وحدة الإحياءدراسات عامة

الحملة الفرنسية وبدايات الوعي العربي الإسلامي بالتجاوز الحضاري

وصف المؤرخ “رينيه ريموند” القرن التاسع عشر بأنه قرن التحولات العظمى، فقد أينع فيه وعظم غرسان يعودان إلى القرن الثامن عشر، وهما الثورة الفرنسية والثورة الصناعية بإنجلترا. وبفضلهما استطاعت أوروبا تجاوز المجتمعات البشرية الأخرى، فلأول مرة في التاريخ البشري “أصبحت أوروبا في موقع المركز بين الحضارات الإنسانية، ووجدت الشعوب الأخرى نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أوضاعها حسب هذا المعطى. ولأول مرة أيضا منذ ظهور الحضارة على وجه البسيطة تحولت أوروبا من قارة تستقبل موجات الهجرة إلى قارة تصدر البشر والتقنية والأفكار”[1].

 وفي الوقت الذي كانت تشهد فيه أوروبا هذه التحولات، كان العالم الإسلامي يعيش حالة من الانعزال والتقوقع والانكفاء على الذات، ولم يكن هناك اتصال بين الشعوب الإسلامية والشعوب الأوروبية في الثقافة والعلم والصناعة ونظم الحكم، يمهد لها الاستفادة منها والأخذ عنها، أو على الأقل، الوعي بأن شيئا ما يحدث في الضفة الأخرى، يستدعي التنبه واليقظة وإعداد العدة لمواجهته، فقد أغلق العالم الإسلامي على نفسه الأبواب، اكتفاء بما لديه، وخوفا على الموروث “غير آبه ولا مستعد للإنصات إلى ما كان يجري على مرمى حجر منه، معتقدا أن دار الكفر والحرب شر مطلق، أو على الأقل، هذا ما كان يرمي إلى قوله عدد من العلماء؛ حينما أفتوا بتحريم سفر المسلمين إلى هذه العوالم »المدنسة بالشرك، مخافة أن توافيهم المنية فيحشروا« مع »الكفار«”[2].

 وحتى بعد توالي الكوارث، وتتابع الخطوب، لاسيما بعد سقوط الأندلس عام 1492م، استمر الاعتقاد لديه بأنه أسبق من غيره مادام مسلما، والآخر كافرا، ولم يصحو من غفلته، ويعي حقيقة ما عليه من ضعف وتخلف بالنسبة لما عليه شعوب أوروبا، ويكتشف الهوة السحيقة التي أضحت تفصله عنها، إلا بعد أن مني بسيل من الهزائم العسكرية والحضارية، وداهمهم الاحتلال في عقر الدار.

 وقد شكلت الحملة الفرنسية على مصر، المناسبة الأكبر لإدراك حجم التفاوت الحضاري بين دار “الإسلام” ودار “الكفر“، وهكذا اهتم الفكر الإسلامي الحديث بأوروبا في سياق تاريخي خاص، ذلك أن الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وما تولد عنها من صدمة هزت الشرق هزا، شكلت منعطفا في وعي النخبة العالمة بالمشرق، حيث اكتشفت “الآخر” المتقدم، واكتشفت معها ” ذاتها “، فوجدتها تعاني التأخر والركود وجمود العقل. لقد تكشف لأهل المشرق والمغرب عامة، أن عالما جديدا تمت صياغته في غيابهم، وتحددت ملامحه الكبرى وفق مرجعية حضارية لم يكن لهم فيها رأي، ولا المكانة اللائقة بهم، فظهر ذلك السؤال الإشكالية: »لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟« إنها الإشكالية التي وضعت تاريخ المسلمين والعرب، كله موضع تساؤل، كما أنه سؤال عبر عن حقيقة أولية: “تقدم أوروبا وتأخر المسلمين”.

 لقد شاهد المصريون بفئاتهم كافة مدى تقدم الأوربيين، وكان من الحق أن يقال عن تلك الحملة “أنها فتحت أبواب العالم العربي على الحضارة الغربية الحديثةبما اشتملت عليه من مبادئ سياسية، وأنظمة إدارية، وعلوم وآداب وفنون وطباعة وصحافة وغيرها؛ حيث رافق “نابليون بونابرت” في حملته هذه، فريق من العلماء الفرنسيين في الرياضيات والهندسة والطب والجغرافيا، وجلب معه مطبعتين إحداهما بالفرنسية والأخرى بالعربية، ولما استقر به المقام في مصر أنشأ الدواوين وغرضه منها، “تعويد أعيان مصر على نظم المجالس الشورية وأساليب لحكم[3].

فقد نظرت النخبة المشرقية إلى نفسها وواقعها مرة، والى الحملة الفرنسية وما جلبته معها مرات، متأملة، متسائلة، حائرة، فاندهشت وأعجبت بالعلوم والأفكار والصناعات الحديثة، واستشعرت حدوث تجاوز حضاري أوروبي للأمة الوسط المنعوتة في القرآن الكريم بالخيرية، وعبرت عن ذلك بكل جرأة، حيث صدرت عن هؤلاء مواقف تثبت تشكل الوعي لديهم بهذا المتغير الحضاري الهام”[4]. ثم أخذت تقول على لسان الشيخ حسن العطار[5]: “إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها”[6].

 أولا: إقرار النخبة العالمة بقوة الجيش الفرنسي ودقة تنظيمه

كانت سياسة المماليك تجاه الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابارت محكومة بموقف المواجهة والتصدي والوقوف ضد الاحتلال. لكن المفارقة تكمن فيما ينطوي عليه هذا الموقف من تناقض حاد بين طبيعة الرؤية ومنطلقات سياسة المواجهة، وبين قدرة هذه السلطة على توفير شروط المواجهة. فبين زعم المماليك وادعاءهم القوة، “أنه إذا جاءت جميع الفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم[7]، وبين ما أظهرته مجريات المواجهة العسكرية من عجز كامل لمؤسسة الفروسية المملوكية أمام الجيش الفرنسي الذي ينتمي إلى تجربة تاريخية متفوقة نوعيا، يمتد بون شاسع يكفي لاستنتاج واقع الضعف والقصور البنيوي لهذه المؤسسة، وافتقارها لأية إمكانية من أجل تلبية الأهداف السياسية التي تتوسلها من أجل بلوغ أهدافها.

لقد كانت بنية الجيش المملوكي خلال نهاية القرن الثامن عشر، تلبي احتياجات السلطة في منازعاتها المحلية وفي فرض سيطرتها على قوى المجتمع وحماية النظام السياسي والاقتصادي الذي يحتضن سلطتها. ومن ثم لم تكن تملك أي دافع لتتبع مغزى التحولات النوعية في وضعية الجيوش الأوروبية، وبقيت أسيرة مجموعة من التصورات الموهومة عن واقع الجيش الغازي، فحين أنبئ مراد بك[8] قبل التحامه لأول مرة بالفرنسيين بعدة أيام بأن “جيش بونابارت لا يكاد يملك خيالة، ضحك عاليا، وقال مفاخرا أنه سيشرحهم كما يشرح الشمام”[9]. ولما علم المماليك بنزول الحملة في الإسكندرية في الخامس من يوليه قابلوا الخبر بغير اهتمام أو اكتراث، مقللين من شأن الإفرنج عامة ومحتقرين كفايتهم الحربية، وأقسموا أنهم سيحصدون رؤوسهم حصدا إذا قاتلوهم.

قدم وصف الجبرتي وضع الجيش لمملوكي قبل اشتباكه مع الجيش الغازي، “كلما ازداد الفرنسيون اقترابا من المدينة، كلما تجلى انقسام المماليك وعجزهم عن اتخاذ قرار”[10].

 وبالنسبة للجبرتي فإن الهوة سحيقة بين سلوك كل من الخصمين، فالفرنسيون يتحلون بالنظام وبالانضباط، وهما خاصيتان تقربهما من مجاهدي الإسلام الأوائل. أما المماليك فقد كانوا كما وصفهم الجبرتي: “متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم، مختلفة آراؤهم، حريصون على حياتهم، وتنعمهم ورفاهيتهم، مختالون في ريشهم، مغترون بجمعهم، محتقرون شأن عدوهم، مرتبكون في رويتهم، مغمورون في غفلتهم، وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم”[11].

 أما الطائفة الأخرى الفرنساوية، فإنهم ،على العكس من ذلك، في جميع ما ذكر كأنهم “مقتفين لآثار الأمة في صدر الإسلام، ويرون أنفسهم مجاهدين ولا يستكثرون من عدوهم ولا يبالون بمن قتل منهم، ويرون أن من ولى منهم كفر ملته وخرج من دينه وطريقته، ينقادون لأمر أميرهم ويمتثلون طاعة لكبيرهم… ولهم علامات وإشارات فيما بينهم يقفون عندها ولا يتعدون حدها “. كما أن الفرنسيين كانوا عند دخولهم مصر “كالجراد المنتشر حول البلد”[12].

كما وصف الجبرتي هزيمة المماليك الساحقة بعبارات تشي بهول الفاجعة وجسامة الخسارة، فقال: “واشتد هبوب الريح، وانعقد الغبار، وأظلمت الدنيا من دخان البارود وغبار الرياح، وصمت الأسماع من توالي الضرب، بحيث خيل للناس أن الأرض تزلزلت، والسماء عليهم سقطت، واستمر الحرب والقتال نحو ثلاثة أرباع ساعة، ثم كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لإحاطة العدو بهم، وظلام الدنيا، والبعض وقع أسيرا في أيدي الفرنسيس وملكوا المتاريس”[13].

 لقد حارب المماليك في موقعة امبابة بشجاعة، ولم تكن الشجاعة تنقصهم في هذه المعركة، وحاربوا بصلابة وحماسة وإصرار، دفاعا عن مصر، وعن الإسلام، ولكن ماذا تجدي الشجاعة والصلابة والحماسة أمام التفوق الفرنسي الكاسح، وأمام جيوش حديثة منظمة يقودها نابليون؟ كانت مدافع نابليون تضرب بعنف متواصل، وتصيب أهدافها من بعيد، بينما مدافع المماليك المتخلفة تحتاج إلى فترة زمنية بين كل طلقة وطلقة، وإذا حميت من توالي الضرب صار مداها أقرب وإصابتها أضعف. لقد تهشمت قوة المماليك في ساعات قليلة ولم يبق منهم سوى جماعات غير منظمة عددها أربعة آلاف فرت إلى الصحراء أو إلى الصعيد “مع مراد بك” الذي أخذ يحرق السفن التي كانت تحمل الذخيرة حتى لا تقع في أيدي العدو.

ثانيا: تنويه النخبة المصرية بقيم العلم والتعلم عند الفرنسيين

منذ اللحظة الأولى أحست النخبة المصرية أنها بإزاء حضارة جديدة أرقى من حضارة العثمانيين والمماليك، لا في مقوماتها المادية فحسب، ولكن في كثير من قيمها الاجتماعية ونظمها السياسية، ولاشك أنها قد أثبتت تحفظاتها العنيفة إلى بعض القيم الأخلاقية والروحية والاجتماعية التي جاءت بها الحملة الفرنسية، سواء كما رأتها في الفرنسيين أنفسهم، أو كما رأتها في المصريين المتأثرين بهم، ولكن هذا لم يحل دون وقوفها موقف المبهور والمعجب بعديد من المقومات المادية والفكرية والأخلاقية لهذه الحضارة الجديدة سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى الفردي.

فكثيرا ما أفاض الجبرتي في شرح آلات العلماء الفرنسيين وأدواتهم الفلكية وماكينات التصوير، وقدرات الرسم والتصميم، كما وقف الكثيرون مبهورين أمام مظاهر صناعة الطب الكيماوي وما إلى ذلك.

انظر مثلا إلى الجبرتي وموقفه من المجمع العلمي المصري الذي أنشأه بونابرت بتاريخ 22 أغسطس 1798 وعدد أعضائه ثمانية وأربعين عضوا، منهم اثنا عشر عضوا في قسم الرياضيات، واثنا عشر عضوا في قسم العلوم الطبيعية، واثنا عشر عضوا في قسم الاقتصاد، واثنا عشر عضوا في قسم الأدب والفنون، وهو أول أكاديمية للعلوم والفنون والآداب عرفتها مصر الحديثة، وقد ضمت صفوة العلماء والفنانين والأدباء الذين جاءوا إلى مصر مع الحملة الفرنسية لمسحها ودراستها، وكانت ثمرة عملهم ذلك الكتاب الجليل “وصف مصر” الذي صدر في عشر مجلدات من الأبحاث، وأربعة عشر مجلدا من اللوحات، وقد تم نشره بين 1809 و1827م[14].

وهذه قصة المجمع المصري كما رواها الجبرتي عن خبرة شخصية، فقد كان أحد علماء الأزهر الذين كانوا يترددون على المكتبة للمطالعة والتثقيف، وعلى معامله ومراصده ومتاحفه للوقوف على العلوم الحديثة، وعلى ندواته للاستماع إلى ما يناقشه فيها علماؤه من بحوث،ملتقطا صورة معبرة تنم عن شدة وعيه بحدوث هذا التفاوت القيمي الحضاري على مستوى المكانة الخاصة التي أضحت تحتلها قيم العلم والتعلم لدى الدول والمجتمعات الغربية حينما تحدث عن نظام المكتبة وشيوع القراءة بين جنود الحملة على اختلاف مراتبهم”[15].

يقول الجبرتي: و”منها أنهم أحدثوا على التل المعروف بتل العقارب بالناصرية أبنية ومرانك وأبراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر المرابطين فيه وهدموا عدة دور من دور الأمراء وأخذوا أنقاضها ورخامها لأبنيتهم وأفردوا للمدبرين (يقصد المديرين) والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب”[16].

كما امتدح الجبرتي إقبال الفرنسيين على العلم والمطالعة مقارنا بينهم وبين حالة الجهل التي كان يعاني منها أهل مصر قائلا: “فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة، فيراجعون فيها مرادهم، فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختاة [ هكذا] عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها لهم الخازن فيتصفحون ويراجعون ويكتبون، حتى أسافلهم من العساكر. وإذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول إلى أعز أماكنهم، ويتلقونه بالبشاشة والضحك وإظهار السرور بمجيئه إليهم، وخصوصا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعا للنظر في المعارف بذلوا له مودتهم ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها أنواع التصاوير، وكرات البلاد والأقاليم (يقصد الخرائط) والحيوانات والطيور والنباتات، وتواريخ القدماء وسير الأمم وقصص الأنبياء بتصاوريهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث أممهم مما يحير الأفكار”[17].

ثم طاف الجبرتي بالقسم الخاص بعلماء الفلك من المعهد، وشاهد ما فيه من الآلات العجيبة مشدوها مفتوح الفم من الدهشة والعجب، ولم يسعه، وهو المؤرخ الثقة، إلا أن يثبت وصف ما رأى في تاريخه معلنا دهشته وإعجابه وعجزه عن فهم هذه الآلات والعدد. “وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بهم الآلات الفلكية الغربية المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن”[18].

أما الشيخ حسن العطار (1766-1825)، والذي كان من العلماء، الذين أتاحت لهم الظروف والأحداث الاحتكاك بعلماء الحملة الفرنسية، حيث عمل مدرسا للغة العربية عند الفرنسيين، فقد استفاد منهم الكثير، وكما يقول علي مبارك (1833-1893) في ترجمته له إنه: “اتصل بناس من الفرنساوية، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم ويفيدهم اللغة العربية”. ولقد ثارت في عقل الشيخ العطار، الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول الواقع الذي تحياه هذه الأمة، واقتنع الرجل بضرورة التغيير داعيا إلى الاستفادة من ثمار الحضارة الغربية[19]“.

اهتم العطار بمعرفة ما عند الفرنسيين من علم ورأى في الانفتاح على الثقافات الأجنبية امتدادا للانفتاح في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. ويتضح موقف العطار في هذا من عبارته التالية: “إن من تأمل في علمائنا السابقين يجد أنهم كانوا مع رسوخ قدمهم في العلوم الشرعية، لهم اطلاع عظيم على غيرها من العلوم والكتب التي ألفت فيها حتى كتب المخالفين في العقائد والفروع، وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر في كتب غير أهل الإسلام من التوراة وغيرها من الكتب السماوية واليهودية والنصرانية، ثم هم مع ذلك ما أخلوا تثقيف ألسنتهم برقائق الأشعار ولطائف المحاضرات”[20]. فالعطار لا يرى بأسا من أخذ العلم عن غير المسلمين بل يطلب بتوسيع مجال المعرفة وتعميقها في محاولة للتغلب على الركود الفكري، ولذلك وجه العطار تلاميذه وهو يدرس الفقه إلى قراءة كتاب الأغاني في عصر لم يكن الأدب يشغل حيزا في دوائر الثقافة في الأزهر[21].

وقد اتصل واحتك الشيخ حسن العطار بالمستشرقين الذين صاحبوا الحملة الفرنسية، وأسهم في تعليم بعض شبابهم اللغة العربية، وتبادل وإياهم من الحوارات والأفكار، ما فتح أمامه أفقا واعدا، انفسح ليحمل تلميذه رفاعة الطهطاوي إلى عاصمة الأنوار باريس.

 ولحسن الحظ وصلتنا مقامة حسن العطار التي عنوانها “مقامة الأديب الرئيس الشيخ حسن العطار في الفرنسيين” وهي مقامة بالغة الدلالة، في الإشارة إلى القول من شعور النفور إلى شعور الإقبال، واختلاط رغبة المعرفة بالبحث عن السير في تقدم هؤلاء الغرباء، والمقامة تؤدى من خلال السخرية والفكاهة، ما يؤكد أهمية معرفة علماء الفرنسيس، والاستماع إليهم والحوار معهم، وكان ذلك منذ أن سمع الشيخ العطار من أهل العرفان، وممن جال في الأقطار والبلدان “أن القوم لا يشددون الوطأة إلا على من حاربهم، ولا يعاملون بالرهبة إلا من نابذهم وغالبهم”.

 فذهب إلى الأزبكية حيث يقيم علماء الفرنسيين، فالتقى بعض شبابهم، فحاورهم وحاوروه، وأدهشه معرفتهم بالعربية، بل ومعرفتهم بأمهات كتب التراث المهمة أيضا.

وانتهى اللقاء بالراوي، الشيخ العطار، إلى التأكد من أن للقوم إلى غوامض المعارف تطلعا، ولأبنائها توددا وترفعا “قد أشربوا في قلوبهم حب العلوم الفلسفية، وحرصوا على اقتناء كتبها وإعمال الفكرة فيها والروية، يبحثون عمن له به إلمام ويتجاذبون معه أطراف الكلام”[22].

 وواضح من هذا الوصف المشبع بروح التقدير لاحترام الفرنسيين للعلم والراغبين فيه حتى ولو كانوا من غير جنسهم وملتهم، أو من بسطاء الناس كجنود الجيش الفرنسي، والمشبع بروح الانبهار بفتوحات العلم الحديث، أن النخبة المصرية تنبهت إلى أهمية العلوم الوضعية والإنسانية وضرورتها لترقية الأمم والأفراد.

أدرك المصريون من خلال الحملة، المدى الذي وصلت إليه الحضارة الأوروبية ممثلة في فرنسا، في مجالات الحياة المختلفة. ففي الوقت الذي يعترف فيه الجبرتي ضمنا بعجز العقل العربي عن استيعاب علوم الغرب في تعليقه على بعض التجارب التي شاهدها في المعهد الذي أقامه الفرنسيون في مصر، نجد أن الشيخ حسن العطار يرى أن مصر يجب أن تتقدم وأن يوجد بها من المعارف والعلوم ما ليس فيه، ثم يتعجب من المدى الذي وصل إليه العلم الفرنسي في التطبيق.

امتدادا لهذا المستوى من الوعي بالتجاوز الأوروبي في المجال العلمي، والذي تشكل لدى النخبة المصرية من خلال الاحتكاك بعلماء الحملة الفرنسية، قام محمد علي باشا بمجرد تسلمه للسلطة بإرسال بعثات علمية إلى أوروبا[23]، وأنشأ عددا ضخما من المدارس العسكرية والطبية والزراعية والصناعية[24]، وعيا منه ومن النخبة المصرية المؤيدة للإصلاح كالشيخ حسن العطار وغيره، بأن التعليم أداة رئيسية لإدراك القوة والتقدم واللحاق بالغرب المتجاوز.

كما وعت نخبة الإصلاح في المشرق العربي، أن تجاوز أوروبا للمجتمعات الإسلامية وتفوقها عليها في ميادين الحضارة، مرجعه الأساس العلم، ومن ثم شاع عند هؤلاء، أن العلوم التي بفضلها تقدم الأوروبيون عربية المصدر، وأن العرب والمسلمين دخلوا في الجمود والتقهقر والتأخر الحضاري حين أهملوا هذه العلوم، وهم إنما يقصدون بذلك العلوم الطبيعية والرياضية.

 ثالثا: الإعجاب بقيم العمل والإنتاج عند الفرنسيين

شرع الفرنسيون في المجال الزراعي بالاهتمام الجدي بإصلاح كثير من قنوات السقي الرئيسية خاصة بمنطقة الدلتا، حيث جاء في “Courrier de l’Égypte”، بأن مياه النيل قد ارتفعت إلى المستوى المطلوب، وإنه ظهرت جميع قنوات منطقة البحيرة بعناية فائقة، كما تم إصلاح كثير من السدود في جهات متعددة، واتخذت عدة إجراءات لضمان توزيع مياه السقي على عدد من القرى التي كانت تعاني من مشاكل السقي[25].

كذلك حرص الفرنسيون على الاهتمام بتنظيم عملية السقي بعد فيضان النيل، حتى لا تحدث نزاعات بين القرى، وحتى لا تستفيد قرى وتتضرر أخرى.

 ولقد حظيت هذه الإجراءات باستحسان المصريين، ولاسيما فئة الفلاحين؛ لأنه لم يكن في فترة المماليك نظام يحدد عملية توزيع المياه في مختلف القرى، مما تسبب في إتلاف كميات كبيرة من المياه، وحرمان أراضي أخرى من مياه السقي مما كان يؤدي إلى نزاعات بين مختلف القرى.

 كما لفت الجبرتي انتباه القارئ إلى إدخال الفرنسيين لوسائل حديثة في المجال الفلاحي قائلا: “ويستعينون في الأشغال وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ، السهلة التناول المساعدة في العمل، وقلة الكلفة، كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة… وكذلك لهم فؤس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع، وغالب الصناع من جنسهم، ولا يقطعون الأحجار والأخشاب إلا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة”[26].

 أما في المجال الصناعي، وبعد القضاء على الأسطول الفرنسي في موقعة “أبي قير”[27] البحرية، وجد الفرنسيون أنفسهم أمام ضرورة سد حاجاتهم بأنفسهم بمحاولة تصنيع الأشياء التي يحتاج إليها الجيش بالدرجة الأولى، وذلك بالاعتماد على خبرة وموهبة بعض العلماء الذين صحبوا الحملة إلى مصر، وعلى رأس هؤلاء نجد “Conté” الذي سبق له أن زود فرنسا بكثير من اختراعاته، بالإضافة إلى هذا العالم هناك مجموعـة مـن العمال الفرنسيين الذين تم اختيارهم لتسيير مختلف الورش الميكانيكية[28].

 وقد وصف الجبرتي هذه الورش الميكانيكية التي أقامها الفرنسيون بمصر بقوله: “.. وأفردوا أيضا مكانا للنجارين وصناع الآلات والأخشاب وطواحين الهواء، والعربات واللوازم لهم في أشغالهم وهندساتهم وأرباب صنائعهم، ومكان آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا كثيرا، بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة، وصنعوا السندانات والمطارق العظام لصناعات الآلات من الحديد والمخارط، وركبوا مخارط عظيمة لخرط فلوزات الحديد العظيمة، ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالأقلام المتينة الجافية، وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النار الحادثة من الاصطكاك [هكذا]، وبأعلى هذه الأمكنة صناع الأمور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك”[29].

ساهمت ورش الميكانيكا التي كان يديرها “Conté” مساهمة فعالة في تزويد المنشآت الصناعية التي أقامها الفرنسيون بمختلف الآلات الضرورية لها، خاصة ورش الحدادة التي كانت تضع صفائح حديدية من مختلف الأحجام والأدوات التي يستخدمها مراقبو صياغة الذهب والفضة، وكانت توفر كذلك قنابل نحاسية دائرية لمصنع البارود، وأعمدة حديدية لمهندسي الجسور والطرق، وأدوات حديدية لقطع الحجارة والبناء، وكذا مختلف الأدوات الحديدية اللازمة لمخازن الحبوب والمطاحن، وكانت تزود المستشفيات بما تحتاج إليه من أدوات الجراحة. كما كانت ورشة النجارة تزود مختلف المنشآت الصناعية الفرنسية بما تحتاج إليه من آلات ومعدات.

وامتدادا لذلك، وعت النخبة المصرية العالمة، أن أحد أهم أسباب قوة أوروبا الرأسمالية يتمثل في حداثة بنيتها الاقتصادية، فاهتم محمد علي بتحديث البنى التحتية الفلاحية المصرية، وذلك بفتح الترع[30]، وبناء القناطر[31]، وتنظيم الري وتوسيع شبكته[32]، وتحسين زراعة القطن الخ[33]. بفضل هذه الإصلاحات، ارتفعت مساحة الأراضي المزروعة الإجمالية من مليون فدان سنة 1821 لتصل سنة 1833 إلى حوالي ثلاثة مليون فدان. وطور محمد علي الإنتاج الزراعي ولاسيما القطن والنيلة والأرز، بعد أن أدخل زراعة القطن ذي التيلة الطويلة على يد أحد العلماء الفرنسيين (جوميل).

كما باشر محمد علي منذ عام 1818م بإرساء قواعد نظام صناعي حديث، مستهدفا تأمين ما تحتاجه مصر من سلع مصنعة ذات طابع عسكري أو مدني، شكلت هذه الخطوة خيارا استراتيجيا من أجل بناء نظام اقتصادي متكامل الحلقات، يمتلك القدرة على الاستغناء عن استيراد السلع المصنعة من الخارج، على قاعدة الاكتفاء الذاتي.

ففي ظل واقع التفاوت بين درجة تطور البني الاقتصادية للدولة المصرية ومثيلتها في الدول الأوربية، ولاسيما الدولة الفرنسية، والذي تكشف بشكل جلي في سنوات الحملة الفرنسية، سعى محمد علي منذ البداية إلى مواجهة مشكلة غياب العمالة الفنية المدربة عن طريق عدة وسائل أهمها استقدام الفنيين والخبراء من أوروبا لتعليم العمال المصريين وتدريبهم مباشرة في المصانع، كما قام بإنشاء مدرسة للفنون والصناعات كانت تدرس فيها كثير من الصناعات والحرف مثل الخراطة والبرادة والحدادة والنجارة وأشغال البواخر وغيرها، وبعض العلوم كالكيمياء والميكانيكا..

 وإلى جانب هذا قام بإرسال بعثات إلى أوروبا للتعلم والتدرب على بعض الصناعات، مثل السكر في الولايات المتحدة الأمريكية، والنسيج وسبك الحديد في انجلترا، وصناعة الأحذية في فرنسا، وكان اهتمام محمد علي الرامي إلى إدخال كثير من الصناعات الحديثة، يرتبط بسعيه الدائم لاستخدام الفائض الذي تمت تعبئته من قطاع الزراعة، ومن احتكار التجارة في إقامة قاعدة صناعية لخلق نمو اقتصادي متوازن[34].

 رابعا: الإفادة من التنظيمات السياسية الحديثة

لا جدال في أن الحملة الفرنسية، نبهت الأذهان وفتحتها على أفكار وأمور جديدة لم تكن معروفة، كما ساهمت في تكوين وعي جديد لدى المصريين، خصوصا بعد أن اطلعوا على أفكار الثورة الفرنسية زمن الحملة النابليونية على مصر، وكانت الأفكار السياسية غائبة عن الأذهان قبل ذلك، وعن العقل العربي عموما، ومن ثم كان تأثير الأفكار السياسية التي وفدت إلى مصر مع الحملة الفرنسية قد فعل فعله، ثم ظهرت نتائجه مباشرة حين طالب المصريون بمحمد علي واليا عليهم، فمارسوا بذلك أول حق سياسي تمثل بذلك الاختيار، وكانت تلك الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الدولة العثمانية أن فرض الشعب إرادته عليها محددا من سيحكمه[35]. فما هي أهم القضايا السياسية التي استأثرت بإعجاب واهتمام النخبة المصرية زمن الحملة الفرنسية والتي شكلت بدايات للوعي بالتجاوز عند النخبة المشرقية على مستوى الفعل والممارسة السياسية؟

1. التنظيمات السياسية

من أهم القضايا التي استأثرت باهتمام النخبة العالمة بمصر جراء اصطدامها مع الآخر الغربي أثناء الحملة الفرنسية، هو التنظيمات السياسية التي أدخلها بونابرت إلى مصر. ولاسيما منها الديوان العمومي المكون من ستين عضوا، وهو أول مجلس نيابي عرفته مصر في العصر الحديث، والديوان الخصوصي المختار من بين أعضائه والمكون من تسعة أعضاء، ثم طريقة العمل بهذه الدواوين واختصاصاتها ومدى مسؤوليتها أمام الشعب وأمام القائد العام الفرنسي، ووضعها الدستوري إن جاز هذا التعبير في إطار الاحتلال الفرنسي[36].

غير أن هذه الدواوين لم تتمتع بالسلطة النهائية في أي أمر من الأمور، وإنما كانت سلطة استشارية، وكان الغرض من مجلس القاهرة هو تفعيل الحياة المدنية بالمفهوم الحديث ومشاركتها جنبا إلى جنب مع الإدارة والسلطات الحاكمة في البلاد، وهو أحد أهم الأفكار التي صاحبت الثورة الفرنسية من ضرورة تفعيل دور المجتمع والمشاركة المجتمعية في الإدارة والحكم، وهو قائم على أفكار المفكر “چان چاك روسو” ونظريته المعروفة بنظرية العقد الاجتماعي، والتي تقوم على أن العلاقة بين الحاكم والشعب تتأسس على وجود عقد افتراضى بين الشعب من ناحية والحاكم من ناحية أخرى.

كما تعرفت النخبة المصرية على النظريات الأساسية الواردة في بيانات بونابارت، الداعية لمناهضة النظام الإقطاعي والامتيازات الطبقية الوراثية، والمنادية بالمساواة أمام القانون وبتكافؤ الفرص وبكافة حقوق الإنسان، والتي شكلت الإرهاصات والمؤشرات الأولى للفكر السياسي الاجتماعي الحديث بمصر الحديثة.

فالجبرتي حاول أن يناقش الفرنسيين عبر البيان الذي وزعوه عند دخولهم مصر، وفي نقاشه حاول أن يفهم ماذا تعني شعاراتهم مثل جمهورية ومساواة وحرية، يقول: “وقولهم من طرف الجمهور…، أي هذه الرسالة مرسلة من جهة جمهورهم، أي جمعيتهم لأنهم ليس لهم كبير ولا سلطان تجتمع كلمتهم عليه كغيرهم. بل يكون أمر دولتهم وممالكهم وأحكامهم وتدبير أمورهم لأصحاب الرأي والعقل منهم… بشرط المساواة وعدم الترفع على بعضهم نظرا للمساواة في أصل الخلقة… فهذا معنى قولهم المبني على أساس الحرية والتسوية، فقولهم حرية أي ليسوا أرقاء كالمماليك… فالكبير والصغير، والجليل والحقير، والذكر والأنثى متساويان”[37].

كما أن المؤرخ نقولا الترك أربكته هذه الحقيقة، فعبر عن ذلك بقولين متناقضين، فجاء على لسانه في مكان أول: “وكان ذلك بدء الإنكيس وأول التعكيس.. لأن الفرنساوية قد استعملت احتيالة كثيرة، وسلكوا مسالك غزيرة لأجل الضرورة كاشتهارهم بالإسلامية ونكرانهم النصرانية وإظهارهم الحرية”.[38] ثم قال في مكان ثان: “وكانوا أحسن سلوكا من ساير الجنوس، واشتهروا بالأمن وطيبة النفوس ونشروا العدل وحسن الأحكام، وقد احتوى الشرائع على التمام”[39].

ولكي يفسر دخول الفرنسيين إلى مصر يبدأ نقولا الترك من البداية، برواية تفاصيل الأحداث التي عرفتها فرنسا قبل سنوات، فيكتب تاريخا للثورة الفرنسية مفاده: “في سنة 1793 مسيحية الموافقة لسنة 1307 هجرية، حدث في مدينة باريز بلبلة عظيمة إذ هاج شعب هذه المملكة هياجا عظيما، وتظاهر ظهورا جسيما ضد السلطان والأمراء والأشراف في يوم كان شديد الارتجاف… وطلبوا نظامات جديدة وترتيبات حديثة. وادعوا أن وجود السلطان بصوت منفرد، أحدث خرابا عظيما في المملكة، وأن أشرافها يتنعمون في خيراتها، وباقي شعوبها يكابدون أتعابها ومشتقاتها، فلأجل ذلك نهضوا جميعهم سوية[40]“.

والواقع فإن سرده لتاريخ الأحداث الفرنسية الذي يتوالى على امتداد صفحات لا يخلو من دقة ملاحظة. ومعرفته بالأحداث تدل على نضجه ووعيه التام باختلاف المشهد السياسي الفرنسي عن نظيره في المشرق العربي، وإعجابه بالقيم التي تحكم الممارسة السياسية عند الآخر”.

تأثرا بهذا الإعجاب والاستحسان للمنظومة السياسية الفرنسية الحديثة، عملت النخبة المصرية بجانب محمد علي على تشكيل أجهزة سياسية وإدارية، ومجالس بلدية ومحلية، إضافة إلى مجلس الشورى، والمجلس الخصوصي والمجلس العمومي، والمجالس التي قادت العمل في مجالات التعليم والصحة والأشغال العمومية [41]. وإذا كان محمد علي باشا، قد قبل بتحديث الهياكل التنظيمية للدولة، فإنه قد رفض قطعا أي تعديل لسلطته السياسية، حيث تميز حكمه بالظلم والقمع السياسي والانفراد باتخاذ القرار.

2. قيم العدالة والمساواة في التقاضي والمحاكمات

من الأمثلة التي يسوقها الجبرتي على توخي الفرنسيين احترام القانون ما ذكره من إعدام بعض جنودهم بسبب قيامهم بأعمال السطو، أو بتعبير الجبرتي: “استهل شهر شعبان 1312ﻫ (1798) بيوم الثلاثاء فيه قتلوا ثلاثة أنفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل أنهم من المتسلقين على الدور”[42]. ومنها أيضا ما ذكره، وهو من نص بيان الديوان أو مجلس الوزراء الوارد في الجبرتي، تنويها بعقاب بونابرت للخارجين عن القانون حتى ولو كانوا من جنسه أو من ملته: “وقد اقتص من عسكره الذين أساءوا بمنزل الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان، وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي إلى أدنى مقام؛ لأن الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الأرامل، فإن ذلك قبيح عندهم لا يفعله إلا كل خسيس، ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني مكاس لأنه بلغه أنه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن تدبيره ليمنع غيره من الظلم”[43].

 وأهم من كل هذا، الوقفة الطويلة التي وقفها الجبرتي أمام محاكمة سليمان الحلبي قاتل كليبر[44] وأظهر فيها دهشته وإعجابه من الطريقة التي يجري بها الفرنسيون محاكمتهم. وقد أورد الجبرتي كافة وثائق القضية بنصها في أكثر من خمسين صفحة تناول فيها مختلف أطوار المحاكمة[45].

لقد كانت إجراءات التحقيق، ونظام المحاكمة، أمرا عجبا لدى الجبرتي، المؤرخ الأزهري، وبطبيعة الحال كان وقعها أعجب لدى غيره، وهو الأمر الذي دفع الناس إلى التساؤل عنها، ودفع الجبرتي إلى شرحها بالتفصيل المسهب الممل، “كأنها أعجوبة أو نادرة، وهو يستغرب قبل ذكر التفاصيل، من أن الفرنسيين لم يقتلوا القاتل وشركائه فور إقراره، وهو ما يعني أن هذا الأسلوب في القتل بمجرد الإقرار، أو بدون إقرار، كان هذا هو الأسلوب المتبع في مصر خلال العصر العثماني والمملوكي”[46].

 وأهم ما لفت نظر الجبرتي في محاكمة سليمان الحلبي، هو إحاطة المحاكمة بكافة ضمانات العدالة، واكتشافه أن الإجراءات الجنائية لها قوانين تنظمها، وقد أورد النص الخاص بتشكيل محكمة عسكرية كل أعضائها من الجنرالات للنظر في هذه القضية وتعيين مدع عام ومحام للمتهمين يسميه الجبرتي “الوكيل”.

ومن الأمور الهامة التي اهتم الجبرتي بإبرازها علنية المحاكمة حيث يقول: “ومنها أيضا أنه بعد قراءة قرار الاتهام أمر ساري عسكر رينيه بحضور المتهمين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والأبواب مفتحة قدام كامل الموجودين”[47].

فلم يوصف المتهمون بأنهم مذنبون إلا بعد صدور الحكم، وذلك مما يفيد إعمال القاعدة القانونية التي تنص على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهي عكس القاعدة التي تقوم عليه نظم المماليك والتي مؤداها أن كل شخص مذنب أو مدان حتى يثبت براءته”[48].

أما اهتمام كثير من الناس بالاطلاع على وثائق محاكمة سليمان الحلبي، ذلك الاهتمام الذي دعا الجبرتي كما ذكر ذلك، إلى إثبات نصها في “عجائب الآثار” فيدل على أن الجبرتي لم ينفرد وحده في الإعجاب بنظام القضاء الحديث، الذي لم يألفه المصريون، بل كان هناك رأي عام قد بدأ يتكون في أيامه، بتأثير هذا الاحتكاك بأجهزة الدولة الحديثة التي دخلت مصر مع الحملة الفرنسية، رأي عام يستنكر إعدام الناس بلا محاكمة ولو كانوا من الأعداء السياسيين، ويندد كما ندد الجبرتي بما يسميه “أفعال أوباش العساكر الذي يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد”[49]. وأفعال الأوباش هذه تتمثل في أعمال الانتقام الغوغائية التي نفذها المماليك في الآلاف من المصريين بعد خروج الفرنسيين بشبهة التعاون معهم دون محاكمة كما فصله الجبرتي في “عجائب الآثار“.

انتقد كثير من الباحثين سكوت الجبرتي وعدم تنديده بالطريقة التي تم بها تنفيذ الحكم، والتي تمت وفق ما كان معمولا به في مصر “حيث اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين، ويكون لايق للذنب الذي صدر، وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمين، وبعده يتخوزق، ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور”[50].

ففي سياق مقارنة مصطفى عبد الغني للروايات الفرنسية[51] في حادث إعدام سليمان الحلبي برواية الجبرتي، سجل غياب أي تحفظ أو غضب أو تنديد عند المؤرخ العربي من طريقة القصاص وتنفيذ الحكم، في وقت وجدنا روايات الطرف الفرنسي الجاني، عدا الرسمية منها، تبدي وصفا محزنا وأسفا على وحشية القصاص، في حين أطال الجبرتي الكلام عن المحكمة والمحاكمة والشهود.. ولعل في هذا الموقف، حسب مصطفى عبد الغني “انبهار الجبرتي بالحملة وصل إلى درجة بعيدة من عدم التحقيق، وربما الميل إلى أحكامهم وما يأتوا به من طقوس رغم بعدها عن حقيقة العدالة التي كان يبحث عنها”[52].

وهكذا جسدت الحملة النابليونية مناسبة اكتشفت من خلالها النخب العالمة بمصر وغيرها من البلدان الإسلامية أهمية وخطورة التحولات النوعية التي كانت تشهدها ما بات يعرف عندهم إلى ذلك الحين بـ“دار الكفر والحرب”، تهيأ لهم ذلك من خلال اختلاطها المباشر وغير المتوقع مع واحدة من الدول المتقدمة والمتطورة، فتيسر لهم بفضل ذلك اكتشاف الهوة الحضارية التي أضحت تفصل بين الدول والمجتمعات الإسلامية ونظيراتهما في أوروبا، كما مكنهم مكوث هذه الحملة بهذا البلد لمدة ثلاث سنوات من تشخيص الأسباب الكامنة وراء هذا التفوق وما يقابله من ضعف في الجانب الإسلامي.

 صحيح أن هذا الغرب كان موجودا بمعنى أو آخر قبل الحملة الفرنسية، وذلك منذ أن بادل الشرق وأوروبا التجارة والسفراء، إلا أنه لم يكن له من التأثير ما صنعته مدافع نابليون وجنوده، فضلا عن أجهزته العلمية المصاحبة التي وضعت الوعي المشرقي خاصة والعربي الإسلامي عامة، أمام تخلفه للمرة الأولى في حدة معرفية جذرية، جعلت من حضور الاحتلال الفرنسي مرآة تنظر فيها الذات إلى حقيقة واقعها وما عليها من ضعف وتأخر ووهن حضاري.

الهوامش


[1]. محمد الحداد، “لماذا يظل خير الدين معاصرا لنا؟”، ضمن ندوة: خير الدين التونسي، المنظمة بتاريخ، 4 ماي، 2010م، قرطاج: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، ط1، 2011م، ص92.

[2]. محمد حواش، خطاب التضامن الإسلامي في ضوء حملة نابليون على مصر والشام وموقف المغرب منها، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013م، ص19.

[3]. محمد عمارة، رفاعة الطهطاوي، رائد التحديث في الوطن العربي، بيروت: دار الوحدة، ط1، 1984، ص36.

[4]. محمد حواش، “منظومة القيم الغربية وبعيون إسلامية زمن الحملة الفرنسية على مصر وبدايات الوعي بالتجاوز الحضاري”، أعمال ندوة: سؤال الأخلاق والقيم في عالمنا المعاصر، سلسة ندوات الرابطة المحمدية للعلماء (04)، الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط1، 2012، ص311-312.

 [5]. حسن بن محمد بن محمود العطار (1180-1250ﻫ) (1766-1835م) كان شيخاً للأزهر، ولد بالقاهرة، وكان أبوه الشيخ “علي محمد العطار” فقيرا يعمل عطارا، من أصل مغربي وكان له إلمام بالعلم، وكان حسن يساعد والده في دكانه، ولما رأى منه الوالد حباً للعلم، وإقبالاً على التعلم شجعه على ذلك، فأخذ حسن يتردد على حلقات العلم بالأزهر. عندما احتل الفرنسيون مصر كان العطار في الثانية والثلاثين من عمره، تعرف على ببعض علماء الحملة، واطّلع على كتبهم وتجاربهم وما معهم من آلات علمية فلكية وهندسية، كما اشتغل بتعليم بعضهم اللغة العربية، فأفاد منهم واطلع على علومهم، واشتغل أثناء الحملة الفرنسية بالتدريس في الأزهر. كان حريصاً على مساعدة محمد على في تطوير مصر، فكانت له يد في إنشاء المدارس الفنية العالية مثل الألسن والطب والهندسة والصيدلة. وكان العطار قد أخذ على نفسه أن يعد الرجال الصالحين للقيام بمهمة الإصلاح، ومن أهم من أعدهم لذلك تلميذاه: رفاعة الطهطاوي، ومحمد عياد الطنطاوي وأوعز إليه بضرورة إرسال البعثات إلى أوروبا، وأوصى بتعيين تلميذه رفاعة الطهطاوي إماماً لأعضاء البعثة العلمية إلى باريس، وأوصى الطهطاوي بأن يفتح عينيه وعقله، وأن يدون يوميات عن رحلته، عمل محررا لأول جريدة عربية في مصر، وهي جريدة الوقائع الرسمية. انظر حياته بتفصيل: حسن، عبد الغني: حسن العطار، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1993م.

[6]. محمد عمارة، رفاعة الطهطاوي، رائد التحديث في الوطن العربي، م، س، ص24.

 [7]. عبد الرحمن بن الحسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، عن طبعة بولاق، القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، 1998، ج3، ص2.

 [8]. مراد بك من مواليد 1750م، المصري المملوكي الجركسي الأصل، شارك إلى جانب إبراهيم بك قبل الحملة، وبعد الهزيمة في معركة امبابة في 21 يوليوز 1798م، فر إلى الصعيد واستمر يقاوم الفرنسيين هناك إلى حين إبرامه اتفاقا معهم في 5أبريل 1800م، يخول له حكم الصعيد تحت السيادة الفرنسية، توفي في 8 أبريل 1801. حواش، خطاب التضامن الإسلامي…، م، س، ص530.

[9]. ﻜﺭﻴﺴﺘﻭﻓﺭ ﻫﻴﺭﻭﻟﺩ.، بونابرت في مصر، ترجمة: فؤاد أندراوس، القاهرة: دار الكتاب العربي، 1967، ص103.

[10]. الجبرتي، م، س، ص9.

[11]. المرجع نفسه، ص10.

[12]. المرجع نفسه، ص2.

[13]. الجيرتي، م، س، ص11.

 [14]. ومن أهم بحوث ومنجزات الحملة العلمية أيضا مشروع وصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط بقناة، إذ أجريت دراسات على برزخ السويس تضمنها تقرير قدمه المهندس ليبر (lipére) وأظهر فيه أهمية استخدام هذه القناة، وقد استرشد المهندس “دي ليسبس” فيما بعد بهذا التقرير عندما أقدم على تنفيذ مشروعه، وذلك بعد أن تجاوز الخطأ الحسابي الذي وقع فيه سلفه، من أن مستوى مياه البحر الأحمر أعلى منه في البحر المتوسط بتسعة أمتار، والذي خشي معه أن يفيض الماء على أرض الدلتا إذا فتحت القناة.

 ومن النتائج الهامة للحملة عثور الضابط الفرنسي بيير فرانسوا بوشار على حجر رشيد الذي أدى دراسة الكتابات الثلاث عليه باللغات الهيروغليفية والديموطيقية والإغريقية، إلى معرفة أسرار الكتابة المصرية القديمة التي تصدى لتفسيرها وحل رموزها علماء كثيرون على رأسهم جون فرانسوا شامبليون، (1790/1832م).

[15]. محمد حواش، “منظومة القيم الغربية بعيون عربية إسلامية…”، م، س، ص316-317.

[16]. الجبرتي، م، س، ص57.

[17]. المرجع نفسه.

[18]. المرجع نفسه.

 [19] مبارك، باشا علي، علم الدين، ضمن الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1979م، المجلد الثاني، ص435.

 [20]. حسن العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، نسخة الكترونية محملة من الموقع الإلكتروني www.kotobarabia.com، ج3، ص325-326،

[21]. جابر عصفور، م، س، ص.14

[22]. حسن عبد الغني، م، س، ، ص82.

[23]. أرسلت أولى البعثات إلى فرنسا عام 1818، وضمت 40 طالبا من مصريين وأتراك، وشوام، وأرمن وتوزعت اختصاصات الطلاب بين مدنية وعسكرية على حد سواء، وأبرزها دراسة القانون والعلوم السياسية والطب والزراعة والكيمياء، والهندسة المعمارية والطباعة، ورسم الخطوط والهندسة العسكرية والمدفعية والميكانيكا وبناء السفن، لكن غالبية البعثات كانت تضم أعدادا كبيرة من المتجهين للتخصص في القضايا العسكرية بالدرجة الأولى بالإضافة إلى الهندسة والطب. انظر بتفصيل: عبد الرحمان الرافعي، عصر محمد علي، مصر: دار المعارف، ط5، 1979م، ص407-484. طوسون عمر، البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهدي عباس وسعيد، الإسكندرية: مطبعة صلاح الدين، 1934م، مكتبة الإسكندرية، تاريخ تحميل النسخة، 18-08–2011م.

[24]. اهتم محمد علي ببناء المدارس العصرية في مصر والتي بلغ عددها قرابة الخمسين مدرسة تضم ما يزيد على 5500 طالب يكفي التذكير بأن مدرسة أبو زعيل كانت تضم آنذاك 1500 تلميذ، ومدرسة الإسكندرية قرابة 1300تلميذ، هذا بالإضافة إلى مدرسة الخيالة، ومدرسة المدفعية ومدرسة الهندسة، ومدرسة الألسن وغيرها. انظر بتفصيل، الرافعي، م، س، ص397-404.

[25]. طه جاد، معالم تاريخ مصر الحديث، القاهرة: دار الفكر العربي، ط1، د. ت، ص96.

[26]. الجبرتي، م، س، ص56.

[27]. معركة أبو قير البحرية والتي سماها الانجليز معركة النيل، هي معركة بحرية وقعت في 2 غشت 1798 بين القوات البحرية الانجليزية بقيادة نلسون والأسطول الفرنسي بقيادة نابليون بونابارت على شواطئ خليج أبو قير المصري. وانتهت بهزيمة قاسية للفرنسيين.

 [28]. وهم “Andez ” الذي اختير رئيسا لورشة الحدادة، و(Aimé) الذي اختير رئيسا لورشة النجارة، وكل ما يتعلق بالأخشاب. و(Heraut) رئيسا لكل ما يتعلق بالآلات الدقيقة لعلم الخرائط، و(Couvreur) لكل ما يختص بالأسلحة الدقيقة، و(Fouguet) للحفر على المعادن و(Collin) للخراطة على الخشب… وكان على كونتيه الذي يرأس مختلف هذه الورش أن يصنع آلات لمصنع البارود وأخرى لدار السكة بالقاهرة، وأخرى للمطبعة، وللمصانع الأجواخ وللمدافع، وأدوات للمستشفيات، وأدوات للمهندسين.

[29]. الجبرتي، م، س، ج3، ص34-36.

[30]. من أول أعماله سد ترعة الفرعونية، وقد ذكره الجبرتي في حوادث سنة (1221ﻫ/1806م)، وذكر إتمامه في شهر ربيع الأول سنة (1224ﻫ/1809م)، ومن أعماله الجليلة شق ترعة المحمودية، وقد أشرف عليها شخصيا، وعهد بتصميم حفرها إلى مهندس فرنسي، وهو المسيو كوست، ولما ثم حفرها افتتحها في 24 يناير 1820م. إضافة إلى مجموعة من الترع الأخرى. أنظر بتفصيل، الرافعي عبد الرحمان: م، س، ص487-492.

[31]. أنشأ محمد علي قناطر عديدة على الترع لضبط مياهها تيسيرا للانتفاع بالري منها، وأهمها القنطرة الكبرى ذات العيون التسع على بحر موريس بالزقاقيق، وقناطر المسلمية، وبحر مشتول، والصفراء، وفاقوس بالشرقية… وقد توج محمد علي ذلك بإنشاء “القناطر الخيرية”، وقد عهد محمد علي بدراسة هذا المشروع إلى مجموعة من المهندسين الفرنسيين، شرع في أشغاله سنة 1834، ودامت الأشغال حوالي ثلاثة عشر سنة، حيث قام محمد علي بتدشينها في حفل كبير سنة 1847. م، س، ص495.

[32]. انظر بتفصيل مجهودات محمد علي في تطوير شبكة الري، م، س، ص497.

[33]. بفضل الاهتمام بالقطن واحتكاره، أصبح من السلع التي تحتل مكانة متميزة في قائمة السلع المعدة للتصدير، انظر بتفصيل: حسن الضيقة، دولة محمد علي والغرب، الاستحواذ والاستقلال، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 2002م، ص199.

[34] المرجع نفسه، ص221-224.

[35]. تشكل مجمع للشيوخ بعد أحداث القاهرة، 1805، والقضاء على المماليك، تحدث في ذلك المجمع عمر مكرم داعيا إلى تعيين وال جديد، فأشار إلى محمد علي، وكتبت وثيقة بتاريخ 13 أيار 1805م جاء فيه: “ثم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل، وإقامة الأحكام والشرائع وأنه متى خالف الشروط عزلوه وأخرجوه وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن”. الجبرتي، م، س، ج4، ص240.

[36]. يحيى جلال، مصر الحديثة، 1517–1805م، المعارف، الإسكندرية، د. ت. انظر أيضا، الرافعي عبد الرحمان، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم بمصر، مصر: دار المعارف، ط1، 1897، ج1، ص97.

[37]. الجبرتي، مدة دخول الفرنسيس بمصر، نقلا عن زيادة، العلماء والفرنسيس في تاريخ الجبرتي، رياض الريس للمكتب والنشر، ط1، 2008م، ص24.

[38]. نقولا، م، س، ص111.

[39]. المرجع نفسه.

[40]. المرجع نفسه، ص66-67.

[41]. انظر تفاصيل هذه المجالس واختصاصاتها، الرافعي: م، س، ص115-125. رفعت محمد: تاريخ مصر السياسي في الأزمنة الحديثة، القاهرة: المطبعة الأميرية بولاق، 1924 م، ج1.

 [42].الجبرتي، م، س، ج3، ص39.

[43]. المرجع نفسه، ص42.

[44]. كليبر (جنرال) 1800-1773): شارك في أغلب المعارك التي شهدتها مصر والشام. تولى القيادة العامة لجيش الشرق في الفترة الممتدة من 30 غشت 1799 إلى غاية 14 يونيو، حين اغتاله سليمان الحلبي. حواش محمد، خطاب التضامن الإسلامي، في ضوء حملة نابليون على مصر والشام وموقف المغرب منها، م، س، ص555. تحدثنا مصادر هذه الفترة، أن كليير كان أكثر قسوة من بونابارت، وأكثر تجهما، وأقل تباسطا ومحاورة مع العلماء والجلساء. وتترجم أوصاف المصريين لزعماء الحملة وعيهم في هذا الصدد، إذ بينما أطلقوا على بونابارت صفة “الكبير” أطلقوا على كليير صفة “الطويل”. لجفوته وخشونته وقسوته. وقد ازداد حكم كليبر قسوة مع الوقت، فكليبر لم يكن ليحفل بالإسلام كثيرا، ولم تكن منشوراته تتضمن “الدعاية الإسلامية” إلا نادرا، كما كان أكثر قسوة على المصريين من سلفه، خاصة في ثوراتهم التي اشتعلت بعنف في عهده، كما زاد هزيمته للعثمانيين والإنجليز من عنفه ضد أهل البلاد، خاصة العلماء، فضلا عن الضرائب الباهظة. انظر، عبد الغني مصطفى: الجبرتي والغرب، رؤية حضارية مقارنة، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1995، ص113-114.

[45]. الجبرتي، م، س، ج3، ص191-241.

[46]. سعيد العشماوي، مصر والحملة الفرنسية، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ط1، 1997 م، ص98.

[47]. الجبرتي، م، س، ص193.

[48]. سعيد العشماوي، مصر والحملة الفرنسية، م، س، ص99.

[49]. الجبرتي، م، س، ص192.

[50]. المرجع نفسه، ص215.

[51]. من ذلك: ما ورد في تقرير الجنرال مينو. “حكم عليه… بحرق يده اليمنى وقطعها وإجلاسه على الخازوق حتى يموت فوقه”، “عاش أربع ساعات فوق الخازوق ولم يتأوه وسط هذه الآلام الشديدة التي يرتعد الإنسان لمجرد التفكير فيها”. وفي كورييه دي ليجيت نقرأ في الحكم الذي صدر أن المحكمة الفرنسية ” حكمت على سليمان الحلبي بأن يحرق معصم يده، ثم يغرس في مؤخرته وتد ليخترق أمعاءه، ثم يترك وحيدا وبه الوتد إلى أن تأتي الغربان والطيور الجارية لتنهش جسده. مصطفى عبد الغني، م، س، ص174–175.

[52]. المرجع نفسه، ص176.

د. رشيد نشيد

أستاذ باحث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق