العلامة علي بن منصور الشيظمي ( بعد 1012هـ) وعنايته بالسيرة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
لقد عرفت الدولة السعدية أزهى عهودها في ميادين العلم المختلفة ، ومنه علم السيرة النبوية وذلك خلال فترة المنصور الذهبي –رحمه الله-، الذي ازدهرت في عصره نظم القصائد التي تعنى بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، والتي كانت تنشد عادة في البلاط السلطاني في مناسبة المولد النبوي ، ومن بين هؤلاء الأعلام الذين كان لهم الدور البارز في نظم القصائد المولدية؛ العلامة، الأديب، الفقيه ، الوزير، والقائد علي بن منصور الشيظمي ( بعد 1012هـ) رحمه الله.
إن المصادر التي ترجمت لهذا العالم –في حدود ما وقفت عليه - لا تعطي صورة مفصلة عن حياته العلمية ؛ على الرغم ذلك سأحاول التعريف الموجز به، من خلال تلك المصادر محاولة، إظهار عنايته بالسيرة النبوية من خلال الآتي:
أولا: التعريف الموجز بالعلامة علي بن منصور الشيظمي.
ثانيا: عناية العلامة علي بن منصور الشيظمي بالسيرة النبوية.
وهذا أوان الشروع في المراد فأقول وبالله التوفيق والسداد:
أولا: التعريف بالعلامة علي بن منصور الشيظمي (1012هـ)[1].
هو :علي بن منصور الشيظمي، من أهل مدينة مراكش، ولد بعد عام (950هـ)[2]، وقال المقري : عام (951هـ) [3]، ويكنى بأبي الحسن ، هذا ولم تسعفني المصادر المتاحة التي وقفت عليها و المعتنية بالتراجم، بترجمة مفصلة وافية لحياة هذا العالم -رحمه الله- ؛حيث لم أجد فيها سوى إشارات قليلة متناثرة هنا وهناك، لا تكاد تفيد كثيرا، فهي لا تذكر ولا تفصِّل في أخبار نشأته العلمية كيف كانت؟ ولا عن مشيخته؟ وكل ما ذكر أنه رحمه الله أخذ عن "الإمام المنجور المتوفى (995هـ)، وغيره من أهل طبقته، وكتب له بالإجازة الإمام أبو المكارم محمد البكري المصري (994هـ)"[4].
ثم إن ما وقفت عليه من ثناء العلماء عليه؛ ليدل دلالة واضحة على مكانته العلمية، وعلو كعبه في هذا المضمار، فها هو العلامة عبد العزيز الفشتالي (956هـ) يشيد به في أكثر من موضع من كتابه "مناهل الصفا" ؛حيث قال عنه في تقديم إحدى قصائده: "الفقيه الفاضل، جملة السداجة ، وكرم الخلق، طيب النفس، جميل العشرة، وطيء الكنف في الطبع، مسترسل عنان النشأة على الفطرة ،جامع المجلس الأثاث، من طلب ممتع، وأدب بارع، وخط رائق، وقلم فصيح، وسيف باتر ،وسنان عامل "[5]، وقال عنه في موضع آخر: "الفقيه الأصيل الفاضل، نادرة العصر ،ونخبة الدهر "[6]، وقال عنه كذلك: "الفقيه الوجيه، الأصيل الجليل المشارك "[7]، وها هو العلامة أحمد بن القاضي المكناسي (960هـ) في "المنتقى المقصور ":يقول عنه عند ذكره لعلماء المنصور ما نصه: "وكالفقيه الناظم الناثر، المشارك المتفنن، الحافظ: أبي الحسن القائد علي بن منصور المرابط الشيظمي"[8]، ومثله في "درة الحجال" يقول: "الفقيه، الأديب، المتفنن المشارك، أحد قواد المخدوم مولانا أبي العباس أحمد المنصور خلد الله ذكره"[9]، ويقول المقري (1041هـ): "الفقيه الأديب المتفنن، القائد الرئيس، الكاتب البليغ المشارك"[10]، ويقول كذلك: "وقد رأيته في مجلس البخاري يورد كثيرا من الأسئلة الدالة على رسوخ قدمه في الفنون، ويجيب عن الأسئلة "[11]، وهو وزير وقائد وكاتب للمنصور الذهبي رحمه الله، وهو ذو قلم سيال "جامع بين رياستي القلم والسنان" [12]
ومن تآليفه كما يقول أحمد بن القاضي المكناسي: " جمع المشكلات التي أوردها المخدوم –أي المنصور الذهبي-على الكشاف، وفوائد حديثية للمخدوم أيضًا وغير ذلك، وله قصائد في مدح المخدوم أيده الله ونصره "[13]، ومنها: "شرحه لبيتي أمير المؤمنين" كما يقول المقري [14]
توفي رحمه الله بعد عام 1012هـ [15].
ثانيا: عناية العلامة علي بن منصور الشيظمي بالسيرة النبوية.
إن من مظاهر عناية العلامة الأديب علي بن منصور الشيظمي بالسيرة النبوية؛ اعتناؤه بنظم قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان خصائصه وشمائله قال العلامة محمد حجي: " علي بن منصور ابن المرابط الشيظمي الرئيس الوزير، رب السيف والقلم، ذو النفس الطويل في الشعر، بحيث تناهز أبيات قصائده غالبا المائة، أو تجاوزها، وقد ضرب الرقم القياسي –كما يقال- في نظم المولديات، مع الجودة وسلاسة التعبير."[16]، فكان رحمه الله لا يتخلف عن حضور المولد الشريف، وكان حسب البرطوكول أول من ينشد مولدية من الوزراء والكتاب بعد القاضي والمفتين"[17].
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفترة التي عاش فيها المترجم ظهر فيها ما يسمى بـ:" تلحين المولديات المعربة والملحونة حسب نغمات الموسيقى الأندلسية، وكانت حفلات المنصور الذهبي بالمولد الكريم تشتمل على تلحين خصوص المولديات المعربة، بينما تجمع بعض الحفلات الصوفية بين المعربة والملحونة "حسب ما ذكره العلامة د سيدي محمد المنوني رحمه الله في مقاله المولديات في الأدب العربي [18]، وقد احتفت كتب التراجم بذكر بعض هذه القصائد.
وإليك أيها القارئ بعض أبيات من قصيدة المترجم التي مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خير ما أختم بها الكلام قال:
وأمرغ الخدين ملتثما ثرى ... وطئته رجلا خاتم النبياء
محي الهدى ماحي الضلالة والردى ... بالبيض والخطية السمراء
صلى عليه الله ما نسخ السخا ... لؤما وما أجلا الدجا ابن ذكاء[19]
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:
1-ترجمة هذا العالم حسب المصادر المتاحة التي وقفت عليها و المعتنية بالتراجم، شحيحة لا تعطي صورة مفصلة وافية عن حياته العلمية.
2- بالرغم من أن مصادر الترجمة لا تعطي صورة متكاملة عن حياة هذا العالم؛ إلا أن ما وقفت عليه من ثناء العلماء عليه ليدل دلالة واضحة على مكانته العلمية، وعلو كعبه في هذا الميدان.
3-اهتمام المترجم بالسيرة النبوية يتجلى من خلال اعتنائه بنظم القصائد المولدية التي مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم
رحم الله هذا العالم الكبير برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جناته آمين.
*********************
هوامش المقال:
[1] - من مصادر ترجمته التي تيسر لي الوقوف عليها أذكر:
مناهل الصفا للفشتالي حيث ذكره وأثنى عليه في مواضيع منها (ص: 160) و (ص: 222) و (ص: 240)، درة الحجال لأحمد بن القاضي المكناسي(3 /258-259) ، وكتابه الآخر : المنتقى المقصور حيث ذكره وأثنى عليه (ص: 249-250)، روضة الآس فيمن لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس لأحمد بن محمد المقري (ص: 173-182)، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس السملالي (9 /191-192)، الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2 /397)، معجم الدر الثمين (ص: 300- 301).
[2] - درة الحجال (3 /259).
[3] - روضة الآس (ص: 182).
[4] - روضة الآس (ص: 182).
[5] - مناهل الصفا (ص: 240).
[6] - مناهل الصفا (ص: 222).
[7] - مناهل الصفا (ص: 160).
[8] - المنتقى المقصور (ص: 249-250).
[9] - درة الحجال (3/ 258).
[10] - درة الحجال (ص: 173).
[11] - روضة الآس (ص: 173).
[12] - روضة الآس (ص: 173).
[13] - درة الحجال (3 /258).
[14] - روضة الآس (ص: 173).
[15] - الحركة الكرية بالمغرب في عهد السعديين (2 /397).
[16] - الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/ 397).
[17] - الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/ 397).
[18] - مقال المولديات في الأدب العربي ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط العربي (2 /1034-1035).
[19] - الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (9 /192).
********************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (ج9). للعباس بن إبراهيم السملالي. راجعه: عبد الوهاب ابن منصور. ط2/ 1418هـ - 1997مـ.
الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين. لمحمد حجي. منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر. مطبعة فضالة 1398هـ- 1978مـ
الدر الثمين في مدح سيد المرسلين . لخضر موسى محمد حمود . دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2019مـ.
درة الحجال في أسماء الرجال. لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي. تحقيق: د. محمد الأحمدي أبو النور. مكتبة دار التراث القاهرة. 1390هـ- 1970مـ
روضة الآس العطرة الأنفاس في من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس. لأحمد بن محمد المقري. المطبعة الملكية الرباط ط2/ 1403هـ- 1983مـ.
قبس من عطاء المخطوط المغربي لمحمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، ط1/ 1999.
مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا. لأبي فارس عبد العزيز الفشتالي . دراسة وتحقيق: د عبد الكريم كريم. مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة. (د.ت).
المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور. لأحمد بن القاضي. دراسة وتحقيق: محمد رزوق. مكتبة المعارف الرباط. 1986مـ.
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو