مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

” العقيدة البرهانية لعثمان السلالجي (ت:574هـ)”

   ينتسب صاحب “العقيدة البرهانية” أبو عمرو عثمان بن عبد الله السلالجي إلى جبل سليلجو بنواحي مدينة فاس، وبيت السلالجي من البيوتات المشهورة بفاس، وقد كان أبو عمرو أفقهها وأعلمها بالإضافة إلى أبنائه وأحفاده من بعده، وكان يلقب بإمام أهل المغرب في علم الاعتقاد مما يدل على مكانته العلمية. وكان مولده نحو سنة (521هـ) وانتقل إلى فاس في مبتدأ عمره لحفظ القرآن ودراسة العلوم الشرعية بالمساجد، ثم التحق بالقرويين فقرأ الموطأ والمدونة والرسالة على يد أبي عبد الله محمد بن عيسى التادلي وأبي الحسن بن خليفة، وانتقل بعد ذلك إلى دراسة علم الكلام بعد ما أظهر معارضته لأفكار بعض أساتذته، فابتدأ بكتاب الإرشاد للجويني، وقد وجد السلالجي في أستاذيه”ابن حرزهم”(ت559هـ) و”ابن الرمامة”(ت567هـ) ما كان يتوقعه منهما، فانطلق بثبات للتعمق في  علم الكلام الأشعري. ولما سافر إلى مراكش والتقى بشيخه ابن الاشبيلي كان ذلك بمثابة تعويض عن الرحلة إلى الحجاز التي لم يوفق لإكمالها، لكن مقامه بمراكش لم يطل، إذ سرعان ما عاد إلى فاس لاستكمال ما بدأه من تدريس بها، وكانت دروسه تلقى إقبالا كبيرا. وتوفي الإمام السلالجي(سنة 574هـ)- في الراجح من الأقوال- بفاس وبها دفن.

العقيدة البرهانية[1]:

   لا ينسب للسلالجي أي مصنف فقهي أو أصولي أو كلامي عدا “العقيدة البرهانية”، هذه العقيدة المختصرة من حيث الحجم، العظيمة من حيث المضمون، أثْرَتِ الساحة العقدية، «فقد كان لحجمها الصغير ودقة عباراتها، دور فعال في إقبال المغاربة عليها بكل أصنافهم وفئاتهم وأعمارهم وتخصصاتهم، فالتفوا حولها وقاموا بحفظها وتعلمها وشرحها كل حسب طاقته وإمكانياته»[2].
وعن سبب تأليفها ترد الرواية المتعلقة بطلب تلميذته خيرونة(ت594هـ)، المرأة الأندلسية الزاهدة التي تعاطت للعلم والدراسة، وأرادت أن تتعلم أمور علم الكلام ما يجعل عقيدتها في مأمن من الانحراف والزيغ، وقد طلبت من أستاذها أن يكتب لها في لوحها شيئا تقرأه على ما يلزمها من العقيدة، فاستجاب لطلبها، وكان يكتب لها في لوحها فصلا، فإذا حفظته ومحته كتب لها لوحا ثانيا، فكان ذلك دأبها حتى كملت لها، فلقبت بـ”البرهانية”:«وهكذا استطاعت هذه المرأة الزاهدة أن تحقق ما عجز عنه الرجال المقربون إلى أبي عمرو، فدفعته إلى الكتابة والتأليف بعدما كان يفر من ذلك ويخشاه طيلة حياته، وبذلك تكون صاحبة الفضل في نشر وإذاعة آراء ومواقف شيخها في كل البلاد »[3].

تأثير البرهانية على الفكر الأشعري بالمغرب:

   لقد لقيت برهانية السلالجي قبولا تلقائيا من طرف المغاربة، والدليل على ذلك كثرة الشروح التي شرحت بها سواء في عصره أو بعده، وسواء من تلاميذه وغيرهم من المؤلفين بالمغرب ابتداء، أو من مغاربة المغرب الأوسط والأدنى بل وحتى من الأندلس والسودان بعد ذلك، إذ لم يخل قرن من القرون التي تلت وفاة السلالجي من تأليف يرتبط بالعقيدة البرهانية شرحا لها أو اختصارا لشرح، أو نظم لمسائلها أو طلبا لتدريسها بالمساجد والمعاهد الدينية، وذلك لكونها تعطي تصورا عاما ودقيقا عن أصول وأركان العقيدة، ولدقة العمل الذي سلكه فيها مؤلفها وموافقتها للخط العام الذي صارت عليه عقيدة المغاربة منذ عصر السلالجي واتفاقها مع توجههم الأشعري العام باعتباره يعكس مذهب أهل السنة والجماعة«فيمكن لمن اطلع على نصها أن يؤكد أن وجازتها لم تكن على حساب مباحثها ومواضيعها، إذ أن مؤلفها كان حاذقا في اختصارها، متناولا في مباحثها لكل الجوانب العقدية التي نص عليها الإسلام، بل إن منهجه فيها، وتقسيمه لموضوعاتها ينبئ عن اطلاع واسع وخبرة كبيرة بمباحث العقيدة وبمسائل علم الكلام. لهذا اندفع الشراح إلى العناية بها وأسهب المتكلمون المغاربة في توضيح فصولها وبسط قضاياها»[4].

شروحها: قام الدكتور جمال علال البختي في بحثه حول الفكر الأشعري بالمغرب (دراسة لبرهانية السلالجي) بحصر شروح البرهانية-والتي نص على أنها ليست كلها متوفرة ومطبوعة، بل جلها مفقود أو مرهون في مكتبات عامة وخاصة يصعب الوصول إليها- ومن هذه الشروح يذكر[5]:
– شرح أبي عبد الله الكتاني(ت596هـ) وقد نسبه إليه اليفرني في المباحث العقلية.
– شرح الرعيني(ت598هـ) ذكره الهبطي في رسالة في الأحوال.
– شرح ابن الزق(كان حيا في سنة612هـ) لكنه مفقود، نقل عنه المديوني في شرحه.
-شرح الأستاذ الخفاف(توفي في:ق.7هـ) ذكره المراكشي في الذيل والتكملة، وتوجد نسخ عدة منه مخطوطة، سماه “شرح العقيدة البرهانية” أوله الحمد لله الذي اخترع المحدثات بقدرته الخ[6].
– شرح ابن بزيزة (ت673هـ) وقد نقل فيه عن ابن الكتاني لكن نصه مفقود، ويسمى شرح العقيدة البرهانية[7].
– شرح اليفرني(ت734هـ) وسماه “المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية”، ذكره أبو الحسن الطنجي من ضمن تآليف اليفرني، ويعتبر هذا الشرح أهم وأدق شرح للبرهانية، وتوجد منه أكثر من مخطوطتين في حالة جيدة.
– شرح العقباني(ت811هـ)أبي عثمان سعيد بن محمد بن العقباني، وهو مطبوع بتحقيق: نزار حمادي ضمن كتاب سماه:”العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية لأبي عمرو عثمان السلالجي، مع شرح العقيدة البرهانية لابن العقباني”عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ببيروت-الطبعة الأولى/2008،
-بالإضافة أيضا إلى بعض الشروح والمختصرات الأخرى:كمختصر الجزولي(توفي في:ق10هـ) وتقييد للسملالي(توفي في:ق9هـ)، وشرح المديوني، وشرح الجدميوي، وشرح التنبكتي، ونظم الهبطي.

موضوعها: بالنظر إلى موضوع “العقيدة البرهانية” على الرغم من صغر حجمها، فإنه يمكن الحديث عنها وفق الآتي:
فبعد التقديم بالبسملة والحمدلة والصلاة على النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، قسمها المؤلف إلى ثمانية عشر فصلا، ويمكن تقسيمها-بحسب هذه الفصول-إلى خمسة أبواب:
1-الطبيعيات: ويذكر فيها المؤلف آراءه في التعريف بالعالم وأنه كل موجود سوى الله تبارك وتعالى، ثم ذكر رأيه حول تقسيم العالم إلى جواهر وأعراض وذكر الدليل على  إثبات ذلك.
2-الإلهيات: وابتدأه بالاستدلال على إثبات وجود الصانع وقدَمه وأنه قائمٌ بنفسه، مثبتا صفات الله تعالى وأقسامها، ثم انتقل إلى الحديث عن جواز رؤية الله تعالى والحديث عن خلق الأعمال والعدل الإلهي.
3-النبوات: وذكر أن من الجائزات أيضا ابتعاث الرسل وتأييدهم بالمعجزات، متحدثا عن حقيقة المعجزة وشروطها، والحديث عن عصمة الأنبياء، وبيان معجزة سيدنا محمد (ص) ، ثم ذكر باقي السمعيات من الحشر والنشر وعذاب القبر وسؤال الملكين والصراط والميزان والحوض والشفاعة، وكذا ضرورة الإيمان بأنباء الآخرة جملة وتفصيلا.
 4-أحكام التكليف: ثم انتقل إلى الحديث عن أحكام التكليف، وذكر أن أصول الأحكام ثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع، وأن الإيمان جملة هو التصديق، ثم ذكر وجوب التوبة عند مقارفة الذنب وشروط ذلك، وأنها على الفور.
5-الإمامة: وتحدث فيه عن شروط الإمامة وطريقة ثبوتها وأحكامها، وأنه ليس من شرطها أن تثبت نصا، بل تثبت نصا أو اجتهادا، ثم تحدث عن أفضال الصحابة، وأنهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون.
«فهذه[يقول السلالجي]عقيدة أهل السنة والجماعة في سبيل الإيجاز، تلقاها الخلف عن السلف، لا يسع أحد جهلها»، ثم ختمها بالدعاء والصلاة والسلام على النبي الكريم[8].

 

 

الهوامش:

[1] نص العقيدة البرهانية من كتاب”عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية”(دراسة لجانب من الفكر الكلامي بالمغرب من خلال”البرهانية” وشروحها) لأستاذ الدكتور جمال علال البختي-منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الطبعة الأولى/2005 ، وكتاب”:”العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية لأبي عمرو عثمان السلالجي، مع شرح العقيدة البرهانية لابن العقباني” بتحقيق: نزار حمادي- مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ببيروت-الطبعة الأولى/2008.
[2] عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية:جمال البختي-ص: 184.
[3] انظر:ابن مؤمن-البغية عن المديوني-الشرح:60 عن: عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية: جمال البختي-ص:171 واليفرني-المباحث العقلية:1.
[4] عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية، ص:201.
[5] نفس المرجع-ص:181 وما بعدها,
[6] وذكره عبد الله محمد الحبشي في كتابه: “جامع الشروح والحواشي” تحت عنوان: “العقيدة البرهانية” -ج2/ص: 1203 مشيرا إلى أنه يسمى أيضا “إيضاح العقيدة البرهانية ” (كشف الظنون:1158/ دار الكتب المصرية)- نشر المجمع الثقافي أبو ظبي /2004
[7] نفس المرجع والصفحة
[8] عثمان السلالجي ومذهبيته الأشعرية: جمال البختي-ص:565

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق