مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة رضي الله عنهالعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ)

يحفل تاريخنا الاسلامي بالكثير من النساء اللائي كانت لهن بصمات جلية في نصرة الإسلام ونشر الدعوة المحمدية، ومن بينهن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها.

لقد وقفت هذه السيدة العظيمة موقف الرجال في تعضيد جناب صاحب الرسالة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومساندته وشدّ أزره في المحن التي كان يواجهها، ولم يكن ما اضطلعت به هذه السيدة الطيبة إلا دورا مكملا للمواقف المشرفة التي قامت بها والدتها السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها التي  بذلت الغالي والنفيس لمؤازرة زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سبيل إعلاء كلمة الله، ونشر الدين الحنيف، ونصرة الدعوة المحمدية، لحظة بزوغ شمسها في الجزيرة العربية.

وتمثل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بحقّ قبسا من الضياء النبوي الذي شاع نوره في الأرض، وصورة ناصعة للخلق الرفيع، وجسدت بصدق خلال أطوار حياتها، الأخلاق الرفيعة المقتبسة من الشمائل المحمدية التي كانت وما تزال مضرب المثل في العالمين.

وغُذِّيَتْ السيدة فاطمة رضوان الله عليها، منذ نعومة أظفارها بهدي النبوة ، وتفيأت  ظلال الذكر الحكيم وهو يتلى في بيت والدها عليه الصلاة وأزكى التسليم، وكانت شاهدة على غدوات أمين الوحي جبريل عليه السلام، ورَوْحاته ونزوله في بيت والدها حيث كان يُلقى عليه الوحي غضًّا طريا. وسارت رضي الله عنها مع أطوار دعوة الإسلام لحظة لحظة، بمحنها وابتلاءتها، وعاشت تفاصيل الفترة المكية ثم الفترة المدنية بكل أحزانها وأفراحها، ووقفت مع والدها عليه الصلاة والسلام مواقف عصيبة وتحملت الأذى والشدائد، وحرصت أن تكون رهن إشارته، تخدمه وترعى شؤونه، وخاصة بعد وفاة والدتها السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.

لقد وهب الله السيدة فاطمة رضي الله عنها من الأحوال السنية والكمالات العلية ما لم يبلغها أحد من نساء الأمة، وشاء الله  تعالى شأنه أن تكون الوعاء الطاهر الذي حُفِظ فيه النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذرية الطاهرة جلها من السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهي ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كانت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أحبّ أهل النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قلبه، وكان يكرمها ويُسرّ إليها، وكانت أشبه ما تكون بأبيها عليه الصلاة والسلام في مشيتها وفي جلستها، وكيف لا تكون كذلك وهي بضعة منه صلى الله عليه وسلم، كما ورثت منه ومن والدتها خصال الخير والفضيلة والنبل والطهارة والاستقامة والزهد والكرم وغيرها من الخلال الطيبة.

وأفاضت مدونات السنة النبوية وكتب معرفة الصحابة وكتب الأنساب والذرية الشريفة في سرد الأحاديث والأخبار المروية في فضائل هذه السيدة الجليلة، وإبراز مناقبها، والتنويه بشخصيتها، والتحذير من إيذائها وبغضها، كما لم يفت أصحاب تلك المؤلفات التنصيص على بعض خصائصها ومزاياها وهي كثيرة، ويكفي الإشارة هنا إلى بعضها:

  • أنها أفضل نساء هذه الأمة.
  • بشرها النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة.
  • انقراض نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا من فاطمة رضوان الله عليها.
  • يحرم التزويج عليها والجمع بينها وبين ضرة.
  • أول من غُطِّيَ في الإسلام نعشها.

اعتنى علماء الإسلام مشرقا ومغربا في القديم والحديث بوضع مؤلفات كثيرة في عرض سيرة السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، والتذكير بمناقبها وفضائلها العديدة التي ملأت المجالس والمنتديات العلمية على امتداد الأزمنة، كما أن أخبار ذريتها المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها ترددت بكثرة في كتب المناقب والتواريخ البلدانية. ومن أشهر الكتب التي خصت السيدة فاطمة الزهراء بالتأليف:

  1. جزء في تزويج فاطمة بنت رسول الله. محمد بن علي زين العابدين الباقر (ت 113هـ). نشر بتحقيق صلاح الدين المنجد.
  2. تزويج فاطمة رضي الله عنها. لعبدالله بن محمد ابن أبي الدنيا (ت281هـ). (الفهرست. ابن النديم. ص230).
  3. جزء في تزويج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. لعلي بن أبي طالب عليهما السلام. محمد بن هارون الرُّويَاني (ت307هـ). مخطوط بالمكتبة الظاهريّة. عام تصوّف 129 (ورقة 142 ـ 144).
  4. فضائل فاطمة. لأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي (ت317ه‍).
  5. أخبار فاطمة والحسن والحسين. محمد بن أحمد ابن أبي الثلج (توفي حوالي 325هـ). إيضاح المكنون. إسماعيل البغدادي. 3/44
  6. فضائل فاطمة: الجزء فيه فضائل سيدة النساء بعد مريم.  لعمر بن أحمد ابن شاهين (ت385هـ). نشر بتحقيق أبي إسحاق الحويني.
  7. فضائل فاطمة الزهراء رضى الله عنها. لمحمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري(ت405هـ). نشر بعناية علي رضا بن عبدالله علي رضا.
  8. تحرير النقول في مناقب أمّنَا حواء وفاطمة البتول: لعلي بن محمد ابن الصباغ المالكي (ت855هـ). مخطوط بالمكتبة الوطنية. باريس. رقم: 1927.
  9. الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة. لعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي. (ت911هـ). طبع مرات عديدة، وهو موضوع هذه الورقة التعريفية.
  10. إتحاف السائل بما لفاطمة من الفضائل. مُحَمَّد حجازى بن مُحَمَّد القلقشندي (ت1035هـ). نشر بتحقيق: محمد كاظم الموسوي.
  11. الفتح والبشرى في مناقب فاطمة الزهراء. لمحمد الجفري (كان حيا سنة 1186هـ). مخطوط في المكتبة الظاهريّة (دمشق). رقم: عام 7006. (ورقة 11 ـ 14) .
  12. الدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة (فاطمة الزهراء)‎. عبدالله بن إبراهيم مرغيني المعروف بالمحجوب (ت1207هـ). دراسة وتحقيق: أسماء عبد عون. مجلة كلية التربية للبنات (العراق).مج 28. ع 4. (ص. 1187-1198).

ومن لطائف الرسائل المنوهة بمقام السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، تلك الرسالة المفيدة في موضوعها الجليل، وضعها الحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ)، وسماها: (الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة).

من خلال بناء هذه الرسالة يظهر أنها كانت درسا ألقاه المؤلف على طلابه، وأملاه إملاء في مجالسه الحديثية، لذلك نجد إحدى النسخ الخطية من هذه الرسالة تحمل اسم: (مجلس في مناقب فاطمة الزهراء)، وهي محفوظة في المكتبة السليمانية. إسطنبول. تحت رقم: 1030/16.

لقد جمع السيوطي في رسالته طرفا من مناقب البضعة النبوية: السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، واستعرض فيها نتفا من فضائلها، وروايتها عن والدها عليه الصلاة والسلام.

ولم يضع المؤلف مقدمة لرسالته يشرح فيها على عادة المؤلفين تفاصيل عمله فيها، بل اكتفى بالتنصيص فقط على اسم رسالته، وشرع مباشرة في رواية حديث من إملائه على سنن المحدثين، أخرجه الإمام أحمد في المسند. فبعد الحمدلة والصلاة على النبي عليه السلام قال: (وبعد فهذا جزء سميته: (الثغور الباسمة، في مناقب سيدتنا فاطمة ابنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخبرني شيخي شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين الشمني بقراءتي عليه قال أخبرنا الجمال عبدالله بن علي الحنبلي. قال: أخبرنا أبو الحسن العرضي……..قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل. قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد قال حدثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة، ووسادة من أدم، حشوها ليف، ورَحَيَيْن، وسقاء، وجرتين….)[1] .

 استهل السيوطي رسالته بذاك الحديث المشهور الذي تضمن عمل السيدة الجليلة في بيتها، والشدّة التي كانت تلقاها أثناء عملها، والتماسها خادما تعينها على أعباء البيت من رسول الله عليه الصلاة وأزكى التسليم، وفي الحديث تعليم رسول الله لفاطمة الزهراء ولزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أذكارًا هي خير من خادم.

وقد أبان السيوطي عن طول باعه في الصناعة الحديثية الذي هو أحد أعمدتها في العصور المتأخرة، حيث أطال في تخريج الحديث، ذاكرا طرقه المتعددة. يقول السيوطي: (هذا حديث صحيح مشهور، أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة مطولة ومختصرة)، ثم استعرض بتفصيل مجموع من أخرجه.

وهذه الرسالة (الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة) على وجازتها تضمنت موضوعات على جانب من الأهمية في تجلية جليل المناقب التي عُرِفَت بها السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وسني آثارها. وهذه أهم الفقرات التي ضمنها السيوطي في رسالته:

  • ذكر الأحاديث الواردة في تزويج السيدة فاطمة رضي الله عنها.
  • ذكر خصائص فاطمة الزهراء ومناقبها.
  • فصل في سنّها ووفاتها.
  • فائدة في انقطاع نسب رسول الله إلا منها.
  • فائدة في بعض مروياتها.
  • ما ينسب إليها من الشعر.

استعان السيوطي في تحرير رسالته بمجموعة كبيرة من مصادر السنة، وكتب تراجم الصحابة، ودلائل النبوة، وهي قوام عمله في إبراز فضائل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها. وفيما يلي موارد العلامة السيوطي ومصادره المذكورة في رسالته: (الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة رضي الله عنها):

  • الطبقات الكبرى. محمد بن سعد البغدادي (ت 230هـ).
  • المسند. أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241هـ).
  • الزهد. أحمد بن حنيل الشيباني (ت 241هـ).
  • الجامع صحيح. محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ).
  • المسند الصحيح المختصر.. مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ).
  • السنن. محمد بن يزيد ابن ماجه (ت 273هـ).
  • السنن. أبو داود سليمان السجستاني (ت275هـ).
  • السنن. محمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ).
  • مسند علي: مُطين أبو جعفر محمد بن عبد الله مُطيّن(ت 297ه‍ ).
  • الذكر. يوسف بن يعقوب القاضي (ت 297هـ).
  • الذِّكر. جعفر بن محمد الفريابي (ت 301هـ).
  • السنن. أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ).
  • تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار. محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ).
  • الصحيح. محمد بن حبان البُستي (ت 354هـ)
  • العلل الواردة في الأحاديث النبوية. علي بن عُمَر الدارقطني (ت 385هـ).
  • معرفة الصحابة. محمد بن إسحاق ابن مَنْدَه (ت 395هـ)
  • دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ).
  • شعب الإيمان. أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ).
  • الموضوعات. عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت 597هـ).
  • عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري (ت 734هـ).
  • القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد. أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ).

إن المؤلف لم يلتفت إلى المصادر الشيعية التي أطنبت في ذكر أخبار أم الحسنين فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأسهبت في عرض فضائلها ورواية خصائصها الكثيرة، ولم يتعقب تلك الروايات والأخبار المشحونة غالبا بالخرافات والأكاذيب، واقتصر فقط على كتب السنة المطهرة، وسطر من خلالها مجموع ما روته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنه، وهو عشرة أحاديث، وهو عدد قليل. وعزا المؤلف سبب ذلك إلى تقدم وفاتها رضي الله عنها، أدركتها المنية بعد والدها عليه الصلاة والسلام بستة أشهر.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض العلماء أفادوا من هذه الرسالة الوجيزة، واقتبسوا منها فوائدها الكثيرة، ومن أبرزهم العلامة مُحَمَّد حجازى بن مُحَمَّد القلقشندي (ت1035هـ) الذي أدرج كثيرًا من مضامين تلك الرسالة في كتابه الحافل بمناقب السيدة فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم: (إتحاف السائل بما لفاطمة من الفضائل).

وخلاصة القول إن رسالة (الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة رضي الله عنها) جليلة بجلالة موضوعها المنبئ عن علو مقام البضعة النبوية، ورفعة مناقب السيدة فاطمة رضي الله عنها، والرسالة ماتعة بما في سيرة هذه السيدة الجليلة من دروس وعبر.

ولقد قيض لهذه الرسالة أن تنتشر على نطاق واسع بكثرة طبعاتها القديمة والحديثة، وأن تنال شهرة كبيرة بين الدارسين والمهتمين بمناقب أهل البيت الكرام عامة ومناقب السيدة فاطمة الزهراء خاصة. ومن حسن حظ هذه الرسالة أنها نالت اهتماما كبيرا من قبل النساخ الذين مازالت أعمالهم وهي كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها، محفوظة إلى اليوم في الخزانات العامة والخاصة.

ومن أهم نشرات هذه الرسالة المفيدة في بابها منذ ظهور الطباعة الحجرية إلى اليوم:

  1. طبعة حجرية هندية بدون تاريخ. ونشرت تلك الرسالة في مطبع مطاع أنوار. حيدرآباد. دكن. 15 صفحة.
  2. نشرة بتحقيق: محمد سعيد الطريحي. مركز الدراسات والبحوث. بيروت. 1408هـ / 1988م. 59 صفحة.
  3. نشرة بتحقيق السيد حسن الحسيني. لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام.(137). دار البشائر الإسلامية. بيروت. 1431هـ / 2010م. 72 صفحة.
  4. نشرة بتحقيق: مجدي فتحي السيد. دار الصحابة للتراث. طنطا. 1411هـ/1991م. 44 صفحة.
  5. نشرة بتحقيق الدكتور عبدالحكيم الأنيس. بإشراف إدارة البحوث. دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري. دبي. 1432هـ/ 2011م. 108 صفحة. وهي أجود النشرات اعتمد المحقق في عمله هذا على تسع نسخ خطية، وحرر دراسة وافية في موضوع رسالته.
  6. نشرة بتحقيق الدكتور سعد جبار مشتت العزيباوي والدكتورة بشرى حنون محسن. مجلة دراسات إسلامية معاصرة. كربلاء. عدد 13. 2015م. ص 177 ـ 209.
    ——————————————————————————————

[1]  الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة. ص51.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق