مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

التصوف وثوابت الهوية الدينية المغربية

إسماعيل راضي                                                                                                                               مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

من المعلوم بأن المغرب كان دائما وأبدا بلد الأولياء، وبلد رجالات التصوف، منذ أتى المولى إدريس (سنة 172هـ) فاتحا وناشرا للإسلام على طريقة التصوف. ومنذ ذلك الوقت، وتاريخ المغرب حافل برموز رجالات الولاية والتصوف، بل لا تخلو حِقبة زمنية من تاريخنا دون إشعاع أسماء كان لهم الفضل في التربية والتوجيه، وفي تأطير الأمة في المجالات الاجتماعية والعلمية والوطنية والجهادية…؛ ويشهد لذلك:

– العديد من المصادر التي أرّخت للمئات منهم منذ بدايةِ القرن الخامس الهجري وما بعده، ومنها:

     * كتاب: “المستفاد في مناقب العباد بفاس وما يليها من البلاد”، للتميمي (ألّفه في القرن 6 الهجري)، وهو في التعريف بصلحاء فاس.

    * كتاب: “التشوف إلى رجال التصوف”، لابن الزيات (ألّفه في بداية القرن السابع الهجري)، وهو في التعريف بصلحاء الجنوب.

     * كتاب: “المقصد الشريف”، للبادسي، وقد أرَّخ فيه لرجالات التصوف بالريف من الفترة الممتدة ما بين منتصف القرن السادس الهجري إلى أوائل الثامن الهجري.

     * إلى غير ذلك من المصادر،… مما يدل على أنّ التصوف متجدر في الأمة المغربية.

– ويشهد لذلك كذلك العديد من القباب والأضرحة والزوايا والمزارات المنتشرة عبر ربوع المملكة، وما تزال أسماؤهم وأسماء مدارسهم شاهدة على أدوارهم الدينية والعلمية والوطنية والاجتماعية والجهادية.

– ومن الشواهد لذلك كذلك: ما حظي به التصوف من العناية والرعاية، ومن وافر التقدير من طرف علماء الأمة سلفهم وخلفهم، وعلى رأسهم علماء وفقهاء أعرق جامعة في التاريخ وهي جامعة القرويين (245ه)، وإليهم يرجع الفضل في وضع التصوف كثابت من ثوابت الهوية الدينية المغربية إلى جانب الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، وهي التي أشار إليها الفقيه المغربي ابن عاشر الفاسي (990-1040هـ)، وهو من علماء القرويين، في منظومته المشهورة بالمرشد المعين حول الثوابت الدينية المغربية بقوله:   

“في «عقد الأشعري» و«فقه مالك»   ***   وفي «طريقة الجنيد السالك»”

ويشهد التاريخ بأن الفقهاء والعلماء المغاربة كانوا صوفية وصلحاء، جمعوا بين الشريعة والحقيقة في توازن وانسجام، وتكامل والتحام.

هكذا استمرت هذه الثوابت عبر تاريخ المغرب، وتناقلتها الأمة جيلا بعد جيل، وورثها الخلف عن السلف، حتى سارت واقعا مُتأصلا.

وهذه الثوابت هي حيّة في ضمير كل المغاربة، بل هي جزء لا يتجزأ من تراثنا وهويتنا وديننا، فهل يمكن اليوم، وبعد 12 قرن، أن نتنكّر لهويتنا، أو أن نتنكر لِما قام به رجالات التصوف في هذا البلد الأمين مُقابل تيارات دخيلة ! أو أن نتنكر لِما قام به الرواد من علماء القرويين من صيانة هذا الموروث عن السلف وحمايته من الضياع والتلف…

وكما هو معلوم، فقد ساهم العلماء في هذا البلد الأمين منذ فجر الإسلام بقسط وافر من تحمل المسؤولية والقيام بالواجب من أجل تحصين الأمة والحفاظ على ثوابتها… لذلك فالرابطة المحمدية للعلماء تعمل على إحياء ما قام به الرواد من علماء الأمة، وعلى إبراز وصيانة ثوابت ودعائم التدين المغربي بمختلف تجلياته الحضارية، والتي وحّدت المغاربة عبر تاريخهم العريق…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق