مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التعريف بمراحل تطور المذهب المالكي ومدارسه ومصادره الفقهية وأصوله[11]

الدكتور عبدالله معصر

رئيس مركز دراس بن إسماعيل


ثالثا: المستخرجة من الأسمعة ( العتبية )لمحمد بن أحمد العتبي( ت255هـ/254هـ) 

وهي ثالثة الأمهات والدواوين، والمستخرجة عبارة عن حصر شامل لمعلومات فقهية يرجع معظمها لابن القاسم العتقي عن مالك بن أنس، وهي برواية من جاؤوا بعده مباشرة، كما أنها تحتوي أيضا على آراء فقهية لتلاميذ الإمام مالك وخلفائه[1].

فالمستخرجة هي إذن من الأسمعة التي جمعها محمد العتبي ، وهي تشمل سماعات أحد عشر فقيها، ثلاثة منهم أخذوا عن مالك مباشرة، وهم ابن القاسم وأشهب وابن نافع المدني، والآخرون أمثال ابن وهب ويحيى الليثي وسحنون وأصبغ[2].

لقد حفظ العتبي  في المستخرجة – فضلا عن الروايات المسموعة- سماعات كثيرة عن الإمام مالك وتلاميذه، ولولاه لضاعت، إلا أنه لم يتمكن من تمحيصها وعرضها على أصول المذهب، ومقارنتها بالروايات الأخرى، وهو ما يفسر اختلاف مواقف علماء المالكية  منها قبولا ورفضا، حتى قال ابن لبابة[3]  في حديثه عنها: إن العتبي ( كثر فيها الروايات المطروحة والمسائل الشاذة، وكان يؤتى بالمسألة الغريبة فإذا أعجبته قال:أدخلوها المستخرجة)[4]،

وقد كان من حسن حظ المستخرجة أن يهتم بها عالم الأندلس الكبير ابن رشد، فقام بهذه العملية النقدية في البيان والتحصيل، وأصبحت المستخرجة – بعد أن تميز فيها الصحيح والسقيم- خيرا وبركة وزيادة في فروع المذهب المالكي[5].

وللعتبي في المستخرجة اصطلاح خاص بعناوين السماعات(الأجزاء/ الأبواب/الفصول) حيث يعنونها بأول مسألة فيها فيقول مثلا: رسم القبلة، رسم حبل الحبلة، ورسم سلف ونحو ذلك.

وذلك أن العتبي -رحمه الله- لما جمع الأسمعة، سماع ابن القاسم عن مالك، وسماع أشهب وابن نافع عن مالك، وسماع عيسى بن دينار، وغيره عن ابن القاسم، كيحيى بن يحيى وسحنون، وموسى بن معاوية، وزونان ومحمد بن خالد، وأصبغ، وأبي زيد، وغيرهم، جمع كل سماع في دفاتر، وأجزاء على حدة، ثم جعل لكل دفتر ترجمة يعرف بها، وهي أول ذلك الدفتر، فدفتر أوله: الكلام على القبلة، وآخر أوله: حبل الحبلة، وآخر أوله: جاع فباع امرأته، وآخر: أخذ يشرب خمرا، ونحو ذلك، فيجعل تلك المسألة التي في أوله لقبا له، وفي كل دفتر من هذه الدفاتر مسائل مختلطة من أبواب الفقه، فلما رتب العتبية على أبواب الفقه، جمع في كل كتاب من كتب الفقه ما في الدفاتر من المسائل المتعلقة بذلك الكتاب، فلما تكلم على كتاب الطهارة مثلا، جمع ما عنده من مسائل الطهارة كلها، وبدأ في ذلك بما كان من سماع ابن القاسم، ثم بما كان من سماع أشهب وابن نافع، ثم بما في سماع عيسى بن دينار، ثم بما في سماع يحيى بن يحيى، ثم بما في سماع سحنون، ثم بما في سماع موسى بن معاوية، ثم بما في سماع محمد بن خالد، ثم بما في سماع زونان-وهو عبد الملك بن الحسن-، ثم بما في سماع محمد بن أصبغ هكذا ثم بما في سماع أبي زيد، فإذا لم يجد في سماع أحد منهم مسألة تتعلق بذلك الكتاب أسقط ذلك السماع، وقد تقدم أن كل سماع من هذه الأسمعة في أجزاء ودفاتر، فإذا نقل مسألة من الدفتر عين ذلك الدفتر الذي نقلها منه، ليعلم أي دفتر نقلها إذا أراد مراجعتها، واطلاعه عليها في محلها، فيقصد الدفتر المحال عليه، ويعلمه بترجمته، فتكون الأسمعة كالأبواب للكتاب، والرسوم التي هي التراجم بمنزلة الفصول للأبواب، وأقرب إلى العزو  إلى الكشف ما عين فيه الرسم، وفي أي سماع هو من أي كتاب[6].

الهوامش: 

 


[1]– دراسات في مصادر الفقه المالكي:ميكلوش موراني ص118.

 [2]- معلمة الفقه المالكي: عبد العزيز بن عبدالله ص142.

 [3]- ابن لبابة :محمد بن عمر ،كان إماما في الفقه، دارت عليه الفتيا ستين عاما توفي سنة 314هـ انظر ترتيب المدارك ج5ص153.

 [4]- ترتيب المدارك ج4 ص253.

[5] – انظر مقدمة البيان والتحصيل ج1ص 21.

 [6] -مواهب الجليل للحطاب ج1ص41.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق