مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

توطئة

 

يعد المغرب من أهم البلدان التي انطلقت منها ينابيع أغلب الطرق الصوفية، بما تمثله من قيم أخلاقية رفيعة مستمدة من الكتاب والسنة.

من هنا تأتي عناية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كمؤسسة دينية منذ إحداثها، بالشأن الصوفي ببلادنا، إيمانا منها بعراقة التاريخ الروحي، واعترافا بالإسهام القيم للمنهج الصوفي المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة، عبر التاريخ الإسلامي، في بناء مجتمع الإسلام وحضارته؛ ولا أدل على ذلك من تلك الملتقيات الصوفية والندوات الوطنية والدولية التي تنظمها، والبرامج الخاصة التي تبثها وسائل الإعلام، مساهمة منها في إحياء دور الزوايا والطرق الصوفية وتشجيعها، فهي منارات إشعاع روحي وحضاري، رسّخها المغرب على مدى تاريخه الطويل.

وفاءٌ للتوابث الوطنية:

– “… ظل وطننا منبتا للتصوف: يُخرِّج العلماء العاملين، الذين يرجع لهم الفضل في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية في بلدان القارة الإفريقية، وكان هؤلاء العلماء العاملون يتحملون مشاق الرحلة، ومصاعب الغربة، لزرع الطمأنينة في النفوس، فارتبط اسم المغرب والمغربي في ذاكرة الإفريقي بالشيخ، المربي، المعلم، الأستاذ، المصلح، الطبيب الروحي…، كالعهد به منذ غابر العصور…، يعبر عن التوابث في شخصية المغرب الأصيلة، (عقيدة، ومذهبا، وسلوكا). وهي التوابث التي عناها الإمام ابن عاشر في المرشد المعين بقوله:

                 في عقد الأشعري وفقه مالك     وفي طريقة الجنيد السالك

وتمضي الأيام والسنون، ويظل المغرب وفيا لهذه التوابث، منافحا عنها، من حيث هي عناصر تضمن استمرار عطائه وأصالته، مذهبه المالكي، وعقيدته الأشعرية، وتصوفه السني النقي”.

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق).

مجلة دعوة الحق، العدد 254/ربيع الثاني- جمادى الأولى 1406ھ/يناير- فبراير1986م، ص: 3.

 

التصوف بحرٌ لا يدرك غوره:

– “إن التصوف درجة من النضج الفكري والصفاء الروحي، لا يصل إليها الإنسان إلا عندما يطل على مشارف الفهم الصحيح لطبيعة الكون ونظامه وسبب وجوده والغاية منه، وموقع الإنسان في هذا الكون وفي هذا النظام، وصلته بالخالق، فيؤمن بالله بكل ما تدل عليه صفاته وأسماؤه، ويستسلم لتدبيره، ويرضى بقضائه، ويخلص التوكل عليه، ويشعر بأنه في حرزه وأمنه، ويعلم أن الله ما أحل له شيئا إلا وفيه خير، وما حرم عليه شيئا إلا وفيه شر، فيأتي ما أحل الله له، ويجتنب ما حرمه عليه، لمجرد علمه بحكم الله طاعة لله، ودون تعلق بالأسباب والعلل، ولا بالمنافع والمصالح، ويتم له صفاء الروح ونقاؤها، وجلاء النفس وشفافيتها، وطهارة القلب وانشراح الصدر، واتقاد البصيرة وزوال الغُبْشَة عنها، بإخلاص العبادة والمواظبة على ذكر الله، والمحافظة على الصلوات، والمداومة على تلاوة القرآن وتدبر أسراره، والاقتباس من أنواره، فإذا تم للإنسان ذلك كله، فإما أن تحصل له نفرة من الدنيا ومن الناس، وزهد في أمور الدنيا وخوف وفزع من الوقوع في المحظور، فينطوي على نفسه، وينصرف بكليته إلى التأمل والعبادة مع القعود، فيكون قد أخطأ طريق التصوف الحق، وفوّت على الأمة النفع المرجو من أمثاله، وإما أن يمتثل قول الله تعالى: ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون﴾، وقوله: ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾، وقوله: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾.

فإن امتثل لهذه الآيات ومثيلاتها التي تحض على العمل والسعي والتعاون مع الناس وطاعة أولي الأمر في تنفيذ سياسة النماء والازدهار الاقتصادي، والإصلاح الاجتماعي، وتعلم العلوم وتعليمها ونشرها، وغير ذلك مما فيه صلاح أمور الدنيا وسعادة البشر وقوة المسلمين وعزتهم ونجاح الفرد في الحياة ومشاركته الفعالة في التنمية…”.

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق).

مجلة دعوة الحق، العدد 254/ربيع الثاني- جمادى الأولى 1406ھ/يناير- فبراير1986م، ص: 16.

 

التصوف علم وعمل:

– “وهذه الغاية السامية، والمرتبة العالية هي ما قصده أشياخ الطرق الصوفية عندما وهبوا حياتهم لتربية الإنسان ولدفعه للإسهام فيما فيه عزة الإسلام والمسلمين، وهي الهدف الأسمى الذي تهدف إليه الطرق الصوفية الحقة جميعها.

إن الصوفية ليست طرقا للانزواء في الزوايا، وإنما هي طرق لتزويد الإنسان بطاقة الإيمان وتوجيهه للعمل النافع وللصلاح والإصلاح”.

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق).

مجلة دعوة الحق، العدد 254/ربيع الثاني- جمادى الأولى 1406ھ/يناير- فبراير1986م، ص: 17.

 

الزوايا بالمغرب: مدارس ورباطات:

– “إن كبريات الزوايا في المغرب كانت عامرة بالعلماء، وكانت فيها خزائن الكتب، وكانت مراكز للتربية الصوفية وتلقين العلوم، وفي نفس الوقت كانت رباطات للجهاد، وشارك مشايخ هذه الزوايا وأتباعهم مشاركة عظيمة في حماية ثغور بلادنا، والمحافظة على وحدتها الترابية، والإبقاء على رايتها عالية سامية، وأسهم الصوفية في بلادنا وفي جميع البلدان الإسلامية إسهاما كبيرا في حركات الإصلاح الاجتماعي وفي مختلف الحقب التاريخية، لأن الزوايا كما قلنا لم تكن ملجأ للعجزة ولا للقاعدين، وإنما كانت مدرسة لتخريج العلماء العاملين والدعاة الصالحين المصلحين”.

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق).

مجلة دعوة الحق، العدد 254/ربيع الثاني- جمادى الأولى 1406ھ/يناير- فبراير1986م، ص: 17.

 

خدمة مؤسسة الزوايا للإسلام وللمسلمين:

– “بقي المنصفون يشهدون بأن التصوف طاقة إيمانية قوية وضرورية للأمة، ويعترفون بأن الزوايا أدت خدمة جليلة للإسلام، وما زالت قادرة على أداء خدمات أخرى ربما لا يقوم بها غيرها من المؤسسات، وأنه لا بد من إعادة الاعتبار لها ولأهلها، والاعتراف لها بالجميل، وتيسير السبل لها لمواصلة رسالتها وأداء أمانتها، وقد بذلت جهودا مخلصة في هذا السبيل، فأعطت ولله الحمد ثمارها الطيبة…”.

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق).

مجلة دعوة الحق، العدد 254/ربيع الثاني- جمادى الأولى 1406ھ/يناير- فبراير1986م، ص: 17.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق