الثقافة والهوية وصناعة الإنتاج الفكري عند المثقف
د. عقار: الثقافة عنصر مهم لمقاومة النسيان والتلاشي أو الذوبان في الغير أو في التاريخ وفي الزمن
قال الأستاذ عبد الحميد عقار، إن الإنتاج الفكري مرتبط بوجود صناعة ثقافية، مشددا على أن الصناعة الثقافية لا تعني فقط المطابع والجرائد والمجلات ولكن أيضا المؤسسات والفضاءات والآليات التي تيسر حضور ووصول المنتوج الثقافي إلى المستهلك.
وأشار عبد الحميد عقار، مساء الأربعاء في الدرس الافتتاحي لمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالرباط في موضوع "الثقافة والهوية" الذي ألقاه بمناسبة الموسم الدراسي والبحثي 2010 `2011، أن أمام هذه الصناعة في المغرب الكثير لترقى إلى ما وصلت إليه في بلدان أخرى.
والثقافة حسب المحاضر تعني، إضافة إلى كل ما هو مكتوب وشفهي وحركي، عادات وتقاليد وطقوس جماعة أو جماعات بشرية داخل فضاء جغرافي معين، مبرزا أن هذه الأنماط تظل أساسية وضرورية في تحديد وضع الإنسان تجاه نفسه وتجاه محيطه، وكذا تجاه الغير سواء كان معه أو يتنافس معه حول قضايا المشترك الإنساني.
ومن تم فإن الثقافة إجمالا هي "مجمل السمات الروحية والمادية والفكرية والوجدانية والفنية التي يتصف بها مجتمع ما أو جماعة منه" ، وبالتالي ف"الثقافة عنصر مهم لمقاومة النسيان والتلاشي أو الذوبان في الغير أو في التاريخ وفي الزمن"، مؤكدا على أن كل "الثقافات تبقى مشرعة على الثقافات الأخرى المختلفة والتعايش والتلاقح معها".
من جانب آخر قال المحاضر ، إنه وفي إطار الانفتاح والتعايش، فلا غرو أن تثري الخطابات الجديدة التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة وفي مجالات مختلفة "الحقل الثقافي الرمزي في الاجتهاد والأفكار مثلما أغنته في مجال التصادم والرؤى مما بجعل من الثقافة مشروعا فكريا يتم الاشتغال عليه في أفق متعدد الأسس والمنهجيات ومتحرر من المسبقات والكليات ميال نحو تعميق التخصص دون ما ضيق في هذا الأفق".
وهذا يحيل، يقول الأستاذ عقار، "على الهوية التي باتت موضوعا مطروحا بشكل لافت في خطابات وممارسات ثقافية متباينة"، مؤكدا على أن "الهوية شأنها شأن الثقافة ذات ترابط قوي وملتبس ومتبدل في الآن ذاته بمكوناتها"، مشددا على أنه بينهما ترابط وتلاقح قويان وأكيدان، وعلى أن الثقافة تشكل المرتكز الأساس للهوية وتعنى بأسئلتها وقضاياها، وعلى أن الهوية المتعددة الروافد والأبعاد لا تفقد وحدتها إذا تحررت من التعصب القومي المغلق، وأن الهوية المرنة لا تطمس وتلغي الهويات العابرة، وإنما تصهر وتؤلف بينها.
قال الأستاذ عبد الحميد عقار، "إنه وفي مواجهة الانطباع السائد بوجود ركود ثقافي بدأت تظهر مبادرات تدعو إلى مساءلة الوضع الثقافي وإعادة التفكير والحوار بصدده بحثا عن تجاوز محتمل لما يفترض فيه أنه مآزق يحياها المشهد الثقافي المغربي".
وشدد على أن "الحديث عن الثقافة والمثقف في ترابطهما بالهوية مشوب عموما بالصعوبة والتعقيد وبمحدودية الاهتمام بالنقاش العمومي حول ما هو ثقافي صرف، بسبب الأحادية أحيانا، والالتباس في تناول مسألة الهوية أحيانا أخرى"، مشيرا إلى أنه رغم الاتساع الملحوظ على مستوى الإنتاج الثقافي ذي الطبيعة الرمزية الذي يشكل محتوى الثقافة، إلا أن هذا الاتساع لا يجد استساغة وقبولا من لدن المستهلك.