هذا المجال. أما المحور الثاني فقد تناول فيه الباحث منهج علم الكلام المعاصر وموضوعه، حيث قسم المجال المعرفي لعلم الكلام المعاصر إلى قسمين: الأول خاص بالعقيدة باعتباره المحور الأساسي لهذا العلم قديما وحديثا، ولقد تعددت اتجاهات المؤلفين فيها بين التقرير والتقديم والتحقيق والإعجاز العلمي  وغيرها، تستهدف كلها طرح العقيدة الإسلامية الصافية في أبهى صورة، وقد ركز فيها بالعرض والتحليل لمحاولات كل من عبد المجيد النجار ومحمد الدسوقي ليختم الباحث في آخر مداخلته بالإشارة إلى تلك العلاقة الوطيدة بين علم الكلام وعلم أصول الفقه، حيث أن دعوى التجديد في أحدهما يستدعي سريان الدعوة في الآخر.

 أما الجلسة الثالثة فقد خصصت لـ"العلوم الإسلامية: سبل تجاوز الإشكالات وآفاق التجديد" والتي ترأسها الدكتور احميدة النيفر اشتملت على ثلاث أوراق. فكانت ورقة دة. فريدة زمرد، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء التي ناقشت موضوع: "أزمة التقليد في علم التفسير: التشخيص وسبل العلاج"، فأشارت الأستاذة ابتداء إلى أن أزمة علم من العلوم إنما تكمن في التركيبة المنهجية والمعرفية لهذا العلم؛ وهذا ما يتطلب فحصا تاريخيا لتطور هذا العلم، كما هو شأن التفسير الذي لم يتحدث عنه بصيغة الأزمة من لدن المشتغلين به بسبب غياب هذه الدراسة الابستيمولوجية، مع ذلك حاولت الباحثة ترصد معالم أزمة التفسير من خلال ثنائية التقليد والاجتهاد اللذين سيشكلان محوري هذه الدراسة. في محور التقليد في علم التفسير وقفت د زمرد على مفهوم التقليد في اللغة والاصطلاح القرآني الذي جاء فيه بمعنى قدحي لتعرج إلى إيراد مظاهر التقليد في المجال التفسيري مثل ظاهرة تكرار أقوال المفسرين دون تمحيص أو نقد أو ترجيح، ومثل ظاهرة تبني القضايا العلمية السابقة مع انعدام الحاجة إليها؛ لتخلص إلى استنتاج آثار التقليد على علم التفسير ومثلته بذلك التضخم الذي لا طائل منه نظرا لبعده التام عن مشاكل واقع المفسر وعصره؛ وهذا ما أحال الباحثة في المحور الثاني إلى الحديث عن سبل علاج هذه الأزمة حيث أشارت في بداية هذا المحور إلى حدود نهاية المقلد وبداية المجتهد؛ حيث أن التقليد يكون فيما يحتاج فيه للرواية  والاجتهاد يكون فيما يحتاج فيه للعقل؛ لتخلص المحاضرة  في عنصر ثان من هذا المحور إلى أن المخرج من هذه الأزمة يبتدئ بامتلاك تصور سليم وعام لطبيعة علم التفسير من خلال مراعاة المكونات المؤسسة لهذا العلم وهي في نظر الباحثة تشمل: الأصول والقواعد والمنهج والمقاصد والغايات بشكل تكاملي، على اعتبار أن علاقة الأصول بالمنهج في التفسير تكمن في ضرورة التزام المنهج التفسيري بأصول التفسير المتفق عليها وهو الأمر الذي غاب على كثير من المفسرين لتطرح المحاضرة فكرة تجديد هذه الأصول ذاتها من خلال إعادة صياغتها صياغة نظرية محكمة.

أما مداخلة د. معتز الخطيب، عضو موقع الملتقى الفكري للإبداع بسوريا، ومعد برنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة القطرية فحملت عنوان: "مشكلة العلوم عند الإصلاحيين في العصر الحديث". انطلقت الورقة من موقع الإحساس بهم النهضة الذي تنوعت مقاربات حامليه والداعين إليه منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وما بعدهما، إلا أن الباحث ركز على مسألة التعليم في مقاربات هؤلاء نظرا لمركزيته في العمل النهضوي؛ فالورقة أرادها المحاضر أن تكون قراءة تحليلية نقدية للمقاربة الإصلاحية لمشكلة التعليم والعلوم الإسلامية في العصر الحديث. عالج المحاضر بهذا الخصوص عدة نقاط: الأولى حول ضرورة الإصلاح التعليمي الذي كان مطلبا نهضويا عند إصلاحيي القرن 19 مع اختلاف مقارباتهم حول هذا الموضوع؛ حيث اعتبروها مدخلا أساسيا، وقد ساق الكاتب بهذا الخصوص عدة نماذج ورؤى للموضوع. النقطة الثانية عالج فيها المحاضر مشكلة التعليم حيث عرض لأساليب التعليم بين تيار التقليد وتيار الإصلاح، ثم عرض بالنقد لمنهجية التعليم من خلال آراء مصلحين أمثال عبد القادر ومحمد عبده والأفغاني وغيرهم. أما النقطة الثالثة فقد عالج فيها الباحث مشكلة التآليف التي تعكس حالة العلوم نفسها، ومآلاتها، ومستوى الوعي بها. أما النقطة الرابعة فقد ناقشت قضية تصنيف العلوم حيث أشار د معتز إلى أن الاهتمام بها يعود إلى الرغبة في إحداث التكامل بين العلوم الإسلامية والعلوم الفلسفية آنذاك، غير أنه بفعل التراجع التاريخي للعلوم تم إقصاء العلوم الدنيوية على حساب العلوم الدينية مما كان له أثر واضح على الأمة. وأشاد الكاتب بابن عاشور الذي كانت له نظرة ثاقبة بخصوص هذا الموضوع في ربط التخلف العام بالتأخر في مجال العلوم. النقطة الخامسة تناول فيها الكاتب نماذج لبعض العلوم التي تناولتها أعمال المصلحين مثل علم الكلام الذي اجتمعت كلمتهم في نبذ طرقه القديمة والدعوة بالمقابل إلى تبني طريقة القرآن وهذا ما يبدو في رسالة التوحيد لمحمد عبده على سبيل المثال، وعلم الفقه الذي عرض فيه الباحث لأعمال الزهراوي على سبيل الخصوص ومحمد عبده وابن عاشور وغيرهم الذين نبذوا التقليد. وعلم أصول الفقه الذي ناقش فيه بعض آراء الزهراوي الذي انتقد هذا العلم مع ملاحظة الباحث للمستوى البسيط والعام الذي اتسم به هذا النقد وغيره.

المداخلة الثالثة في هذه الجلسة كانت للدكتور إسماعيل الحسني، الأستاذ بكلية الآداب–مراكش تحت عنوان: "الفقه بين الجمود على المنقولات واستئناف الفهم والتنزيل"؛ حيث أشاد في تمهيده للموضوع بالعلم الذي دشنه النبي، عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام والذي اعتبره تأسيسيا للعلوم الإسلامية في محاولة منه لإدراك حجم الفارق بين هذا الإرث النبوي وبين الفقه الموروث الذي تطور ليصل عبر عوامل تاريخية إلى حالة الأزمة التي يعيشها اليوم. وهكذا ناقشت في محورين أساسين أزمة الفقه المقيد بثقافة الجمود على المنقولات وأفق استئناف الفقه الإسلامي على مستوى الفهم والتنزيل. ففي المحور الأول عالج إشكالية الجمود الفقهي على المنقولات بفعل انفكاك عن إشكالات الواقع. وفي المحور الثاني الذي خصه المحاضر بمقترحات من أجل استئناف فقهي للفهم والتنزيل؛ اعتبر أن الهيكل البنائي للموضوع الفقهي يتلخص في ثلاث مستويات: 1. مستوى فهم الشريعة. 2. ومستوى فهم واقع المكلفين. 3. ومستوى تنزيل مقتضيات الفهم ومناطاته المختلفة على نوازل الواقع ومستجداته؛ فعلى مستوى فهم الشريعة دعا الباحث إلى جهد علمي موصول يفضي إلى بناء رؤية شمولية تعاضدية بين المعاني والمقاصد الجزئية والكلية، وعلى مستوى فهم الواقع دعا إلى فهمه من زاوية أن هذا الواقع عبارة عن علاقات تتشابك مكوناته بين الموروث وبين الوافد. أما على مستوى تنزيل ما فهم على الواقع فاعتبر الباحث أن الوظيفة الأولية فيه تتمثل في ربط المحصولات الذهنية بالواقعات المتعددة من أجل تحقيق مناطاتها في هذا الواقع، فهو بالتالي بمثابة البرنامج الاجتهادي المفتوح على المستقبل.

أما الجلسة الرابعة فكان محورها: "العلاقة بين العلوم الإسلامية والوحي: الحوار والتفاعل المطلوب". ترأس هذه الجلسة د. سيف الدين عبد الفتاح، واعتمدت ثلاث أوراق علمية كانت أولاها ورقة د. عبد الجليل هنوش، عميد كلية الآداب–مراكش، الموسومة بـ"القرآن وتجديد العلوم الإسلامية: مداخل منهجية" اعتبر فيها أن القرآن الكريم هو منطلق العلوم الإنسانية وأساسها. ركز المحاضر في مستوى أول على البعد التكاملي للمنهج القرآني والذي تتحدد معالمه في: التعقل والتفكر والتدبر والتحقق. المعلم الأول بنظر المحاضر إدراك استكشافي مولد للمعرفة، والمعلمان الثاني والثالث متقابلان ومتكاملان والمعلم الرابع متوج لكل ذلك بالتحقيق العلمي. وفي نقطة ثانية شرح الباحث أزمة العلوم الإسلامية والتي تتحدد على مستوى الخطاب والمنهج؛ إذ تعاني من الابتعاد عن روح المنهج القرآني ولا ترتبط بروح العصر. وفي نقطة ثالثة وأخيرة خصها المحاضر بالحديث عن التجديد في العلوم الإسلامية التي ينبغي أن تضم ثلاث أبعاد أساسية: البعد الآلي البياني والبعد المقصدي التداولي والبعد العملي السلوكي.

الورقة الثانية ألقاها د. سعيد شبار، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ورئيس المجلس العلمي المحلي بها في موضوع: "من مظاهر التحيز في العلوم الإسلامية وتأثيرها على ثقافة الأمة وعطائها الكوني" حيث دشن مداخلته بتوطئة عبر فيها عن نموذجية التجربة الإسلامية الأولى في تواصلها الحضاري والديني والثقافي المستوعب. ونظرا لمحورية الثقافة في هذا المجال فقد تم التركيز على إشكالية التحيز في مجال العلوم؛ لأنها بذلك لم تعد تعكس خاصية الوحي التوحيدية فآل أمرها لما عليه الآن. وحدد المحاضر هذه المشكلة على مستوى الرؤية (=الفهم) والمنهج (=الاستمداد). وبلور المحاضر هذا الإشكال في محورين؛ الأول عرض فيه للأصول المؤسسة للتواصل والنافية للتحيز، واعتبر فيه أن أصول التوحيد والعدل والحرية هي مرتكزات أساسية لتحقيق ذلك التواصل الحضاري الذي عرفته الأمة في حركتها المستوعبة للثقافات الأخرى إبان انفتاحها الحضاري والثقافي. فأصل التوحيد الذي يعكس وحدة الخالق، ووحدة الخلق، ووحدة البشرية، مَثل عنوانا للتحرر من كل مظاهر الاسترقاق والخضوع المذل لكرامة الإنسان وحريته التي جعلها الشارع أحد أسس استخلافه في الأرض، كما أن مفرداتها التنزيلية من شأنها أن تنفي كل أشكال التحيز الإثني والملي انطلاقا من مقصد التعارف ووحدة الأصل الإنساني.أما أصل العدل فهو مناط شهادة الأمة في حين أن أصل الحرية هو بوابة أي طموح في الاجتهاد والإبداع؛ لأن حركة الإنسان مبنية أساسا على هذا الأصل الذي يعد من مقتضيات الفطرة، وبالتالي يضحى عنوانا بارزا لعقيدته. غير أن هذه الأصول، يعقب الباحث، لم تُفعل بالشكل المطلوب كما كان في صدر الأمة.

 وأورد المحاضر في المحور الثاني من مداخلته بعضا من مظاهر هذا الانحطاط وشخصها من خلال نماذج ليخلص إلى أن التقليد والتحيز المذهبي يرجع لغياب تلك الرؤية الكونية للعلم، وعدم تحرك هذه العلوم في إطار التكامل المعرفي، مما كان له أثر على مستوى اضطراب جدلية النص والواقع والعقل، التي أضحت بمثابة مصادر معرفية منفصلة ومستقلة ومتحيزة، ولعل نماذج علم الكلام والفقه والحديث التي مثل بها المحاضر دالة بذاتها على هذه المشاكل وهذا ما يستوجب الرجوع إلى الأصل المؤسس وهو القرآن الكريم والاهتداء بتوجيهاته المنهاجية في العلم والمعرفة.

آخر هذه الورقات العلمية في هذه الجلسة كانت للدكتور محمد إقبال عروي، المستشار بقطاع الشؤون الثقافية بوزارة الأوقاف الكويتية ببحثه الموسوم بـ"مرتكزات منهجية في المراجعة العلمية لعلوم القرآن وتفسيره وبلاغته". أشار فيه في البداية إلى محددات ورقته المتمثلة في ارتباط النظر النقدي للعلوم الإسلامية بضرورة امتلاك نظرية عامة في المراجعة، وأن الدعوة إلى مراجعة العلوم الإسلامية لا يلغي ايجابياتها الكثيرة التي حققتها عبر التاريخ، كما أنه لا علاقة لهذه المراجعة بالقراءات المعاصرة المتداولة اليوم في ساحة الفكر العربي. تناولت ورقة المحاضر بالتحليل محورين: الأول ناقش فيه بعض الإشكاليات المنهجية والمعرفية في علوم القرآن والتفسير والمتمثلة في: 1. الإشكال المرتبط بتعريفات علوم القرآن ومنهجها وموضوعاتها، حيث خلطت بين الأدوات الإجرائية للتفسير وبين التفسير ذاته، ليقترح المحاضر في ختام هذه النقطة التعريف التالي: "إن علم التفسير هو بيان مقاصد  القرآن للإنسان والاهتداء بها". 2. إشكال تحويل الخطاب القرآني من منهج في التفسير إلى مادة للتفسير؛ على اعتبار أن سياق لفظة تفسير في القرآن تشير إلى كون القرآن منهج في التفسير لا مادة للتفسير. 3. إشكال اتخاذ حقل التفسير وعلوم القرآن وبلاغته مجالا لاستعراض المهارات العلمية للمفسر والبلاغي التي تضخمت على حساب المقصد القرآني الذي هو غاية التفسير. 4. إشكال اتخاذ التفسير وعلوم القرآن مرتعا لتخصيب الثنائيات المتخاصمة؛ مما لا تحقق له في الإمكان العقلي والتطبيق العملي مثل التفسير بالرأي، والتفسير بالنقل، حيث اعتبره الباحث إشكالا تاريخيا وليس معرفيا أو منهجيا. كما عرض الدكتور إقبال لقضايا إشكالية تعكس سلبية تلك الثنائيات؛ فناقش قضية الناسخ والمنسوخ التي كانت لها انعكاسات سلبية على موضوع الموقف من الآخر وقضية المحكم والمتشابه، حيث التمييز بدون محدد منهجي معتبر كذلك قضية ألفاظ القرآن بين العربية والأعجمية. 5. رفع أقوال الصحابة التفسيرية إلى مقام المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام،وتقديسها رغم مرجوحيتها في ميزان النظر التفسيري والمقاصدي للخطاب القرآني وما نتج كذلك من الخلط بين التفسير النبوي وبين التفسير بالحديث النبوي. ينتقل المحاضر، بعد ذلك، في محوره الثاني من هذه المداخلة للحديث عن بعض المشكلات المنهجية في علم بلاغة القرآن الكريم اقتصر فيها على ثلاث مشكلات أساسية: الأولى متعلقة بتعسفية التقسيم الثلاثي لبلاغة القرآن الكريم قياسا على التقسيم المنطقي الثلاثي للبلاغة، وقد شملت معاول النقد عند الباحث مستويات تعريف البديع وإشكالية ثنائية اللفظ والمعنى وغيرهما. الثانية رصد فيها المحاضر بعض الفنون والظواهر البلاغية التي لا تليق بخطاب القرآن الكريم الذي اقحمت فيه عنوة، وناهزت 24 فنا بلاغيا. المشكلة الثالثة تتجلى في اضطراب العلاقة الدلالية بين المفهوم والمصطلح؛ إذ الأصل أن يكون للمفهوم مصطلح منضبط ووحيد يدل عليه، وهذا ما لم تلتزم به أدبيات البلاغة القرآنية. وقد أعطى الباحث عدة نماذج لهذا الاضطراب وذلك على مستويين: الأول اضطراب  تعدد المصطلحات للمفهوم البلاغي  الواحد، والثاني اضطراب تعدد المفاهيم للمصطلح الواحد. المشكلة الرابعة في هذا الإطار تتعلق بظاهرة التكلف الاستنباطي في علم بلاغة القرآن من أجل استخراج الشاهد القرآني المناسب للفن البديعي، وهذا ما اعتبره الباحث تكلفا مرجوح الفائدة. وفي ختام مداخلته اقترح الباحث ما يلي: 1. أرشفة الإنتاج العلمي الحديث في موضوع علوم القرآن وتفسيره وبلاغته. 2.رسم خطة عمل لإصلاح وضع علوم القرآن والتفسير والبلاغة. 3. التأصيل الشرعي لعلم نقد التفسير. 4. وضع برنامج دراسي لعلوم القرآن والتفسير والبلاغة بمراحله الجامعية المختلفة.

أما الجلسة الخامسة فتمحورت حول: "العلوم الإسلامية؛ من فقه النص إلى فقه التنزيل" وترأستها الدكتورة فريدة زمرد. وقدم فيها الدكتور فريد شكري، الأستاذ بكلية الآداب بالمحمدية ورقته المعنونة بـ"الاجتهاد الفقهي من الاستنباط إلى التنزيل: فقه تحقيق المناط نموذجا". بدأ المحاضر بالإشارة في التمهيد إلى أن تحقيق المناط هو آخر المراحل التي يقطعها الناظر في اتجاه الربط بين النص والواقع، ومن هنا دوره الاستراتيجي في عملية التنزيل. كما بين المحاضر أن أهمية تحقيق المناط تتجاوز مهمة الفقيه والمجتهد إلى عموم المكلفين أيضا باعتباره الوسيلة التي تمكنهم من الامتثال الصائب للتكليف. وعلى هذا الأساس ومن أجل بيان أهمية هذا النوع من الاجتهاد نسج المحاضر مداخلته في ثلاث محاور أساسية: الأول تناول فيه مفهوم تحقيق المناط وساق فيها أربعة معاني أساسية. وفي المحور الثاني حاول تحديد ضوابط تحقيق المناط انطلاقا من الخلفية المعرفية والخلفية المنهجية. أما المحور الثالث من هذه المداخلة فنبه فيها الكاتب إلى أثر الاختلاف في تحقيق المناط على مستوى تنزيل الأحكام الفقهية فبعد أن بين أسباب الاختلاف في تحقيق المناط كالاشتباه والاستشكال وغيرهما مما له تعلق بالناظر أو المناط أو المحل؛ أشار الباحث في ختام مداخلته إلى جملة من الآثار المترتبة على هذا الاختلاف وذلك حسب كل سبب من الأسباب التي سردها من قبل.

في حين الجلسة السادسة على مناقشة: "العلوم الإسلامية بين الثابت والمتحول" وقد أدارها: د. عبد الجليل هنوش. المداخلة الأولى كانت للدكتور فيصل الحفيان، عن معهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في موضوع: "هل تحترق العلوم؟ النحو العربي نموذجا". انطلق المحاضر في مقاربة هذا السؤال الإشكالي بالعودة إلى أصل الأزمة في التاريخ الإسلامي والمتمثلة في أزمة المعرفة عموما، متخذا النحو نموذجا للتحليل، ممحصا القول بأن النحو قد نضج حتى احترق.

يعترف فيصل الحفيان بأن النحو قد نضج فعلا، لكنه، بالمقابل، يرفض أطروحة الاحتراق مؤكداً "أن العلم ينضج لكنه –أبدا- لا يحترق"، كما أنه لا يمكن وضع حد زمني فاصل بين النضج والاحتراق بالنظر إل التداخل بين العمليتين، مبرزاً أن علامات النضج كانت ظاهرة في ق5ﻫ وأن إنذارات الاحتراق بدأت في ق6ﻫ حتى نهاية ق10ﻫ، بعد ذلك ما عاد هناك نضج ولا احتراق، ليدخل النحو العربي في "مرحلة عدمية". وفي إشارة مهمة نبه المحاضر إلى أن سيطرة "الغريب"(=غير العربي) على الخلافة وتحديدا العنصر التركي تسبب في القضاء على الإبداع، ووقف مسيرة العلم؛ حتى انتهى الأمر إلى إقفال باب الاجتهاد. بالمقابل يعرض الباحث تحت عنوان أطروحات التجديد إلى محاولات التجديد في النحو من خلال ثلاث مشاريع أساسية: الأولى لعبد القاهر الجرجاني من خلال نظريته في النظم في كل من كتابيه؛ "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز". واعتبر المحاضر هذه الأطروحة بنائية على عكس الأطروحة الثانية  والمتمثلة في أطروحة ابن مضاء الرافضة للنحو التقليدي أساسا، وذلك من خلال كتابه "الرد على النحاة"، والتي اعتبرها الباحث أطروحة نقض، ويرى أن ابن مضاء سار على درب ابن حزم في منهجه الظاهري. الأطروحة الثالثة مثلها ابن رشد الذي سعى في اشتغاله النحوي إلى تنظيم النحو العربي على الطريقة الصناعية (المنطقية) وذلك في كتابه "الضروري في صناعة النحو". أما في العصر الحديث فيشتكي الباحث من اهتمام الدارسين بالفكر اللساني الغربي على حساب النحو  العربي؛ مما دعاه إلى الدعوة إلى الاهتمام بالتراث اللغوي والانفتاح على النظريات الجديدة في نفس الآن.

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د. حميد الوافي، الأستاذ بكلية الآداب بمكناس بموضوع: "علم الأصول، ومبدأ الاقتراض من العلوم المجاورة: تحليل وتعليل" قد جاءت منتظمة في محورين أساسيين: الأول تحدث فيه عن علم الكلام وبناء المرجعية التشريعية في علم الأصول محاولا الإجابة على سؤال مرجعية أصول الفقه في التأسيس للنظام المعرفي في الإسلام وذلك من خلال تبين أصول اختيار رافد علم الكلام ومن ثم مناقشة وجوه الاعتراض عليه أولا ومعارضته ثانيا سواء من جهة الفهم أو من جهة الوقوع، على اعتبار أن مبدأ الاقتراض، كما في رأي الشاطبي، يكون بحسب الحاجة المعرفية والمنهجية دون إبطال المبدأ. أما في المحور الثاني فقد سعى المحاضر إلى بسط الرؤية الأصولية في بناء المنهجية التشريعية قصد نقلها من مستوى الاقتراض من العلوم الأخرى إلى مستوى الإنتاج الذاتي؛ حيث أشاد بعمل الأصولي المنهجي والدقيق في التكامل الوظيفي مع باقي العلوم. فعلم الحديث يوظفه الأصولي لتوثيق الدليل وتحديد مرتبته. وعلم اللغة يوظفه الأصولي في بناء قواعد الفهم وتحقيق مقصد الإفهام بلغة الشاطبي، ليخلص الباحث في الأخير إلى أن علم الأصول كان يبتغي من تلك العلوم إقامة أسسه المعرفية والمنهجية لصياغة قواعده في ضبط عملية الاستنباط الفقهي.

 الدكتور. السيد ولد باه، الكاتب والأكاديمي والخبير الموريتاني شارك بورقة علمية تحت عنوان: "تجديد علم الكلام من منظور فلسفات التأويل والعلوم الإنسانية المعاصرة"  أشار في بداية عرضها إلى الخلاف التاريخي حول موقع علم الكلام من الخريطة الابستيمولوجية للمعارف الإسلامية؛ حيث أنها تقع على خط تماس بين الدين والحكمة. وفي رأي الباحث فقد تنوعت المواقف الحديثة الرافضة لهذا النوع من الكلام بين النظرة السلفية الموروثة عن قدماء الحنابلة، وبين التيارات السياسية الإسلامية التي تعتبره ترفا فكريا، كما أن الخطاب الإسلامي استبدلها بأدبيات الإعجاز العلمي.

وفي قراءة للاتجاهات الكلامية في العالم العربي أشاد الباحث بتجربة ومجهودات كل من سعيد بنسعيد العلوي وطه عبد الرحمن وأبو يعرب المرزوقي وحسن حنفي. ومن أهم محاولات التجديد في هذا المجال كتابات كل من عبد الكريم سروش ومصطفى ملكيان ومجتهد سبشتري، ووقف الباحث مليا أمام اتجاه أركون في دراساته الكلامية، ومن تبعه من تلاميذه أمثال عبد المجيد الشرفي ومالك شبل ورشيد بنزين، حيث عرض لمرتكزات هذا الاتجاه الذي يتبنى أطروحة رفع القداسة عن القرآن الكريم ومماثلته بالكتب المقدسة وقراءتها في بعدها التاريخي إلى درجة اعتبار هذه الأطروحة هي مرتكز المشروع الإصلاحي لدى هذا الاتجاه ممن نعتهم الباحث بدعاة "إسلام الأنوار". ولعل من أبرز مميزات هذه المدرسة تنزيلها المناهج التأويلية والمقاربات العلمية على النص القرآني متبعة في ذلك طريق الدراسات الاستشراقية المبنية على الفيلولوجيا؛ وهذا ما جعل المحاضر يوجه نقداً في ابستيمولوجيا لأسس هذا المشروع الإصلاحي من خلال رصد الخلفيات المؤسسة للفكر الكلامي الجديد ابتداء من شرط التداول الداخلي للنقد العلمي والمشروع الإصلاحي ورفض فرضية القطيعة مع النص المؤسس، وذلك على اعتبار انتفاء القياس مع وجود الفارق بين المنظومتين الإسلامية والغرب المسيحي.

ومن جهته حدّد د. أحمد امحرزي العلوي، الأستاذ بكلية الآداب بمراكش، جملة من الـ"ضوابط في منهج التفكير الإسلامي" حددها في عشرة وبينها كالتالي: الأول يتمثل في ارتباط العلم بمقاصد التوحيد.. وتمسك الباحث بما اعتبره بناء عقديا للتكليف يتوخى تحقيق أهداف نظرية وتطبيقية. الضابط الثاني يتجلى في فهم الكليات الشرعية فهما شموليا مما يحقق الانسجام لعناصر النظام الإسلامي ككل. الضابط الثالث هو ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية في اليسر ورفع الحرج. والضابط الرابع يتمثل في الاقتداء بالسلف في الفهم والعمل. والضابط الخامس يتمثل في امتلاك موهبة التمحيص وتمييز الأصيل من الدخيل وهذا يتطلب همة في التحصيل ومهارات نقدية وممارسة عملية والضابط السادس يتلخص في الاهتمام بالعلوم الكونية التي تعتبر في التفكير الإسلامي جزء مكمل للتكليف العلمي. وفي الضابط السابع أوصى الباحث بالبعد عن الاشتغال بالفرعيات. والضابط الثامن يتمثل في ضرورة الرجوع في كل علم إلى أهله ورجاله، وهو ضابط منهجي يقي من الوقوع في الزلل . أما الضابط التاسع فيتمثل حسب الباحث في مراعاة أدب الخلاف وضوابط الحوار والمناظرة. وتاريخ الحضارة الإسلامية يشهد لهذا الضابط لحظات تاريخية مهمة ازدهر فيها هذا الضابط وكان أساسا لتطور العلم. الضابط العاشر والأخير يقتبس فيه الباحث قول حسن البنا، رحمه الله، حول ضرورة التعاون في المتفق عليه وأخذ العذر في المختلف فيه.

الورقة الأخيرة كانت للدكتور عبد الرحمن العمراني، الأستاذ بكلية الآداب بمراكش، ورئيس المجلس العلمي المحلي بسيدي بنور "من أجل صياغة جديدة لعلم التوحيد"؛ مهد الباحث ورقته بسبع مقدمات يراها أساسية للحديث عن صياغة جديدة لعلم التوحيد: الأولى أن العقيدة أساس متين ووحيد لتوحيد قلوب الناس، الثانية في مرجعية عصر النبوة في إقرار مبدأ رفض التنطع في الدين، الثالثة أن القضايا الغيبية لا يمكن إدراكها بالعقل، الرابعة أنه نظرا لخطورة الجهل بقضايا التوحيد فالشرع تكفل ببيانه بأحسن بيان ملائم لمؤهلات الإنسان الإدراكية، الخامسة؛ التدين فطرة في الإنسان وهو المؤهل له لقيام بدور الاستخلاف. لقد استسلم أشهر المتكلمين في آخر حياتهم لتصور المتقدمين العقدي بعد أن أفنوا عمرهم في البحث الكلامي واستشهد الباحث على ذلك بنماذج كل من الجويني والغزالي والرازي، السابعة: وهي صورة علم التوحيد التاريخية التي لا تحقق الثمرة المرجوة منه في بناء الشخصية المسلمة. بعد هذه المقدمات السبع التي يراها الباحث أساسية لتأسيس القول في صياغة جديدة لعلم التوحيد راح بعد ذلك يعرض لمقتضيات مترتبة عن هذه المقدمات حددها في: 1. ضرورة أخذ قضايا التوحيد من مصادرها الأولى وهي الكتاب والسنة وما أجمع عليه الصحابة. 2.المقتضى الثاني هو ضرورة تنقية قضايا التوحيد مما علق بها من آراء متكلمين غير متخصصين، ومن المواضيع التاريخية. 3.كتابة قضايا التوحيد وتقديمها بطريقة مبسطة خالية من التعقيدات الكلامية. ضرورة تقديم قضايا التوحيد بطريقة مقنعة. 4.تقديم الأسس العقدية كشرط لصحة التدين. جدير بالذكر أن المحاضر ختم بحثه بشروط اشترطها ليتم تدريس علم التوحيد وفق المقتضيات التي أشتر لها سابقا وهي: تعلم حقيقة التوكل والتحرر من الخرافات التواكلية، التحفيز على العمل في إطار الفضائل، معرفة الإنسان موقعه الصحيح في الكون حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا بتعبير الشاطبي رحمه الله.

أما الجلسة الأخيرة التي أدارها الدكتور عبد الحميد العلمي فقد تمحورت حول: "نحو منهجية لتجديد البارديغمات الكامنة وراء العلوم الإسلامية وقياس مدى قرآنيتها". استهلّها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة بمداخلة في موضوع:  "نحو تجديد النظر للنماذج المعرفية وتفعيلها في صياغة العلوم الإسلامية: محاولة استكشافية"؛ حاول من خلالها تقديم رؤية تتضمن النماذج والصيغ المعرفية التي يمكن أن تنتجها الرؤية الإسلامية. والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على صياغة العلوم الإسلامية تصنيفا ومحتوى وأهدافا، بحيث تستحق هذه العلوم مسمى علوم الأمة والعمران، وتسهم في تأصيل وتفعيل عمليات النهوض الحضاري والعلوم المرتبطة بها.

وقد قام الباحث بالإشارة إلى بعض من هذه النماذج، وما تشير إليه من تصنيف للعلوم الإسلامية ومن موضوعات وقضايا يجب أن تتوفر تلك العلوم على دراستها. كما أشار، أيضا، إلى بعض هذه المداخل بصورة إجمالية؛ إذ حاول من خلالها التفصيل في أهم المداخل: الأول: نموذج الاستخلاف التأسيسي المستند إلى بيان الاستخلاف: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 29)،، والذي يتأسس بدوره على منظومة من البنيات الاجتماعية والحضارية التي يمكن تصنيف العلوم بناءً عليها. والثاني: المدخل المقاصدي، الذي يصنف هذه العلوم ويصوغها ضمن بلورة إستراتيجية للنهوض الحضاري، وفقا لتنوع المجالات الحضارية وأولوياتها وآلياتها ومآلاتها. أما المدخل الثالث: فهو المدخل النفسي، والذي يسهم بدوره في بناء المجتمعات، وصياغة النسيج المجتمعي، وتأسيس شبكة علاقاته الاجتماعية، وهي أمور لابد أن تضع الأساس لبناء مجتمع ناهض، وتشكل منطلقا لحركة دافعة، وفاعلية جامعة.

إلى جانب هذه المداخل أضاف مدخل القيم، ومدخل التحديات، ومدخل التأسيس والجامعات الحضارية، إضافة إلى مداخل فقه التحيز، التي اهتم بها الدكتور عبد الوهاب المسيري، رحمه الله.

وقد خلص الأستاذ سيف الدين عبد الفتاح إلى أن المداخل المتساندة إنما تشكل محاولة لتجديد النظر لدور هذه النماذج المعرفية في تشكيل وتصنيف العلوم الإسلامية؛ بحيث تحقق مقصدها في عمليات النهوض الحضاري، وعمران الأرض.

وشارك د. عبد الرحمن العضراوي، الأستاذ بكلية الآداب بني ملال بورقة علمية ناقشت: "آليات التداخل المعرفي القرآني وتجديد البراديغم المنهجي والتنزيلي في العلوم الإسلامية" حيث مهد في بداية مداخلته بثلاث مقدمات للحديث عن أزمة العلوم الإسلامية، ارتبطت أولاها بسؤال النهضة، والثانية بضرورة الفصل بين الإسلام ومفهوم الفكر الإسلامي، والثالثة حول الطبيعة المستجدة لقوانين الاجتهاد في النص الشرعي  ليخلص إلى أن الحديث عن أزمة العلوم الإسلامية هو حديث عن أزمة المبادئ والنماذج التحليلية المؤسسة للعلوم الخادمة للوحي. وحول تجديد البراديغم المنهجي والتنزيلي للعلوم والمعارف من وجهة نظر إسلامية اعتبر أن مداخل ذلك تكمن في فهم آليات التداخل المعرفي القرآني وتثويرها، والنقد المنهجي والمراجعة العلمية من منطق الاسم إلى منطق الفعل، وأخيرا التحليل والتركيب المثمران لبراديغمات موائمة لتطور العمران البشري وضروراته. على هذا الأساس جاءت محاور الورقة منتظمة في ثلاثة محاور: الأول حول مفهوم التداخل المعرفي ومفهوم التداخل؛ حيث أفاض في بيان المقصود بمعمار النظم القرآني على مستوى النظم والمعرفة التي يميزها البناء التناسبي الكاشف للنسقية القرآنية. كما بين أن السمة الأساس المميزة لنظام التداخل المعرفي القرآني هو التكامل المعرفي المحقق لمقاصد الوحي. في المحور الثاني قدم الباحث ما اعتبره آليات التداخل المعرفي القرآني منطلقا مما وصف به د. طه عبد الرحمن الآلية في الممارسة التراثية إلى ثلاثة أوصاف هي: الخدمة والعمل والمنهج، مما يشير أن التراث متشبع بالآليات الإنتاجية المقرونة بالنظرة التكاملية. واعتبر الباحث أن المعارف القرآنية متوالية من المعاني الشرعية المتفاعلة خدمة وعملا ومنهجا؛ غير أن هذه الكيفيات تصدر من منطلقات ثلاثة هي: المنطلق المبدئي المرتكز على التوحيد، والمنطلق المنهجي، ومظهر التقصيد الشرعي المؤسس على قاعدة التعليل في أمور الشرع كلها. أما المحور الثالث فتحدث فيه المحاضر عن تجديد البراديغم منهجا وتنزيلا في العلوم الإسلامية، حيث شرع في مقاربة تعريف البراديغم بكونه بناء نظريا يتضمن مجموعة من المبادئ والرؤى للعالم والتي من شأنها توجيه الفكر والبحث المعرفي في سياق تاريخي معين. ومثل الباحث للبراديغم الوضعي في تمايزه بين القديم والجديد بالبراديغم التحليلي والبراديغم النسقي؛ فالأول يتميز من خلال النقد المبني على مبادئ: مبدأ الوجاهة، ومبدأ الاختزالية، ومبدأ السببية، ومبدأ الشمولية. أما الثاني فيقوم على ثلاث مستويات إدراكية وضحها الباحث كما يلي: الإدراك البنيوي والإدراك الوظيفي والإدراك الزمني. أما النسق فتقاس قوته ومدى نفوذه الطبيعي بمؤشرات الانفتاح والتوازن والملاءمة. أخيرا يرى المتدخل في ختام ورقته أن ملامح التجديد في براديغمات العلوم الإسلامية تقوم على ركيزتين: مراعاة النسقية التفاعلية ومراعاة النسقية المقاصدية في قراءة الوحي، وفي بناء المعرفة الإنسانية، في تفاعل جدلي مع الواقع.

وضمن نفس السياق والموضوع تحدث د. نغش الجابري، عن "البراديغم العلمي الإسلامي: قيمه الثقافية وخصائصه الإبستيمية" حيث بدأ بالإشارة في بداية ورقته أن مثلث: الرؤية والمنهج والتنزيل يشمل العناصر الأساسية التي تتشكل منها البراديغمات العلمية التي شهدها تاريخ العلوم. ولما كانت البراديغمات غير قارة أو خالدة فقد استوجب قراءتها ابستيميا من أجل تحقيق التقدم العلمي المنشود. انتظمت ورقة الأستاذ نغش في ثلاث محاور أساسية: الأول بين فيه مفهوم البراديغم في أبحاث فلسفة العلوم لغويا واصطلاحيا محددا مكونات البراديغم المتمثللة في: 1. النظريات العلمية، 2. المبادئ الميتافيزيقية، 3. التعليمات الديداكتيكية، 4. التقنيات المتوفرة لتطوير النظرية العلمية. والبراديغم، يبين المتدخل يتحول، مع الوقت، ضمن نفس تقاليد العلم السوي، وينتهي بتطور مفهومه وأنماط استعماله في العلوم الأخرى. المحور الثاني في هذه المداخلة رصد فيها الباحث القيم الثقافية الموجهة للبراديغم العلمي الإسلامي، وتحدث عن البناء الداخلي المؤسس لنظرية العلم في الإسلام، وبناء مجتمع العلم في عدد من مستويات المجتمع الإسلامي، كما عدد الباحث عددا من الخصائص المعرفية للنسق العلمي الإسلامي كخاصية التكاملية، وخاصية العقلية النقدية المنفتحة، وفي تتمة لمميزات هذه العقلية العلمية  تحدث الباحث عن مظاهر الالتزام بأخلاق البحث العلمي من قبيل؛ الوعي بالعوائق الذاتية، والعمل على تجاوزها، ومنها دقة النقول وابتكار منهج علمي نقدي ضابط لها، ومنها حماية لغة الآخرين من خلال الحفاظ على مصطلحاتهم ذات الخصوصية العلمية. المحور الثالث في هذا البحث العلمي استشرف فيه المحاضر آفاق تجديد التقاليد العلمية الدارسة، حيث دعا إلى تجديد التقليد وتشييد التجديد، ثم عرج على ما يراه مجالا للتجديد، وذلك على مستوى الموضوعات بتبني المدخل الإشكالي والمدخل المفهومي. وعلى مستوى المناهج دعا إلى التجديد بمراعاة القواعد السياقية والتقاليد العلمية الأصولية ومراعاة تكامل الأدوات، كما دعا في آخر ورقته إلى تجديد الأنساق النظرية وذلك بالتركيز على المدخل النقدي وتصويبه تجاه التراث العلمي الموروث واتجاه مدارس القراءة والتأويل واتجاه النماذج النظرية الدقيقة وتاريخها.

أما البحث الأخير في هذه الجلسة فكان للدكتور محمد همام، باحث في الفكر الإسلامي تحدث فيها عن: "أثر الفلسفة والمنطق في العلوم الإسلامية نقد وتركيب: مدخل إلى بحث ابستمولوجي في العلوم الإسلامية" حيث استهل مداخلته بتمهيد بين فيه تأثير الفلسفة والمنطق في نشأة العلوم الإسلامية، وذلك النقاش الابستيمي الذي حدث بين العلماء المسلمين حيث عكس وعيهم النظري بمسألة تداخل العلوم وضوابط ذلك. وقد أبرز الباحث ذلك من خلال ثلاث نقاط أساسية: الأولى بين فيها المحاضر كيفية استقبال المعرفة الإسلامية للفلسفة التي اصطدمت بثقافة ومعرفة إسلامية قائمة بذاتها؛ فكان العلماء فريقين: فريق رافض لها جملة وتفصيلا، وفريق قبلها وتحمس لها ونموذجه في ذلك ابن رشد. النقطة الثانية لا تكاد تختلف عن الأولى في رصده لكيفية تلقي المجال المعرفي الإسلامي للمنطق وذلك بين من يرفضه لاعتبارات عقدية أو علمية من حيث جدوائيته وبين من يتبناه ويجعله أساسا نظريا لكل علم، وكل ذلك في جو تجاذبت فيه الآراء حول وظيفة المنطق ضمن النسق المعرفي الإسلامي مما استوجب رصد حدود تداخلات المنطق ومعه الفلسفة مع العلوم الإسلامية؛ وهو ما كان موضوع النقطة الثالثة في هذه الورقة التي رصد فيها المحاضر معوقات التداخل المنشود بين الفلسفة والمنطق، وبين العلوم الإسلامية حيث حددها في ثلاث معوقات وهي: 1. المعوق العقدي؛ إذ أن أسس المنطق العقدية مخالفة لأسس الإسلام، 2. المعوق اللغوي؛ إذ المنطق والفلسفة مستندة إلى أسلوب لغوي خاص بالسياق اليوناني، 3. المعوق المنهجي نظرا لاختلاف طرق البحث المعرفي بين المجال الإسلامي وبين مجال الفكر اليوناني.

الهوامش

[1] صدرت الأعمال الكاملة للندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء بمدينة أكادير، يومي 13-14 ربيع الثاني 1431ﻫ، الموافق 30-31 مارس 2010م، تحت عنوان: "العلوم الإسلامية أزمة منهج أم أزمة تنزيل؟"، ط1، 2011، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط.

Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق