مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

الشريعة2

 

 ذ. عبد الرحيم السوني

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

 

·       في الاصطلاح العام:  

يُطلَق لفظ الشريعة في الاصطلاح العام، على الائتمار بالتزام العبودية، وقيل: هي الطريق في الدين[1].

·      في الاصطلاح الصوفي :

أما في اصطلاح الصوفية فيستعمل لفظ الشريعة بنفس الدلالة القرآنية؛ من حيث كونها: الأحكام والفرائض التي جاء بها النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي عندهم مقابلة للحقيقة، وهذا المعنى يتفق عليه كافة الصوفية حيث يحصرونها ويخصّونها بأعمال الشرع الظاهرة دون أعمال القلب والسريرة، غير أن منهم من وسّعه ليشمل عنده أعمال الجوارح والقلوب معا، فمن الأول قول السراج الطوسي: «أنكرت طائفة من أهل الظاهر، وقالوا لا نعرف إلا علم الشريعة الظاهرة التي جاء بها الكتاب والسنة، وقالوا: لا معنى لقولكم علم الباطن وعلم التصوف، فنقول وبالله التوفيق: إن علم الشريعة علم واحد، وهو اسم واحد يجمع معنيين، الرواية والدراية، فإذا جمعتهما فهو علم الشريعة الداعية إلى الأعمال الظاهرة والباطنة، ولا يجوز أن يجرد القول في العلم أنه ظاهر أو باطن، لأن العلم متى ما كان في القلب، فهو باطن فيه إلى أن يجري ويظهر على اللسان، فإذا جرى على اللسان فهو ظاهر»[2]. فالشريعة ـ في نظر الطوسي ـ لا تقتصر فقط على أعمال الظاهر، بقدر ما هي جمع بين أعمال الظاهر والباطن، فالشريعة عنده مرادفة للدين الذي يشمل أعمال الجوارح والقلوب معا؛ فهي بهذا المعنى مشتملة لجميع مقامات الدين من إسلام وإيمان وإحسان. وهذا المعنى هو الغالب عند الصوفية.

والأمر نفسه يؤكده الإمام الهجويري، حيث إن الشريعة عمل كسبي للإنسان، والحقيقة حفظ الله تعالى له، والاتصال بينهما كالصلة بين الجسد والروح[3]. وهو نفس المعنى الذي يذهب إليه الشيخ ابن عجيبة الذي يرى أن الشريعة مرتبطة بالممارسات الظاهرة للدين؛ يقول: «الشريعة: تكليف الظواهر، والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر”[4].

يظهر من خلال ما تقدّم، أن الشريعة في الاصطلاح الصوفي تطلق بمعنيين: الأول معنى الدين عموما؛ وهو ما شرعه الله تعالى لعباده مما أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله عز وجل: ﴿ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها﴾[5]،إذ الشريعة المقصودة هنا لا تخص فقط أعمال الجوارح من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج …الخ، وإنما تشمل أيضا أعمال القلوب، ومنها: الإيمان، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والتوكل، والرضا، والخشية، والتقوى، والخوف، والرجاء، والتفويض… وغير ذلك من أعمال القلوب. أما المعنى الثاني للشريعة فهي كونها الالتزام فقط بظاهر الشرع من الأعمال المرتبطة بالجوارح، لكنها لا تستقيم بهذا المعنى إلا بوجود قرينتها الحقيقة التي هي مراعاة لأعمال القلوب.

إذن، لا خلاف بين المعنيين، فسواء كانت الشريعة تجمع بين أعمال الظاهر والباطن، أو اقتصرت على أعمال الظاهر لكن مع ضرورة وجود الحقيقة إلى جانبها، فهو نفس الأمر؛ فالاختلاف فقط من حيث الشكل، أما المضمون فلا خلاف فيه، فبينما أطلق البعض لفظا واحدا على معنيين، حيث أطلق الشريعة على ظاهر الشرع وباطنه، خص البعض الآخر كل معنى من المعنيين باسم خاص به فسمّى ظاهر الشرع شريعة، وباطنه حقيقة، والمعنيين معا لا ينفكان عن بعضهما بحال من الأحوال.

 

 


[1] – التعريفات، للشريف الجرجاني، (740-816هـ)، تحقيق د. عبد المنعم الحفني ص 143. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، دار صادر، بيروت، خال من تاريخ الطبع، ج 2، ص 761.

[2] – اللمع، للطوسي ص 43-44.

[3] – كشف المحجوب،للهجويري ص 465.

[4] – معراج التشوف إلى حقائق التصوف، لابن عجيبة،ص71.

[5] – الجاثية، الآية 18.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق