
الدكتور مصطفى مختار
باحث في مركز علم وعمران
جعل جزء من المصادر والمراجع اسم الدار البيضاء[1] ترجمة لأصل برتغالي. حيث شاهد البرتغاليون عمارة بيضاء[2] بعد هدم حاضرة آنفا، فسموها كازا برانكا الذي تحول إلى كازا بلانكا. ويبدو أنها ظلت إلى حدود سنة 1900 م[3].
وذهب بعض من المراجع والمصادر المذكورة إلى أن سيدي محمد بن عبد الله، باني الدار البيضاء، سأل عن اسم البناية المذكورة، فلما أخبروه قرر تسميتها باسمها الحالي نقلا عن أصلها البرتغالي[4].
ويظهر أن الخبر المذكور سبق قلم توهمه أصحابه، فلم يحتج العاهل المغربي نفسه إلى ترجمة اسم أصله أجنبي وهو المتعلق، بحكم تربيته المخزنية، بالتراث المغربي.
ولم ينتبه أصحاب الخبر ذاته إلى أن الدار البيضاء اسم طوبونيمي تراثي استعمله أهل المغرب ابتداء من العصر الموحدي، بحسب ما لدينا من وثائق، في نص وارد في الفتوحات المكية لسيدي محمد محيي الدين ابن العربي الحاتمي. جاء فيه متحدثا عن أحد الأشخاص: "وشهدت احتضاره بالدار البيضاء إلى أن قضى، وسافرت من يومي لاستعجال قومي"[5].
ويبدو أن المقصود هنا مدشر، بشمال المغرب، كان قريبا من حاضرة سبتة، ثم سمي برباط سبتة خلال عهد المولى إسماعيل العلوي. وتم ضمه داخل الحدود المغتصبة إثر حرب تطوان[6].
ووَهِم المُبيّض المصطفى عربوش وهو يتحدث عن الشيخ أبي "عبد الكريم بن السيد أبي الحسن علي بن محمد بن أبي عمران موسى الشريف العمراني الحسني أصله من دار البيضة وقبره بورغة"، جاعلا هذا المدشر/ الرباط هو الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية[7] التي كانت في موضعها أطلال أنفا، خلال زمن صاحب النص (القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر ميلادي)، دون أن يعلم المُبيّض المذكور أن المقصود هنا بالدار البيضاء ذلك المدشر القريب من حاضرة سبتة.
وإلى جانب المدشر/ الرباط نفسه أشارت نصوص من التراث المغربي إلى معالم مغربية أخرى تسمى بالاسم نفسه، مثل الدار البيضاء أو دار البيضاء، بفاس[8]، التي ذهب بعضهم إلى أنها هي دار الدبيبغ[9]، ومثل الدار البيضاء أو دار البيضاء، بمكناس[10]، والدار البيضاء ببلاد زعير[11]، والدار البيضاء، بمراكش[12]، وقصبة الدار البيضاء، بسجلماسة أو تافيلالت[13].
وإذ تطرقنا إلى عدد من المعالم المغربية المسماة بالدار البيضاء، نشير إلى أن سيدي محمد الثالث العلوي استثمر تراثه السيادي وهو يسمي حاضرته باسمها المعروف، بشكل دال على صلته القوية بالتراب الوطني.
والله الموفق للصواب والمعين عليه.
الإحالات :
[1] من الطريف أن الرواية الشفهية ترجع اسم الدار البيضاء إلى دار امرأة اسمها البيضاء جعلها بعضهم زوجة سيدي علال القيرواني، وجعلها غيرهم زوجة سيدي أبي الليوث. راجع: مادة الدار البيضاء، علال الخديمي، في: معلمة المغرب، ج12، مطابع سلا، 2000 م، ص3909، وص3910؛ و
Rites et secrets guérisseurs des marabouts de Casablanca, M. Akhmisse, Imprimerie Kortoba, 1999, p. 61- 62; Histoire de Casablanca (des origines à 1914), A. Adam, Imprimerie Louis-Jean, 1968, p. 67
[2] ترى أهذه المعلمة هي السجن البرتغالي أم غيره؟. راجع: الدار البيضاء والشاوية، ج1، البعثة العلمية بالمغرب، ترجمة: نور الدين فردي، مطابع الرباط نت، 2015 م، ص52- 53. واستأنس بـ: إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، ج1، عبد الرحمان ابن زيدان، تقديم: عبد الهادي التازي، مطابع "إيديال"، 1990 م، ص437؛ وعبير الزهور، ج1، هاشم المعروفي، مراجعة: عبد الرحمن القباج، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص108، وص109؛ وHistoire de Casablanca, p. 59- 61 ولعل هذا السجن وُظّف خلال عهد المولى سليمان. انظر: تاريخ الضعيف الرباطي، ج2، محمد الضعيف الرباطي، تحقيق: محمد البوزيدي البوشيخي، مطبعة النجاح الجديدة، 1988 م، ص721- 722، وص722، وص732، وص737.
[3] إتحاف أعلام الناس، ج1، ص433؛ وعبير الزهور، ج1، ص108، وص110، وص113؛ ومادة الدار البيضاء، في: معلمة المغرب، ج12، ص3909؛ وHistoire de Casablanca, p. 68 واستأنس بـ: كتاب الاستقصا، ج4، أحمد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري- محمد الناصري، دار الكتاب، 1997 م، ص116، وص144.
[4] عبير الزهور، ج1، ص110، وص113. استأنس بـ: الدار البيضاء الإنسان.. والزمان.. والمكان، محمد السنوسي معنى، دار النشر المغربية، 2017 م، ص42.
[5] الفتوحات المكية، مج5، محيي الدين ابن العربي، ضبط: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، 1999 م، ص170. ونقدم هنا أسمى عبارات الشكر لصديقنا الدكتور محمد أمعارش الذي أمدنا بهذا النص عبر تقنية الواتساب بعد بحث مضن.
[6] التشوف في رجال سادات التصوف، عبد الرحمان الصومعي، تبييض: المصطفى عربوش، مطبعة النجاح الجديدة، 2014 م، ص167؛ وفهرسة ابن عجيبة، تحقيق: عبد الحميد حمدان، دار الغد العربي، 1990 م، ص50؛ وتاريخ تطوان، مج.9، محمد داود، سليكي إخوان، 1998 م، ص26، وص32- 38، وص42، وص53، وص54، وص60، وص61، وص64، وص74؛ ومادة الدار البيضاء، حسن الفكيكي، في: معلمة المغرب، ج12، ص3916- 3917.
[7] التشوف في رجال سادات التصوف، ص167 والهامش رقم 5.
[8] الأنيس المطرب، علي ابن أبي زرع، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1999 م، ص537؛ وتاريخ الدولة السعدية التكمدارتية، مؤرخ مجهول، تحقيق: عبد الرحيم بنحادة، دار تينمل للطباعة والنشر، 1994 م، ص89؛ وكتاب الاستقصا، ج3، ص107؛ وورقات عن حضارة المرينيين، محمد المنوني، مطبعة النجاح الجديدة، 1996 م، ص75- 76؛ وفاس قبل الحماية، ج1، روجيه لوتورنو، ترجمة: محمد حجي- محمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، 1992 م، ص165؛ ومادة الدار البيضاء- قصور، محمد ماكَامان- بوشتى بوعسرية، في معلمة المغرب، ج12، ص3915.
[9] ورقات عن حضارة المرينيين، ص75.
[10] كتاب الاستقصا، ج8، ص69؛ والبستان الظريف، في دولة أولاد مولاي الشريف، أبو القاسم الزياني، تحقيق: رشيد الزاوية، مطبعة المعارف الجديدة، 1992 م، ص482؛ والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج6، العباس السملالي، تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1977 م، ص129؛ والجيش العرمرم الخماسي، ج1، محمد الكنسوسي، تحقيق: أحمد الكنسوسي، المطبعة والوراقة الوطنية، 1994 م، ص263؛ وإتحاف أعلام الناس، ج1، ص193، وص194؛ وج3، ص247، وص329؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، عبد العزيز بنعبد الله، مطبعة المعارف الجديدة، 2000 م، ص32، بتحفظ؛ ومادة الدار البيضاء- قصور، في معلمة المغرب، ج12، ص3915- 3916.
[11] إتحاف أعلام الناس، ج2، ص167، وص170، وص174؛ ووثائق لدراسة تاريخ قبائل زعير، بوعبيد التركي، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2018 م، ص184 والهامش رقم 2. وتأمل الخريطة المرفقة في مقال رحلة السلطان عبد العزيز من الرباط إلى مراكش، بوعبيد التركي، في صفحة الفايسبوك: مؤرخ زعير Bouabid tarqi.
[12] تاريخ الضعيف الرباطي، ج2، ص472؛ ومادة الدار البيضاء- قصور، في معلمة المغرب، ج12، ص3915.
[13] كتاب الاستقصا، ج8، ص70؛ والحلل البهية في ملوك الدولة العلوية، ج2، محمد المشرفي، تحقيق: إدريس بوهليلة، دار أبي رقراق، 2005 م، ص29؛والبستان الظريف، في دولة أولاد مولاي الشريف، ص482؛ والإعلام بمن حل مراكش، ج6، ص129؛ والجيش العرمرم الخماسي، ج1، ص263.