التعريف بكتاب منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله لمحمد مصطفى ماء العينين (1328هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
تقديم:
فمن الأحاديث النبوية الصحيحة التي اعتنى العلماء بشرح معانيها ، واستخراج فوائدها، وتتبع طرقها ؛حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله؛ بل نجد منهم من أفرده بالتأليف ؛ وكان لعلماء المغرب عامة ، ولحاضرة الصحراء المغربية خاصة النصيب من هذا الاهتمام؛ ومن هؤلاء الأعلام : العلامة محمد مصطفى ماء العينين (1328هـ )، بكتابه الموسوم: منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله، ويسمى كذلك منيل البش فيمن يظلهم الله بظل العرش، وللتعريف بهذا الكتاب سأحاول أن أتناول فيه ، مضمون الكتاب وقيمته العلمية، مع بيان أهم ملامح منهج المؤلف ومصادره فيه، ولكن قبل ذلك لابد من إشارة لطيفة إلى ترجمة المؤلف وذكر بعض مصادر ترجمته ، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:
أولا: ترجمة موجزة عن المؤلف[1]:
يعد العلامة محمد المصطفى ماء العينين من الشخصيات البارزة التي حظيت باهتمام واسع في كتب التراجم ومن الصعب حصرها.
وغرضي في هذا المبحث ذكر رؤوس أقلام عن ترجمته ، دون الحديث عنه بتفصيل، وقد أحلت في الهامش على بعض مصادرها لمن أراد استزادة، أو فصل بيان .
هو: أبو الأنوار مصطفى ، أو محمد مصطفى ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين بن الطالب أخيار، ابن محمد أبي الأنوار بن الجيه المختار بن الحبيب الشنقيطي القلقمي، الملقب بماء العينين –وبه عرف واشتهر -.
ولد العلامة ماء العينين بعاصمة الحوض من بلاد شنقيط في شهر شعبان المبارك عام 1246هـ[2] ، في كنف أسرته المعروفة بالعلم و الفضل والصلاح ، وقد "لازم والده ملازمة المريد لشيخه ، لا ملازمة الولد لأبيه، ولا التلميذ لأستاذه فبذلك نال ما نال من العلوم العجيبة"[3]، حتى عُدّ رحمه الله من أشهر علماء عصره، وأعظمهم قدرا ، متقدما عليهم "علما وفضلا، مشاركا في التفسير، والحديث، والفقه، والأصلين، واللغة، والسير، والتصوف، وغيرها "[4] ، وإلى جانب اهتماماته العلمية ، كان له اهتمام خاص بالجهاد ضد المستعمر الفرنسي ، كما نال حظوة خاصة عند ملوك الدولة العلوية الذين عاصرهم . قال العلامة محمد الظريف عنه: "يعد من العلماء العاملين؛ الذين ذاع صيتهم في المشرق والمغرب، وقصده القريب والبعيد، فكانت زاويته بالسمارة منارا للعلم، وقلعة للجهاد، وقد جعله ملوك المغرب نائبا عنهم في الأقاليم الصحراوية منذ عهد المولى عبد الرحمن ، وكلفوه بتعميرها وحمايتها مما كان يهددها من أخطار أجنبية"[5].
للمؤلف رحمه الله مؤلفات عدة في مختلف العلوم -بين المنظوم والمنثور- تشهد له بطول باعه وتمكنه في هذا الميدان، ومن مؤلفاته في الحديث أذكر الآتي:
صلة المترحم في الحث على صلة الرحم؛ جمع فيه مصنفه الشيخ ماء العينين (1328هـ)رحمه الله حوالي (444) حديثا في الحث على صلة الرحم، والرفق بالضعفاء، ومواساة الأقرباء والمحتاجين، وقد طبع الكتاب أول مرة طبعة حجرية بمطبعة العربي الأزرق بفاس بتوجيه من الحاجب أحمد بن موسى[6] ، وله نسخة مخطوطة في موقع الشيخ ماء العينين[7] .
اللؤلؤ المحوز الجامع ما في الجامع الصغير والراموز ، جمع فيه أحاديث الكتابين المذكورين، مع الإشارة إلى المتفق عليه من الأحاديث، وعلى ما اختص به كل واحد منهما عن الآخر، وشرح ما احتاج إلى الشرح من الأحاديث المذكورة [8] توجد نسخة منه بخزانة الشيخ لارباس بن الشيخ محمد الأغطف [9].
منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله. وهو هذا الكتاب موضوع حديثنا .
مات رحمه الله ليلة الجمعة في شهر شوال الأبرك عام 1328هـ بمدينة تيزنيت [10] بالسوس الأقصى رحمه الله تعالى.
ثانيا: التعريف بمضمون الكتاب، وقيمته العلمية، مع بيان أهم ملامح منهج المؤلف ومصادره فيه[11].
كتاب "منيل البش فيمن يظلهم الله بظل العرش"، أو "منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله "، هكذا ذكر في فهرس الخزانة التيمورية [12] ، ويعد هذا الكتاب من الكتب الحديثية التي جمع فيه مؤلفه ما أتى به الإمام القسطلاني في كتابه "إرشاد الساري" كما ذكر المؤلف عن نفسه في مقدمة كتابه قال: "أردت أن أجمع في هذه الورقات ما أتى به الإمام القسطلاني في كتابه: "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري"، فيمن يظلهم الله بظل العرش يوم لا ظل إلا ظله ، وسميته: "منيل البشر فيمن يظلهم الله ، وربما زدت عليه بما أشير له بلفظة -زد-"[13].
ابتدأ المؤلف رحمه الله بالحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه وهو ، قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة
ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"[14] "
وأتبعه بشرح الخصال السبعة المذكورة فيه بالاعتماد على كلام الإمام القسطلاني بلفظ هذا الأخير ، ثم استطرد بذكر خصالا أخرى معتمدا على مصادر متنوعة ، وعدد ما تم ذكره من هذه الخصال سبعون خصلة، ثم أتبع هذا الشرح بإيراد مجموعة من الفوائد والفرائد جعلها خاتمة لكتابه، هذا عن مضمون الكتاب بإيجاز، وأما عن قيمته العلمية فتتجلى في موضوعه الذي يتحدث عنه كما هو مبين من خلال عنوانه، وهو في : التعريف بالخصال التي توجب ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله في يوم وقوف الناس للحساب بين يديه، وتحت حر الشمس التي تدنو من الرؤوس دنوا عظيما.
وأما عن منهجه العام في هذا الشرح فيتمثل في النقل عمن سبقه من المحدثين، وكان أكثر من اعتمد عليهم العلامة القسطلاني في إرشاد الساري ، حيث اقتبس نص كلامه في شرحه للخصال السبعة المذكورة في الحديث دون أن يتصرف فيه، مع الزيادة عليه بذكر الخصال الأخرى بالنقل من مصادر أخرى وقد أشار إلى ذلك في مقدمة الكتاب قال: " وسأبتدئ بالحديث وأستطرد ما بقي القسطلاني عند شرحه، وبعد ذلك أجيء بشرحه، وبعده بغيره إن شاء الله " [15]
ونجده يفصل بين كلام العلامة القسطلاني وبين زياداته من مصادر أخرى بلفظة : "زد"[16]، وهو ما أشار إليه كذلك في المقدمة "[17]، أو بين زياداته بنفسه عن المصادر المعتمدة لديه وإليه الإشارة بـ: "زد" قلت [18]، وفي كل خصلة من الخصال المذكورة يورد لها حديثا دالا عليها في بابها، وأحيانا يجمع الخصلتين أو أكثر ثم يورد لها حديثا دالا عليها، كما نجده يفسر بعض معاني الأحاديث المذكورة في الباب[19].
ومن الجدير بالذكر هنا أن الأحاديث التي استدل بها في كتابه متنوعة منها؛ الصحيح ، والحسن، والضعيف، والموضوع، وقد يشير أحيانا إلى بيان درجتها [20].
والمؤلف رحمه الله اعتمد في مادة هذا الشرح على مصادر متنوعة تدل على إلمامه الواسع بمصنفات الحديث وغيرها من العلوم؛ ومن هذه المصادر أذكر: كتب الصحاح؛ كصحيح مسلم، والشروح الحديثية؛ كإرشاد الساري للقسطلاني، والمسانيد الحديثية؛ كمسند أحمد ، والمستدركات الحديثية؛ كمستدرك الحاكم، والمصنفات الحديثية؛ كمصنف ابن أبي شيبة، وكتب المعاجم الحديثية؛ كمعاجم الطبراني، والأجزاء الحديثية؛ كجزء ابن الهرثمة، وكتب شعب الإيمان؛ كشعب الإيمان للبيهقي، وكتب التاريخ؛ كتاريخ بغداد، وغيرها.
الخاتمة:
من خلال هذه النظرة الموجزة حول هذا الكتاب، يتبين لنا مبلغ الجهد الذي بذله مؤلفه في جمع واختيار وتصنيف لمثل هذا النوع من الكتب القيمة في بابها، وقد بلغ فيه مبلغا حسنا؛ إذ ذكر فيه سبعة وسبعين خصلة من الخصال التي توجب ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله في يوم وقوف الناس للحساب بين يديه، وتحت حر الشمس التي تدنو من الرؤوس دنوا عظيما. فجزى الله ماء العينين عن السنة وعن صاحبها خير الجزاء.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
********************
هوامش المقال:
[1] - آثرت الاختصار في ترجمته لشهرته ومما رجعت إليه ممن ترجم له الآتي: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط لأحمد الأمين الشنقيطي (ص: 360 فما بعدها)، معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي (ص: 168- 170)، المعسول لمحمد المختار السوسي (4 /83-100)، معجم المطبوعات المغربية للقيطوني (ص: 195-198)، الأعلام للزركلي (7 /243-244) ، معلمة المغرب (20 /6932-6933) وغيرها .
[2] - انظر : المعسول (4/ 90)
[3] - انظر : المعسول (4/ 90)
[4] ـ معجم الشيوخ (ص: 168).
[5] - الرحلة المعينية (ص: 20).
[6] - معجم المطبوعات المغربية (ص: 196) ، الطباعة والنشر بالمغرب (1282هـ- 1376هـ/ 1865- 1956 مـ) للباحثة لطيفة الكندوز (ص: 130).
[7] - موقع الشيخ ماء العينين الالكتروني. .
[8] - انظر الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني ص: (27).
[9] - ذكر ذلك محقق كتاب منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله ص: (35).
[10] - انظر : الإعلام بمن حل مراكش (7/ 176)، المعسول (4 /100).
[11] - الكتاب طبع أول مرة على الحجر ، ثم أعيد طبعه مرة أخرى محققا ومخرج الأحاديث بتحقيق: د محمد بن عزوز عن دار ابن حزم ومركز التراث الثقافي المغربي في طبعته الأولى 1431 هـ- 2010 مـ وهي المعتمدة في الوصف.
[12] - فهرس الخزانة التيمورية (2/ 329).
[13] - منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص: 49).
[14] - أخرجه البخاري في صحيحه (1 /219) ، كتاب: الأذان، باب: اثنان فما فوقهما جماعة برقم (660) ، ومسلم في صحيحه (1/457)، كتاب: الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة ، برقم: (1031).
[15] - منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص: 50).
[16] - ينظر كنموذج : منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص: 53)، (ص: 92).
[17] - تقدم ذكره سابقا.
[18] - ينظر كنموذج : منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص:71) (ص: 92).
[19] - ينظر كنموذج : منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص:58)، (ص: 63)، (ص: 80)،(ص: 85 ).
[20] - ينظر كمثال على ذلك : منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله (ص:67)و (75)، (ص: 85) وغيرها
********************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام. للعباس بن إبراهيم السملالي . راجعه : عبد الوهاب ابن منصور. المطبعة الملكية الرباط ط2/ 1413هـ- 1993مـ.
الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين بيروت لبنان ط15/2002مـ.
الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.
الرحلة المعينية ماء العينين بن العتيق. حققها وقدم لها: د. محمد الظريف. دار السويدي بيروت . ط1/ 2004مـ
الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني. لحمداتي شبيهنا ماء العينين. مطبوعات الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي 1995مـ.
الطباعة والنشر بالمغرب (1282هـ- 1376هـ/ 1865- 1956 مـ) للباحثة لطيفة الكندوز. دار أبي رقراق الرباط. ط 2014 مـ.
فهرس الخزانة التيمورية (مصطلح الحديث والحديث). مطبعة دار الكتب المصرية 1947مـ.
المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.
معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب. لعبد الحفيظ بن محمد الطاهر بن عبد الكبير الفاسي. حققه وخرج حواشيه وعلق عليه: عبد المجيد خيالي. دار الكتب العلمية بيروت. ط 1/ 2003هـ - 1424مـ
معجم المطبوعات المغربية. لإدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني الحسني. تقديم: ذ عبد الله كنون. منشورات مطابع سلا 1988مـ.
منيل العبد مناه فيمن يظلهم الله. لمحمد مصطفى ماء العينين بن مامين الشنقيطي ويليه : مختصر حسن الفرش فيمن يظلهم الله بظل العرش تحقيق: د محمد عزوز مركز التراث الثقافي المغربي الدار البيضاء - دار ابن حزم بيروت . ط 1/ 1431هـ- 2010مـ.
الوسيط في تراجم أدباء شنقيط والكلام على تلك البلاد تحديدا وتخطيطا وعادتهم وأخلاقهم وما يتعلق بذلك. لأحمد الأمين الشنقيطي. طبع بمصر ط1/ 1339 هـ.
راجع المقال الباحث: محمد إليولو، ويوسف أزهار