مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء -29- محمدُ بن أيُّوبَ بن محمد بن وَهْب الغافِقيُّ

(من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍)

-29- محمدُ بن أيُّوبَ بن محمد بن وَهْب الغافِقيُّ، أبو عبد الله، ابن نوح(1)

محمدُ بن أيُّوبَ بن محمد بن وَهْب بن محمد بن وَهْب بن محمد بن نُوح بن أيُّوبَ بن بَكْر بن سَهْل بن أيُّوبَ بن إبراهيمَ بن ناجِيَةَ بن داودَ الغافِقيُّ -كذا وقَفْتُ على نَسَبِه بخطِّه- بَلَنْسِيٌّ سَرَقُسْطيُّ الأصل. خرَجَ منها أبوهُ وجَدُّه حين تغَلَّب النَّصارى عليها صُلحًا فنَزَلا بَلَنْسِيَةَ في رَمَضانِ اثنَيْ عشَرَ وخمس مئة، أبو عبد الله، ابنُ نُوح.

وذَكَرَ [ابن الأبار] أنّ اسمَ نُوح وَهْب، ونُوحٌ لقَبٌ له؛ لكثرةِ وَلَدِه، فغَلَبَ عليه ونُسِبَ عَقِبُه إليه، وذَكَرَ أبو عامر بنُ مُحرِز أنّ الملقّبَ بنُوح هو أيُّوبُ بن وَهْب، فاللهُ أعلم. وأيُّوبُ بن إبراهيمَ، جدُّه الأعلى، هو الداخِلُ في الرَّعيلِ الأوّل من العُدْوة.

رَوى عن أبيه، وأبي بكرٍ محمد بن يحيى اللُّرِيِّيَّ، وأبي جعفر بن أبي الخَيْر بن زُرَارةَ، وأبوَي الحَسَن: ابن النِّعمة وابن هُذَيْل، وتلا بالسَّبع عليه، وأبوَيْ عبد الله: ابن سَعادةَ وابن الفَرَس، وأبي القاسم بن حُبَيْش، وتفَقَّه بأبي بكرٍ يحيى بن محمد بن عِقَال.

وأجازَ له آباءُ بكر: ابنُ خَيْر، وابنُ مُحرِز بن أبي ليلى، وأبو القاسم ابنُ بَشْكُوال، وأبو مَرْوانَ بنُ سَلَمةَ الوَشْقيُّ، وابن قُزْمان، ومن أهلِ الإسكندَريّة: أبو الطاهِر السِّلَفيُّ وأبو عبد الله الحَضْرَمي.

رَوى عنه ابنُه أبو الفَضْل، وآباءُ بكر: ابنا المحمَّدَيْنِ: ابن مُحرِز وابن مَشَلْيُون، وآباءُ جعفر: ابن جُرْج الذَّهبيُّ، والجَيّارُ وابنُ الفَحّام المالَقيّانِ، وابنُ محمد بن وَهْب وابن يوسُف ابن الدَّلّال، وأبَوا الحَسَن أحمدُ بن واجِب وابن عُبَيد الله الزّوق، وأبو الرَّبيع بن سالم، وأبو سُليمانَ بن حَوْطِ الله، وأبو زكريّا بن زكريّا الجُعَيْدي، وآباءُ عبد الله: ابنُ الأبار وابن بَكْر ابن الصائغ وابن أحمدَ بن سَعْدُون، وأبو عامر بن نَذير، وأبو عثمانَ سَعْدُ بن محمد بن زاهِر المقرئ، وأبو عليّ حَسَن بن عبد الرّحمن الرَّفّاءُ، وأبو عُمرَ بن حَوْطِ الله، وهو آخِرُهم، وأبو عَمْرو بن سالم، وآباءُ محمد: الأبار وحِزْبُ الله وابن حَوْطِ الله وابن القُرطُبيِّ، وأبو مَرْوانَ عُبَيْدُ الله بن محمد بن عُمارةَ، وأبو مُطَرِّف بن عَمِيرةَ، وعبد الله بن أحمدَ بن عليّ بن هُذَيْل، وأبو [. . ] بن سَمَاعةَ، وأبو [. . ] بن عبد الملِك، وأبو إسحاقَ بن غالِب بن بَشْكُنَال. وحدَّث عنه بالإجازة أبو بكر بن غَلْبُون، وأبو القاسم ابنُ الطَّيْلَسان.

وكان من كبارِ المُقرِئينَ وجِلّة المجوِّدين، يكادُ يَستغرقُ عُمُرَه ليلًا ونهارًا في تلاوة كتاب الله تعالى، ماهرًا في النَّحو، حافظًا الآدابَ واللُّغاتِ والأشعارَ قديمَها وحديثَها، قد جَمَعَ من المعارِف فنونًا لا يُدْرَى في أيِّها كان أكثَرَ براعةً، انفردَ في وقتِه بشَرْق الأندَلُس عن نَظيرٍ في اتّساع المعارِف والاستبحار في ضُروب العلم: من التحقيق في القراءات، وحِفظ الفقه، والدُّرْبة في الفُتْيَا، وتدقيق النّظَرَ. شُووِرَ معَ أشياخِه فكان يَفُوقُهم بحضور الذِّكر للنّوازل، وجَوْدة الاستنباط، معَ البَصَر في الحديث، والحِفظ للأخبار والتواريخ والأنساب، والاطّلاع على المعاني الأدبيّة، والوقوف على الغريب. علي أنه كان نَزْرَ الحَظّ من منثورِ الكلام، فأمّا النَّظمُ فلم يكُنْ له منهُ إلّا قِسطٌ يجِلُّ عنه.

وكان سَهْلَ الخُلُق وَطِيءَ الأكناف، بَرًّا بأصحابِه، كثيرَ المُباسَطة والمُفاكَهة، مبسوطَ اليد بالإحسان والصَّدَقات، مؤْثِرًا بما مَلَكتْ يمينُه، مُقدَّمًا في عَقْدِ الشُّروط، مقصودًا إليه في رسومِها المطوَّلة، فكان يُغلِّي في الجُعْل على كَتْبِها، فلا يوجَدُ منه بُدٌّ؛ لحِذْقِه بنُكَتِها، وشدّة تحفُّظِه في رَبْطِ أصولِها، واستظهارِه لِما عسَى أن يَعرِضَ من الحكوماتِ فيها، وتحرُّزِه من دواخِل الخَلَل عليها، معَ حُسن المَسَاق وتحريرِ المقاصِد وتهذيبِ الألفاظ وبراعةِ الخَطّ ونُبْل التقييد، حتى دُوِّنت عنه.

وكانت فيه دُعابةٌ أخَلَّت بجانبه عندَ القاضي أبي عبد الله ابن المُناصِف أيامَ استُقضيَ ببَلَنْسِيَة، فرَدَّ شهادتَه من أجَلِها، حتى تبيَّنَ له فَضْلُه ونزاهةُ مَنْصِبِه وتحقَّق طَوِيّتَه وحُسنَ معتقَدِه وسلامةَ دِخلتِه، فأعاده إلى رفيع رُتبتِه وجميل عادتِه. وعَرِضَتْ ببَلَنْسِيَةَ وابنُ المُناصِف مُستقضًى بها وثيقةٌ لم يضْطَلعْ بكَتْبِها ولمِ يَفِ بتقييدِها إلّا أبو عبد الله بنُ نُوح هذا، فرَغِبَ صاحبُها إليه في كَتْبِها، فلمّا فَرَغَ منها التمسَ عليها منه جُعْلًا اعتقَدَ ربُّها أنه شَطَطٌ وإفراط، فلم يَسَعْه إلا تعريفُ القاضي أبي عبد الله ابن المُناصِف ذلك، فاستَدعَى الوثيقةَ وتصَفَّحها، وتعرَّف منها استقلالَ أبي عبد الله بالصِّناعةِ وجَوْدة إيرادِه إيّاها، فأمَرَ صاحبَها بالوفاءِ لأبي عبد الله بما طَلبَه منه، وقرَّر عندَه أنه قليلٌ في جَنْبِ إتقانِه إيّاها وإحكامِه فُصولَها.

وقَدِمَ مَرّاكُش في جَمْع من أهل شرقِ الأندَلُس، فيهم: أبو عبد الله بنُ حَمِيد، وكان حينَئذٍ قاضيَ بَلَنْسِيَة، فرَفَعَ أبو عبد الله بنُ نُوح على القاضي أبي عبد الله بن حَمِيد أشياءَ لم يُقبَلْ قولُه فيها، وعاد سَعْيُه عليه حتى أدَّى إلى سِجنِه على ما سيُذكَرُ في رَسْم أبي عبد الله بن حَمِيدٍ، إن شاء اللهُ تعالى.

مَولدُه ببَلَنْسِيَةَ وقتَ الزَّوال من يوم السّبت لليلتَيْن خَلَتا من جُمادى الآخِرة سنةَ ثلاثينَ وخمس مئة، وتوفِّي بها قبلَ الزَّوال بساعةٍ يومَ الاثنينِ لستٍّ خَلَوْنَ من شوّالِ ثمانٍ وست مئة، وتوَلّى غُسْلَه المؤذِّنُ أبو عبد الله ابنُ الرَّقّام، وتولَّى صَبَّ الماءِ عليه أبو الحَسَن بنُ خِيَرةَ الخَطيبُ وابن واجِب وأبو الرّبيع بن سالم، وصَلَّى عليه أبو الحَسَن بن خِيَرةَ المذكورُ بالجامع، وهُو الذي أقبَرَهُ، ونزَلَ معَه مُعِينًا في إقبارِه الأستاذُ أبو عبد الله بنُ أبي البقاء، ودُفن بعدَ عَصْر يوم الثلاثاءِ ثاني يوم وفاتِه بمقبُرةِ باب الحَنَش، واحتَفلَ الناسُ لحضورِ جَنازته، وأثنَوْا عليه طويلًا، وأسِفوا لفَقْدِه، ورُثيَ بمَرَاثٍ كثيرة، رحمه الله. قال ابنُ الزُّبَير: وما أُراه رَحَلَ عنها قَطُّ ولا خرَجَ منها -يعني بَلَنْسِيَةَ- إلى أن توفِّي، وقد ذكَرْنا خروجَه عنها وسَفَرَه إلى مَرّاكُشَ، فاعلَمْه.

  • الذيل والتكملة 4/ 149-152.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق