وحدة الإحياءدراسات عامة

العقل في اللغة والقرآن والحديث وعند الحكماء، وفي الأدب العربي

ذ. محمد العزوزي

قال المتنبي:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله     ***  وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

                                                                                                 ديوانه الجزء الرابع ص: 251

أ. والعقل صفة وغريزة يهبها الله لعبد من عباده يتهيأ بها لفهم الخطاب، مستقره الدماغ، وبه يكون التفكير والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات، وبه، أيضا، يتميز الحسن من القبيح، والخير من الشر، والحق من الباطل، لذا عبروا بقولهم: (الإنسان حيوان عاقل) كما قالوا: (الإنسان حيوان ناطق) وهذا بالنسبة للعجماوات، وصدق  الله العظيم القائل في محكم التنزيل: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ [الإسراء: 70] وقال سبحانه: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ [التين: 4].

وعقل الرجل يعقل من باب ضرب يضرب، فهو عاقل وعقول، من قوم عقلاء، والعقل: الحجي والنهى، ضد الحمق، وسمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن الدخول والتورط في المهالك، والعقل أيضا: التثبت في الأمور، وقالوا: (العقل، القلب، والقلب العقل)، وفي كتاب التعريفات للشريف الجرجاني: (العقل جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقا ببدن الإنسان) إلى أن قال: والصحيح أنه جوهر مجرد يدرك الفانيات بالوسائط، والمحسوسات بالمشاهدة.

ومن معاني كلمة: عقل: الإمساك، والاستمساك، والمنع تقول:

  1. عقل لسانه، كفه عن الكلام، وتقول أعتقل لسانه إذا حبس ومنع الكلام.
  2. عقل البعير بالعقال، أي شده وأوثقه، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: (والله لو منعوني عقالا…) في إحدى الروايات.
  3. عقل الدواء البطن، أي أمسكه بعد استطلاقه.
  4. عقلت المرأة شعرها، ربطته بخيوط بعد أن مشطته.
  5. عقل القتيل أعطى ديته دراهم أو دنانير، وأصله أن يأتوا بالإبل فتعقل بأفنية البيوت، وهي الدية التي يأخذها ورثة القتيل.
  6. عقل الوعل، أي امتنع في الجبل العالي، أي صعد وامتنع، ومنه المعقل وهو الملجأ، (اللسان ج: 11 ص: 465 العمود الأول)، (وتعقل) تكلف العقل مثل تحلم وتكيس.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (العقل هو آلة التمييز التي تميز الخير من الشر)، والعقل على ما حدده الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، عقلان: مطبوع ومسموع، فالمطبوع ما فسر به قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل) (مفردات الراغب الأصفهاني، ص: 354)، والمسموع هو ما يكتسبه الإنسان بالتجارب والمعرفة.

وأطلق الفقهاء كلمة العقل على: (العلم) قال الإمام الأشعري، وأبو إسحاق الإسفرائني: (العقل هو العلم)، وقال أبو بكر الباقلاني: (العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات وجواز الجائزات، واستحالات المستحيلات). واشتق من كلمة: (عقل يعقل عقلا)

عقيل مصغر قبيلة في العرب، وعقيل بفتح العين أسماء رجال كثيرين، منهم: عقيل بن أبي طالب أخو علي جعفر لأبيهما، صحابي جليل، أسلم بعد غزوة الحديبية، توفي عام 60ﮪ.

والعقيلة من النساء السيدة المخدرة والزوجة الكريمة، التي تعقل أي تحرس وتمنع، والدر كذلك يصان.

والمعقل المحبس (يوضع فيه السجناء) مدة اعتقالهم.

ومعقل بن يسار من الصحابة رضي الله عنه، أصله من مزينة مضر، أسلم قبل الحديبية، توفي بالبصرة عام 60ﮪ. والعاقلة: العصبة والأقارب من قبل الأب.

ب. أما في القرآن الكريم فقد وردت لفظية العقل تسعة وأربعين مرة، بصيغ مختلفة، إلا أنها لم ترد مصدرا.

  1. وردت بصيغة الماضي مرة واحدة (عقلوه)
  2. وبصيغة تعقلون أربعة وعشرين مرة
  3. وبصيغة نعقل مرة واحدة
  4. وبصيغة يعقلون اثنين وعشرين مرة
  5. وباتصالها مع ضمير الهاء مرة واحدة

ولا بأس أن نتابعها في القرآن الكريم كما وردت آية، آية ابتداء من سورة البقرة إلى سورة الملك السابعة والستين في ترتيب السور، وفي الحزب السابع والخمسين من ترتيب المصحف الشريف وهاأنا أشرع في كتابة الآيات مع ذكر المعنى الإجمالي لكل منها.

أولا: ما جاء على صيغة الفعل الماضي لفظة واحدة

وهي قوله تعالى: ﴿أفتطمعون أن يومنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون﴾ [البقرة: 74]

المعنى الإجمالي للآية: أترجون أيها المومنون أن يسلم اليهود ويدخلوا في دينكم، والحال أن طائفة من أحبارهم وعلمائهم يسمعون كلام الله في التوراة ويعلمون تمام العلم أنه حق، ثم يحرفونه ويغيرونه ويبدلونه متعمدين معاندين بعدما عقلوه، أي فهموه وضبطوه، وهم يعلمون أنهم يخالفونه على بصيرة، لا عن خطأ أو نسيان.

ثانيا: ما جاء على صيغة المضارع المبدوء بالتاء للمخاطبين

1. ﴿وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾ [البقرة: 42-43]

يراد بالصلاة والزكاة صلاة المسلمين وزكاتهم، وهذا يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام، وخصص الركوع بعد أداء الصلاة لأن صلاة اليهود بدون ركوع، ووبخهم على أمر الناس وتركهم له، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا يأمرون بإتباع التوراة ويخالفون في جحدهم صفة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما وبخهم كونهم يدعون الناس إلى الخير وإلى الإيمان بمحمد ولا يفعلون (أفلا تعقلون) أفلا تتفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه.

2. ﴿وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها، والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى، ويريكم آياته لعلكم تعقلون﴾ [البقرة: 71-72]. المعنى الإجمالي للآيتين: اذكروا يا بني إسرائيل حين تخاصمتم وتدافعتم بشأن قتل النفس، وأصبح كل فريق يدفع التهمة عن نفسه وينسبها لغيره، وقد أظهر الله ما تخافونه من الجريمة، وقد أمركم الله أن تذبحوا البقرة، وتضربوا ببعضها القتيل فيحيا، ومثل إحياء القتيل أمامكم يحيى الله الموتى يوم القيامة، وهذه من دلائل قدرته تعالى، لعلكم تعقلون وتتفكرون.

3. ﴿وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون﴾ [البقرة: 75]. المعنى الإجمالي للآية: إذا اجتمع اليهود بأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال المنافقون منهم، آمنا بأنكم على الحق، وأن محمدا هو الرسول المبشر به، لكن متى انفرد واختلى بعضهم ببعض، قالوا عاتبين عليهم أتخبرون أصحاب محمد بما بين الله لكم في التوراة في صفة محمد، عليه السلام، ويحاجوكم به عند ربكم، ولتكون الحجة عليكم في ترك أتباعه مع العلم بصدقه، أفلا تعقلون، أي أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم به حجة عليكم.

4. ﴿وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون﴾ [الآيتان: 239-240]

المعنى الإجمالي واجب على الأزواج أن يمتعن المطلقات بقدر استطاعتهم جبرا لوحشة الفراق، وهذه المتعة حق لازم على المومنين المتقين لله، لأن التقوى واجبة في مثل هذا البيان الشافي الذي يوجه النفوس نحو المودة والرحمة، لتعقلوا ما في هذه الأحكام وتعملوا بموجبها.

  1. ﴿يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون [آل عمران: 64].

المعنى الإجمالي: يا معشر اليهود والنصارى، لم تجادلون وتنازعون في إبراهيم، وتزعمون أنه على دينكم، وتجادلون رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فموسى وكتابه التوراة كان بعد إبراهيم بألف عام، وعيسى والإنجيل بألفي عام، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يأت بعد؟ أفلا تعقلون بطلان قولكم؟ والاستفهام للتوبيخ.

  1. ﴿يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يا لونكم خبالا ودوام ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون﴾ [آل عمران: 118]

المعنى الإجمالي: أيها المومنون لا تتخذوا المنافقين أصدقاء وأحباء تودونهم وتطلعونهم على أسراركم، وتجعلون أولياء من غير المومنين، فهم لا يقصرون في الإفساد وإيصال الضرر بكم، ودوا ضرركم أشد الضرر وأبلغه، وقد ظهرت أمارات العداوة لكم على ألسنتهم إنهم لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم، و ما يبطنونه لكم من البغضاء أكثر مما يظهرونه، وقد أوضحنا لكم الآيات الدالة على وجوب الإخلاص في الدين، إن كنتم عقلاء.

  1. ﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون﴾ [الأنعام: 32].

المعنى الإجمالي: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، أي باطل وغرور، نظرا لقصر مدتها، وفناء لذتها، وتبدل أحوالها كل وقت وحين، فالدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم، خير لعباد الله المتقين من الدنيا الفانية الزائلة، أفلا تعقلون؟ تزنون ما بين هذه وتلك بميزان العقل، فتعملون للباقية الدائمة وتنبذون عنكم الفانية.

  1. (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، إلا بموجب شرعي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس)، وذلكم المذكور ما أوصاكم تعالى بحفظه وأمركم به، لعلكم تسترشدون بعقولكم إلى فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا.
  2. ﴿فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذون ألم يوخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق، ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون﴾ [الأعراف: 169].

المعنى الإجمالي: حدث بعدهم قوم سوء، وخلف بسكون اللام ذم، وبفتحها مدح، وهؤلاء الطالحون لا خير فيهم، ورثوا التوراة فيهم عن أبائهم، ويأخذون منها الشيء الدنيء من حطام الدنيا، ويقولون سيغفر لنا، وذلك اغترار منهم وكذب على الله، فهم يرجون المغفرة، ويصرون على الذنب كلما لاح لهم شيء من حطام الدنيا، وقد أخذ عليهم العهد بإقامة التوراة، والعمل فيها، فكيف يزعمون أنه سيغفر لهم مع إصرارهم على المعاصي وأكل الحرام، والحال أنهم درسوا ما في الكتاب، وعلموا ما في الآخرة من نعيم، وهو خير للذين يتقون الله ويخشون عقابه، ويستمسكون بالكتاب وما جاء من عند الله، أفلا تعقلون؟ الاستفهام للإنكار، أي: أفلا ينزجرون ويعقلون؟

10.﴿ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون﴾ [يونس: 16]

المعنى الإجمالي: قل لهم يا محمد: لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم، ولو شاء ما أرسلني به إليكم، ولا أعلمكم به على لساني، لأنه من عنده، وما هو من عندي، وقد مكثت بين أظهركم أربعين سنة قبل أن يبعثني ربي إليكم وينزل علي هذا القرآن الذي ما كنت أتلوه قبل نزوله،أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أن هذا الكتاب المعجز، ليس إلا من عند الله العزيز الحكيم.

  1. ﴿يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون﴾ [هود: 51]

المعنى الإجمالي: ها هو نبي الله هود، عليه السلام، يدعو قومه قائلا: يا قوم، لا أطلب منكم إلا النصح والبلاغ جزاء ولا ثوابا، فثوابي وجزائي على الله الذي خلقني وأوجدني، (أفلا تعقلون) أتغفلون عن هذا النصح؟ ولا تعقلون أن من يدعوكم إلى الخير دون طلب جزاء منكم، هولكم ناصح أمين.

  1. ﴿ألر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾ [يوسف: 1-2]

المعنى الإجمالي: (ألر) الألف واللام والراء، إحدى السور المبدوءة بالحروف المقطعة، والتي عددها تسع وعشرين سورة، وهذه الحروف للمفسرين فيها تأويلات، أشهرها: لا يعلم كنهها إلا الله الذي أنزلها جل شأنه.

ومن هذه الحروف وأمثالها تتألف آيات الكتاب المعجز المبين الساطع في حجته وبراهينه، وقد أنزله بلغة العرب التي يفهمونها، ولهجتهم التي يتقنونها، (لعلكم تعقلون) أي لكي تعقلوا وتدركوا أن هذا الكلام وحي منزل من عند الله.

  1. ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون﴾ [يوسف: 109]

المعنى الإجمالي:أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض طولا وعرضا، فينظرون نظر تدبر وتفكر، ينظروا ما حل بالأمم السابقة فيعتبرون بذلك، والاستفهام للتوبيخ، والدار الآخرة خير للمومنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار، (أفلا تعقلون) أي: أفلا تتفكرون فتومنون بربكم وما جاءكم به رسل الله صلى الله عليهم وسلم.

  1. ﴿ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم الوعد ومن نشاء وأهلكنا المسرفين، لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون﴾ [الأنبياء: 9-10].

المعنى الإجمالي: صدقنا الأنبياء وما وعدناهم به من نصرهم، وإهلاك مكذبيهم، فأنجيناهم ومن نشاء من عبادنا المومنين، وأهلكنا المسرفين المتجاوزين الحد بالكفر والتكذيب وارتكاب المعاصي، ولقد أنزلنا إليكم كتابا هو القرآن الكريم فيه شرفكم وعلوكم (أفلا تعقلون) وفي هذا تحريض وتأكيد لما ذكر أن يستعملوا العقل ويفكروا قبل أن يؤخذوا على غرة.

15.﴿ قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون﴾ [الأنبياء: 66].

المعنى الإجمالي: حين حاور إبراهيم، عليه السلام، قومه في عبادتهم للأصنام خاطبهم بقولهم: (قال أفتعبدون من دون الله…) جمادات لا تضر ولا تنفع،ولا تستطيع دفع الضر عنها، فإبراهيم كسرها وجعلها جذاذا، ثم زاد قائلا لهم تحقيرا لشأنهم: (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) أي قبحا ونتنا لكم وللأصنام التي عبدتموها من دون الله، وكلمة: أف تقال عند المستقذرات، وعند التضجر وكره الشيء، (أفلا تعقلون) أي تستعملوا عقولكم، وترجعوا عن قبح صنيعكم.

  1. (وهو الذي يحيي ويميت الأمم، ويميت الخلائق والأمم، وله جل جلاله اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان بفعله سبحانه وحده ليقيم الدليل على وجوده وقدرته، (أفلا تعقلون) أليس لكم عقول تدركون بها دلائل قدرته وآثار قهره فتعلمون أن من قدر على ذلك ابتداء قادر على إعادة الخلق بعد الفناء.
  2. ﴿فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة، كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون﴾ [النور: 59].

المعنى الإجمالي: يأمر الله عباده المومنين قائلا لهم: إذا دخلتم بيوتا مسكونة فسلموا على من فيها من الناس، فحيوهم بتحية الإسلام التي هي: (السلام عليكم) وهي التحية المباركة الطيبة التي شرعها الله لعباده المومنين، ولو لم يكن بها إنسان، فإن الملائكة ترد عليكم، فالله جل جلاله نبه عباده إلى أنه بين لهم الآيات بيانا شافيا ليتدبروها ويتعقلوها، لعلهم يعقلون.

  1. ﴿قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون﴾ [الشعراء: 26-27].

المعنى الإجمالي: سمى فرعون موسى رسولا استهزاء، وأضافه إلى المخاطبين استنكافا من نسبته له، أي إن هذا الرسول لمجنون لا عقل له، أسأله عن شيء، فيجيبني عن شيء آخر، لكن موسى زاد في إقامة الحجة بقوله: (رب المشرق والمغرب) لأن طلوع الشمس وغروبها آية ظاهرة لا يمكن أحدا جحدها وإنكارها، فأقام موسى على فرعون الحجة بهذه المعجزة، ولما لم ير منهم (فرعون وقومه) إلا العناد والمغالطة وبخهم بقوله: (إن كنتم تعقلون) أي: إن كانت لكم عقول، وهذا من أبلغ الحجج التي تقسم ظهر الباطل، ومثل هذا وقع لإبراهيم مع النمرود، راجع سورة البقرة عند قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه… الآية: 257.

  1. ﴿وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون﴾ [القصص: 60].

المعنى الإجمالي: أي وما أعطيتم أيها الناس من مال وخير وبنين، إن ذلك متاع الدنيا الفاني لن يدوم مهما كثر، تتمتعون به قليلا ثم ينقضي ويزول، وإن ما أعده الله لعباده الصالحين من جنان وفاكهة ونخل ورمان وحسان، هو خير وأبقى من متاع الدنيا الزائل، ومجدها الزائف، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) رواه الطبراني وأبو نعيم، ورواه الحاكم وابن ماجة. انظر كشف الخفاء ج: 2 ص: 159 رقم: 2107.

(أفلا تعقلون؟) توبيخ لهم على إصرارهم لحبهم للدنيا وزينتها، ونبذهم لما عند الله من النعيم المقيم الذي أعده الله لعباده المومنين.

  1. ﴿وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون﴾ [يس: 60-61].

المعنى الإجمالي: أمر الله الخلق من بني آدم أن يعبدوه وحده، ويطيعوه ويمتثلوا أوامره، وهذا الاتباع والعبادة صراط الله وطريقه، وقد أضل الشيطان منكم خلقا كثيرا، وأغواكم عن سلوك طريق الحق (جبلا كثيرا) والجبلة بكسر الجيم والباء وتشديد اللام: الأمة العظيمة أقلها عشرة آلاف، ولا نهاية لأكثرها قاله الضحاك ابن مزاحم توفي (105ﮪ)، (أفلم تكونوا تعقلون؟) أفما كان لكم عقل يردعكم عن طاعة الشيطان ومخالفة أمر ربكم؟

  1. ﴿وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون﴾ [الصافات: 137-138]

المعنى الإجمالي: بعد ذكر بعض الأمم التي أهلكها الله، خاطب أهل مكة مذكرا إياهم: إنكم لتمرون على منازل أولئك الأقوام الذين أهلكهم الله في أسفاركم ويوم ضعنكم، وتشاهدون آثار هلاكهم صباح مساء، ليل نهار (أفلا تعقلون؟) كيف بكم تشاهدون ذلك ثم لا تعتبرون؟! ألا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابكم؟

  1. ﴿ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون﴾ [غافر: 67].

المعنى الإجمالي: بعد ذكره سبحانه مراحل حياة الإنسان، كونه خلق من تراب ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم أخرج طفلا، ثم بلغ أشده، مرحلة الشباب والقوة، ثم صار شيخا، وربما بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا، وبعد هذا كله من يستوفي أجله يموت، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا، وهو السقط، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة، وليبلغ كل واحد أجلا مسمى لا يتعداه (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر)، (ولعلكم تعقلون) أي دلائل التوحيد التي بسطناها لكم، وهيأنا أذهانكم لقبولها)

  1. ﴿حم، والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾ [الزخرف: 1-2].

المعنى الإجمالي: حم الحروف المقطعة في السور التسعة والعشرون للتنبيه على إعجاز القرآن البين الواضح الجلي، المبين للإنسان ما يحتاج إليه من الأحكام والدلائل الشرعية، وقد أنزلناه بلغة العرب مشتملا على كمال الفصاحة والبلاغة، وبأسلوب محكم وبيان معجز، (لعلكم تعقلون) لكي تفهموا أحكامه، وتتدبروا معانيه وتتفكروا بعقولكم أن أسلوبه خارج عن طوق البشر.

  1. ﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون﴾ [الحديد: 16].

المعنى الإجمالي: اعلموا يا معشر المومنين الذين ندبكم الله إلى الخشوع بقلوبكم لذكر الله تعالى وطاعته، أنه سبحانه يحيي الأرض بعد موتها، كما يحيي القلوب بعد قساوتها، ويردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، أما الأرض فيحييها بعد إنزال المطر عليها، ويخرج منها النبات بعد يبسها وجدبها، وقد أوضحنا لكم الحجج والبراهين الدالة على كمال قدرتنا ووحدتنا، (لعلكم تعقلون) أي لكي تعقلوا وتتدبروا ما أنزل الله في القرآن.

انتهت لفظة تعقلون.

ثالثا: ما جاء على صيغة المضارع المبدوء بنون المتكلم ومن معه، لفظة واحدة

وهي في قوله تعالى: ﴿وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير﴾ [الملك: 10].

المعنى الإجمالي: بعد أن وجهت الملائكة، خزنة النار، سؤالا لهؤلاء الذين ألقوا في جهنم: ألم يأتكم نذير؟ أي: رسول ينذركم ويوجهكم، أجابوا: (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا…) أجابتهم الملائكة: (إن أنتم إلا في ضلال كبير) وهنا اعترفوا بخطئهم وعدم إجابتهم للرسل، عليهم الصلاة والسلام، وقالوا: (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) قيل: إنما جمعوا بين السمع والعقل لأن مدار التكليف عليهما.

وهذه لفظة واحدة (نعقل).

رابعا: ما جاء على صيغة المضارع المبدوء بالياء الدالة على المخاطبين أحيانا، وعلى الغائبين أحيانا أخرى

1. ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾ [البقرة: 163].

المعنى الإجمالي: إن في إيداع السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن من عجائب الصنعة ودليل  القدرة، واختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بهذا النظام المحكم، يذهب الليل فيعقبه النهار وينسلخ النهار فيعقبه الليل، مع الزيادة والنقصان في كليهما حسب الفصول، وما أنزل الله من مطر، وما خلق من دابة وتصريف الرياح وإرسالها شمالا وجنوبا، وقد جاءت في القرآن جمعا (الرياح) للرحمة، ومفردة (ريح)عذابا،إلا في يونس (وجرين بهم بريح طيبة)، كل هذه الآيات الواضحات (لقوم يعقلون)يتدبرون ويفهمون).

  1. ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون﴾ [البقرة: 169].

المعنى الإجمالي: إذا قيل للمشركين اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الوحي والقرآن، قالوا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، فرد الله عليهم: (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) وجاءت الهمزة في (أو لو كانوا) للاستفهام، لأن غاية الفساد في الالتزام، أي أو لو كان آباؤهم جهالا لا يفقهون، ومجانين لا يعون، فهم لهم متبعون.

  1. ﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي لا ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم، عمى فهم لا يعقلون﴾ [البقرة: 17].

المعنى الإجمالي:  وحيث هذه الآية متصلة بالتي قبلها، ضرب الله مثلا للكافرين في غاية الوضوح والجلاء، فمثل من يدعوهم إلى الهدى والحق كمثل الراعي الذي يصيح بغنمه ويزجرها، تسمع الصوت والنداء دون أن تفهم الكلام، فهم صم عن سماع الحق بكم عن النطق به، عمي عن رؤيته، إنهم كالدواب السارحة التي لا تفهم ولا تفقه، يسمعون القرآن ويصمون عنه الآذان، والنعيق صوت الراعي بغنمه، والغراب ويسمى صوت الغراب نعيقا كذلك.

  1. ﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا أو لعبا، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ [المائدة: 60].

المعنى الإجمالي: وإذا أذنتم إلى الصلاة ودعوتم إليها، سخروا منكم ومن صلاتكم، وقد حسد اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم حين سمعوا الآذان، وقالوا: ابتدعت شيئا لم يكن للأنبياء، وورد أن رجلا نصرانيا كان بالمدينة، إذ سمع المؤذن يقول:… وأشهد أن محمدا رسول الله، قال: حرق الله الكاذب، فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام، فتطايرت منه شرارة في البيت فأحرقته وأهله جميعا. (انظر كتاب التسهيل لابن جزي ج: 1، ص: 181 (ت: 741)، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود ج: 2، ص: 40 (ت: 951). (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) نفى العقل عنهم لكونهم لم ينتفعوا به في أمر الدين، مع العلم أنهم يدركون مصالح الدنيا.

  1. ﴿ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون﴾ [المائدة: 103]

المعنى الإجمالي: كان العرب في الجاهلية قد سنوا وابتكروا من عند أنفسهم أمورا في مواشيهم وإبلهم، ولم يشرعها الله لهم، وهي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام (تراجع في كتب التفسير)، فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادات، ولم يجعلها سنة لعباده، وإنما الكفار فعلوا ذلك، (وأكثرهم لا يعقلون) فالأتباع يتبعون هذه الأمور تقليدا، وكلمة: (جعل) ليست بمعنى خلق، ولا صير وإنما هنا بمعنى: (سمى)، قاله ابن عطية.

  1. ﴿إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون﴾ [الأنفال: 22-23].

المعنى الإجمالي: إن شر الخلق وشر البهائم التي تدب على وجه الأرض، ومنها الإنسان، الصم عن سماع الحق، البكم عن النطق بكلمة التوحيد، شبه تعالى الكفار بالبهائم، قال ابن قتيبة: (نزلت هذه الآية في بني عبد الدار، فإنهم جدوا في القتال مع المشركين)، (الذين لا يعقلون) الذين فقدوا العقل الذي يميز به المرء بين الخير والشر، ولو علم الله فيهم شيئا من الخير لأسمعهم سماع تفهم وتدبر، ولو فرض أن سمعوا لتولوا وهم معرضون عنه جحودا وإنكارا.

  1. ﴿ومنهم من يستمعون إليك، أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون﴾ [يونس: 42-43]

المعنى الإجمالي: أي يستمعون إليك إذا قرأت القرآن، وقلوبهم لا تعي شيئا مما تقرؤه وتتلوه، ولو نصحت لهم بالإيمان، فهم لا يسمعون سماع تدبر وتبصر، (ولو كانوا لا يعقلون) لأن الذي لا يعقل لا يعي ما يسمع، فكيف إذا كان أصم أصلا، ومن هؤلاء من ينظر إليك ويعاين دلائل نبوتك الواضحة، ولكنهم عمي لا ينتفعون بما رأوا، شبههم بالعمى لعميهم عن الحق.

  1. ﴿وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون﴾ [يونس:100].

المعنى الإجمالي: أي ما كان لأحد أن يؤمن إلا بإرادته تعالى وتوفيقه، والنفس التي علم الله أنها لا تؤمن ليس لها حال تؤمن فيها، والرجس العذاب، وقرئ بالنون (نجعل)، (على الذين لا يعقلون) أي لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات، ويجعلون عقولهم فيما ينفعهم.

  1. ﴿ وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ [الرعد: 4].

المعنى الإجمالي: إن في الأرض بقاع مختلفة متلاصقات، قريب بعضها من بعض أرض طيبة تنبت الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، وأرض سبخة لا تنبت شيئا، وفي هذه القطع المتجاورة من أنواع الزروع والنخيل والأثمار المختلفة الطعوم، منه الحلو ومنه الحامض، ومنه الطيب ومنه اليابس، وهذه الأشجار منه صنوان وغير صنوان، وكلها تسقى بماء واحد، وهي تختلف في ألوانها وأشكالها، كما تختلف في طعمها ومذاقها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. فالذي فصل من أحوال القطع والجنات للآيات كثيرة عظيمة ظاهرة لكل عاقل، والآية فيها تعريض للمشركين بأنهم غير عاقلين.

  1. ﴿وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ [النحل: 12].

المعنى الإجمالي: أي ذلل لكم الليل والنهار يتعاقبان خلقة لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وإنضاجها، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم، والنجوم تجري في فلكها بأمره تعالى لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، فالله خالقها ومدبرها كيف شاء، (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أي في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة لأصحاب العقول السليمة.

  1. ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون﴾ [النحل: 67].

المعنى الإجمالي: وإن لكم أيها الناس في هذه الأنعام: الإبل والبقر والضأن والمعز لعظة وعبرة يعتبر بها العقلاء، نسقيكم من بعض الذي في بطونها من بين الروث والدم، ذلك الحليب الخالص واللبن النافع سائغا، أي سهل المرور على الحلق لذيذ الطعم، كذلك نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب، أي من عصيرها لما تحتوي عليه من السائل، (وسكرا) أي خمرا، وكان ذلك قبل تحريمها (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) إنها لآيات باهرة ودلالات قاطعة على وحدانيته تعالى لقوم يتدبرون بعقولهم.

  1. ﴿أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ [الحج: 44].

المعنى الإجمالي: حث لهم أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين (بفتح اللام) فيعتبروا بما حل بهم من الهلاك والدمار، وإن كانوا قد سافروا، ولكنهم لم يسافروا للاعتبار، جعلوا غير مسافرين فحثوا على ذلك للاتعاظ والاعتبار، وهلا عقلوا ما يجب أن يعقل من الإيمان والتوحيد أو تكون لهم آذان يسمعون بها المواعظ والزواجر، ولكن العمى الحقيقي ليس هو عمي البصر، إنما العمي عمي البصيرة.

  1. ﴿أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ [الفرقان: 44].

المعنى الإجمالي: أتظن أن هؤلاء المشركين يسمعون  ما تتلوا عليهم من الآيات حق السماع أو يعقلون ما تورده عليهم من الحجج والبراهين الدالة على وحدانية الله، فتطمع في إيمانهم، فهم كالأنعام ليس لهم عقول، بل هم أضل من ذلك، لهم عقول لكن ضيعوها، فالأنعام تطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها، وهي تنقاد لصاحبها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم وخالقهم ورازقهم.

  1. ﴿ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون﴾ [العنكبوت: 35].

المعنى الإجمالي: ولقد تركنا من هذه القرية علامة بينة، ودلالة واضحة على ما حل بها من الخراب والدمار، وهي آثارها وأطلالها البالية (لقوم يعقلون) يتدبرون ويتفكرون، ويستعملون عقولهم في الاستبصار والاعتبار، والآية موضع العبرة وعلامة القدرة ومزدجر النفوس من الوقوع في سخط الله وغضبه.

  1. ﴿ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله، قل الحمد لله، بل أكثرهم لا يعقلون﴾ [العنكبوت: 63].

المعنى الإجمالي: لئن سألت المشركين من الذي أنزل المطر من السماء فأخرج به أنواع الزروع والثمار بعد جدب الأرض ويبسها؟ أجابوا معترفين: الله هو الفاعل لذلك، إذن فقل: الحمد لله على ظهور الحجة حيث يقرون بأن الله الخالق الرازق، ويعبدون غيره، (بل أكثرهم لا يعقلون) إذ يعترفون بخلقه لكل شيء ويكفرون بوحدانيته تعالى.

16 ﴿ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ [الروم: 23].

المعنى الإجمالي: أي ومن آياته العظيمة الدالة،على قدرته ووحدانيته تعالى أنه يريكم البرق الذي يصحبه الرعد خوفا من الصواعق، وطمعا في الغيث والمطر،ينزله سبحانه من السماء فينبت به الأرض بعد أن كانت هامدة جامدة لا نبات فيها  ولا زرع، (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أي إن في ذلك المذكور لعبرة وعظات لقوم يتدبرون بعقولهم نعم الله وآلاءه.

  1. ﴿ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخفيتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون﴾ [الروم: 27].

المعنى الإجمالي: ضرب لكم أيها القوم مثلا واقعيا من أنفسكم، وهذا المثل المضروب معناه: لا يشارككم عبيدكم في أموالكم ولا يستوون معكم في أحوالكم، وحيث لا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف ترضون لله شريكا في خلقه وملكه، ولستم تخافونهم كما تخافون الأحرار مثلكم، (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) أي نبينها ونوضحها لقوم يستعملون عقولهم في تدبر الأمور.

  1. ﴿ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا تعقلون﴾ [يس: 67].

المعنى الإجمالي: ومن نطل عمره نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه، فتحول خلقته من القوة إلى الضعف، ومن الفهم إلى البله، فيفقد القوة والشباب والجمال، وهذا يكون في الكافرين وعصاة المومنين وحدهم، أما من شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه، (أفلا تعقلون) أفلا تتدبرون في أحوالكم المتغيرة، وتستدلون بذلك على قدرة الله تعالى فتعبدونه، ولا تشركوا به شيئا.

  1. ﴿أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعا﴾ [الزمر: 40].

المعنى الإجمالي: ألا يتفكر هؤلاء الذين اتخذوا شفعاء من الأوثان والأصنام، وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، انظر لفرط جهالتهم حيث اتخذوا ما لا يملك شيئا، ليس لها عقل ولا سمع ولا بصر، بل هي جمادات أسوا حالا من الحيوانات، (قل لله الشفاعة جميعا) الشفاعة لله وحده، لا يملكها أحد إلا الله، ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾ [البقرة: 254]

  1. ﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون﴾ [الجاثية: 4].

المعنى الإجمالي: أي من السماء من رزق، سمى السماء رزقا، لأن بالماء الذي ينزل منها يحصل الرزق، فأحيا بالمطر الأرض بعد أن كانت ميتة هامدة، وفي تصريف الرياح شمالا وجنوبا، وحارة وباردة (لآيات لقوم يعقلون) لآيات في الدقة والجلاء وعلامات ساطعة واضحة على وجود الله، وكمال وحدانيته تعالى.

  1. ﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾ [الحجرات: 4].

المعنى الإجمالي: نزلت الآية في وفد تميم، والذي ناداه هو عيينة بن حصين والأقرع بن حابس: يا محمد اخرج إلينا، كررها، والوقت وقت الظهيرة، والنداء كان خلف حجرات أمهات المومنين الطاهرات، أكثر هؤلاء غير عقلاء، إذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه المرتبة من سوء الدب، ولصبروا حتى يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود (ض): “أقل الناس عقلا بنو تميم”.

  1. ﴿لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ [الحشر: 14]

المعنى الإجمالي: إن اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين، إلا في الدروب والخنادق ، أو من وراء الجدر والحيطان، عداوتهم فيما بينهم شديدة، تظنهم مجتمعين ذوي ألفة واتحاد، إنهم مختلفون، وقلوبهم متفرقة، (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) أي لا يعقلون شيئا حتى يعرفوا الحق ويتبعوه، ولكن تشتيت قلوبهم يهون قواهم.

انتهت لفظة يعقلون.

خامسا: باتصالها مع ضمير الهاء مرة واحدة

في قوله تعالى:

1.﴿…وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلوها إلا العالمون﴾ [العنكبوت: 43].

المعنى الإجمالي: وإن تلك الأمثال التي ضربناها من أن أضعف البيوت لبيت العنكبوت لتفاهته وحقارته، تقريبا لما بعد من أفهامهم على ما هي عليه، نسوقها ليفهموها ويتدبروها، (وما يعقلها إلا العالمون) والعالم من عقل عن الله تعالى ، فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته.

وفي الحديث النبوي الشريف جاء العقل بصيغ مختلفة، وقد اعتمدت المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للفيف من المستشرقين في المجلد الرابع صفحة: 298 وهو المفتاح للكتب التسعة، الستة المشهورة مع موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي.

وقد تعرض المؤلفون المستشرقون لمعاني: عقل وما اشتق منها، كما جاء ذلك في قسم اللغة.

وقد اخترت من هذه الكتب ما يفيدنا في العقل، فاستخرجت من الأحاديث منها ما يأتي:

  1. حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “لم أعقل أبوي (قط) إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة…” والحديث طويل. (صحيح البخاري ج: 3 ص: 126 والجزء: 8، ص: 26. مسند الإمام أحمد ج: 6، ص: 178).
  2. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال فذلك من نقصان دينها. (صحيح البخاري ج: 1 ص: 83 باب الحيض. صحيح مسلم ج: 1 ص: 61، مختصره للمنذري ص: 143 رم: 325. سنن أبي داود ج: 4 ص: 219 رقم: 4679. سنن الترمذي ج: 5 ص: 300 رقم: 2622 بشرح عارضة الأحوذي. مسند الإمام أحمد ج: 2 ص: 66-67).
  3. عن عبد الله بن مسعود عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال للنساء: تصدقن، فإنكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة ليست من علية القوم أو من أعقلهن: يا رسول الله فيم أو لم أو بم (حذفت ألف ما حيث جرت بحرف الجر) قال: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. (مسند الإمام احمد ج: 1 ص: 436).
  4. حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة، فقال له علي: ما لك ذلك؟ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل)، فأدرأ عنها عمر ـ رضي الله عنه ـ. (مسند الإمام أحمد ج: 1 ص: 140. سنن الدارمي ج: 2 ص: 119 رقم: 2293. سنن أبي داود ج: 4 ص: 140 رقم: 4398 (لكن بدون كلمة يعقل)).
  5. عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر فتان القبور، فقال عمر أترد علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: نعم كهيئتكم اليوم، فقال عمر: بفيه الحجر. (مسند الإمام أحمد ج: 2 ص: 172).
  6. حدثنا أبو موسى حدثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته، فقال بعض القوم: يا رسول الله ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف هباء من الناس لا عقول لهم. (سنن ابن ماجة ج: 2 ص: 1309 رقم الحديث: 3959).
  7. حدثني يونس عن المغيرة بن عبد الله، حدثني والدي… إلى أن قال: فجئت حتى أخذت بزمام الناقة أو خطامها، فقلت يا رسول الله: حدثني أو خبرني بعمل يقربني إلى الجنة، ويباعدني عن النار، قال: أو ذلك أعملك أو أنصبك، قال: قلت نعم،قال: فأعقل إذا أو افهم: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتأتي إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك، وتكره للناس ما تكره أن يؤتى إليك، خل زمام الناقة أو خطامها، قال أبو قطن: فقلت له : سمعته منه، أو سمعته من المغيرة، قال: نعم. (مسند الإمام أحمد ج: 5 ص: 372-373).
  8. عن قتادة عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع، أن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل ما في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاءني الإسلام، وما أسمع شيئا، وأما الأحمق، فيقول، رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعير، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما. (مسند الإمام أحمد ج: 4 ص: 24).
  9. عن الحرث بن يعقوب عن أبي الأسعد الغفاري، عن النعمان الغفاري عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أبا ذر أعقل ما أقول لك: لعناق يأتي رجلا من المسلمين خير له من أحد ذهبا يتركه وراءه، يا أبا ذر أعقل ما أقول لك: إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من كذا وكذا، أعقل ما أقول لك: إن الخيل في نواصيها الخير، إن الخيل في نواصيها الخيل. (مسند الإمام أحمد ج: 5 ص: 181).
  10. حدثنا شعبة عن عمر بن مرة، قال سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن ابن لبيد الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أوان ذهاب العلم، قال: شعبة: أو قال: هذا أوان انقطاع العلم، فقلت: وكيف وفينا كتاب الله نعلمه أبناءنا، وأبناؤنا أبناءهم، قال: ثكلتك أمك ابن لبيد، ما كنت أحسبك إلا من أعقل أهل المدينة، أليس اليهود والنصارى فيهم كتاب الله…؟ (مسند الإمام أحمد ج: 4 ص: 219).
  11. عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: مرني بأمر، ولا تكثر علي حتى أعقله، قال: لا تغضب، فأعاد عليه فأعاد عليه: لا تغضب. (مسند الإمام أحمد ج: 2 ص: 362).
  12. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير يعني ابن حازم، حدثنا قتادة عن أنس، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ احتجم ثلاثا في الأخدعين (الأخدعان عرقان في موضع الحجامة) والكاهل (مقدم أعلى الظهر)، قال معمر، احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي، وكان احتجم على هامته. (سنن أبي داود ج: 4 ص: 4).

13- وفي كشف الخفاء ج: 2 ص: 62 رقم: 1740.

(عقولهن في فروجهن، يعني النساء) قال في المقاصد لا أصل له، ونسب للإمام علي بن أبي طالب نقلا عن تذكرة القرطبي، وفي المرفوع: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم منكن، (وقد تقدم) وينسب لأبي الخطاب بن دحية:… ففي نقصان عقلهن وودهن ما يغني عن الإطناب فيهن، والله أعلم.

وبعد، فهذا (غيض من فيض) أي قليل من كثير مما اهتدينا إليه من الحديث في كتب السنة، وبعضها في الصحيحين وفي سواهما من الكتب التي أشرنا إليها، إلا أنني وقفت على ما جاء في العقل عند عبد الرحمن بن الجوزي الواعظ، ت 597 في كتابيه: (كتاب الموضوعات) ج: 1 ص: 171 إلى 177، وكتاب: (ذم الهوى) ص: 5 إلى ص: 11، فقد رد جميع أحاديث العقل وجعلها كلها ضعيفة وموضوعة، وليس منها حديث صحيح واحد، وقد جاء كلامه في الكتابين معا وخصوصا في كتاب ذم الهوى في غاية من التنسيق والتنميق، والغوص في علل الحديث، ورد قول الوضاعين والمتروكين والضعفاء ممن لا يتورعون في ثبت وإثبات أقوال وأفعال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هو المصدر الثاني من مصادر التشريع الذي تعبر عنه الأمة (السنة النبوية)، ولا بأس أن أتعرض لحديث واحد استشهد به مما كتبه ابن الجوزي في ص: 174 و175 من كتاب الموضوعات: (لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، فقال: وعزتي ما خلقت خلقا هو أعجب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي، ولك الثواب وعليك العقاب) والحديث” نفسه في (ذم الهوى) ص: 8 مع بعض التغيير في اللفظ، قال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد طعن في روايته، فليراجع في موضعه.

وقد تعرض حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي ت 505ﮪ في كتابه الشهير إحياء علوم الدين الجزء: 1 ص: 88 إلى ص: 95.

وقد أتى بأحاديث في العقل ومنزلته وخصوصياته وشرفه، كونه ألصقه بالإنسان، وجعله موضع سلوكه ومعرفته لطريق الخير والشر، والأحاديث التي استشهد بها في موضع العقل حوالي خمسة عشرة حديث كلها خرجها زين الدين العراقي ـ ت 806 ـ في حاشيته المطبوعة مع كتاب الإحياء المسماة: حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، فلتراجع على نفس الكتاب، ولا حاجة لذكرها حتى لا يطول موضع البحث، وها هو الحديث الذي سبق ذكره عند ابن الجوزي وهو : (قال صلى الله عليه وسلمـ: أول ما خلق الله العقل، فقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب) قال العراقي: الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة، وأبو نعيم من حديث عائشة بإسنادين ضعيفين.

د. وعند الحكماء

  1. ثلاثة تدل على عقول أربابها: الهدية والرسول والكتاب. (محاضرة الأدباء ج: 1 ص: 424. عيون الأخبار ج: 1 ص: 395).
  2. عقول الرجال تحت أسنة أقلامها. (مجمع الأمثال ج: 2 ص: 55 بدون رقم عند قوله المولدون. عيون الأخبار ج: 1 ص: 107).
  3. إذا تم العقل نقص الكلام. (الامتناع والمؤانسة لأبي حيان ج:2 ص: 152. نهج البلاغة ج: 4 ص: 15).
  1. العقل وزير ناصح، والهوى وكيل فاضح. (أدب الدنيا والدين للماوردي ص: 38).
  1. قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له. (فيض القدير شرح الجامع الصغير ج: 4 ص: 528 رقم: 6159. السراج المنير للعزيزي ج: 3 ص: 67. رواه البيهقي عن جابر، رضي الله عنه، مرفوعا).
  1. الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك. (نهج البلاغة ج: 4 ص: 99).
  2. العاقل من عقله عقله عن كل مذموم. (مناقب الشافعي للبيهقي ج: 2 ص: 187. سير أعلام النبلاء ج: 10 ص: 98).
  3. العقل السليم في الجسم السليم.

مثل مشهور لم أقف على مصدره.

هـ. العقل عند الأدباء والشعراء:

  1. رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع

ولا ينفع مسموع      ***      إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس     ***     وضوء العين ممنوع

(إحياء علوم الدين للغزالي ج: 1 ص: 91. كتاب معجم مفردات الأصفهاني ص: 354).

عند هذا الأخير بدون رأيت في أول الشطر الأول وكذلك (ف) في الشطر الثاني من البيت الأول.

  1. إذا لم يكن للمرء عقل فإنه وإن كان ذا بيت على الناس هين

ومن كان ذا عقل أجل لعقله      ***       وأفضل عقل عقل من يتدين

(المستطرف ج: 1، ص: 20، لم ينسبهما لقائلهما).

  1. إذا طال عمر المرء في غير آفة أفادت له الأيام في كرها عقلا. (المستطرف ج: 1 ص: 20. أدب الدنيا والدين ص: 23، كلاهما لم ينسب البيت لقائله).
  1. ألم تر أن العقل زين لأهله ولكن تمام العقل طول التجارب. (المستطرف ج: 1 ص: 20. أدب الدنيا والدين ص: 23).
  1. حسب الفتى عقله خلا يعاشره إذا تحاماه إخوان وخلان. (أبو الفتح البستي، ديوانه: 269. الكشكول ج: 1 ص: 316 من قصيدة طويلة).
  1. إذا لم يكن عقل يعيش به الفتى فإنما هو معدود من الهمل. (محمود سامي البارودي، ديوانه ص: 409).

الهمل: الدواب التي تترك بدون رعاية.

  1. لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان. (المتنبي، ديوانه ج: 4 ص: 308، والقصيدة من 51 بيتا. الغيث المسجم ج: 1 ص: 75).

الضيغم: الأسد، أدنى الأولى بمعنى: أسفل، والثانية بمعنى: أقرب.

وأخيرا وليس آخرا فهذه مناظرة، وإن شئت قلت مفاخرة جرت بين العقل والعلم؛ أي منهما له المكانة والمرتبة العليا عند الإنسان، لأن الإنسان هو الذي له الحق وحده أن يتصف بهما معا، أو يتصف بإحدى الصفتين فقط، فتقول: فلان عالم وعاقل، أو فلان عاقل أو فلان عالم.

وورد في كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي، رحمه الله، في الجزء الأول ص: 335 حينما ترجم للإمام أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي صاحب الإمام مالك، وأحد رواته فقيه الديار المصرية، نسب للإمام الشافعي قائلا: (ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه) واسمه مسكين ولقبه أشهب، كلاهما الشافعي وأشهب توفيا رحمهما الله 204ﮪ، ها أنت ترى الشافعي نفى العقل عن صاحبنا أشهب، ونسبه إلى الطيش.

وإليكم هذه المناظرة والمفاخرة بين العلم والعقل، والتي عثرت عليها في كتاب: (صفوة التفاسير) للشيخ محمد علي  الصابوني في الجزء الأول ص: 194 عند قوله تعالى: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط﴾ [آل عمران: 18] ولم ينسب الأبيات وقال لبعضهم:

علم العالم وعقل العاقل اختلفا       ***      من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا

فالعلم قال: أنا أحرزت غايته       ***    والعقل قال: أنا الرحمان بي عرفا

فأفصح العلم إفصاحا وقال له    ***    بأينا الله في فرقانه اتصـــفا

فبان للعقل أن العلم سيده     ***     فقبل العقل رأس العلم وانصرفا

يشير صاحب الأبيات لقوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو…) حيث صنف أولي العلم في القيام بالقسط مع الله والملائكة.

أما المراجع التي اعتمدتها فقد أشرت إليها في مواضعها ولا حاجة لإعادة ذكرها أخيرا.

الخاتمة

أعتذر للقراء الكرام رجال الثقافة والعلم، وأرجو أن أكون قد وفقت فيما كتبته في هذا البحث المتواضع، والله من وراء القصد.

                                                                                                        والسلام.

العقل في اللغة والقرآن والحديث وعند الحكماء، وفي الأدب العربي

(العدد 23)

Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق