العلامة أحمد بن العياشي سكيرج وأوجه عنايته بالسيرة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
أخذت السيرة النبوية حيزا مهما من العناية والاهتمام لدى علماء المغرب الأقصى في عهد الدولة العلوية الشريفة، وحديثنا في هذا المقال ينصب على علم من أعلام مدينة فاس؛ عاصمة العلم والعلماء؛ وهو العلامة سيدي أحمد بن العياشي سكيرج المتوفى (1363هـ) وعن بعض أوجه عنايته بهذا العلم الشريف من خلال الآتي:
أولا: ترجمة وجيزة للعلامة أحمد سكيرج.
ثانيا: بعض أوجه عناية العلامة أحمد سكيرج بالسيرة النبوية.
وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد:
أولا: ترجمة وجيزة للعلامة أحمد بن العياشي سكيرج[1].
هو: أبو العباس أحمد بن الحاج العياشي سكيرج الأنصاري، من أبناء سكيرج المعروفين بفاس، وأصلهم من الأندلس، ولد بمدينة فاس في شهر ربيع الثاني عام 1295هـ، من أسرة فاضلة معروفة بالعلم، التي أنجبت ثلة من العلماء الكبار ، وبمدينة فاس نشأ، وتلقى بها العلوم تحت رعاية والده العلامة الحاج العياشي بن عبد الرحمن سكيرج (1328هـ) ، كما أسهم في تكوينه العلمي والمعرفي إلى جانب والده ثلة من العلماء الكبار الأخيار من شيوخه؛ ومن هؤلاء أذكر: العلامة عبد الملك العلوي الضرير (1318هـ)، والعلامة محمد -فتحا- بن قاسم القادري (1331هـ) ، والعلامة محمد بن جعفر الكتاني (1345هـ) ، وغيرهم. وقد جمع أسماء شيوخه مع إجازاتهم له في كتابه "قدم الرسوخ"[2]
ولمكانته العلمية فقد أثنى عليه العلماء بما هو أهل له كما دونته كتب التراجم ؛ فمن ذلك:
قول العلامة عبد السلام بن سودة في إتحاف المطالع: "العلامة، المشارك، المطلع، المدرس، الناظم، الناثر"[3] ، وقوله في كتابه الآخر: "سل النصال": "كان فقيها، علامة، مشاركا، محصلا، مدرسا، مؤلفا، ناظما، ناثرا"[4]، وقول العلامة عبد الله الجراري في كتابه التأليف ونهضته بالمغرب: " أبو العباس سكيرج من رجال الثقافة البارزين بالمغرب، امتاز باطلاعه الواسع في المعرفة على اختلاف ألوانها تشريعا، وتصوفا، ولغة، وأدبا"[5]، وقال العلامة محمد عبد العزيز الدباغ، والعلامة محمد بوخبزة في معلمة المغرب: "الفقيه، الأديب، الشاعر، المؤلف، القاضي" [6]
للمترجم رحمه الله مؤلفات عديدة في فنون متنوعة، تزيد على المائة مؤلفا، ويعود كثرة تآليفه إلى حبه الكبير للكتب، وإقباله على مطالعتها، وقراءة محتوياتها، فكان يمضي جل وقته مشتغلا بها قراءة، وكتابة، وشرحا، وتعليقا، وللإشارة فإني سأذكر بعض عناوين هذه المؤلفات في المحور الثاني من هذا المقال خاصة المؤلفات التي تتعلق بالسيرة النبوية.
تقلد العلامة سُكيرج عدة مناصب في حياته؛ من ولايته نظارة الأحباس بفاس ، إلى ولايته قضاء وجدة، فثغر الجديدة، ثم قضاء مدينة سطات إلى حين وفاته.
توفي رحمه الله جراء إصابته بمرض بعد رجوعه من الجزائر العاصمة ، فذهب إلى مراكش للعلاج ؛ لكن وافته المنية بعد خمسة أيام من وصوله أحد مستشفياتها، وذلك ليلة الثالث والعشرين من شهر شعبان عام 1363هـ ودفن بضريح القاضي عياض رحمه الله.
ثانيا: بعض أوجه عناية العلامة أحمد سكيرج بالسيرة النبوية.
لقد كان للعلامة أبي العباس أحمد بن العياشي سكيرج تعلق كبير ومحبة خاصة للجناب المحمدي صلى الله عليه وسلم، تجلى ذلك من خلال حرصه الشديد على حضوره مجالس شيوخه في سرد كتب السيرة النبوية ككتاب الشفا للقاضي عياض ؛ وفي هذا يقول العلامة ذ محمد الراضي كنون: "وغالبا ما كان العلامة سكيرج يحضر هذه المجالس بانتظام، وقد جادت قريحته مرارا بقصائد عديدة تصف لنا الأجواء التي كانت تحيط بعلماء هذه الزاوية ومريديها حين اجتماعهم على ختم هذا الكتاب الجليل "[7]
أضف إلى ذلك: انكبابه على دراسة الكتب المصنفة في السيرة النبوية وإقباله على مطالعتها، وقراءتها والتأليف عليها؛ ككتاب الشفا للقاضي عياض ، والخصائص الكبرى للسيوطي ،وذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب المعراج لمحمد المعطي الشرقاوي، قال ذ محمد الراضي كنون: "واعتبار لمكانة هذا الكتاب وحرمته مع موضوعه الجليل ، فقد كان العلامة سكيرج يوليه عناية خاصة؛ حيث لم تكن تروقه القراءة إلا فيه ولا يعجبه التأمل إلا بين طيات صفحاته"[8] ، كما أكثر -رحمه الله- من القصائد والمنظومات والأزجال في المديح النبوي، التي أبان فيها عن قدره وعلو كعبه في هذا الميدان.
ومن مؤلفاته السيرية أذكر :
الذهب الخالص في محاذاة كبرى الخصائص؛ وهو نظم على كتاب الخصائص الكبرى للحافظ جلال الدين السيوطي، "يقع فيما يناهز (21000) بيت، نظم منه جامعه ما يزيد على (19000) بيت، وبلغ فيه إلى قوله: باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بساعة الإجابة وبليلة القدر، وبشهر رمضان ، وأتمه صنوه العلامة المؤرخ سيدي محمد -فتحا- سكيرج تحت طلب من نجل أخيه سيدي عبد الكريم سكيرج"[9].
مورد الصفا في محاذاة الشفا ؛ وهو نظم على كتاب الشفا للقاضي عياض اليحصبي الذي "استغرق في نظمه مدة ست سنوات تقريبا، وكان فراغه منه بمدينة سطات بتاريخ 21 ربيع الأول عام 1350هـ"[10].
كمال الفرح والسرور بمولد مظهر النور؛ طبع على الحجر بفاس 1333 هـ في 24 صفحة[11].
السحر الحلال في مدح سيد الرجال؛ وهي قصائد منظومة على أعاريض بحور الشعر وأضرابه طبع على الحجر بفاس في 16 صفحة[12].
ضوء الظلام في مدح خير الآنام؛ وهي منظومة على حروف المعجم طبع على الحجر مرتين بفاس الأولى في 12 صفحة، والثانية بآخره قصيدة متوجة بالبسملة في 16 صفحة[13].
مورد الوصول لإدراك السول على حل كمال الصلاة على رسول الله على روحه السلام؛ طبع على الحجر بفاس 1332هـ في 12 صفحة[14].
الوردة في تخميس البردة بآخره تقاريظ وأبيات للمؤلف متوجة بقوله تعالى: (إني مغلوب فانتصر ) [15]، ومرثية في مولاي الطاهر بنصر العلوي البلغيتي التجاني طريقة، طبع على الحجر بفاس مرتين عام 1333هـ في 28 صفحة ، و28 صفحة[16].
وغيرها من المؤلفات التي أبان فيها عن علو كعبه وتفوقه في هذا المجال، فرحم الله عالمنا العلامة أحمد بن العياشي سكيرج بواسع الرحمة والمغفرة، وأسكنه فسيح جناته.
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:
1-أن العهد العلوي الذي عاش فيه مترجمنا ، هو عصر ازدهرت فيه الحركة العلمية بامتياز.
2-أن العلامة أحمد بن الحاج العياشي سكيرج الأنصاري يعد من أعلام المغرب الذين كان لهم الدور في نشر العلم بمختلف فنونه تشريعا، وتصوفا، ولغة، وأدبا.
3- كان للعلامة أبي العباس أحمد بن العياشي سكيرج تعلق كبير ومحبة خاصة للجناب المحمدي صلى الله عليه وسلم من خلال الآتي:
أ-حرصه الشديد على حضور مجالس شيوخه في سرد كتب السيرة النبوية؛ ككتاب الشفا للقاضي عياض.
ب-انكبابه على دراسة الكتب المصنفة في السيرة النبوية، وإقباله على مطالعتها، وقراءتها، والتأليف عليها.
ج-إكثاره من نظم القصائد والأزجال في المديح النبوي، التي أبان فيها عن قدره وعلو كعبه في هذا الميدان.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
********************
هوامش المقال:
[1] - رمت إلى اختصار ترجمته لشهرته وكثرة مترجميه، ومن مصادر ترجمته التي وقفت عليها ورجعت إليها: إتحاف المطالع (2/ 498)، سل النصال (ص: 102-103)، دليل مؤرخ المغرب (ص: 179)، معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين (2 /38-39)، الأعلام (1/190-191)، التأليف ونهضته بالمغرب (ص: 42- 46)، معجم المطبوعات المغربية (ص:157-159 )معلمة المغرب (15 /5049-5052).
وقد ترجم لنفسه في كتابه : حديقة أنسي في التعريف بنفسي، تحقيق: محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني. ولم يتيسر لي الوقوف على الكتاب؛ لكن وقفت على نسخة مرقونة ومنشورة على الشبكة العنكبوتية واستفدت منها .
[2] - الكتاب مطبوع باعتناء ذ محمد الراضي كنون .
[3] - إتحاف المطالع (2/ 498).
[4] - سل النصال (ص: 102).
[5] - التأليف ونهضته بالمغرب (ص: 42).
[6] - معلمة المغرب (15 /5049).
[7] - تقديم ذ محمد الراضي كنون لكتاب مورد الصفا في محاذاة الشفا (ص: 66).
[8] - تقديم ذ محمد الراضي كنون لكتاب مورد الصفا في محاذاة الشفا (ص: 65).
[9] - من تقديم ذ محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني لكتاب الذهب الخالص في محاذاة كبرى الخصائص (ص: 6).
[10] - تقديم ذ محمد الراضي كنون لكتاب مورد الصفا في محاذاة الشفا (ص: 67).
[11] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 159)
[12] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 158)
[13] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 158)
[14] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 159)
[15] - سورة القمر من الآية : (10)
[16] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 159).
*******************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع. لعبد السلام بن عبد القادر ابن سودة. تنسيق وتحقيق: محمد حجي. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1417هـ- 1997مـ
الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين بيروت. ط 15/ 2002مـ
التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين من 1900 إلى 1972مـ. لعبد الله بن العباس الجراري. مكتبة المعارف الرباط. ط1/ 1406هـ - 1985مـ
حديقة أنسي في التعريف بنفسي. تحقيق محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني. نسخة مرقونة ومنشورة على الشبكة العنكبوتية.
دليل مؤرخ المغرب الأقصى. لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة. ويليه ذيل دليل مؤرخ المغرب الأقصى. ضبط واستدراك: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر بيروت. ط1/ 1418هـ - 1997مـ
الذهب الخالص في محاذاة كبرى الخصائص. لأحمد سكيرج الأنصاري الخزرجي. إعداد وتقديم: د محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني. مطبعة المؤلف محمد الراضي كنون. (د.ت).
سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال فهرس الشيوخ. لعبد السلام بن عبد القادر ابن سودة. تنسيق وتحقيق: محمد حجي. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1417هـ- 1997مـ.
معجم المطبوعات المغربية. لإدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني الحسني. تقديم الإستاذ عبد الله كنون . مطابع سلا 1988مـ..
معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين . لعبد الرحمن ابن زيدان. دراسة وتحقيق د حسن الوزاني. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الرباط. ط1/ 1430هـ- 2009مـ.
معلمة المغرب. انتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر. نشر : مطابع سلا . 1410هـ- 1989مـ
مورد الصفا في محاذاة الشفا. لأبي العباس سيدي أحمد سكيرج الخزرجي الأنصاري . دراسة وتحقيق محمد الراضي كنون طبع بالمغرب دون ذكر دار وتاريخ النشر.
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو