مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

الرواية الحديثية في المغرب: طرقها وأنواعها من خلال كتاب الإلماع للقاضي عياض

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إن طريق النقل ووجوه الأخذ وأصول الرواية على أنواع كثيرة، ويجمعها ثمانية ضروب، وكل ضرب منها له فروع وشعوب، ومنها ما يتفق عليه في الرواية والعمل، ومنها ما يختلف فيه فيهما جميعا، أو في أحدها: أولها السماع من لفظ الشيخ، وثانيها القراءة عليه، وثالثها المناولة، ورابعها الكتابة، وخامسها الإجازة، وسادسها الإعلام للطالب بأن هذه الكتب روايته، وسابعها وصيته بكتبه له، وثامنها الوقوف على خط الراوي فقط.

الضرب الأول: السماع من لفظ الشيخ[1]:

وهو منقسم إلى إملاء أو تحديث، وسواء كان من حفظه، أو القراءة من كتابه، وهو أرفع درجات أنواع الرواية عند الأكثرين.

وصيغ الأداء كأن يقول السامع من الشيخ: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلانا يقول، وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان.

الضرب الثاني: القراءة على الشيخ[2]:

سواء كنت أنت القارئ أو غيرك وأنت تسمع، أو قرأت في كتاب، أو من حفظ، أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه، أو يمسك أصله، ولا خلاف أنها رواية صحيحة.

والقراءة عند مالك على ثلاثة أضرب: أولها: قراءة الطالب على العالم، الثاني: قراءة العالم على الطالب، والثالث: أن يدفع العالم إلى الطالب كتابا قد عرفه فيقول: اروه عني.

وأكثر المحدثين يسمونه عرضا؛ لأن القارئ يعرض ما يقرؤه على الشيخ كما يعرض القرآن على إمامه.

ومذهب مالك أن القراءة أو العرض مثل السماع، ويجوز فيها النقل بـ: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا.

الضرب الثالث: المناولة[3]:

وهي على أنواع:

الأول: أرفعها أن يدفع الشيخ المروي، فيقول للطالب: هذه روايتي فاروها عني، ويدفعها إليه، أو يقول له خذها فانسخها وقابل بها، ثم اصرفها إلي وقد أجزت لك أن تحدث بها عني، أو اروها عني أو يأتيه الطالب بنسخة صحيحة من رواية الشيخ، أو بجزء من حديثه فيقف عليه الشيخ ويعرفه ويحقق جميعه وصحته ويجيزه له، فهذا كله عند مالك بمنزلة السماع.

الثاني: أن يعرض الشيخ كتابه ويناوله الطالب ويأذن له في الحديث به عنه، ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه، فهذه مناولة صحيحة أيضا، تصح بها الرواية والعمل على ما تقدم لكن بعد وقوع كتاب الشيخ ذلك للطالب بعينه، أو انتساخه نسخه منه، أو تصحيح كتابه متى أمكنه بكتابه، أو بنسخه وثق بمقابلتها منه.

الضرب الرابع: الكتابة[4]:

وهو أن يسأل الطالب الشيخ أن يكتب له شيئا من حديثه، أو يبدأ الشيخ بكتاب ذلك مفيدا للطالب بحضرته، أو من بلد آخر وليس في الكتاب ولا في المشافهة والسؤال إذن ولا طلب للحديث بها عنه.

الضرب الخامس: الإجازة[5]:

إما مشافهة أو إذنا باللفظ مع المغيب أو يكتب له ذلك بخطه بحضرته أو مغيبه والحكم في جميعها واحد، إلا أنه يحتاج مع المغيب لإثبات النقل، أو الخط ثم هي مع ذلك على وجوه ستة:

الوجه الأول: وهو أعلاها الإجازة لكتب معينة، وأحاديث مخصصة مفسرة إما في اللفظ والكتب أو محال على فهرسة حاضرة أو مشهورة.

الوجه الثاني: أن يجيز لمعين على العموم والإبهام دون تخصيص ولا تعيين لكتب ولا أحاديث كقولك قد أجزت لك جميع روايتي أو ما صح عندك من روايتي.

الوجه الثالث: الإجازة للعموم من غير تعيين المجاز له، وهي على ضربين معلقة بوصف ومخصوصة بوقت أو مطلقة فأما المخصوصة والمعلقة بقولك أجزت لمن لقيني أو لكل من قرأ علي العلم أو لمن كان من طلبة العلم أو لأهل بلد كذا أو لبني هاشم أو قريش والمطلقة أجزت لجميع المسلمين أو لكل أحد.

الوجه الرابع: الإجازة للمجهول، وهي على ضروب:

فأما لمعين مجهول في حق المجيز لا يعرفه فلا تضره بعد إجازته له جهالته بعينه إذا سمي له أو سماه في كتابه أو نسبه على ما نص عليه كما لا يضره عدم معرفته إذا حضر شخصه للسماع منه.

وأما مجهول مبهم على الجملة كقوله أجزت لبعض الناس أو لقوم أو لنفر لا غير، فهذا لا تصح الرواية بها ولا تفيد هذه الإجازة إذ لا سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه.

الوجه الخامس: الإجازة للمعدوم كقوله أجزت لفلان وولده وكل ولد يولد له أو لعقبه وعقب عقبه أو لطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا أو لكل من دخل بلد كذا من طلبة العلم.

الوجه السادس: الإجازة لما لم يروه المجيز بعد.

الضرب السادس[6]: وهو إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث من روايته وأن هذا الكتاب سماعه فقط دون أن يأذن له في الرواية عنه أو يأمره بذلك أو يقول له الطالب هو روايتك أحمله عنك فيقول له نعم أو يقره على ذلك ولا يمنعه.

الضرب السابع: الوصية بالكتب:

وهو أن يوصي الشيخ بدفعه كتبه عند موته أو سفره لرجل، وهذا باب أيضا قد روي فيه عن السلف المتقدم إجازة الرواية بذلك لأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة وهو قريب من الضرب الذي قبله[7].

الضرب الثامن: الخط:

وهو الوقوف على كتاب بخط محدث مشهور يعرف خطه ويصححه وإن لم يلقه ولا سمع منه أو لقيه ولكن لم يسمع منه كتابه هذا وكذلك كتب أبيه وجده بخط أيديهم، فهذا لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه بـ: حدثنا، وأخبرنا، ولا من يعده معد المسند، والذي استمر عليه عمل الأشياخ قديما وحديثا في هذا قولهم وجدت بخط فلان وقرأت في كتاب فلان بخطه إلا من يدلس فيقول عن فلان أو قال فلان وربما قال بعضهم أخبرنا وقد انتقد هذا على جماعة عرفوا بالتدليس[8].

إن طرق وأنواع الرواية الحديثية عند المغاربة تتميز بكونها أدق وأتقن، لاعتنائهم بها ، وحرصهم كل الحرص عليها ضبطا وإتقانا، وعدم التقول على النبي صلى الله عليه وسلم بما لم ينسب إليه من أقوال وأفعال.

******************

هوامش المقال:

[1] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 69-70.

[2] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 70_79.

[3] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 79_83.

[4] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 83_87.

[5] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 88_107.

[6] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 107_115.

[7] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 115-116.

[8] ) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص: 116_119.

**************

جريدة المراجع

الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة- مصر، المكتبة العتيقة، تونس، 1389 /1970.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة أبوري

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق