مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

العقيدة النظامية لأبي المعالي الجويني ت.478هـ

ألف أبو المعالي الجويني كتابا سماه “النظامية في الأركان الإسلامية” نسبة إلى الوزير “نظام الملك”، ضمنه عقائد الإسلام وأحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج، ثم فصل أبو بكر بن العربي(543هــ) مباحث العقيدة لهذا الكتاب عن مباحث الأحكام وجعلها في كتاب مستقل سماه “عقيدة النظامية في الأركان الإسلامية”[1]، وقد سمع الكتاب كاملا من الغزالي عن الجويني، وما كان فصله هذا إلا لسبب عبر عنه بقوله: «تركت باقي الكتاب لأنه على المذهب الشافعي رضي الله عنه»[2]، غير أن ابن العربي احتفظ بمقدمة الكتاب الأول، وفيها إشارة إلى ما يشتمل عليه، قال الجويني: «وقد صدرتها بقواعد عن العقائد على أساليب لم أسبق إليها، ولم أزحم عليها، ثم اتبعتها بما لا يسوغ الذهول عنه في أركان الإسلام، وسميتها “النظامية في الأركان الإسلامية” وها هي…» وقد سمى الجويني قسم العقيدة من الكتاب “القول فيما يجب معرفته في قاعدة الدين”، بدأه بباب “القول في حدث العالم” واختتمه بالكلام عما اعتبره عظيم الموقع في صحة التوبة عن ذنب مع الإصرار على غيره من الذنوب. واعتذر في آخر فصول العقيدة عن عدم الوفاء بوعده في ذكر فصول في الإمامة، لما بدا له من أهمية إفراد ذلك في كتاب يسميه “الإمامة الكبيرة” ويجعله مصدرا بالإمامة، مختتما بالأحكام السلطانية، وقد وافته المنية رحمه الله فحالت دون إنجاز ما وعد به.
مضمون الكتاب:
انتظم الكتاب في أبواب وفصول وأركان، ابتدأ بالتعريف بالمقدمات العقلية التي عنها تتشعب جميع قواعد الدين، وهي العلم بجواز الجائز، ووجوب الواجب واستحالة المستحيل.
الباب الأول: وفيه القول في حدث العالم: وهو وإن كان مندرجا تحت الباب إلا أن الجويني اعتبره تمهيدا لما يلي ذكره من قواعد الدين. وفي هذا التمهيد انطلق الجويني من أن العالم هو كل موجود سوى الله ليثبت أن الله موجود قبل العالم، فالله قديم والعالم حادث.واستدل على وجود الله تعالى وأنه هو وحده خالق العالم بدليل الحدوث والإمكان.
الباب الثاني: الإلهيات؛ ومدارك هذا الباب تؤول إلى الوجوب والاستحالة والجواز، فصدر الجويني الباب بتمهيد أثبت فيه بدليل التسلسل والدور أن الله سبحانه واجب الوجود، لينتقل إلى الكلام في ثلاثة فصول عن المستحيل والواجب والجائز في حقه تعالى:
الفصل الأول: الكلام فيما يستحيل في حق الله عز وجل؛ أثبت الجويني أن كل صفة في المخلوقات دل ثبوتها على مخصص يؤثرها ويريدها، ولا يعقل ثبوتها دون ذلك، فهي مستحيلة في حق الإله. قال:«من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه، ومن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل، وإن قطع بموجود، واعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد»[3].
الفصل الثاني: فيما يجب لله تبارك وتعالى؛ فأثبت القدرة والإرادة والعلم لله بدليل حدوث العالم المفتقر في حدوثه إلى خالق قادر مريد عالم، ومن ثبتت في حقه هذه الصفات وجب أن يكون حيا. قال: «من أحاط بالصفات الجائزة للمخلوقات أرشدته إلى ما يجب لصانعها وبارئها من الصفات»[4]. ثم قرر وجوب كونه تعالى متكلما، وأن كلامه سبحانه ليس بحروف منتظمة، ولا أصوات منقطعة وإنما هو صفة قائمة بذاته ــ تعالى ــ يدل عليها قراءة القرآن كما يدل قول القائل على الوجود الأزلي، ويعتبر المسمى أصوات، والمفهوم منه كلام الله تبارك وتعالى[5]. وأن كلام الله ـ عز وجل ـ مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ في الصدور ولا يحل الكلام هذه المحال حلول الأعراض في الجواهر[6]، وكلام الباري قائم بذاته وجودا[7].
وأثبت أيضا أن الله ـ عز وجل ـ سميع بصير، يدرك المبصر والمسموع على الحقيقة، منزه عما تتصف به الحواس والحدق والأصمخة[8]. ثم أوجب القطع بأن الله ـ سبحانه ـ  باق، فمن وجب قدمه استحال عدمه. وقد رأى الجويني عدم تأويل ما ورد في الكتاب والسنة من المتشابهات، اتباعا لسلف الأمة، مع اعتقاد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ووكول معناها إلى الله تعالى.
الفصل الثالث: ما يجوز في أحكام الله تعالى؛ وهو منقسم إلى القول في  أفعاله، والقول في جواز رؤيته. وقد قرر الجويني في القسم الأول أن الله تعالى موصوف بالاقتدار على كل ما قضى العقل بجوازه وإمكان حدوثه[9]. وقرر في القسم الثاني أن رؤية الله هي مما لم يحله العقل فالتحق بالجائزات، وخصوصا إذا اعتقد بالنصوص القاطعة في الكتاب والسنة، وقد تقدم فيه الإجماع من سلف الأمة قبل ظهور الآراء واختلاف الأهواء[10].
الفصل الرابع: خصصه المؤلف للكلام عن الوحدانية معتذرا في عدم إدراجه ضمن قسم ما يجب لله، بأن الوحدانية ليست صفة ثابتة، إذ محصولها يؤول إلى نفي من سوى الواحد، كما لم يدرجه ضمن قسم ما يستحيل في حقه سبحانه، لأن الداخل تحت هذا القسم هو ما يستحيل في صفات الإله  ولم يلزم فيه ذكر كل محال، كما أن تقدير الثاني المحال ليس متعلقا بصفة الإله الحق.
الباب الثالث: في العبودية، والصفات المرعية في ثبوت الطلبات التكليفية؛ وفيه الكلام عن أربعة أركان متعلقة بإمكان التكليف وجوازه عقلا:
الركن الأول: في قدرة العبد وتأثيرها في مقدورها؛ فقدرة العبد مخلوقة لله تبارك وتعالى باتفاق العالمين بالصانع، والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعا، ولكنه مضاف إلى الله تبارك وتعالى تقديرا وخلقا، وليست القدرة فعلا للعبد، وإنما هي صفته، وهي ملك لله تبارك وتعالى وخلق له. فالقدرة خلق لله ابتداء، ومقدورها مضاف إليه مشيئة وعلما وقضاء وخلقا.
الركن الثاني: اشتراط في توجيه التكليف على العبد حضور عقله إذ به يفهم الخطاب، فتكليف من يستحيل أن يفهم الأمر محال.
الركن الثالث: يشترط في المأمور به أن يكون ممكنا في نفسه وجودا ووقوعا، فلا يجوز التكليف بجمع الضدين والكون في المكانين في الوقت الواحد.
 وهذه الأركان الثلاثة خرجت على أصل واحد هو قاعدة العقيدة: وهو أن العبد مطالب بالجائز دون المستحيل، فإنه مطالب بفعل أو ترك فعل، وكلاهما جائزان، وكما لا يجري على العبد من تقدير بارئه إلا ما يجوز، فكذلك لا يطالبه إلا بما يجوز.
الركن الرابع: يتعلق بالثواب والعقاب؛ وحاصله أنه لا يجب على الله شىء، ولا يدرك بالعقول وجوب عليه، فإن أثاب وأنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، والدليل القاطع فيما ارتضاه أهل الحق أن الوجوب  إنما يتحقق في حق من لو فرض منه الواجب لاستحق الذم واللائمة، ولو ليم أو عوقب لناله ضرر، والله ـ تبارك وتعالى ـ يتقدس عن قبول الضر والنفع، ولا يتحقق تفاوت الأفعال في حكمه[11].
الباب الرابع: في النبوات؛ والنبوة هي تعريف اله  تبارك وتعالى عبدا من عباده أمره أن يبلغ رسالته إلى عباده وهو من الجائزات، وبناء على هذا التقرير ذكر الجويني فصلا في دلالة ثبوت النبوة ووقوعها وهي المعجزة فذكر شرائطها، وخص فصلا في وجوه دلالتها على صدق الرسل، وذكر فصلا في إثبات الكرامات، ثم فصلا في إثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الباب الخامس: في السمعيات؛ وحاصله أن كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بطرق صحيحة، مرتضاه عند أهل الإثبات، وكان ممكنا غير مستحيل، فإذا كان النقل تواترا، علم قطعا على حد العلم بالسمعيات، وإن نقل آحادا ثبت ذلك المظنون في مأثور الأخبار، وتلقى بالقبول، ولم يعارض بالاستبعاد[12].
الفصل الأول: في إعادة الخلق؛ الإعادة نشأة ثانية وهي في معنى النشأة الأولى قطعا، والله تعالى دل بقدرته على الخلق على قدرته على الإعادة في قوله ـ سبحانه ـ  ﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾[ يس: 77-78].
الفصل الثاني: في عذاب القبر وسؤال منكر ونكير.
الفصل الثالث: في الجنة والنار والميزان.
الفصل الرابع: في الشفاعة.
الفصل الخامس : في الآجال والأرزاق.
الفصل السادس: في الإيمان ومعناه ، وذكر مصير المؤمنين ومآلهم من الجنة والنار؛ ومضمونه أربعة أركان؛ الأول: في الإيمان وحقيقته وذكر الفرق بينه وبين الإسلام، والثاني: في ذكر مصير العصاة من أهل الإيمان، والثالث: في زيادة الإيمان ونقصانه، والرابع: في معنى قول سلف الأمة: إنا مؤمنون إن شاء الله عز وجل.
الفصل السابع: في التوبة؛ وقد قرر أنها واجبة في حق كل من عصى ربه، وأنه لا يجب على الله قبول التوبة عقلا، ولكن ورد الشرع بقبولها، قال الله تعالى: ﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما يفعلون ﴾ [الشورى: 23]، وقال صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».
الفصل الثامن: وهو مختتم هذا الكتاب وفيه الكلام عن صحة التوبة من الذنب ممن يصر على غيره من الذنوب.
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب بتحقيق ذ.محمد زاهد الكوثري في مطبعة الأنوار بمصر سنة 1948م، ثم نشره مصحوبا بترجمة ألمانية للمستشرق كلوبفر.
  ثم طبع بتحقيق وتعليق ذ.زاهد الكوثري أيضا سنة 1992م، بالمكتبة الأزهرية للتراث.

 

                                          إعداد الباحثة: إكرام بولعيش

 

 

هوامش:

[1] مقدمة كتاب “العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية”، أبو المعالي الجويني، تح: محمد زاهد الكوثري، ط:1992، المكتبة الأزهرية للتراث.
[2] “العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية”، أبو المعالي الجويني، ص: 96.
[3] المصدر السابق، ص: 23.
[4] المصدر السابق، ص: 24.
[5] المصدر السابق، ص:28.
[6] المصدر السابق، ص: 29.
[7] المصدر السابق، ص: 31.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق، ص: 35.
[10] المصدر السابق، ص: 39.
[11] المصدر السابق، ص: 56.
[12] المصدر السابق، ص: 76.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق