مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويشذور

الخط الصحراوي المعيني: خط الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين أنموذجا مبارك الابتداء ميمون الانتهاء

إن اهتمام علماء الصحراء بشتى أنواع العلوم والنهل من روافد متعددة تثري فكرهم، تنم عن انخراطهم في مكتسبات التراث الأدبي واللغوي، ليعبروا بتجاربهم العلمية الغزيرة عن ثقافة صحراوية وواقع تاريخي واجتماعي خاص.

إن أهل الصحراء لم يكونوا منقطعين عما يزخر به التراث العربي الإسلامي من تراكمات وتجارب علمية، بل كانوا ملمين بأدق تفاصيلها، مجتهدين في البحث الدائم عن مختلف المصادر التي تلهم رصيدهم الأدبي والعلمي، فارتباطهم باللغة العربية والقرآن الكريم، واهتبالهم بعلومه، وتعلقهم بخطوطه لَأهم الروافد التي اعتمدوها، فأطلقوا العنان للتأليف بالشرح والتعليق والتلخيص والنظم في شتى أنواع العلوم بخط بديع ومتميز عاكس لجمال التجربة الصحراوية.

وفي عرض لخصائص الخط الصحراوي الذي يتميز بوظيفته الجمالية والتواصلية وبطبيعته الصحراوية المغربية، وبارتباطه بلغة القرآن الكريم، وبالأدب والفن، مع اتصاف حروفه بأشكال هندسية بديعة تقع بين الخطين المغربيين الخط المجوهر والخط المبسوط، ثم خضوع هندسته إلى تراكيب متناسبة ومتوازنة، تطبعها المرونة والمطاوعة مما يفسح المجال للخيال المبدع والذوق الجميل، وكذا سمك الخط، والوصلات وتنوعها في تلك النصوص الصحراوية.

ولقد اتسم الخط الصحراوي أيضا بطرقه الإبداعية، وقواعده الدقيقة، هذا الخط الصحراوي المكتوب بأقلام مصنوعة من القصب الجاف المتوازن والأملس، وبجماليات غير مألوفة باعتبارها هي نفسها خصوصيات القلم المغربي المحكوم بالبيئة الطبيعية والإجتماعية والثقافية والتقنية التي تفرز أشكالا بديعة من الحروف المتميزة.

ولقد قال الدكتور محمد البندوري في الخط المغربي الصحراوي في دراسة مستفيضة قيمة له:

“فالخط المغربي الصحراوي يثبت فنيته الملتصقة باللغة العربية، ويثبت غناه في البهاء والرواء من خلال تفاعله وتجاوره وتداخله مع الخطوط المغربية الأخرى، وتميزه بوظيفته الجمالية والتواصلية، وبطبيعته الصحراوية المغربية، وبارتباطه بلغة القرآن الكريم، وبالأدب والفن، فأصبح بهذه الارتباطات جزءا في قلب العمليات الإبداعية المغربية بتنويع في الأداء بفعل الوعي الذي اكتسبه الأدباء والشعراء والفنانون من جهة، وبفعل الترابط بين مختلف الأماكن المغربية باعتباره وسيلة تواصل وتفاهم وتخاطب، وباعتباره كذلك فنا يتوفر على كل سمات الإبداع والجمال. ويتبدى كل ذلك جليا من خلال حروفه التي تتصف بأشكال هندسية بديعة تقع بين الخط المغربي المجوهر وبين الخط المغربي المبسوط، تتميز بالسمك أحيانا وتخضع هندستها إلى تراكيب متناسبة ومتوازنة، وتتميز بالمرونة والمطاوعة تفسح المجال للأخيلة المبدعة، وللأذواق الجميلة في كل المجالات للإبداع والابتكار، حيث تتخذ الوصلات سماكات متنوعة في النصوص المغربية الصحراوية، لتعطي للحروف تناغما وتآلفا متميزا، مما يجعل لحركة الخط المغربي الصحراوي شاعرية خاصة يغذيها الغنى الفني بعناصره المختلفة من زينة وتشكيل وزخرفة تتمم عملية التناسق، وتضبط المعنى الجمالي بجمال آخر”[1].

وقد اخترت خط الشيخ أحمد الهيبة كأُنموذج لأنه شخصية تاريخية متميزة لها وزنها العلمي، ولما لمست في خطه من جمالية وتميز يعكس الروح الشغوفة للشيخ بالعلم ومشاركته في جميع أنواع الفنون والخبرة والإبداع فيها.

الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين:

ولد في “ازوگي” ب”آدرار”[2]، وقيل بالساقية الحمراء[3]، ليلة الاثنين الأولى من شهر رمضان، عام أربعة وتسعين بعد المائتين والألف 1294 ه، 9 شتنبر 1877م، والدته هي التقية العابدة ميمونة بنت أحمد بن علي. وهو الحادي عشر من أبناء الشيخ ماء العينين[4]، أما في الترجمة التي صاغها العلامة محمد المختار السوسي فلم يذكر مكان ولادته[5].

كانت له عند والده مكانة خاصة وكان يهيئه لجلائل الأمور ويصطحبه في أسفاره ويكلفه بمهام كبيرة مع السلاطين وغيرهم. كان رحمه الله عالما شاعرا، ماهرا باللغة والنحو، خبيرا بالسيرة النبوية وأيام العرب، حاتم زمانه في السخاء والكرم، وجاء في قرة العينين وسحر البيان: “أن والده الشيخ ماء العينين كان يسميه دليل الخيرات ويقول: إنه ما دخل عليه يوما إلا جاء خير بإثره، وكان يكلفه بالمهام العظيمة إلى الملوك والأمراء، كما كان محببا وضع الله حبه في القلوب، لا تجد أحدا إلا يحبه ولو لم تتقدم له معرفة به. وكان إماما حافظا، مشاركا في جميع الفنون خبيرا بها، منقولا ومعقولا ولاسيما في العربية، فله فيه اليد الطولى والغاية القصوى، وكان شاعرا مجيدا وله ديوان كبير. أعطاه والده تاجا وكان عليه وعمامة وامره بلبسها[6]. وله اطلاع واسع على علم سر الحرف وأسرار الأسماء وخواصها كوالده رحمه الله[7].

ترك الشيخ أحمد الهيبة رحمه الله عدة مؤلفات منها: “سراج الظلم فيما ينفع العالم والمتعلم”، و”سراديقات الله الدافعات” و”تعليق على حزب الخيرات” و”اجوبة عن مسائل تتعلق بالقيام وانحناء الرأس وتقبيل اليد ومدح الولد والده” و”عن تقديم الزكاة فوق ما ذكره المختصر” و”عن الإنتقال من مذهب إلى مذهب”. وله ديوان شعر مطبوع.

توفي رحمه الله في قرية أكردوس بإقليم سوس المغرب يوم الثلاثاء 18 من شهر رمضان عام 1337 ه 18 يونيه 1919 م مسموما على يد أحد عملاء الفرنسيين دس له السم في جوارب أهداها له[8].

وسنرفق هذا المقال صور من مخطوطات كتبها الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين بيده، أخذتها من خزانة الأستاذ الشيخ ماء العينين محمد فاضل شيخاني.

 [1]مقال معنون ب “الخصائص الجمالية للخط المغربي الصحراوي” بقلم الدكتور محمد البندوري، نشر بصفحة على الانترنيت، بمؤسسة النور للثقافة والإعلام بتاريخ 06/05/2016.  له كتاب “جمالية الخط المغربي” وقعه في معرض الكتاب فبراير 2020.

[2] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب اخيار بن الشيخ مامينا، ج/1، ص،285.

[3] المحيط بالمهم من أخبار صحراء المغرب وشنقيط، جعفر بن احمد الناصري، ج/2، ص، 299.

[4] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب اخيار بن الشيخ مامينا، ج/1، ص،285.

[5] المعسول، العلامة محمد المختار السوسي، ج/4، ص،103.

[6] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب اخيار بن الشيخ مامينا، ج/1، ص،285.

[7] المحيط بالمهم من اخبار صحراء المغرب وشنقيط، جعفر بن احمد الناصري، ج/2، ص، 300.

[8] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب اخيار بن الشيخ مامينا، ج/1، ص،286.

حزب الوقاية لمن أراد الوقاية لمحي الدين بن العربي خطه الشيخ أحمد الهيبة بأمر من والده الشيخ ماء العينين بتاريخ 30 من شوال عام 1311ه

مخطوط لحزب الشيخ الكبير والعلامة العارف بالله أبي الحسن الشاذلي بخط الشيخ أحمد الهيبة كتبه لأبيه الشيخ ماء العينين يوم 19 رمضان من عام 1327ه

وبخطه أيضا مخطوطات في فوائد مختلفة:

وختاما من خلال هذه المخطوطات التي تعتبر ذخائر علمية وأدبية مكتوبة بخط صحراوي مغربي جميل، أردنا أن نبرز الخصائص الجمالية للخط الصحراوي مع عمق المعنى وتنوعه، في رسم للدلالات الخاصة التي تؤدي تلك الرسوم في حالة تركيبها أو إفرادها معاني دقيقة بأساليب خطية متنوعة في تعبير منظم وتوظيفه بطريقة مميزة تطبع سمته البيئية، والاجتماعية، والتاريخية.

باحثة ادو شيخاني الشيخ ماء العينين

.باحثة بمركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي كلميم

.ماستر في الدراسات الإعلامية  من جامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. معهد البحوث والدراسات العربية القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق